تنامى الإرهاب فى مالى وسط أجواء متصاعدة
إعداد : ميار هاني
تواجه مالى حالياً تصاعداً فى وتيرة العمليات الارهابية بالتوازى مع إنسحاب القوات الفرنسية من االبلاد ،إضافة إلى زيادة التواجد الروسى عبر نفق فاغنر، فهل ستستطيع مجموعة فاغنر والقوات المالية صد تلك الهجمات الإرهابية المتزايدة؟ وللإجابة على هذا التساؤل لابد من فهم جذور وتطورات المشهد فى مالى.
لماذا أصبحت مالى ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية؟
تتسم مالى بمساحتها الكبيرة، كما أنها واحدة من أفقر الدول، إذ ينتشر فيها الفساد وتنعدم بها التنمية والعدالة الإجتماعية، وتغيب الدولة المركزية عن أجزاء هامة من البلاد، وغيرها من الظواهر والآفات التى جعلت من مالى أو المنطقة الشمالية بالتحديد، ملاذاً آمناً للتنظيمات الإرهابية، حيث وجد بها الجماعات الإرهابية المنطقة الخصبة التى تسمح بالاختباء عن أعين المراقبة والمتابعة الأمنية الدولية،
ومن أبرز الجماعات الجهادية:
• جماعة نصرة الاسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة.
• جماعة الدولة الاسلامية فى الصحراء الكبرى الموالية لتنظيم داعش.
ما هى أسباب إنخراط فرنسا بالصراع؟
واجهت الحكومة فى مالى تمردًا مسلحا، حيث شكل الطوارق تحالفاً مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطه بتنظيم القاعدة، وتحركوا معا للسيطرة على الشمال.
وساعدت التوترات الداخلية الناجمه عن فراغ السلطة فى العاصمة باماكو، جراء إنقلاب مارس ٢٠١٢ الذى أطاح بالرئيس تورى، على استيلائهم على الأراضى بوتيرة سريعة، وبحلول أبريل، سيطرت الجماعات المسلحة على شمال مالى وأعلنت الاستقلال.
كان التحالف بين الطوارق والجماعات الإسلامية قصير الأمد، حيث أنفصلوا فى يونيو ٢٠١٢، وبدأت الجماعات الإرهابية فى التقدم نحو وسط البلاد فى طريقها للسيطرة على العاصمة باماكو.
تدخلت القوات الفرنسية، فى يناير ٢٠١٣، بناءً على طلب من الحكومة المالية بوقف زحف الجماعات الإرهابية إلى العاصمة وتطهير شمال مالى من الإرهابيين.
• ومن الجدير بالذكر أن مالى تشكل أهمية لفرنسا حيث كانت أحدى مستعمراتها فى غرب أفريقيا وتربط فرنسا العديد من المصالح بها.
ما هى مراحل تطوّر الوجود العسكرى الفرنسى منذ ٢٠١٣:
فى عام ٢٠١٣، أطلقت فرنسا “عملية سيرفال” التى تمثل هدفها الأساسى فى محاربة الجماعات الإرهابية وإستعادة شمال مالى، وعندما أنتهت العملية وحققت القوات الفرنسية هدفها فى عام ٢٠١٤، استُتبعت “سرفال” بـ “عملية برخان” التى كانت أهدافها أشمل أوسع نطاقاً وتمثلت فى مكافحة الأرهاب فى منطقة الساحل الأفريقى التى تتضمن ) مالى- بوركينا فاسو – تشاد – النيجر – موريتانيا) وانضمت دول أخرى لاحقاً إلى انتشار القوات الفرنسية.
ونشرت فرنسا آلاف الجنود لمحاربة فرعى تنظيمى القاعدة وداعش، وعلى الرغم من الانتصارات التكتيكية التى حققتها فرنسا فى مالى، إلا أن الدولة المالية لم تتمكن من بسط سيطرتها على الأرض من جديد.
ما هى أسباب الإنسحاب الفرنسى من مالى؟
جاء ذلك نتيجة لانهيار معقد فى العلاقات بين باريس وباماكو، ففى أعقاب انقلاب أغسطس ٢٠٢٠ فى مالى، الذى شنه العسكريون بقيادة الكولونيل أسيمى غويتا، أدى إلى تولى رئيس انتقالى يدعى “باه نداو” ليقود البلاد حتى إجراء انتخابات جديدة بعد ١٨ شهر وانبثاق سلطة مدنية، كان الرئيس الإنتقالى متعاطف مع باريس، لذا حافظت فرنسا على علاقات ودية بشكل نسبى مع قادة المجلس العسكرى.
إلا أن عاود قائد الإنقلاب الكولونيل أسيمى غويتا الكرة مجددا بانقلاب آخر.
