رهانات جزائرية على القمة العربية المرتقبة
إعداد : رضوي الشريف
تحتضن الجزائر في الأول والثاني من نوفمبر القادم أشغال القمة العربية، وذلك بعدما أكد أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أنه تم الاتفاق بشكل نهائي على عقد القمة في موعدها بالجزائر.
وتعتبر القمـــة العربية المرتقبة هي المرة الأولى الــتي لـــم يلتـــق فيـــها قادة الوطن العربـــي منـــذ عام 2019، وهـــي الفترة التي حدثـــت فيها متغيـــرات جيوسياســـية كثيـــرة، بداية من القادة أنفســـهم إضافة إلـــى تداعيـــات جائحة كورونا ومـــا حصـــل في العالـــم مـــن مســـتجدات حديثة والتي يأتي على رأسها الأزمة الروسية الأوكرانية.
لذلك لاشك بأن القمة ستواجه ملفات معقدة إذ ما تزال الأزمة المغربية -الجزائرية قائمة، كما أن التمثيل الليبي سيكون مشكلة أخرى مؤرقة بالنسبة إلى الجانب الجزائري وموقفه المباشر في تفاصيل الملف الليبي، ولن تتعلق بمن سيمثل ليبيا في القمة فالأمر محسوم، بخاصة أن الجامعة العربية قبلت وفد حكومة عبد الحميد الدبيبة، وهو ما سيكون مطروحاً بخاصة أن الجزائر ستكون حريصة على نجاح قمتها، ولا تريد مزيداً من الأزمات خصوصاً أن ملفات أخرى ستكون مطروحة، ومنها الملف الفلسطيني واليمني وأيضا ملف عودة سوريا لأحضان الجامعة العربية مرة أخرى.
وهنا تأتـــي الأهمية القصوى لقمـــة الجزائر في ذلك التوقيت الذي يهدف ليكون بمثابة (لم شمل العرب) من جديد والتوجـــه نحـــو رؤيـــة جديدة، يكـــون أهمها انقاذ ما يمكن إنقاذه، وتراهن الحكومة الجزائرية على أن تكون القمة العربية المرتقبة من أنجح القمم العربية حتى قبل انعقادها، وذلك قياساً على نوعية الحضور المرتقب حيث وضمنت الجزائر حتى الآن مشاركة واسعة من القادة العرب.
وتتعامل الجزائر مع هذا المعطى الإيجابي على أنه رهان كسبته بالنظر لحالة الانقسام في الصف العربي والخلافات الحادة بين العديد من الدول العربية.
أولا: دوافع جزائرية لنجاح القمة
بالرغم من أن انعقاد القمم العربية ليس هدفا في حد ذاته، بقدر ما هو فرصة لتوحيد المواقف إزاء القضايا التي تهم الدول العربية وتجاوز الخلافات البينية. إلا أن الأمر يختلف بالنسبة للجزائر التي تسعى جادة لاستضافة القمة 31، والتي فرضت العوامل السياسية والدولية تأجيلها لثالث مرة بعد ما كانت مقررة في مارس 2022. فهذه القمة، بالنسبة للجزائر، تختلف كليا عن القمم الثلاث التي سبق أن احتضنتها من حيث السياق السياسي الداخلي وكذا الأوضاع العربية والدولية. من هنا تتطلع الجزائر إلى نجاح القمة بناء على الدوافع التالية:
الدافع الأول:
عقد القمة بالجزائر، مهما كانت الظروف السياسية والدولية، حتى لا يثبت حكامها فشلهم في جعل الجزائر عاصمة تلمّ قادة العرب وتهيئ الفرصة المواتية لتحقيق المصالحة العربية ـ العربية. وأي فشل لعقد القمة ستكون له انعكاسات وخيمة على الأوضاع الداخلية للجزائر وكذا على صورتها الدولية. ذلك أن الحكومة الجزائرية، وأمام عجزها عن تلبية مطالب الحراك الاجتماعي الذي أسقط بوتفليقة وأفشل مخطط تمديد ولايته الرئاسية رغم ظروفه الصحية، تسعى للالتفاف على تلك المطالب والتغطية على فشلها السياسي والدبلوماسي بتقديم “إنجازات” مهما كانت بسيطة أو سخيفة بغرض تأجيل الحراك وإلهاء المواطنين عن أزماتهم المعيشية.
