تطورات الأوضاع فى إيران وتأثيرها على المحيط الإقليمى

تطورات الأوضاع فى إيران وتأثيرها على المحيط الإقليمى

إعداد : مصطفي أحمد مقلد 

تطورات الأوضاع فى إيران وتأثيرها على المحيط الإقليمى

بينما يواصل الإيرانيون تظاهراتهم فى العديد من المدن، تشتعل مطالبهم بإسقاط نظام خامنئى، الأمر الذى يمكن أن ينتج من هذا الضغط تأثيرات حقيقية، لا سيما أن الحلفاء الأساسيين لإيران فى سوريا وروسيا محاصرون حالياً، ومنغمسون فى حساباتهم الجيوسياسية، وعلى الرغم من أن احتمالات الانتصار الثورى تظل ضئيلة، فإنها ليست صفرية، إذ لا يمكن استبعاد عدد متزايد من السكان الذين سئموا الحكم المتشدد والقمع.

وإذا كان هناك نجاح، فقد يعود إلى أن هذه الاحتجاجات، على عكس الأمثلة السابقة، تمكّنت من الجمع بين ائتلاف متنوع من الجماعات العرقية التى تناضل من أجل قضية مشتركة، وهو ائتلاف يضم عرقيات وطوائف مختلفة بجانب مسيحيين ومسلمين كالأكراد والأرمن والآشوريون.

وعلى الرغم من كل ما هو جديد حول الانتفاضة الحالية، فإنه ينبغي النظر إليها على أنها حلقة أخرى فى سلسلة طويلة من المعارك من أجل الحرية فى إيران ضد النظام الحاكم، حيث فى كل مرة يطالب فيها الناس فى إيران بالتغيير، تهاجمهم الجمهورية الإسلامية بشعارات مفادها أن النظام لن يسمح للبلاد بالانحراف عن المسار الذي وضعه آية الله روح الله الخميني “مؤسس الجمهورية”.

ملابسات الإنتفاضة

فى أغسطس المنقضى، وقع الرئيس “إبراهيم رئيسى” مرسومًا لتطبيق أكثر صرامة للقواعد التى تتطلب من النساء ارتداء الحجاب فى جميع الأوقات فى الأماكن العامة، والتى كانت سارية المفعول منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية فى عام 1979، وقد أشاد رجال الدين المحافظون بهذه الخطوة على نطاق واسع، باعتبار أن القرار يمثل استعادة للمعايير الثقافية التى بدت وكأنها تتراجع، بالتالى كانت مأساة موت مهسا أميني شبه حتمية.

اندلعت الاحتجاجات بعد وفاة “مهسا أميني”، فى “16 سبتمبر” بعد القبض عليها فى 13 سبتمبر فى طهران من قبل فرقة شبه عسكرية تفرض قواعد اللباس الإسلامى، وخلافاً للاحتجاجات السابقة المتجذرة بمظالم اقتصادية أو سياسية، اندلعت هذه الموجة جراء رد فعل شعبى احتجاجاً على وفاة “أمينى” المنحدرة من عرقية كردية، وتزعم أسرتها أنها تعرضت للتعذيب الجسدى مما تسبب في خروج احتجاجات كبرى في كردستان لتتوسع رقعتها إلى نحو 31 محافظة إيرانية وأكثر من 80 مدينة.

ودفعت الاحتجاجات الناس من مختلف أطياف المجتمع للنزول إلى الشوارع، ويمثل ذلك عرض غير مسبوق للوحدة والغضب العام تجاه قوات الأمن ورموز السلطة، بما فى ذلك محطات الشرطة ومقار المجموعات شبه العسكرية ومجموعات الدعوة الدينية العامة، ويعلق كثير من المراقبين أن تلك التظاهرات بلا قائد، ما يضعف فرص الوصول لنتيجة يرغب بها الثائرون.

