ليبيا بين الاتفاق التركي وصراع الطاقة في المتوسط

ليبيا بين الاتفاق التركي وصراع الطاقة في المتوسط

إعداد : رضوي  الشريف 

ليبيا بين الاتفاق التركي وصراع الطاقة في المتوسط

تصاعدت ردود الفعل الغاضبة في ليبيا حيال توقيع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبد الحميد الدبيبة مذكرة تفاهم جديدة ومفاجئة مع تركيا، و تشمل منح امتيازات إضافية لأنقرة في قطاع الطاقة الليبي، خصوصاً في مجال التنقيب على الغاز بالمنطقة المتنازع عليها بين دول متوسطية عدة قبالة سواحل ليبيا والدول المتشاطئة معها.

أتى ذلك خلال زيارة أداها وفد تركي رفيع المستوى إلى العاصمة طرابلس، الإثنين 3 أكتوبر، يترأسه وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو ومعه وزراء الدفاع خلوصي أكار والطاقة والموارد الطبيعية والتجارة وكبير مستشاري الرئيس التركي، إبراهيم كالين.

وتطرح حزمة الاتفاقات الاقتصادية والأمنية التي وقعتها تركيا مع المسؤولين في العاصمة طرابلس، تساؤلات عن الدور الذي تلعبه أنقرة في البلاد، وتقاطعه مع محاولات إعادة الزخم الى علاقاتها الإقليمية خصوصاً مع مصر، حيث أعادت هذه الخطوة للأذهان الاتفاق المبرم والذي وقع عام 2019 بين حكومة الوفاق الوطني السابقة برئاسة فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تضمن بموجبه ترسيماً للحدود البحرية بين البلدين وتعاوناً أمنياً، أتاح لأنقرة التدخل عسكرياً في ليبيا عبر إرسال قوات تابعة ومرتزقة أجانب، بالرغم من أن ذلك الاتفاق لم يُعترف بها دولياً حتى الآن.

مجالات متعددة للتعاون

وفقاً للناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها محمد حمودة، فإن مذكرات التفاهم تشمل “تطوير مشاريع متعلقة بالاستكشاف والانتاج والنقل والتنقيب والتجارة والنفط والغاز”، ما يعني دخول أنقرة بقوة منافساً رئيسياً على خط النفط والغاز الليبيبن. وكشف حمودة عن اتفاق على تأسيس شركات مشتركة بين المؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة التركية ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص في البلدين.

وعقب التوقيع على الاتفاقات، اعتبرت وزيرة الخارجية للحكومة المنتهية ولايتها نجلاء المنقوش في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها التركي أن مذكرة التفاهم بين الدولتين “تصب في مصلحة البلدين وتساهم في حل الأزمة العالمية بخصوص الطاقة والغاز”، وتطرقت إلى اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا الموقع في عام 2019، ونبهت إلى “حاجته للتسجيل لدى الأمم المتحدة… ومتى جرى تفعيله سيجد مجالاً للتنفيذ”.

احتقان داخلي

عقب إعلان توقيع عدد من مذكرات التفاهم، تسارعت الأطراف الليبية الرافضة، وحمّلت الحكومة مسؤولية “التفريط في ثروات البلاد”، فيما رأى مجلس النواب، أن حكومة فتحي باشاغا، هي المخولة بالتوقيع لكونها حائزة على الشرعية.
ومن بين أعضاء المجلس الأعلى للدولة الـ145، أعلن 73 منهم رفضهم توقيع حكومة الدبيبة مذكرة التفاهم مع تركيا، الخاصة بالنفط والغاز، ورأوا أن “توقيع مثل هذه المذكرات الغامضة البنود والأهداف في مثل هذا التوقيت والظرف السياسي المنقسم يمثل محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع.”

ووصف الأعضاء الموقعون على البيان، توقيع المذكرة بـ”الانتهازية السياسية من الأشقاء الأتراك”، ورأوا أن ذلك قد يضعهم مستقبلاً في مواجهة المصالح الوطنية الكبرى لليبيا، وكل المحاولات الوطنية الجادة للتوافق بين الليبيين نحو استعادة الدولة وقرارها الوطني.

