قراءة حول مصير المحادثات النووية

قراءة حول مصير المحادثات النووية

إعداد: رضوى الشريف

قراءة حول مصير المحادثات النووية

تتضارب الأنباء والتقارير مؤخرًا، حول الاقتراب من إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني بين «طهران، وواشنطن»، أو استبعاده بالكامل؛ بفعل الضغوطات الإسرائيلية المتواصلة على إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وحديث «واشنطن» عن رفض إيران لبعض الشروط الأمريكية، فيما لم يعلن أيّ من الأطراف، انسحابه من طاولة المفاوضات حتى الآن.

و تشهد العلاقات بين «الولايات المتحدة، وإيران» توتُّرًا يُضاف إلى التوتُّرات التي لم تستطع المفاوضات غير المباشرة في «فيينا» تخفيفها أو تجاوُزها، فقد اعتبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، الجمعة 9 سبتمبر، أن الردَّ الأخير لإيران، في شأن إحياء الاتفاق حول برنامجها النووي، يُمثِّل خطوةً «إلى الوراء».

في هذه الأثناء، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، الجمعة 9  سبتمبر، عقوبات على وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، ووزيرها؛ بناءً على اتهامات بصلتهم بهجومٍ إلكترونيٍّ، وقع في 15 يوليو، على ألبانيا، والضلوع في أنشطة اختراق إلكترونيٍّ، عبر الإنترنت ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

وفي الأسابيع الماضية، بدا أن المفاوضين الأوروبيين يُحقِّقُون تقدُّمًا في اتجاه إحياء اتفاق عام 2015، لكن درجة التفاؤُل تراجعت، عندما أرسلت إيران ردَّها حول النص المقترح النهائي لـ«واشنطن»، عبر الاتحاد الأوروبي، والذي قامت «واشنطن» بدورها، بالرد على لسان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، واصفةً إيران، بأنها عادت خطوةً «إلى الوراء» في المحادثات النووية، هذا بجانب التشكيك الأوروبي، الذي أعربت عنه «باريس، ولندن، وبرلين» حديثًا، حول مدى جِدِّيَّة إيران إزاء إحياء الاتفاق، وقامت «طهران» في المقابل، برفض ذلك التصريح، ووصفته بأنه «غير بنَّاء»، بينما وصفته، بأنه «جاء في وقتٍ غير مناسبٍ تمامًا».

وتضع «طهران» مطالب حازمة على مائدة المفاوضات، والتي يأتي على رأسها، إلغاء العقوبات، وهناك 4 شروط أساسية، كان قد حدَّدها الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، سابقًا، هي: «ضمانات مطمئنة بعدم الانسحاب من الاتفاق، وتحقُّق «موضوعي، وعملي»؛ لرفع العقوبات بشكلٍ كاملٍ، ورفعها الدائم والمستمر، وإغلاق ملف المطالبات السياسية المتعلقة بالضمانات».

بناءً عليه؛ يمكن الذهاب – باحتمالٍ كبيرٍ- إلى أن المُعْطَيات الأخيرة، التي أشارت إلى قُرْب توقيع بروتوكول العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران غير صحيحة، إذا لم تكن غير دقيقة… فلماذا وصلت الأمور إلى هذه النقطة «عدم حصول اتفاق»؟ وما المُعْطَيات التي تدفع باتجاه هذا الاستنتاج؟ ومن هو الطرف الذي لم تعُدْ تناسبه العودة إلى الاتفاق النووي حاليًّا؟ 

مواضع القوة «طهران»

ترى «طهران» أن الدول الأوروبية، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية، أصبحت الآن في موقف ضعفٍ أمام إيران، بعد تفاقُم أزمة الطاقة، وحرص هذه الدول على ملاطفة إيران؛ لدفعها على قبول الاتفاق النووي، والاستفادة من «النفط، والغاز» الإيراني، في التخفيف من حِدَّة الآثار المترتبة على أزمة الطاقة العالمية؛ جرَّاء قطْع روسيا إمدادات الغاز عن الدول الأوروبية.

