زيارة ماكرون للجزائر: هل تساهم في انفراج العلاقات بين الدولتين وإحياءها؟

مروة سماحة حشيش

 اعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السفر إلى الجزائر الأسبوع المقبل,  مؤكدًا أن الزيارة الرسمية ستتم في الفترة بين 25 إلى 27 من أغسطس الجاري, وستكون زيارة هذا الاسبوع هي الثانية للرئيس الفرنسي للجزائر, بعد زيارة قصيرة  في ديسمبر 2017 عقب بداية ولايته الأولى ؛ وذلك على صدد توطيد العلاقات بين الدولتين وتعميق التعاون الفرنسي الجزائري في مواجهة التهديدات الإقليمية والعالمية ومواصلة العمل على معالجة الماضي.

الملفات  المتوقع تناولها أثناء الزيارة

شهدت العلاقات الجزائرية الفرنسية الفترة الأخيرة  تذبذبًا واسعًا مابين التوتر والتهدئة, كما أيضًا نهجت الجزائر سياسة الندية في علاقاتها مع فرنسا, وكان لملفا الذاكرة و الهجرة  صدى واسع مؤثر في ارتطام العلاقات الثنائية بين الدولتين في 2021, ويشكلا قضايا خلافية بين الدولتين ومن المتوقع بشكل كبير إجراء مباحثات في تلك القضايا أثناء الزيارة، فضلًا عن القضايا التوافقية المتوقع مناقشتها بين الطرفين على غرار كل ما يتعلق بملف توريد الغاز الجزائري وقضايا الأمن في منطقة ساحل الصحراء، فضلًا عن ملف التأزم السياسي بين كل من الجزائر والمغرب وأسبانيا، وسيتم التطرق لتلك القضايا بشكل وافي فيما يلي.

أولًا: القضايا الخلافية المقترح البت فيها أثناء الزيارة

ملف الذاكرة

يعد ملف الذاكرة حجر الزاوية في العلاقات الجزائرية الفرنسية,  فوفقًا للقانون الفرنسي فإنه يوجب رفع السرية عن مجمل الوثائق بعد 50 سنة من حدوثها,  فمنذُ 2012 على شطرة  مرور 50 عامًا على الاستقلال الجزائري وانتهاء اتفايقة إيفيان( 1962: 2012),  والجزائر تطالب فرنسا بكشف الستار عن الأرشيف وحق الشعب في معرفة تاريخه , ووجوب الاعتذار الفرنسي عما بدى منه من عنف وسفك دماء وقتل أبرياء, والتجارب النووية فضلًا عن تعويضات عن الأرواح التي مزقها الاحتلال الفرنسي.

وفي هذا الإطار, فقد وصلت العلاقات الثنائية بين فرنسا والجزائر في أكتوبر 2021 إلى حد الاحتدام بعد تصريحات ماكرون ضد الجزائر؛  فقد أنكر ماكرون مصداقية ملف الذاكرة وأبان أنه ليس إلا حيلة خبيثة من النظام العسكري الجزائري لبث الضغينة والكراهية في نفوس الشعب الجزائري إتجاه فرنسا, مؤكدًا على عدم وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار, وهذا ما زاد الطينة بلة وأثار غضب الجزائريين, للحد الذي جعل الجزائر تستدعى سفيرها في باريس احتجاجًا على تلك التصريحات يوم 2 أكتوبر الماضي.

وتجدر الإشارة  إلى أن السبب وراء تصريحات ماكرون إزاء ملف الذاكرة كان مُنبَعِث من رغبته في حشد تعبئة سياسية من جانب اليمين الفرنسي المتصاعد لدعمه في انتخابات فترته الرئاسية الثانية من خلال الإعلاء من السيادة الفرنسية بتمجيد الاستعمار. ولكن الغضب الشديد من اليساريين في فرنسا والجزائر جعله ينعطف عن تلك التصريحات ويقدم إعتذار إلى الجزائر وشعبها.