ودعا الأعضاء، مجلسي النواب و«الرئاسي» والقوى السياسية والاجتماعية كافة في ليبيا، لرفض ما وصفوه بـ” العبث السياسي المؤدي للمزيد من استلاب القرار الوطني”، لافتين إلى ضرورة بذل كل مساعيهم وجهودهم لتوسيع رقعة التوافق السياسي بين الليبيين وصولاً لمصالحة وطنية شاملة.

في السياق ذاته، عبر 90 عضواً بمجلس النواب عن رفضهم توقيع حكومة الدبيبة، مذكرة التفاهم مع تركيا، وأرجعوا ذلك إلى انتهاء ولايتها الشرعية على البلاد، كما أن الاتفاق السياسي يحظر على حكومة الدبيبة توقيع أي اتفاقات أو تعهدات. واعتبر النواب الموقعون على البيان، أن ما حدث يعد “اعتداءً على ثروات الشعب الليبي، وبالتالي لا تترتب عليه أي مسؤولية على الشعب الليبي حالياً ولا مستقبلاً”، مطالبين الجانب التركي باحترام السيادة الليبية وقراراتها.

كما أكدت حكومة باشاغا اعتراضها الشديد على هذا التوجه، لافتة أنها ستبدأ التشاور المباشر مع الشركاء الوطنيين والإقليميين والدوليين للرد بالشكل المناسب على هذه التجاوزات التي تهدد مصلحة الأمن والسلم في ليبيا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، وللحكومة الليبية حق اللجوء إلى القضاء لوقف هذا العبث بمصالح البلاد.

رفض مصري يوناني

وحول ردود الفعل الإقليمية، شدد وزيرا خارجية مصر سامح شكري واليونان نيكوس ديندياس على أن “حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم مع أية دولة أخرى”.

ويتوقع محللون أن ينعكس الاتفاق التركي الجديد مع ليبيا على علاقة أنقرة بالقاهرة التي شهدت تحسناً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، وإعادة للعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين والبدء في مفاوضات لحسم خلافاتهما التي احتدمت خلال الفترة الأخيرة بسبب السياسات الخارجية لأنقرة، وتدخلها في صراعات إقليمية عدة أبرزها النزاع الليبي.

وأعرب الاتحاد الأوروبي في بيان مقتضب عن “رفضه الاتفاق الذي جاء وفقاً لمذكرة التفاهم الموقعة عام 2019 بين ليبيا وتركيا”، داعياً إلى “تجنب الأعمال التي يمكن أن تقوض الاستقرار الإقليمي”.

ونوه الاتحاد إلى أنه “لم يتم الإعلان عن الاتفاق الجديد بين تركيا وحكومة الدبيبة حتى الآن، وهناك حاجة إلى مزيد من الإيضاحات في شأن محتواها”.

مقايضة الأمن بالطاقة

الطاقة تعد من أبرز محددات الوجود التركي المكثف في المشهد الليبي، ولاسيما أن أنقرة تستورد أكثر من 90 % من الغاز، و 94% من النفط. لذلك لا شك بأن تنظر تركيا لليبيا كمركز للنفوذ مع وجود النفط والموانئ التجارية بها، ولعل أبرز تجليات هذا الحضور التركي لتحقيق أهدافها كان قبل 3 أعوام حين قدمت تركيا الدعم العسكري المباشر لحكومة السراج بعد اقتراب قوات خليفة حفتر من طرابلس.

أما بالنسبة للوضع الحالي داخل ليبيا الذي يعد مشابها بشكل كبير للوضع السابق، حيث يوجد رسائل عدة عكسها حضور وفد تركي رفيع المستوى على رأسه وزيرا الخارجية مولود جاويش أوغلو والدفاع خلوصي آكار، الى العاصمة الليبية وجلوسهما الى جوار وزراء حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، للتوقيع على اتفاقات ومذكرات تفاهم، معنية بالاستثمار والنفط والتسليح. وعُدت تلك الخطوة دعماً تركياً للحكومة المسيطرة على طرابلس برئاسة الدبيبة، في مواجهة الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا.