لكن وجود قائد لتلك التظاهرات سيكون ضروريًا للتفاوض على التغيير مع الحكومة وكذلك لقيادة الحركة نفسها داخليًا، حيث أن الاحتجاجات لها مجموعة واسعة من المظالم، تتجاوز الحجاب الإلزامى ووحشية جهاز أمن الدولة، ولا يزال من غير الواضح أيضًا ما إذا كان هناك أعضاء داخل الحكومة الإيرانية يفهمون المخاطر المطروحة ومستعدون للضغط من أجل تغيير كبير داخل هيكل السلطة الحالي.

فى الشارع، دعا بعض النشطاء بجانب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تنظيم إضراب على مستوى البلاد، وعبر أساتذة جامعيون ومشاهير ولاعبو كرة قدم عن دعمهم للاحتجاجات على وفاة أمينى، بحسب تصريحات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعى، ورفض الطلاب فى عدة جامعات الانتظام فى المحاضرات احتجاجاً على حملة اعتقالات واسعة للطلاب، كذلك حذر عمال وموظفو إدارات صناعة النفط الإيرانية النظام، فى بيان لهم 28 سبتمبر، بأنه إذا استمر الأمن فى قمع الاحتجاجات، ولم يتم إطلاق سراح جميع الموقوفين، فسيتوقفون عن العمل وينظمون مسيرة احتجاجية مع عائلاتهم.

واستهدفت شعارات المتظاهرين المرشد الأعلى آية الله خامنئي نفسه. على الرغم من أنه ألقى خطابين في الأيام الأخيرة، إلا أن خامنئي لم يعلق على الحادث، يبدو أن السلطات منزعجة من الغضب الشديد، وحاولت هذه المرة ما يمكن تسميته بـ”المصالحة”، حيث قام الرئيس رئيسى، الذي لم يعترض على المحاولة الأخيرة لفرض الحجاب، باتصال بعائلة “أمينى” وقدم تعازيه، ووعد بإجراء تحقيق شامل، كما أعلن رئيس السلطة القضائية عن تحقيق فى ما حدث في الشاحنة التى نقلت مهسا إلى مكتب شرطة الآداب، وفى ذات السياق، اقترح بعض أعضاء البرلمان فحص ما حدث، لكن لم يهدئ أي من هذه التأكيدات انفجار الغضب في جميع أنحاء البلاد.

ضغط دولى على استحياء

استدعت إسبانيا السفير الإيرانى لديها للاحتجاج على قمع التظاهرات فى إيران التى أودت بحياة عشرات، وأعربت وزارة الخارجية الإسبانية فى بيان الثلاثاء 27 سبتمبر، عن “إدانتها الشديدة للعنف الذي يمارس بحق المتظاهرين المسالمين”، و”رفضها للعنف الممارس ضد النساء الإيرانيات وحقوقهن”.

وندد رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز” بـ “وضع النساء في إيران ووفاة مهسا أميني”، موضحاً فى خطاب أنه أعرب عن قلقه “للحكومة الإيرانية”، وكانت الحكومة الألمانية استدعت السفير الإيراني فى برلين “26 سبتمبر”مطالبة بإنهاء العنف، كذلك دعت متحدثة باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رجال الدين الذين يحكمون فى إيران إلى “الاحترام الكامل للحق فى حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وأصدرت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث فى المملكة المتحدة بياناً صحافياً فاتراً داعية فيه النظام إلى ممارسة “ضبط النفس” في مساعي قمع التظاهرات.

كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، إيران إلى ممارسة “أقصى درجات ضبط النفس” في مواجهة التظاهرات الاحتجاجية، وقال “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم غوتيريش، أن الأمين العام يدعو سلطات إنفاذ القانون إلى الامتناع عن استخدام أي قوة غير ضرورية، ويحض الجميع على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب تصعيد” الوضع في إيران، وفى تصريح باسم الاتحاد الاوروبى ندد مسؤول العلاقات الخارجية “جوزيب بوريل” كذلك بقرار السلطات الإيرانية تقييد الوصول إلى الإنترنت بشكل صارم وتعطيل منصات الرسائل السريعة ما يشكل “انتهاكاً فاضحاً لحرية التعبير”.