الدافع الثاني:
استرجاع فاعلية ودور الدبلوماسية الجزائرية التي كانت تستغل الظروف الدولية لتقوية العلاقات الخارجية. فالدعم الدبلوماسي والسياسي الذي كانت تتلقاه من المعسكر الشرقي سابقا والأنظمة الحليفة ضمن دول عدم الانحياز، فضلا عن تحالفاته مع الأنظمة المشكّلة لما كان يعرف بـ “محور المقاومة أو الممانعة “، كلها عوامل أعطت إشعاعا للدبلوماسية الجزائرية سرعان من فقد بريقه بانهيار جدار برلين وذوبان الكتلة الشرقية وسقوط محور “الممانعة” التي كان يعتمد عليها في تكوين التحالفات ونسج المناورات.
ثانيا: محددات نجاح
لا شك بأن القمة ستشمل مواضيع الإقليم بكل ما فيه من تطورات أمنية وسياسية واقتصادية وأيضا الأوضاع في القرن الإفريقي وانعكاساته قد تكون مطروحة، إلا أنه يظل هناك بعض النقاط التي سبقت وستظل محل خلاف وعقبة لتوحيد الصف العربي، حيث يوجد ملفات شائكة إن تم التوافق عليها من أجل بناء أرضية مشتركة يقف عليها الجميع، قد تنجح القمة القادمة، ومن تلك الملفات:
1- إشكالية عودة سوريا
على عكس جميع التوقعات، خرجت دمشق بقرار تأجيلها العودة إلى مقعدها القمة العربية، بعد أن كانت العديد من التصريحات المتداولة مطلع السنة الجارية توحي بأن قمة الجزائر ستكون قمة جامعة تشهد تصالح المتخاصمين مع النظام السوري، وعودة العلاقات الدبلوماسية مع العواصم العربية إلى عهد ما قبل الربيع العربي، ولو أن هذه العلاقة لم تكن في أحسن حال مع بعض الدول، التي يبدو أنها لم تضع بعد النقاط على الحروف فيما يخص الملف السوري، وهي من عرقلت الوصول إلى توافق لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولكن من هي هذه الدول؟
وللإجابة عن هذا التساؤل يجب تشخيص علاقات سوريا مع العواصم العربية ما بعد 2011، فعلى الصعيد الدبلوماسي تبدو علاقات سوريا مع الأردن في مستوى مقبول، ويبدو الأردن حريصا على استعمال نفس الأسلوب في الحديث حول المسألة السورية دون أن يشكل هذا إزعاجًا للنظام في دمشق. ويحاول الأردن أن يؤكد دائما أن لا مجال لحل عسكري في سوريا، وأن المسألة السورية مرهونة بالحوار السياسي، كما تبقى مشكلة الأردن الأساسية مع دمشق ملف اللاجئين وملف التهريب وضعف التنسيق الأمني على الحدود.
نفس الحال مع العراق، فالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين تسير كسابق عهدها ما قبل الثورة السورية، ومؤخرًا أعلن عن مجلس أعمال سوري – عراقي في إطار تعزيز سبل التعاون الاقتصادي بين البلدين في عدة مجالات، وهو ما يشير إلى أن العلاقات الثنائية في حالة صحية جيدة.
أما بالنسبة للإمارات، فقد قامت أبو ظبي بإعادة فتح سفارتها في دمشق سنة 2018، وزار الرئيس السوري أبو ظبي في شهر مارس الماضي، وكانت تلك الزيارة بمثابة إشارة قوية إلى رغبة الإمارات في إحداث تقارب بين دمشق ودول الخليج. والملاحظ أيضًا من خلال ما ينشر في الإعلام الرسمي الإماراتي أن الإمارات كانت تدفع نحو عودة سوريا إلى مقعدها العربي.
أما مصر، لا يبدو أنها تسير عكس تيار الدول الراغبة في إعادة تأهيل النظام السوري لوجود مؤشرين قويين الأول سياسي والثاني اقتصادي، وشهدت العلاقات الثنائية بين البلدين تنسيقًا أمنيًا وصل إلى زيارة رئيس المخابرات المصرية إلى دمشق سنة 2020. وأكدت التصريحات السابقة لوزير الخارجية المصري سامح شكري بما يقطع الشك أن القاهرة حريصة على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، كما وقعت مصر مؤخرًا على اتفاقية مشتركة مع 4 دول عربية من بينها سوريا بشأن عودة تصدير الكهرباء إلى لبنان.
