القرن الأفريقي على أبواب جفاف مدمر ومجاعة قاتله

الجفاف يضرب استقرار القرن الأفريقي

إعداد: مروة سماحة

القرن الأفريقي على أبواب جفاف مدمر ومجاعة قاتله

المقدمة

دائمًا ما يُصاحب الجفاف نُشُوب الصراع وتأجُّجه داخل القارة السمراء، ولا سيما منطقة القرن الأفريقي، فمن قبيل اقتران تلك البقعة بالحرب الأهلية، وما خلَّفته من أزمات «لجوء، وتشرُّد، ومجاعة»، فقد ارتبط اسمها كذلك  بكوارث  التغيُّر المناخي،  وما أسفر عنه من حركات نزوح، وأزمات «غذائية، وصحية» طاحنة، وقد ساهم افتقار دول المنطقة للقدرات المؤسسية «التنظيمية، والتعبوية» إلى تفاقُم الآثار؛ الناجمة عن جوائح التغيُّر المناخي، فضلًا عن مناخ الصراع في تلك المنطقة.

وفي الوقت الراهن، بات القرن الأفريقي يعيش حالةً من الجفاف المُروِّع الأول من شاكلته؛ فلم تشهد أراضي المنطقة أمطارًا سوى نُدْرةٍ منها على مدار أربعة مواسم متتالية، وكان لذلك الحدث آثاره الجسيمة على المنطقة، من أزمةٍ في الغذاء، وعدم الاستقرار، علاوةً على ذلك، فقد زادت آثار كُلٍّ من «كوفيد 19، والحرب الروسية الأوكرانية» من حِدَّة انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، فضلًا عن الفشل الحوكمي، والنزاعات بالمنطقة.  

تكهُّنات الأمم المتحدة تضرب بمستقبل القرن الأفريقي عرض الحائط

وفي سياق موجة الجفاف المرتطمة بالقرن الأفريقي، تكهَّنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التابعة للأمم المتحدة، باستشراء جفاف مدمر، على وشك الاصطدام بالقرن الأفريقي، مُحذِّرةً بكارثة إنسانية لم تُسْبَقْ، وقد صرَّحت، بأن هذا الجفاف – من نوعٍ خاصٍ- لم تشهده المنطقة من قبل؛ فهو الأطول منذُ أربعين عامًا؛ وذلك بسبب شُحِّ هُطول الأمطار لأربعة مواسم حتى الآن، والتي تسبَّبت في نُفُوق الملايين من رؤوس الماشية، وتدمير المحاصيل، والنزوح القسري، لأكثر من 1.1 مليون؛ بحثًا عن «الماء، والغذاء»،  ووفقًا لذلك الاستشراق، فمن الوارد أن يزيد عدد النازحين بشكلٍ واسعٍ، ويقع نحو 20 مليون فرد فريسةً للمجاعات،  وتحدث فوضى، تمحق استقرار المنطقة.

وقد دعت منظمة «الفاو» في شهر يونيو الماضي، إلى جمع 172 مليون دولار؛ للمساعدة على تجنُّب حدوث كوارث، بمنطقة القرن الأفريقي، في أكثر المناطق تأثُّرًا بالجفاف، في القرن الأفريقي، وهما: «إثيوبيا، والصومال، وجيبوتي، و كينيا».

إلى أيِّ مدى تأثَّرت دول القرن الأفريقي بالجفاف؟

أولًا إثيوبيا:

ويْلات الجفاف ليست بشيءٍ مستثنى على إثيوبيا، فاقتصاد «أديس أبابا» يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على القطاع الزراعي، الذي يمثل قرابة 43% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو80% من صادراتها؛ لذلك فإن إثيوبيا شديدة الحساسية، بـ«شأن الجفاف، وتغيُّر منسوب هُطول الأمطار»، وفي هذا الإطار، فقد تعرَّضت إثيوبيا إلى جفافٍ قاسٍ، أوْدَى بالبلاد إلى الوقوع في أزمات غذائية متواترة، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وكانت مجاعة «1983» أكثر حوادث الجفاف فجاعةً، فقد ألقت بحتْف حوالي مليون فردٍ، وظلَّ شبح الفساد يُعيد نفسه مرةً تِلْوَ الأُخرى؛ فقد خيَّم على البلاد سنة 2010، ثم عاد بفوضته مرةً أخرى، سنة 2014؛ ليتجدد في 2016، ثم في 2019 حتى الآن، مهددًا الاقتصاد الريفي، بأزمة طالت أغلب السكان التي تعتمد على النشاط الزراعي وتربية المواشي.