وقارن مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، بين موقف الإدارة الأميركية الحالية من الاحتجاجات، وموقف إدارة أوباما من احتجاجات 2009، وقال بشكل “ضمنى” إن إدارة الرئيس “بايدن” تعلمت من خطأ إدارة أوباما، وأدركت ضرورة أن يكون موقف واشنطن من الاحتجاجات الإيرانية “حاسما وواضحا ومبدئيا”.

لكن فى موقف لافت، لم يغادر أي عضو من الوفد الأمريكى في الأمم المتحدة خلال خطاب “رئيسى”، كما اعتاد الدبلوماسيون الأمريكيون فى خطابات الأمم المتحدة السابقة لقادة إيرانيين. ومع ذلك، أدان الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة غربيون آخرون تصرفات شرطة الأخلاق الإيرانية، وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات جديدة على أفراد القوة، وعلى هذا يتصف الموقف الأمريكى بالموازنة أو مسك العصا من المنتصف.

ويشعر عديد من البلدان بالحيرة، فهل عليها تعديل سياساتها تجاه إيران لتأخذ في الاعتبار “ما يترتب على الاحتجاجات المتعاظمة المناهضة للنظام”، وفى هذا الجانب، صرح أحد المسؤولين الغربيين “بوسعنا تضخيم أهمية الأصوات الإيرانية بشكل كبير بالتأكيد، ولكن كيف نقتنص الفرصة ونحولها إلى تغيير فعلي؟”، حيث بوسع رفع أصوات الإيرانيين أن يؤدي إلى التأثير في موظفى النظام، أو على الأقل وقف آلية القمع حتى ولو تم ذلك بهدوء.

خصوصية الانتفاضة الحالية

أبرز الثورات التي اندلعت ضد حكم الملالى تمثلت فى:

  • الثورة الطلابية الكبرى عام 1999 في معظم جامعات البلاد، وقد قمعها النظام بعنف.
  • “الثورة الخضراء” عام 2009 التي تفجرت رداً على رفض انتخابات مزورة وتوسعت فى طهران حتى بلغت المليون ونصف المليون مشارك، وانتهت أيضاً بهجوم قوات “الباسيج” والحرس على المحتجين وقتل عدد كبير منهم وبينهم الصبية ندى، واشتهرت صورتها بعد أن قتلها قناص.
  • ثورة خريف 2019، بسبب تردى الأوضاع المعيشية واشتعلت فى محافظات عدة، بما فيها الأهواز وكردستان وبلوشستان، وظلت التظاهرات أشهر عدة وانتهت أيضاً بالقمع الدموي واعتقال الآلاف.
  • ثورة 2022 وهي انتفاضة “مهسا” التي انطلقت من غضب نساء إيران، بسبب عنف الأجهزة الأمنية ضدهن والتطبيق الصارم “لشريعة النظام” في المجال المدنى، مما يقلص حرياتهن.

الموجة الشعبية الرابعة هذه تختلف عن سابقاتها، فهي أعمق اجتماعياً فى مواجهة المؤسسة الدينية وتعاليمها، وليس فقط النظام المنبثق عنها، أو السلطة التي توظف المؤسسة الدينية فى خدمة مصالحها السياسية والسلطوية، لا سيما مع دخول النساء وبخاصة الشابات فى قلب الاحتجاجات وسقوط الضحايا بينهن، مما يشكل عاملاً تعبوياً أكبر في البلاد. أما العامل الآخر هو ارتفاع حرارة الاحتجاجات في مناطق الأقليات القومية، وتردد النظام باعتماد استراتيجية نهائية لمواجهة الانتفاضة بسبب حسابات الاتفاق النووي والمداخيل المتوقعة.