وفي الواقع، يبدو أن إيران لم تعُدْ مهتمةً بالعودة إلى الاتفاق النووي، طبعًا لا يمكن قول هذا بالمطلق، ولكن أن تعود «طهران» إلى اتفاقٍ غير متين وغير ثابت، ويُلزمها بكثيرٍ من التقييدات الإستراتيجية، من دون أن يكون هناك ما تجنيه في المقابل، وعلى المستوى الإستراتيجي نفسه، فهو أمرٌ قد تكون «طهران» تجاوزته، وذلك لأسباب عديدة، يمكن تحديد أهمها بالتالي:

أولًا:

 فشل الإدارة الأمريكية الحالية، في إيجاد صيغةٍ تؤكد أنها قادرة على الالتزام بالاتفاق، وبعدم الخروج منه، كما حصل سابقًا مع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وهذا الأمر ليس بالضرورة أن يكون نتيجة عدم رغبتها في تقديم هذا الالتزام، بل بسبب عدم ثقتها في:

  • قدرتها على حماية هذا الاتفاق أمام معارضيه في «الكونجرس» وفي خارجه، ولا سيما اللوبي الصهيوني، صاحب التأثير الكبير في الإدارة، وفي «الكونجرس» بشكلٍ عامٍ.
  • محافظتها على الحكم والبقاء في البيت الأبيض، وبالتالي، حمايته على المستويات التنفيذية داخل الإدارة.

لذلك ربما اكتشفت إيران، أن ما طرحه الأوروبييون سابقًا كضمانات، لا يحمل أيَّ أبعاد جِدِّيَّة، وخصوصًا أنهم كانوا، وسيبقوْن، غير قادرين على اتخاذ أيِّ موقفٍ معارضٍ، أو مناقضٍ، أو على الأقل متحفظٍ في مواجهة أيِّ إدارة أمريكية، سواء «ديمقراطية، أو جمهورية».

ثانيًا:

ترى إيران أيضًا أنها لم تعُدْ معنيّة بشكلٍ كبيرٍ بأمر العقوبات الأمريكية؛ إذ أصبح التعامل معها ومواجهتها نظام «حياة، وإدارة»، اعتادته لأكثر من 40 عامًا، بل ربما تجد صعوبةً في التأقلُم مع نظامٍ جديدٍ خالٍ من العقوبات الأمريكية.

 طبعًا، لا يمكن أن يكون هذا الأمر خياليًّا هكذا، ولكن النتيجة هي التي تؤكد ذلك، وأرقام الموازنات العامة الإيرانية للسنوات الأخيرة، وما جنته إيران «اقتصاديًّا، وماليًّا»، وما استطاعت التوصُّل إليه «صناعيًّا، وعلميًّا»، يؤكد أنها أصبحت غير معنيّة كثيرًا بوقْف العقوبات الأمريكية عليها.

 النقطة الأخرى، مرتبطة عضويًّا بالعقوبات الأمريكية أيضًا، ومتعلقة بالنفط، فقد وصلت صادرات إيران من النفط والمشتقات النفطية وكل ما يرتبط بالطاقة إلى مستويات غير بعيدةٍ بتاتًا عن تلك التي كانت قبل العقوبات، وربما تجاوزتها أحيانًا!

ثالثًا:

أيضًا، وفي إطار عدم وجود مصلحةٍ لإيران في العودة إلى الاتفاق النووي إلا بشروطها كاملة، يجب الانتباه إلى العلاقة «الروسية –الإيرانية» مؤخرًا، والتي تتقدّم بشكلٍ متسارعٍ، وعلى المستويات كافة، سواء «الاقتصادية، والسياسية، والمالية، والعسكرية»، ومن غير المنطقي، أن ترضى إيران بأن تساهم في خلْق الفرصة للغرب بالتضييق على «موسكو»، عبر مشاركتها في تأمين النسبة الأكبر من الطاقة البديلة للطاقة الروسية، والتي استطاعت «موسكو» استعمالها كسلاح فعَّال في مواجهة العقوبات والضغوط الغربية عليها؛ بسبب الحرب في أوكرانيا.

لذلك يمكن القول: إن «طهران» تبني موقفها، بناءً على تلك المُعْطَيات المقتدرة؛ لتكون متشددة، وعلى أعلى مستوى في قبولها العودة إلى الاتفاق.

