عام على الحكم … حداثة طالبان المزعومة

إعداد : أكرم السيد علي

عام على الحكم … حداثة طالبان المزعومة

عام على الحكم ... حداثة طالبان المزعومة

كان يوم الخامس عشر من أغسطس / آب من العام السابق يوما مفصليا في تاريخ حركة طالبان والعالم على حد سواء.

تلك البلد التي مزقتها الحروب وخاضت فيها الولايات المتحدة الأمريكية شوطا طويلا من الحرب المنهكة بدأت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر وامتدت لما يقارب العشرين عاما منتهية بسيناريو دراماتيكي أتاح لطالبان العودة إلى الحكم مرة أخرى ، حيث العودة إلى الوراء مجددا ، دونما أي فائدة لعقدين من الحرب على هذه الحركة.

ضوء أخضر وولادة جديدة

كان الاتفاق الموقع بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان في فبراير من العام 2020 إيذانا بولادة جديدة لحركة طالبان ، فنظرا لطول أمد الحرب الأمريكية في أفغانستان وما نتج عنها من إنفاق أمريكي كبير  يقدر ب 978 مليار دولار وخسائر بشرية بأكثر من 2300 شخصا ، كان استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب أمرا يتطلب منها إعادة النظر خصوصا بعد تراجع شعبية هذه الحرب لدى الأمريكيين وتصاعد الدعوات المطالبة بإنهائها.

وإزاء هذا الوضع خاض “دونالد ترامب” مفاوضات مع حركة طالبان انتهت باتفاق فبراير من العام 2020 ، هذا الاتفاق الذي نص على سحب ما تبقى من قوات أمريكية في أفغانستان ، وتعهد طالبان بعدم السماح للقاعدة أو أي جماعة إرهابية بأي نشاط داخل الأراضي التي تسيطر عليها ، وكذلك أن تقوم طالبان والحكومة الأفغانية بالتفاوض من أجل الوقوف على طبيعة المرحلة المقبلة وكيف سيتم إدارتها.

وبالنظر لما يجري على الأرض الآن ، فإن تلك النصوص التي شملها الاتفاق هي نصوص حالمة ومتفائلة وغير مدعمة بالخطوات التنفيذية اللازمة والتي تضمن نجاحها ، فمنذ أن بدأ دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ وبدء القوات الأمريكية في الانسحاب تدريجيا ، شهدت الأراضي الأفغانية استيلاء طالبان على المدينة تلو الأخرى حتى الاستيلاء على كابول وإسقاط حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني ، ومن ثم عودة طالبان مجدا وإعادة تقديم نفسها بأنها ستكون نسخة أكثر اعتدالا وربما حداثة عن ذي قبل.

أفغانستان طالبان.. ما الذي تغير؟

على الرغم من الصورة المتسامحة والمعتدلة التي حرصت طالبان على تقديم نفسها بها منذ عودتها إلى الحكم في العام الماضي ، وذلك لكسب التعاطف الشعبي والدعم الدولي لها ، إلا أنه بدء من سيطرة طالبان على مؤسسات الدولة الأفغانية واستقرارها في الحكم ، اتضح جليا أن ما يمارس على الأرض عكس ما روجت له طالبان تماما.

فالجدير بالذكر أنه خلال العقدين الماضيين التي تولت فيها الحكومة الأفغانية زمام الأمور ، على الرغم مما وجه للحكومة الأفغانية من انتقادات ، إلا أن أفغانستان حققت تقدما ملحوظا في مجالات عدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والإعلام وتعليم الفتيات وكذا الأوضاع الاقتصادية ، هذا التقدم الملحوظ لو صدقت نوايا طالبان بالفعل منذ سيطرتها على الحكم في أغسطس من العام الماضي لشهدت هذه المجالات مزيدا من التقديم.

إلا أن المتتبع لسلوك طالبان يدرك تماما أن طالبان التسيعينيات هي نفسها طالبان العقد الحالي ، فمنذ أن تولت الحركة الحكم مجددا ضربت باتفاق الدوحة عرض الحائط ، فلم توفي بتعداتها في الدخول في مفاوضات من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني ، وكذلك دخلت طالبان في عداء تام مع وسائل الإعلام المستقلة ، بالإضافة إلى حدوث انتكاسة في قضايا المرأة.

وفيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية ، وصفت الأمم المتحدة الاقتصاد الأفغاني بأنه في ” حالة سقوط حر “محذرة من كارثة إنسانية ، وأطلقت أكبر مناشدة على الإطلاق لتقديم مساعدات إنسانية لدولة واحدة للحصول على تمويل يبلغ 4.4 مليار دولار يقدم إلى أفغانستان للحيلولة دون تفاقم الأوضاع الإنسانية التي تعتبر الأسرع نموا في العالم في الوقت الحالي.