وفي ضوْء التكهُّنات بزيادة وتيرة حِدَّة الجفاف وتصاعُدها، فإن ذلك سيأتي بالويْلات على إثيوبيا، وسيجعلها على شفا حفرة من مجاعات «تراجدية»، لم تشهدها من قبل، عوضًا عن الصراعات والحرب على الموارد، وفي هذا الصدد، ترقَّب مراقبون بتصاعُد حِدَّة الصراع بين «إثيوبيا، ودولتي المصب “مصر، والسودان”»، فيما يخص مسألة «سد النهضة»، في ظلِّ سنوات الجفاف القاسية التي ستعيشها إثيوبيا؛ فسينخفض منسوب المياه في النيل الأزرق، إلى 31 مليار متر مكعب؛ ومغبة ذلك نُشُوب صراعٍ مُتَأَجِّجٍ بين الدول الثلاث على تلك الكمية المحدودة. 

ثانيًا الصومال:

يعتبر الصومال أكثر دول القرن الأفريقي تأثُّرًا بالتغيُّرات المناخية التي تشهدها المنطقة، وخاصة الجفاف، وكان هذا السبب المحوري ضمن أسباب تصدُّرِه قائمة الدول الفاشلة طوال السنوات الماضية؛ فقد جعل الجفاف السودان منطقةً أكثر هشاشة؛ فجاء ليهدد «الأمن الغذائي، والاقتصاد السوداني»، القائم على الرعي، بشكلٍ بالغٍ، فاتحًا مصراعيه للمجاعات القاسية، والصراع بين القبائل الرعوية، مهدِّدًا ملايين القانطين بالنزوح القسري؛ لاشباع احتياجاتهم من «الماء، والغذاء».

للصومال تاريخٌ أجشُّ مع المجاعات، فقد شهد الصومال مجاعةً مُميتة على أعتاب التسعينيات؛ جرَّاء كُلٍّ من «الجفاف، والحروب الأهلية»، التي فاقمت من آثار الأول، وصنّفت تلك المجاعة بأفجع مجاعة شهدها القرن الأفريقي، فقد أوْدت بحياة مايقْرُب من 300 ألف شخص، وتسبَّبت في تشريد نحو 300 ألف صومالي، وعاد مرَّةً أُخرى، مُكشِّرًا عن أنيابه في مُسْتهلِّ عشرينيات القرن الحالي؛ فقد أدَّت المجاعة التي استمرت بين عامي «2010 إلى 2011» إلى إزهاق مايقْرُب من 258 ألف روحٍ، من بينهم 133 طفل دون سنِّ الخامسة، وذلك وفقًا لمنظمة «الفاو»، التي صرَّحت أيضًا، بنزوح نحو مليون فردٍ؛ تأثُّرًا بالأزمة الغذائية.

والآن يعيش الصومال أزمةً غذائيةً حادةً، منذُ 2019، وهي الأطول من نوعها، ولا يُوجد بصيصٌ من الأمل منبثقٌ من البلاد؛ لتحدث انفراجة، بل إن الوضع يُؤْذِن بمزيدٍ من التأزُّم، وسلسال لم يُسْبَق بَعْدُ من المجاعات، وعلى أثر ذلك، يعاني نحو 5.6 مليون شخص، من انعدام الأمن الغذائي، ولا يستطيع 2.8 مليون شخص، تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ بسبب «الجفاف، والجماعات الإرهابية» بالمنطقة، وفي هذا الصدد، أثَّرت الأوضاع الاقتصادية العالمية بشكلٍ أكثر من مُضَاعَف على الوضع في الصومال؛ لدرجةٍ جعلت رئيسها «شيخ محمود»، يعلن بدخول بلاده بشكلٍ رسميٍّ في قبضة مجاعة، راجيًا الهيئات «الدولية، والمحلية»، بالاستجابة السريعة.

ثالثًا جيبوتي:

 تُعدُّ جيبوتي من أكثر دول القرن الأفريقي تأثُّرًا بالتغيُّرات المناخية، ولا سيما الفيضانات والسيول، وذلك تبعًا لموقعها الجغرافي، المُطلّ على السواحل الواسعة، وفي ظلِّ الجفاف المُخيِّم على المنطقة، لم تستطع جيبوتي الإفلات من قبضته، فوقعت هي الأخرى طريدةً بين أنيابه، بحلول سنة2010، وأخذت تعاني من انعدام الأمن الغذائي، ونقص الموارد وإتلافها، فضلًا عن التقلُّبات الحادة في الأسعار التي خلَّفتها «الصراعات الإقليمية، والأزمة الاقتصادية العالمية»، ويعتبر سكان الريف بجيبوتي هم الأكثر تضرُّرًا من الجفاف، ولم يعودوا قادرين على الوصول للخدمات الأساسية من «تغذية، وصحة، وتعليم».