وكشفت تلك الاحداث عن حقيقة سوسيولوجية بات من الصعب على النظام إغفالها، أو التعامل معها بنوع من الإهمال والتبسيط، فهى تعبر عن الانقسام العمودى الذي حصل هذه المرة بين جماعة مؤيدة وداعمة للنظام والسلطة وما يمثلانه من قيم وأفكار وثقافة دينية ومذهبية وأخلاقية من جهة، وبين جماعة رافضة لهذه الثقافة الرسمية التي فرضتها السلطة عليهم من خارج إرادتهم الطبيعية.

وأفسحت -السرعة والجرأة للحركة الاحتجاجية الأخيرة والقلق على صحة خامنئي- الطريق لدعوات عامة غير مسبوقة للإطاحة به، كما أثارت الغضب الذى وجهه العديد من المتظاهرين إلى النظام الديني الأوسع.

حتى وقت قريب، ربما كانت النخبة الدينية تأمل في أن تتكشف عملية الخلافة بالكامل خلف أبواب مغلقة كما فعلت في الماضي، لكن الغضب العام ركز الآن بشكل مباشر على شرعية خامنئى وشرعية النظام الذى يمثله، فإذا مات خامنئي في الوقت الذى تتعرض فيه إيران للاضطراب من قبل حركة احتجاجية بهذا الحجم، فإن التحدى الذى يواجه النظام الدينى يمكن أن يصبح وجوديًا.

إدعاءات إيرانية

لم يتأخر النظام باستخدام العامل الخارجى فى محاولته لتبرير عمليات القمع التى يمارسها، لتأمين غطاء قانونى لاستخدام القوة الغاشمة فى القمع، من خلال تضخيم حراك الأحزاب الكردية المعارضة والبدء بعمليات استهداف مواقعها داخل إقليم كردستان العراق، لإظهار أى عملية عسكرية فى محافظة “سنندج”، وكأنها محاولة انفصالية تسعى للنيل من وحدة الأراضى الإيرانية وفرض مشروع التقسيم، بخاصة أنه يعمد إلى إبراز أي حركات فى مناطق الأقليات القومية بأنها تصب في الإطار نفسه بالتنسيق مع الأحزاب الكردية، وأن ما يواجهه هو مؤامرة تستهدف النظام ووحدة إيران وسيادة الدولة على أراضيها تقوم بها الحركات الانفصالية، ما يسمح له بإسكات الأصوات وإخماد الحراك تحت هذه الذريعة.

في نفس السياق، قال أميرعبد اللهيان إن الولايات المتحدة تدعم “مثيري الشغب” وتسعى لزعزعة استقرار إيران، وهو موقف يتعارض مع الدعوات الأمريكية للاستقرار في المنطقة ولإبرام اتفاق نووي مع طهران.

محاولات خفض حدة الاحتجاجات

عادة ما تتعامل الحكومة مع هذه الاحتجاجات من خلال مزيج من الإجراءات، في هذه القضية تحدث الرئيس مع عائلة “أميني”، ودعا إلى إجراء تحقيق لتحديد سبب وفاتها، كما زار ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي عائلتها، على الرغم من اتهام والد “أميني” للنظام بالتستر.

فى الوقت نفسه، سارع النظام إلى محاولة احتواء المظاهرات من خلال اعتقال قادة الاحتجاج وإغلاق منصات التواصل الاجتماعي التي يعتبرها النظام بمثابة عدوى، وكانت أحدث خطوة من السلطات هي تنظيم مظاهرة مضادة لأنصار النظام.

وفرضت السلطات الإيرانية قيوداً صارمة ومحددة الهدف على استخدام الإنترنت فى محاولة لعرقلة تجمع المتظاهرين ومنع وصول صور قمع التظاهرات إلى العالم الخارجى، وفق مراقبين، ووصف موقع “نتبلوكس” لمراقبة الوصول إلى الإنترنت، الإجراءات الإيرانية بأنها “أشد قيود الإنترنت صرامة” في البلاد منذ حملة قمع احتجاجات نوفمبر 2019، عندما شهدت البلاد انقطاعاً شبه كامل للإنترنت لم يسبق له مثيل حينها.