ففى ٢٤ مايو ٢٠٢١، أعلن عن توليه السلطة، كما سارع المجلس العسكرى إلى الانحراف عن خارطة الطريق الانتقالية، معلناً أنه يخطط للبقاء فى السلطة لمدة خمس سنوات، وسرعان ما تبنت السلطات الانتقالية خطاباً معادياً للوجود الفرنسى على أراضيها، بالإضافة إلى تنامى البصمة الروسية فى المناطق المحيطة، حيث وظفت مالى مجموعة فاغنر، وهى شركة عسكرية روسية خاصة مرتبطة بالكرملين، لتكون شريك فى دعم المعركة ضد الإرهابيين.
كما تجدر الإشارة أن الوجود الفرنسى أصبح غير محبوب على نحو متزايد لدى شعب مالى بسبب تزايد عدد الهجمات الإرهابية فى البلاد.
نتيجة لذلك دخلت علاقات البلاد مع باريس فى دوامة هبوط، إلى أن أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى ١٧ فبراير ٢٠٢٢، ان فرنسا وشركائها فى قوة برخان، سوف يقومون بنقل مواردهما العسكرية من مالى إلى دول مجاورة فى منطقة الساحل الأفريقى.
وقد أكتمل الإنسحاب الفرنسى بخروج أخر الجنود الفرنسيين فى تاريخ ١٥ أغسطس ٢٠٢٢.
ما هى مؤشرات الإرهاب فى مالى لعام ٢٠٢٢ ؟
أدى الانخفاض فى الضغط العسكرى إلى تعزيز الجماعات الإرهابية لنفوذها وتصاعد التشدد فى مالى.
حيث كشف مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية أنَّ أعمال العنف التى ترتكبها الجماعات المتطرفة فى مالى أوشكت على التصاعد بنسبة ٧٠٪ خلال عام ٢٠٢٢، وكان عدد القتلى من المدنيين على يد الجماعات الإرهابية فى عام ٢٠٢٢ بالفعل أكثر من أى عام سابق.
كما قالت وحدة الرصد باللغات الإفريقية بمرصد الازهر لمكافحة التطرف، أنها تابعت على مدار شهر أغسطس ٢٠٢٢ أنشطة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا، وبلغ عدد العمليات الإرهابية ٤٥ عملية ما بين اغتيالات وتفجيرات، قد أسفرت عن سقوط ٢٦٩ قتيلا و ١٨٣ جريحا، وإختطاف ١٢ شخص فضلا عن إعدام ١٩، بخلاف نزوح وتشريد المئات.
ومن الجدير بالذكر أن وتيرة العمليات الإرهابية زادت فى شهر أغسطس، وهو الشهر الذى أتم به الأنسحاب الفرنسى بشكل كامل، مقارنة بعددها فى شهر يوليو الماضى التى بلغت ٣٩ عملية إرهابية، أسفرت عن مقتل ٢٠٣، وإصابة ١٠٣، واختطاف ٤ آخرين.
والسؤال الذي يمكن أن يحضر إلى ذهنك بعد قراءة تلك السطور، هل ستستطيع مجموعة فاغنر والقوات المسلحة المالية مكافحة الإرهاب فى شمال مالى ؟
مع إنهاء فرنسا لمهمتها، حلت محلها مجموعة فاغنر، فمن غير المنطقى الافتراض بأن لدى بضع مئات من مجموعة فاغنر وعناصر القوات المسلحة المالية، القدرة على تنفيذ جهود فعالة لمكافحة الإرهاب وفرض الأمن فى تلك الأراضى التى تمتد على مساحة ٩٠٠ ألف كيلومتر مربع من الأراضى الشمالية، لأسباب منها:
• قد تركز فاغنر على تأمين مصادر دخلها وسعيها للوصول إلى الموارد الطبيعية المحلية مثل الذهب و “منع الانقلاب” على المجلس العسكرى المالى، كما فعلت مع الرئيس فاوستن أرشينج تواديرا فى جمهورية إفريقيا الوسطى ،بدلا من القيام بعمليات شاملة لمكافحة الإرهاب ومعالجة قضايا الحوكمة وغيرها من العوامل الكامنة وراء الصراع
• حتى ولو سعت فاغنر إلى تحقيق الاستقرار بجدية، فمن غير المرجح أن تحقق ما لا تستطيع قوة أكبر وأكثر خبرة تحقيقه.
• تركيز المجلس العسكرى على تعزيز سلطته فى العاصمة باماكو بدلاً من تقوية نفوذه فى المناطق الشمالية الهامشية.
من المرجح إستمرار أو تزايد العنف المسلح على قدم وساق بعد الانسحاب الفرنسى من مالى، فعلى الرغم من فشل عملية برخان فى تغيير المسار الاستراتيجى للصراع ،إلا ان العمليات العسكرية والغارات والضربات المستهدفة، كانت بمثابة معوقات تكتيكية وعملياتية للجماعات المسلحة.
فيوجد خطر كبير من تحوّل مالى مجدداً إلى قاعدة خلفية للجماعات الإرهابية إذ لم يتم صد الهجمات الإرهابية بشكل حاسم فضلا عن معالجة الجذور المسببة للصراع.
فهل ستصبح مالى بؤرة الإرهاب فى السنوات القادمة؟