رابعًا إريتريا:

شهدت إريتريا تأزُّمًا مناخيًّا، بدايةً من الألفية الحالية، وكان ذلك سببًا في مناداة الأمم المتحدة، الدول المانحة؛ لتوفير الأموال؛ لمساعدة نحو 1.7 مليون إريتري، يواجهون عجْزًا في عام 2004، وفي العام التالي، أعلنت منظمة «الفاو»، أن ما خلَّفه الجفاف على إريتريا منذُ خمس سنوات، ترك بصمات كارثية، أدَّت إلى انتشار «الفقر، والمجاعات»، كما ذكر التقرير، أن أكثر من 60% من السكان؛ أيْ قُرَابة 2.3مليون إريتري، يعتمدون بشكلٍ كاملٍ على المعونات الغذائية الخارجية؛ للبقاء على قيد الحياة.

وعلى وتيرة موجات الجفاف، التي تتالت على منطقة القرن بين عامي «2010، 2012»، أبانت منظمات دولية، أن اثنين من كل ثلاثةٍ بإريتريا يعانون من الجوع، فضلًا عن ذلك، فقد تسبَّب الجفاف في تدمير الحزام الزراعي الإثيوبي، خاصةً أن تلك المنطقة لا تعاني من الجفاف فقط، بل تعاني أيضًا من «التصحُّر، ودرجة الحرارة المتزايدة، وفقر المزارعين»، الذي يدفعهم إلى ترك النشاط الزراعي.

خامسًا كينيا:

كينيا تشهد جفافًا من نوْع منفردٍ بالنسبة لقسوته في شمالها، الذي يقطنه نحو 4 ملايين مواطن، وقد أثَّر ذلك بشكلٍ كبيرٍ على الأمن الغذائي بتلك المنطقة، فأصبحت مهددةً  بالمجاعة، وبات سكان تلك المنطقة يعيشون على اقتتاء التُّوت البري فقط، وتلك الأزمة لم تلقَ اهتمامًا جديرًا بالذكر من الحكومة الكينية، فباتت منشغلةً بالصراعات حول الانتخابات، والعمل على تهدئة الأوضاع غير المستقرة.

وبالرغم من توقُّع البنك المركزي الدولي، بأن الجفاف سيُوقف مسيرة كينيا نحو التعافي من الأزمة الاقتصادية؛ الناتجة عن ما خلَّفه كل من «كوفيد 19، والحرب الروسية الأوكرانية»؛ بسبب ما يعانيه الشمال من جفاف، إلا أن الأجندات الانتخابية للمرشحين لم يكن بها أي بروتوكول خاص بمواجهة المناخ، بما فيهم الرئيس الفائز بالانتخابات «روتو».

الخاتمة:

بالرغم مما يعانيه القرن الأفريقي من تغيُّرات مناخية، ولعنة جفاف، تمَّ التوقُع بتصاعُد حِدَّتها في السنوات المقبلة؛ لتسفر عن وقوع حوالي 20 مليون شخص، تحت قبضة مجاعةٍ كارثيةٍ غير مسبوقة، إلا أن قادة القرن الأفريقي لم يوجهوا اهتماماتهم ومواردهم إلا للانهماك في صراعات وحروب غير مُجْدِيَة، بل تزيد «البلَّة طينة» في البلاد، غير مُبَالين بخطر الجفاف وآثاره الوخيمة، وما يُخبِّئُه المستقبل من كوارث مُفجعة، وتلك هي المُعْضِلَة الأساسية في منطقة القرن الأفريقي، ألا وهي تقاعُسُ القادة، ومحدودية إدراكهم للمستقبل وتبعاته، ولا سيما أن الجفاف وويْلاته ليس بشيءٍ مُسْتَحْدَثٍ على المنطقة، بل سبق وشهدته عدة مرات، وبناءً على ما سبق، يستوجب على حكومات القرن الأفريقي، التعاوُن فيما بينهم، والعمل على تصفية الخلافات، وتوحيد الجهود، وذلك من شأن تقليل حِدَّة تداعيات الجفاف التي يُنْذِرُ بها المستقبل.

ووفقًا لأزمة «سد النهضة» بين كُلٍّ من «إثيوبيا، ودولتي المصب “مصر، والسودان”»، في ظل الجفاف المُتَكَهَّن به في النيل الأزرق، فمن المُلزم وجود اتفاقٍ بين الدول الثلاث، مُحدِّدًا أولوية الحصول على المياه، وكيفية تقسيمها؛ لتفادي سلسلةٍ غير متناهيةٍ من الصراعات، الخاصة بـ«البقاء، والأمن المائي».

كلمات مفتاحية