فيما يتعلق بتغيير محتمل فيما يتعلق بحقوق المرأة، فإنه وفق محللين هناك سيناريوهين محتملين، يتمثل الأول فى تشديد الإجراءات الاجتماعية بما يتماشى مع تصريحات رئيسي للتعامل مع الاحتجاجات، أو الشروع فى إصلاحات تدريجية يكون لها تأثير فورى على المواطنين.

يرى البعض أن السلطات إذا قدمت تنازلات من خلال إصلاحات طفيفة، فإن السؤال سيكون “كيف تجعل هؤلاء الشابات يرتدين حجابهن مرة أخرى؟”، وسيكون نتيجة حفظ ماء الوجه التراجع عن شرطة الأخلاق، أما الإلغاء الكامل لقانون الحجاب أمر غير مرجح، كما أن إجراء استفتاء يسمح للإيرانيين بالتصويت على قضية الحجاب يمكن أن يساعد أيضًا في تهدئة الاحتجاجات، لكن يظل ذلك الخيار بعيد المنال.

القصف الإيرانى لكردستان العراق

كثيرا ما استضاف إقليم كردستان العراق جماعات المعارضة الكردية الإيرانية، بما فى ذلك القوات شبه العسكرية بقواعدها المحفورة فى الجبال على طول الحدود العراقية الإيرانية. وتصفهم طهران بالانفصاليين وكثيرا ما تشن هجمات عبر الحدود ضد تلك القوات، وهي ضربات اشتدت منذ بدء الاحتجاجات الأخيرة.

يقول الحزب الديمقراطي الكردي فى إيران، وهو أحد جماعات المعارضة المستهدفة، إنه لا يسعى إلى دولة كردية منفصلة ويقاتل من أجل إيران “حرة وديمقراطية”، واتهمت الحرس الثورى الإسلامى باستخدام الضربات لصرف الانتباه عن الاحتجاجات.

أعلن “الحرس الثوري الإيرانى”، “24 سبتمبر” عن إطلاقه عملية عسكرية جديدة داخل أراضي إقليم كردستان باسم “القصف والحريق” من أجل ما وصفه بـ”حماية أمن الحدود الإيرانية” واتهم سلطات الإقليم بـ”التقصير في كبح أنشطة الإرهابيين (المعارضين الأكراد) المتكررة”، ويصف بعض المراقبين تلك التحركات أنها تهرب من الغضب الشعبى المتصاعد عبر خلق أعذار.

وأمام تلك الإعتداءات، قام نشطاء بمحاولات لتسليط الضوء على الضربات الايرانية على الاقليم، كإطلاق حملة “لجمع التواقيع وحشد المواقف دعماً لانتفاضة شرق كردستان (أكراد إيران) والشعوب الإيرانية من أجل الحرية والاستقلال وإدانة المذابح وقمع المواطنين”، والتى حددت سبعة مطالب هي أن “تعلن حكومة وأحزاب جنوب كردستان (إقليم كردستان العراق) رسمياً دعمها لهذه الانتفاضة وفتح الحدود أمام الراغبين فى المشاركة فيها وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين وتقديم المساعدات الطبية للجرحى ومعالجتهم فى مستشفيات الإقليم وإقامة مخيمات للنازحين وغلق المؤسسات والقنوات والمنظمات المشتبه فى أنها تخدم طهران وأن تعلن الأطراف المقربة منها قطع علاقاتها معها”.

وفي السليمانية نظم نشطاء تظاهرة للتعبير عن دعمهم للتحركات في المدن الكردية الإيرانية وأطلقوا هتافات منددة “بمقتل واعتقال عشرات المحتجين على يد السلطات الإيرانية”، كما طالبوا القوى الكردية الإيرانية بـ”توحيد الصفوف والعمل على استمرار الاحتجاجات”، فى نفس السياق، تجمع المئات أمام مكتب بعثة الأمم المتحدة في أربيل احتجاجاً على مقتل “أميني” وطالبوا المجتمع الدولي بـ”التحرك لوقف انتهاكات النظام الإيراني ضد المتظاهرين”.