أيضا تحافظ الجزائر وسلطنة عمان واليمن والكويت والبحرين والسودان ولبنان على علاقات دبلوماسية جيدة مع دمشق وسفاراتها تعمل من دون إشكال. وحتى تونس، التي تملك تمثيلية قنصلية لشؤون التونسيين في دمشق لا تجد حرجًا في عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
إذن تبقى هناك أربعة دول يبدو أن لها بعض التحفظات تجاه النظام السوري وفي مقدمتها السعودية التي تجد في التقارب الإيراني – السوري مشكلة أساسية تحول دون عودة العلاقات، لأن إيران كانت ولا تزال تستخدم النظام السوري في أجندتها المعادية للرياض، وما دامت سوريا محسوبة على إيران فيبدو أنه من الصعب أن يتغير الموقف السعودي الذي يحرص على ألا يدعم أنظمة تكون واجهة للنظام الإيراني وتنفذ أجندته في المنطقة.
أيضا هناك ثمة خلافات مع قطر التي كانت السباقة لدعم المعارضة السورية. ومؤخرًا خلال مشاركة قطر في الاجتماع الدولي الرابع حول سوريا في مدينة جنيف السويسرية، اتهمت الدوحة النظام السوري بأنه لا يفعل شيئًا من أجل حل الأزمة المستمرة منذ 11 سنة. وهو دليل واضح على أن عداء قطر لسوريا مستمر واحتمال موافقة قطر على عودة سوريا إلى الجامعة تحت رئاسة بشار مستبعدة، ما دامت المؤشرات الأخيرة التي قدمتها في جنيف توحي بذلك. وحتى قناة الجزيرة المعروفة بمساندتها للثورة السورية، لا تزال تعتمد نفس الخطاب الموجه ضد الأسد.
لا يبدو أيضًا أن المغرب يدعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية لأن دمشق لا تخفي دعمها لجبهة بوليساريو، وهي المسألة التي تضعها الرباط ميزانًا لعلاقاتها مع الدول. أما بالنسبة إلى ليبيا فالمسألة معقدة قليلًا ولها علاقة بموضوع المرتزقة السوريين في ليبيا. وتتهم حكومة طرابلس دمشق بتصدير إرهابيين إلى ليبيا. ولكن، في ظل الضعف الحاصل في ليبيا ووجود مشكلة سياسية لا يبدو أن الموقف الليبي ذو وزن يسمح بتعطيل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
يتضح أن مشاكل دمشق الآن هي مشاكل مع دولتين ذواتيْ وزن ثقيل في المشهد العربي وهما السعودية وقطر. وجود تأثير إيراني قوي في المشهد السوري سيجعل تغير الموقف السعودي صعبًا في الوقت الحالي.
ولا ينبغي أيضًا تجاهل الموقف السوري أساسًا من العودة إلى الجامعة العربية، فبشار الأسد ليس متحمسًا بما فيه الكفاية، وليس مستعدًا لتقديم تنازلات من أجل قبول عودته إلى الجامعة العربية، وما دام النظام السوري يرى أن مصالح سوريا مع إيران أهم بكثير من مصالحها مع دول الخليج، فإن العودة لن تقدم شيئًا جديدًا، بل ستجبره على حل مشكلة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان ومصر، وإعادة المرتزقة من ليبيا، وهو الأمر الذي يريد الأسد أن يتركه لما بعد بسط سيطرته على كامل سوريا وحسم الحرب حسمًا نهائيًا.
2- حل الخلاف الجزائري المغربي
يذكر أن إعلان الجزائر عن إرسال مبعوثين خاصين إلى القادة العرب لتسليمهم دعوات الحضور في القمة العربية وموافقة المغرب على استقبال وزير العدل الجزائري لتسليم الدعوة للملك المغربي محمد السادس أسال الكثير من الحبر بخصوص الطريقة التي تتعامل بها الجزائر مع المغرب خاصة وأن” تسريبات” إعلامية أكدت مشاركة الملك محمد السادس شخصيا في قمة الجزائر.
المغرب غالبا ما يتعامل بمنطق “اليد الممدودة” إلى الجزائر؛ والجزائر من الناحية الأخرى تتعامل بمنطق الشعار الذي ترفعه للقمة العربية المقبلة، شعار “لم الشمل”.
رغم أن الدعوة للحضور، وفقاً للأعراف الدبلوماسية، لا بد أن توجه للمغرب باعتباره عضواً في الجامعة العربية، لذلك فإن مشاركة ملك المغرب في القمة قد لا تعني، بالضرورة، حدوث حوار ثنائي قد يقود إلى إنهاء التوتر بشكل آلي؛ لكن يبقى من الصحيح أيضاً أن الزيارة الملكية إن حصلت ستمثل حدثاً تاريخياً بارزاً في البيئة الاستراتيجية للمشهدين العربي والمغاربي، بحكم أن الزيارات رفيعة المستوى تسمح باتخاذ قرارات استراتيجية.