الأفغانيات وعودة النضال مجددا

تقلدت المرأة الأفغانية على مدار العقدين الماضيين مناصب وزارية والتحقت بسوق العمل ، هذا التقدم سرعان ما شهد تراجعا للخلف في أعقاب سيطرة طالبان ، حيث أجبرت النساء على البقاء في منازلهن ، واستبعدت النساء أيضا بشكل كبير من الوظائف الحكومية ، وقيد حقهن في السفر ، كما كان آخر قرار يتعلق بهذا المجال في مايو الماضي ، حيث أقر المرشد الأعلى لطالبان “هبة الله أخوند زاده” إلزام النساء بارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

وفي هذا السياق أشارت الأمم المتحدة بعد عام من حكم طالبان أن أفغانستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحرم الفتيات من التعليم الثانوي ، وفي نفس السياق قالت “أنياس كالامار” الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية إنه “بعد أقل من عام على استيلاء طالبان على أفغانستان ، حرمت الحركة  ، من خلال قرارتها الصارمة ، ملايين النساء والفتيات من حقهن في العيش بشكل آمن وحر”.

إن تلك الانتكاسة التي تشهدها قضايا المرأة في أفغانستان لم تقابل بالإذعان والخضوع التام لقرارت طالبان من قبل النساء.

حيث تشهد أفغانستان بين الحين والآخر خروج الأفغانيات إلى الشوارع للاحتجاح على ممارسات طالبان تجاه المرأة ، هذه الاحتجاجات دائما ما تقابل بالقمع والاعتقال من قبل طالبان ، وهو الأمر الذي أدى لهروب بعض الناشطات في حقوق المرأة خارج البلاد ، إلا أن هذه الممارسات القمعية لم تؤد إلى توقف الاحتجاجات النسائية التي تنشط بين الحين والآخر.

وأد للإعلام المستقل

في أعقاب سقوط حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني ، أغلقت العديد من وسائل الإعلام الأفغانية ، وفرضت رقابة صارمة على ما تبقى من وسائل الإعلام التي لم يطالها الإغلاق.

حيث لم تسلم وسائل الإعلام الترفيهية أيضا من هذه الرقابة الصارمة ، ولم يتوقف الأمر عند الإغلاق لبعض وسائل الإعلام والرقابة الصارمة على البعض الآخر ، بل فقد الكثير من الصحفيين وظائفهم.

فوفقا لمنظمة “مراسلون بلا حدود” فقد جرى إغلاق 43% من وسائل الإعلام الأفغانية في الأشهر الثلاثة الماضية ، مشيرة إلى أن ما يقارب أحد عشر ألف شخص “كانوا يعملون في غرف الأخبار الأفغانية بينهم أكثر من ألفين إمرأة منذ تولي طالبان الحكم في أغسطس 2021.

لكن بحلول ديسمبر من العام ذاته ، وصل هذا العدد إلى 4360 بينهم 410 إمرأة”  ، تلك الإجراءات القمعية التي مارستها طالبان تجاه وسائل الإعلام جعلت من وسائل الإعلام بمثابة عدو صريح لها يجب أن يخضع لرؤية الحركة الشمولية وإلا طالته يد الحركة القمعية.

اعتراف دولي مأمول

لا شك أنه كلما زادت حدة الأزمة الإنسانية التي تشهدها أفغانستان ، زاد سعي الحركة ورغبتها في أن يعترف بها دوليا ، وهذا من شأنه أن يخرج الحركة من حالتها الانعزالية إلى حالة أكثر انفتاحا على دول العالم وخصوصا المؤسسات الدولية المانحة.

فبالتزامن مع عودة الحركة قبل عام ، جمدت الولايات المتحدة الأمريكية 9.5 مليار دولار من أصول المصرف المركزي الأفغاني ، وهو ما يعادل نصف الناتج المحلي لأفغانستان في العام 2020 ، ومضى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تعليق تعاملهما مع الدولة الأفغانية.

إلا أن الانتهاكات التي تمارسها طالبان في الفترة الحالية فيما يتعلق بالقضايا الحقوقية لا تنذر بانفراجة حقيقية من شأنها تحرير الأموال واستنئاف المساعدات ، حيث يشترط المجتمع الدولي أن تحرز طالبان تقدما حقوقيا على الأرض مقابل الحصول على المساعدات وهو ما لم يحدث بعد.

اتفاق مع القاعدة وصراع مع داعش

كان مقتل أيمن الظواهري في أواخر يوليو في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابل بغارة أمريكية  دليلا واضحا على عدم التزام حركة طالبان بنصوص اتفاق الدوحة والذي ينص في بند من بنوده على عدم سماح حركة طالبان لأي فرد من طالبان أو الجماعات الأخرى بما فيها تنظيم القاعدة باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها وكذلك عدم استضافة أو تدريب أو تمويل أي مقاتلين من تلك الجماعات.