أثرت الاعتداءات على مستوطنات اللاجئين في بلدة “كوي سانجق” بالقرب من أربيل، مما أسفر عن وقوع إصابات فى صفوف المدنيين، بمن فيهم اللاجئون من النساء والأطفال، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

واستخدم الحرس الثوري 73 صاروخا وعشرات الطائرات المسيرة الانتحارية لإحداث “دمار كامل” بأهدافه، وتستهدف إيران من تلك العملية العسكرية نزع السلاح الكامل للجماعة الإرهابية المعادية لإيران والانفصالية.

واستنكرت حكومة إقليم كردستان العراق الضربات وسقوط ضحايا مدنيين، ووصفت الهجمات بأنها “انتهاكات متكررة لسيادة إقليم كردستان”، وقالت وزارة الخارجية العراقية فى بيان إن الصواريخ والمدفعية و20 طائرة مسيرة استخدمت في الهجمات، مضيفة أن العمليات “تلقي بظلالها على المنطقة، وستساهم فقط في زيادة التوتر، كما أدانت الأمم المتحدة الهجمات، وانتقدت معاملة العراق على أنه “الفناء الخلفي للمنطقة حيث ينتهك جيرانه سيادته بشكل روتيني.

وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية “الكولونيل جو بوتشينو” فى بيان إن طائرة مسيرة إيرانية كانت موجهة نحو أربيل أسقطتها القوات الأمريكية “لأنها كانت تمثل تهديدًا لقوات القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة.

ارتداد التطورات الايرانية علي الداخل العراقى

مارست إيران نفوذاً كبيراً على العراق خلال معظم العقدين الماضيين، من خلال العلاقات الدينية والاقتصادية ودعم الميليشيات بجانب إعتمادها على الأغلبية الشيعية فى العراق للحفاظ على موطئ قدم هناك، لكن اشتباكات الشهر الماضي في بغداد بين اثنتين من أقوى الجماعات الشيعية العراقية – الميليشيات المدعومة من إيران والمقاتلون الموالون لرجل الدين الوطني العراقي مقتدى الصدر- أثارت قلق طهران، كذلك لعب اغتيال الجيش الأمريكي لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإسلامى، فى عام 2020 دورًا حيويًا فى الإضرار بنفوذ طهران فى العراق منذ أن حافظ سليمانى على علاقات واسعة مع الميليشيات العراقية والقادة الدينيين.

الاحتجاجات المناهضة للحكومة التى تجتاح إيران يمكن أن تصرف انتباه طهران عن إشرافها على هؤلاء الوكلاء فى العراق وأماكن أخرى فى الشرق الأوسط، وكان نفوذ إيران في العراق شهد تراجعاً كبيراً منذ حركة تشرين الشعبية الاحتجاجية فى عام 2019، ومن المتوقع أن تبرز احتجاجات كبيرة فى الذكرى الثالثة للحركة فى الأول من أكتوبر، ويستمر الناشطون بالعراق فى محاولة التحشيد لإحياء الذكرى الثالثة لانتفاضتهم لإعادة ترويج المطالب التي يرون أن شيئاً منها لم يتحقق، ويجري هذا بالتزامن مع الغضب الذى يعيشه “التيار الصدري” بعد الصدامات المسلحة التي حصلت في المنطقة الخضراء نهاية أغسطس الماضى.

وفق محللين، ربما يحفز القصف الإيراني لمدينة السليمانية فى شمال العراق أجواء الغضب لدى المحتجين الرافضين لتدخلات طهران ونفوذها من خلال أذرعها في العراق، وتتزامن الذكرى السنوية للانتفاضة العراقية هذا العام مع التظاهرات الى تعم معظم المدن الإيرانية، وهو الأمر الذي يراه مراقبون محفزاً إضافياً على توسيع دائرة الاحتجاج في العراق.