وبينما تعتمد مذكرة التفاهم المثيرة للجدل على الاتفاق الذي أبرم عام 2019 لتحديد المناطق الاقتصادية والحدود البحرية بين تركيا وليبيا، فتعتمد تركيا على القاعدة القانونية للاتفاق الأول وتقويه من ثم بالاتفاق الأخير، وهو أيضا كاتفاق جاء بطلب ليبي لإعطاء الشرعية لحكومة الدبيبة باعتبارها تتجه إلى الأطراف المعنية في المتوسط والعالم ، بل وتضمن وجود الحكومة بشكل أكبر، والملف ذاته يعطي تركيا شرعية أكبر فيما بعد لحماية المصالح المشتركة.

إلى أين ستتجه الأوضاع؟

داخليا:

الدبيبة أصبح يدرك أنه في وضع صعب، وتوقيعه مذكرة تفاهم ماهي إلا محاولة يائسة لفتح مسارات للتمديد والبقاء وتعزيز وجوده في المشهد السياسي، أما الجانب التركي يسعى ليكون جزءًا من خارطة غاز شرق المتوسط، وليسوا معنيين بالدبيبة قدر حاجتهم لضمان تقاسم استراتيجي للمستقبل وما بعد الانتخابات في ليبيا.

وبناء عليه فمن المتوقع بأن الاتفاقيات الجديدة الموقعة بين حكومة الدبيبة وتركيا حول التنقيب عن النفط، سيزيد من توتير الوضع السياسي والأمني داخل ليبيا، وسيزيد أيضا من الأحمال على بعثة الأمم المتحدة التي يقع على عاتقها جمع الأطراف السياسية الليبية وإقناعها بضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار من أجل التوصل إلى مسار سياسي آمن.

اقليميا:

 اتفاقية ترسيم الحدود التي تسعى تركيا لتثبيتها بمذكرة التفاهم الأخيرة تهدف لإقامة منطقة اقتصادية خالصة تمتد من ساحل تركيا الجنوبي إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي، وبالتالي تمنح تركيا مساحات أكبر للتنقيب في النفط والغاز في مناطق نفوذ تقول اليونان وقبرص أنها تابعة لها. ذلك بجانب التوترات الأخيرة بين اليونان وتركيا التي جعلت العلاقات بين الجارتين تصل إلى أدنى مستوياتها، ووصل الأمر إلى تحذيرات من احتمال نشوب حرب بين البلدين العضوين في الناتو.

وتفتح تلك الخطوة التركية أيضا الباب على مصراعيه للتساؤل عن تأثيرات تثبيت أنقرة نفوذها في الغرب الليبي، على ملف إعادة إحياء العلاقات التركية – المصرية والخطوات التي مضت في هذا الخصوص. علماً أن القاهرة لا تعترف بحكومة الدبيبة منذ قرار مجلس النواب الليبي إطاحتها في مارس الماضي.

لذلك من المحتمل بأن تنسف تلك الخطوة الجسور التي مدتها أنقرة خلال الأشهر الماضية للتقارب مع خصومها السابقين خاصة مصر التي ترفض تلك الخطوة بشكل قطعي نظرا لأنها تتهدد مصالحها في المتوسط عن طريق قطع الطريق على اتفاقات مماثلة بين مصر واليونان وقبرص في المتوسط.

أيضا من شأن تلك الخطوة أن تعترض خط أنابيب إسرائيل لأوروبا الذي يرمي لنقل الغاز من إسرائيل، إلى بقبرص، ثم يتجه إلى المياه المصرية مرورا بجزيرة كريت، ثم اليونان، فإيطاليا.

في الخاتمة: بغض النظر أن تلك الخطوة تؤشر على استمرار مساعي الدبيبة لاتخاذ إجراءات ترسخ وجوده في المشهد الليبي، إلا أن مذكرة التفاهم البحرية الموقعة بين ليبيا وتركيا تحتاج الى تفعيل من الأمم المتحدة؛ اي اعتراف بها وهذا لن يتم الا بعد تصديق البرلمان عليه، إلا أن سياسة تركيا الخارجية تجاه المنطقة أثبتت أنها سياسة استفزازية لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها التوسعية عن طريق التدخل في شئون دول المنطقة الداخلية، وكان يعد هذا الجانب معرقل رئيسي مع خصومها قبل استعادة علاقاتهم معها في الأونة الأخيرة، ولكن لاتزال تلتف أنقرة بطرق غير مباشرة للتدخل في الأوضاع السياسية الخارجية.

كلمات مفتاحية