ولم يتوقف الأمر عند انفتاح طالبان على تنظيم القاعدة فحسب ، بل امتد إلى فتح قنوات تواصل وإيواء وتعاون بين طالبان وجماعات أخرى.

فوفقا لتقرير مركز مكافحة التطرف CEP)) عن حالة الإرهاب في أفغانستان ، ذكر التقرير أمثلة للحركات التي ينشط عناصرها هناك مثل القاعدة في شبه الجزيرة الهندية ، الحركة الإسلامية في أوزبكستان ، جماعة الجهاد الإسلامي ، الحزب الإسلامي التركستاني ، ومقاتلين من فروع القاعدة الباكستانية ، وهو ما يعني أن أفغانستان تحولت لساحة من المنظمات الإرهابية.

في المقابل، دخل تنظيم “داعش – خراسان” صراعا مع طالبان ، حيث يستغل “داعش – خراسان” تعامل طالبان مع الدول الغربية في تقليب الأفغان ضد الحركة ، وكذلك في محاولة منه لجذب عدد كبير من أعضاء طالبان الساخطين من الحركة.

ووفقا لمركز مكافحة التطرف (CEP) فإن “داعش – خراسان” طور استراتيجية تقوم على ثلاثة عناصر : بث الخوف بشن مداهمات ضد مسؤولي طالبان وقوات الأمن والاغتيالات ، وإثارة التوترات الطائفية ، ونزع الشرعية عن حكم طالبان “.

وهذه الاستراتيجية يتضح تنفيذها من خلال قيام داعش بنشر صور قتلى مسئولي طالبان ، ووصف الشيعة بكلمة “الرافضي” ، وتقديم داعش نفسه بأنه البديل الصحيح لطالبان ، ولاشك إن صراع طالبان مع داعش يصب في مصلحة طالبان ويضفي عليها شرعية تتمثل في تقديم نفسها بأنها تحارب الإرهاب متمثلا ذلك في صراعها مع داعش.

روسيا وطالبان.. البراجماتية حاضرة

على الرغم من أن روسيا لم تعترف بعد بطالبان ، إلا  أنها حريصة على فتح قنوات تواصل معها ، حيث أصدرت روسيا في مارس الماضي اعتمادا لدبلوماسي أفغاني يمثل حكومة طالبان.

كما صرح الممثل الخاص للرئيس الروسي لدى أفغانستان “كابولوف” أن “قياديي الحركة يظهرون استعداد أكبر للتفاوض عن الحكومة السابقة”.

وفيما يتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا فقد ذكر “كابولوف” أن حركة طالبان ضمنت أنها ستفعل ما بوسعها لمنع مقاتلي المنظمات الإرهابية بما فيها تنظيم الدولة من الذهاب إلى أوكرانيا ، لذا فإن هذه التصريحات الدافئة التي تغلف علاقة روسيا بطالبان في هذه المرحلة من الوارد أن تكون مرحلة ممهدة لتطبيع قادم بين ورسيا وطالبان يحتاجه الجانبين بمنطق براجماتي.

فأفغانستان ضرورية للجانب الروسي من خلال قيام روسيا بتحييدها بعيدا عن التجاذبات الروسية الأميريكة في المنطقة ، وكذلك التعاون مع أفغانستان في مكافحة التنظيمات الإرهابية ، في المقابل تحتاج طالبان إلى اعتراف ودعم دولي يمكنها من تهدئة وطأة الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد.

مقاربة واضحة

بطبيعة الحال، ونتيجة للتطورات الدولية الراهنة المتمثلة في اندلاع الحرب في أوكرانيا ، وتصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول تايوان ، فإن الأوضاع في أفغانستان واستيلاء طالبان على الحكم لم تعد تحظى باهتمام دولي كبير ، وهو الشيء نفسه الذي حدث مع استيلاء طالبان على الحكم في العام 1996.

حيث لم يدرك المجتمع الدولي حينها التداعيات التي سوف تنجم على صعيدي الأمن والسلام في المنطقة والعالم . ففي الوقت الذي ينشغل فيه المجتمع الدولي بالحرب في أوكرانيا ، تمضي طالبان في توثيق علاقاتها بشكل أكبر مع الجماعات الإرهابية ، في غفلة أو تغافل من المجتمع الدولي ، أدى إلى عدم إعطاء هذه القضية الأولوية في المرحلة الراهنة ، وهو ما سيجعل من “اللا ستقرار” دائرة يصعب الخروج منها في هذه المنطقة.

 

مركز شاف للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات

 

كلمات مفتاحية