في هذا السياق، يمكن القول إن الدوافع التي تساهم في موافقة المغرب على حضور القمة العربية في الجزائر والمشاركة فيها كثيرة؛ حيث إن هذه المشاركة هي في صالح المغرب، لأنها لا تتعلق بالعلاقات الثنائية وإنما بالعمل العربي المشترك. أيضاً، وبصرف النظر عن قضية الصحراء التي يوظفها كل طرف من الدولتين الجارتين حسب مصالحه ورؤيته السياسية والاستراتيجية، فإن هناك اتفاقاً بشأنها داخل الجامعة العربية، كما في الأمم المتحدة، بأنها قضية “تصفية استعمار”.
ذلك بإضافة أن السياقات المحلية والإقليمية تؤثر على الزيارات الرسمية في الفضاء المغاربي، لكن ثمة توقعات كبيرة من زيارة الملك محمد السادس للجزائر، التي تتم في ظل رغبة عدد من دول الخليج العربي ودول عربية كبرى بأن تساهم في معالجة كثير من أوجه التوتر بين الجزائر والمغرب، وكذلك بين تونس والمغرب؛ رغم أن العلاقات بين الدول الثلاث لا يمكن أن تسير بالعمق والإيقاع المطلوبين بين عشية وضحاها، وتحتاج لتدابير دائمة على مستوى الحوار والتشاور.
3- التطبيع مع إسرائيل
من الملفات الشائكة والجدلية أيضا عند تناولها هو ملف القضية الفلسطينية التي تتبناه الجزائر بشكل كبير، وتعتبره إحدى ركائز حركتها المباشرة وترفض تماماً الدخول في أية مساحات للتقارب مع إسرائيل.
وتخطو السياسة الجزائرية من خلال ” دبلوماسية الردع لمواجهة خطر التطبيع” التي تنتهجها خطوات مهمة نحو مواجهة مسار التطبيع العلني مع إسرائيل سواء مع المغرب والذي يبدو انه بدأ يأخذ مسارا خطيرا لاستهداف بقية دول منطقة المغرب العربي الرافضة للتطبيع، أو من خلال الضغوط التي تتعرض لها من قبل القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا.
وفي إطار دبلوماسية “الردع”، تتجه الجزائر الى تفعيل علاقاتها مع حلفائها المؤثرين على الساحة الدولية وعلى رأسهم الصين وروسيا وإيران في تموضع جديد في محور معادي وممانع لكل سياسات الهيمنة والسيطرة الغربية والأمريكية.
في المقابل فإن هناك دولاً عربية أخرى ترفض النهج الجزائري، وتعمل في اتجاهات متضاربة للجزائر لإفشال أي مخططات تعكس رفضاً عربياً لتوجهات التعاون مع إسرائيل وتبني منطق الواقعية السياسية، وهو ما قد يكون يخلق ثغرة في (لم شمل العرب) التي تسعى الجزائر لتحقيقه في القمة القادمة.
في النهاية، لاشك بأن القمة ستواجه ملفات معقدة على رأسها حال التشكك في العلاقات العربية -العربية، وهو ما سينعكس على الموقف العربي بأكمله، حيث غابت مؤسسة القمة العربية عن الحضور على رغم تفاقم الملفات العربية من لبنان إلى العراق، والتعثر المستمر في الملف الليبي و الملف اليمني مروراً بما يجري من تهديدات لأمن الإقليم نتيجة التدخلات الإيرانية، واستمرار التدخل التركي اللافت في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، وتواري دور الجامعة خلف الحديث عن أفكار عن الترتيبات الأمنية الشرق أوسطية، وحلف الناتو والتهديدات الإقليمية، والمطالبة بتصويب مسار العلاقات العربية الدولية بخاصة بعد تطورات وتفاعلات الحرب الروسية – الأوكرانية، وتداعياتها الممتدة التي لا تزال تؤثر في الأمن القومي العربي، وتسعى بعض الدول العربية إلى استبداله بأمن شرق أوسطي أوسع، وفي نطاقات متعددة أوروبية وأميركية وروسية، وهو ما سيعصف بوضع مؤسسات العمل العربي المشترك التي تحتاج إلى إعادة هيكلة حقيقية في ظل ما يجري من تطور في بنية العلاقات الدولية وحاجة الدول العربية إن توافرت الإرادة السياسية لديها إلى تحديد أولوياتها بدل التوقف الراهن عند مسمى عدم الاشتباك أو التعقيد أو الدخول في مساحات من الخلاف الكبير.