وقد نتج عن ذلك بصيص من الانفراج في العلاقات بين الدولتين وتم إعادة السفير الجزائري إلى فرنسا مرة أخرى بعد ثلاثة أشهر من استدعاءه. علاوة على ذلك, فقد عادت دبلوماسية الهاتف بين الدولتين بعد انقطاع أربعة أشهر.

في هذا الصدد, فهناك ترقب كبير من جانب الجزائر بفتح ذاك الملف, ولاسيما بعدما أكد قصر الإليزية على حرص فرنسا على معالجة الماضي, أملًا في أن تقدم فرنسا اعتذار عما بدر منها خلال الحقبة الاستعمارية الدامية للجزائر, وتقديم تنازلات وتعويضات عما فعلت؛  ففرنسا لم تدخل الجزائر بالورود بل بالأسلحة, فقد شهدت البلاد في ظل الاحتلال كل وسائل القمع, والابادات الجماعية,  وسياسة الأرض المحروقة,  فضلًا عن سياسة التجارب النووية, فقد كان الاستعمار الفرنسي أشد استعمار عرفه التاريخ؛ فهو استعمار استيطاني أراد ابادة شعب بإكمالة.

ملف الهجرة والتأشيرات

بعد أيام معدودة من أزمة الذاكرة وتوتر العلاقات, صرحت وسائل الاعلام الفرنسية بوجود قرابة 8 آلاف جزائري على الأراضي الفرنسية بشكل غير قانوني, وتم الكشف عن التوجه الفرنسي نحو ترحيلهم. وحيال ذلك, فقد وصف الرئيس تبون هذا التصريح بكذبة القرن وأن عدد المقيمين بفرنسا بشكل غير قانوني عددهم الحقيقي هو 94 جزائري فقط, وأكد ذلك بملفات من باريس إلى الجزائر بخصوص ذلك الموضوع. واتهم تبون ماكرون بالتلاعب والغش لكسب أصوات من اليمين المتصاعد في حملته الانتخابية الثانية. وإثر ذلك, فقد قلصت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين بنسبة 50% في سيبتمبر 2021, بحجة أن الجزائر رفضت التعاون في ترحيل 8 آلاف مهاجر غير نظامي مقيم في فرنسا, وطالت هذه القرارات المغرب وتونس. ومازال الأمر متأزم في تلك المسألة والجميع على أمل أن تكون زيارة ماكرون للجزائر انفراجًا لتلك العقدة.

من المتوقع بشكل كبير أن يتم التطرق إلى مسألة الهجرة وزيادة عدد التأشيرات للجزائر بحكم العلاقات الإنسانية التاريخية بين الدولتين, فعلى صدد كل من اتفاقية إيفان 1962 واتفاقية 1968, أصبح الجزائريون لديهم امتياز حق التنقل والإقامة بين الدولتين, ومن المتوقع أن تقترح فرنسا حل وسط لتلك المسألة والأخذ في الحسبان اليمين المتطرف البارز في فرنسا وتضرره الشديد من المهاجرين.

ثانيًا: الملفات محل التوافق المقترح طرحها أثناء الزيارة

هناك العديد من الملفات  المتوقع مناقشتها والبت فيها إبان تلك الزيارة, على النحو التالي:

ملف الغاز الجزائري

تكاد تكمن الدلالة الرئيسية وراء تلك الزيارة هي حاجة فرنسا إلى الغاز الجزائري  في ظل قرب فصل الشتاء وأزمة الغاز المخيمة على العالم نتاج الحرب الروسية الأوكرانية , فالغاز بالنسبة لفرنسا طوق نجاة, ويتصدر ملف الطاقة وإمكانية زيادة توريد الغاز لفرنسا أجندة زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر. ومن هذه الناحية, فالجزائر أيضًا تسعى بشكل كبير إلى الانفتاح الاقتصادي والاستفادة اقتصاديًا من إحياء العلاقات بينها وبين فرنسا.