الورقة الأخرى للغرب

أما بالنسبة للمُعْطَيات المرتبطة بالموقف الأمريكي، ربما هناك صعوبة في استشراف حقيقة الموقف الأمريكي من هذا الملف، بمعنى، هل الإدارة الحالية جاهزة ومستعدة لتقديم ما يُرْضي أو يُقْنع إيران بالموافقة على بروتوكول العودة إلى الاتفاق النووي، أم أن هذه الإدارة، وبمعزل عن بند الضمانات التي تبحث عنها إيران؛ لعدم تكرار انسحاب «واشنطن» من الاتفاق، غير قادرة على تسويق صفقة سيئة بالنسبة إليها وتبريرها، بحيث تخرج منها« طهران» منتصرة، فيما تخرج «واشنطن» و«تل أبيب» خاسرتيْن ومهزومتيْن؟

ولكن ما حصل حين دخل الرئيس «بايدن» على خط ترسيم الحدود البحرية بين «لبنان وإسرائيل» مباشرة، وطلب من رئيس وزراء إسرائيل، الإسراع في إنهاء هذا الملف، وإعطاءه أهميةً حسَّاسةً حاليًّا، يعادل ربما أهمية ملف أوكرانيا، أو ملف المفاوضات مع إيران، ويمكن أن نستنتج منه، أن غاز شرق المتوسط أصبح يُشكِّل ما يشبه «ورقة مهمة» في يد الغرب؛ لتأمين نسبة معقولة من الطاقة «الغاز تحديدًا» كبديلٍ من الغاز الروسي، وأن إمكانية دخول الطاقة الإيرانية الأسواق الأوروبية، مع اقتراب فصل الشتاء، كبديل للطاقة الروسية، أصبحت ضعيفةً جدًّا – على الأقل- في المدى المنظور.

ومن هنا، يمكن أن نستنتج النقاط التالية:

أولاً: أن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران مُعرقلة حاليًّا، أو مؤخرة إلى وقتٍ غير محدد.

ثانيًا: أن ملف ترسيم الحدود البحرية بين «لبنان، وإسرائيل» يتقدم بشكلٍ متسارعٍ، وإسرائيل قد توافق على مطالب لبنان، كما تسلمها الوسيط الأمريكي «آموس هوكستين».

 وهكذا، تكون إسرائيل قد تنازلت في الملف اللبناني، فتربح أولًا الهدوء وعدم التصعيد في مواجهة «حزب الله»، وتربح ثانيًا عرْقلة ملف الاتفاق النووي مع إيران، وتكون «واشنطن» قد أوجدت حلًّا معقولًا، ولو بنسبة جزئية، لملف بديل الطاقة الروسية للغرب، وتكون إيران أثبتت صلابةً في مواجهة أمريكا وحلفائها الأوروبيين، من دون أن تتنازل، وتكون روسيا قد احتفظت بنقاط وعناصر مناورة الضغط التي تمارسها حاليًّا على الغرب.

الخاتمة:

سواء انتهت محادثات «فيينا» بالتوصُّل إلى صيغةٍ جديدةٍ؛ لإحياء الاتفاق النووي القديم أم لا؟ فإن منطقة الشرق الأوسط باتت على مشارف مرحلة زمنية جديدة، أبرز احتمالاتها وأخطرها، سيكون التصاعُد المتوقع للدور الإيراني إقليميًّا.

صحيحٌ، أنه لا جديد ظاهريًّا فيما يتعلق بتوسُّع إيران، وتمدّدها في دول عربية عِدّة، ولكن الحاصل أن المنطقة تقف على أبواب منعطفٍ جديدٍ في هذه المشروع التوسُّعي، فالنظام الإيراني بات يدرك تمامًا حدود القوة الأمريكية، في التعاطي مع تهديداته، ويعرف أيضًا كيف يرد ـ وبدقة ـ على أيّ هجمات عسكرية أمريكية، تستهدف ميليشيات موالية له في بعض دول المنطقة؛ ما يعني أن حاجز الخوف قد انكسر، وبات الردُّ والردُّ المضاد واقعة متكررة في العلاقات «الأمريكية ـ الإيرانية»، وهذا بحدِّ ذاته، تطوُّرٌ نوعيٌّ فارقٌ بالنسبة لـ«طهران»، بكل ما يعنيه ذلك على تخطيط الإستراتيجيات الإيرانية.

كلمات مفتاحية