وتبدو الآراء متباينة داخل أجواء المحتجين إذ يعتقد طيف كبير بإمكانية تحويل الذكرى إلى فعل احتجاجي واسع، أما في الجانب الآخر فثمة من يعتقد أن الوقت ليس مناسباً نتيجة الاستقطاب الواسع بين “الإطار التنسيقي” و”التيار الصدري”.

الملف النووي الإيراني

عبر الوزير الخارجية البريطانى عن أسفه لأن مفاوضات إحياء اتفاق 2015 الهادفة لمنع طهران من امتلاك السلاح النووى “لا تتقدم بالسرعة المأمولة”، وأضاف “هي في أيدي الإيرانيين. عرض معقول جداً، براغماتي مطروح على الطاولة”، وتأتي تلك التصريحات خلال إدانات غربية فاترة للقمع الموثق ضد المتظاهرين في إيران، حيث تحاول الأطراف المعنية بالاتفاق النووى إيصال صورة لدي النظام الإيراني بعدم استخدام تلك التظاهرات كأداة ضغط على الحكومة الايرانية، بهدف دفع وإغراء إيران بالعودة للتفاوض بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة دون تشدد من خلال التنازل عن بعض مطالبها التى أدت فى نهاية المطاف لتعليق المفاوضات مؤخرا.

فهناك رغبة في استمرار الانسجام في المواقف حول الاتفاق النووي، بين الجناح المتشدد في التيار المحافظ الإيراني وإدارة بايدن بتأجيل التوقيع على الاتفاق لما بعد الانتخابات النصفية الأميركية، وحتى طلب الحكومة الإسرائيلية، والضغط الذي تمارسه على الإدارة الأميركية وعواصم الترويكا الأوروبية لعدم التوقيع على الاتفاق أو على الأقل تأخير التوقيع أيضاً لما بعد هذه الانتخابات، وانتظار ما قد يتكشف من تطورات خلال هذه المدة.

وجَّه الإصلاحيون انتقادات جريئة للحكومة على خلفية قضية مقتل أميني، حيث يحاول الإصلاحيون استعادة مكانتهم بعد التهميش الواسع خلال الفترة الماضية، وذلك من خلال إثبات أنّها حركةٌ تناصر الشعب الإيراني وتدافع عن حقوقه معتبرين قضية مقتل أميني بدايةً لمشروع سياسي جديد في إيران، وقد ظهر ذلك من ردود أفعال الرئيس الأسبق خاتمي ونائب الرئيس إسحاق جهانجيري ووزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، فاعلت المعارضة الإيرانية في الخارج بشكل سريع مع الحدث؛ والذي يُعَدّ من القضايا المهمة بالنسبة للرأي العام العالمي غير أنّ ردود فعل المنظمات الدولية والحكومات الغربية لم يكُن بالمستوى نفسه، وهو أمرٌ يعطي انطباعًا لدى المعارضة بأنّ حسابات القوى الدولية تظل متأثرةً بمصالحها، وأنها غير جادة في ترويجها للديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران.

وعليه يمكن القول أن حتى لو هدأت هذه الاحتجاجات وتراجع زخمها خلال الفترة المقبلة، فإنّ الواقع المثقل بالأزمات يرجّح أن تعود التعبئة الاجتماعية من جديد مع أيّ حادثة مُماثلة في المستقبل، أو قرار من جانب الحكومة خصوصًا أن سلسلةً من الاحتجاجات الفئوية مستمرة منذ سنوات، وهي تعكس تنامي الغضب بين العديد من فئات الشعب وطبقاته، خصوصًا أنّ الاحتجاجات اتسعت في الجامعات وفي الأوساط الشبابية التي تُعَد دائمًا محركًا للتغيير والتي ترى الحاجة إليه.

 

كلمات مفتاحية