ومن المتوقع أن تضخ فرنسا استثمارات ضخمة, للتنقيب عن حقول غاز جديدة لزيادة إمداداتها وإمدادات الاتحاد الأوروبي, وهذا المنعطف مرتبط بتحسن العلاقات بين الدولتين. ومن ذاك المنطلق, هناك تقارير إلامية أبانت عن مساع أوروبية لإحياء لإعادة تشغيل خط أنابيب غاز ميدكات الرابط بين فرنسا وأسبانيا والذي تم التخلي عنه بسبب الخلافات بين مدريد وباريس على تمويله.

اصلاح العلاقات بين كل من اسبانيا والمغرب والجزائر

 تمثل الصحراء المغربية السبب الخفي وراء توتر العلاقات وتأزمها الدبلوماسي بين كل من الجزائر ودولتي المغرب واسبانيا؛ فأسبانيا داعمة لسيادة المغرب على الصحراء المغربية وهذا الأمر يثير حفيظة الجزائر بشدة, وتعرب التكهنات عن أن ماكرون سيبادر بالمساعي الحميدة لإزابة الصراعات التى تهدد استقرار غرب البحر الأبيض وتشكل مصدر قلق للإتحاد الأوروبي بشكل خاص. ومن المتوقع أن يقوم ماكرون بالمبادرة بقمة في باريس تجمع كل من الدبلوماسيين الجزائريين والمغاربة والأسبان على أمل للوصول إلى تسوية فيما بينهم, وستكون تلك القمة هي الأولى من نوعها في تلك القضية, ولكن هذا الأمر غير مٌبشر بالنجاح؛ بسبب تعنت أمير المغرب بأحقيته على الصحراء المغربية, فسياسته اتجاة تلك المسألة لا تعرف التفاوض.

قضايا الأمن في منطقة ساحل الصحراء

من المتنبأ به في تلك الزيارة, حدوث مباحثات بخصوص قضايا الأمن في منطقة ساحل الصحراء وخاصة الحركات الإرهابية التي تهدد المنطقة وأمن الجزائر, ومن المتوقع أن تساهم فرنسا بحلول وآليات حتى تستعيد تموقعها في تلك المنطقة مرة أخرى وتحظى بثقتها, بعدما انسحبت من مالي ووصف العالم ذاك الانسحاب بالفشل الحتمي, كما أيضًا أصبحت فرنسا كيان غير مرغوب فيه بالنسبة لمالي ودول أخرى بأفريقيا.

من خلال ما تقدم من معطيات وتكهنات بشأن زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، يمكن استنباط أن الدلالة الرئيسية وراء تلك الزيارة تكاد تكون حرص الجانبين على تحقيق ما يرتبط بهم من مصالح. فبالنسبة لفرنسا، تأتي هذه الزيارة في سياق حرص فرنسا على تحقيق مصالحها الاقتصادية، ولاسيما تلك المرتبطة بتوريد الغاز الجزائري في ظل أزمة الغاز المتورطة فيها  البلاد فضلًا عن، قلقها  بشأن احتمالية وجود تحالف روسي جزائري يهدد مصالحها في المنطقة، فالجزائر طوق النجاة الاقتصادية بالنسبة لفرنسا، لذا فمن مصلحة فرنسا إحياء وانفراج العلاقات مع الجزائر، للحد من آثار أزمة الغاز ولإحياء تموقعها الجيوسياسي مرة أخرى في ساحل الصحراء. وعلى صعيد آخر،  فتعد تلك الزيارة نافذة أمل لدى الجزائر ولاسيما فيما يتعلق بملفا

الذاكرة والتأشيرات، فضلًا عن انفراج التأزم الدبلوماسي بينها وبين كل من المغرب وأسبانيا من خلال الوساطة الفرنسية والمباحثات المتوقعة في ذلك الملف.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات مفتاحية