بعد قرار أوبك+.. ما هو مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية وماهي الخيارات المطروحة أمام واشنطن؟

بعد قرار أوبك+.. ما هو مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية وماهي الخيارات المطروحة أمام واشنطن؟

إعداد: رضوى الشريف

بعد قرار أوبك+.. ما هو مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية وماهي الخيارات المطروحة أمام واشنطن؟

لأكثر من سبعة عقود، وعلى الرغم من الاختلافات حول ملفات عديدة من أهمها ملفي حقوق الإنسان والصراع العربي الإسرائيلي، حافظت الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على تحالف وثيق على أساس تبادل الأمن مقابل النفط.  إلا أنه وفي الآونة الأخيرة، تراجعت   قليلا تلك المعادلة خاصة مع تولية جو بادين رئاسة الإدارة الأمريكية في مطلع عام 2020، وظهر نهج أمريكي جديد تجاه حلفاء واشنطن في المنطقة، نهجُ شابه العديد من التحفظات بضرورة إعادة النظر في علاقة دول المنطقة مع الولايات المتحدة، ولكن في الأشهر الأخيرة، حاول بايدن العمل على تصحيح الأمور وتحسين علاقة واشنطن مع دول الشرق الأوسط خاصة دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.

 دوافع بايدن لتحسين العلاقات كان على رأسها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على أسواق الطاقة والتي تسببت في ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط وبالتالي تكاليف أكبر للمستهلكين الأمريكيين من البنزين، مما خلق خطر أن يعاقب الناخبون حزب بايدن الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر المقبل؛ لذلك سافر الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية، في شهر يوليو الماضي، والتقى بالأمير محمد بن سلمان في محاولة لإصلاح العلاقات.

ولكن القرار الذي اتخذته منظمة أوبك + بقيادة السعودية في أوائل أكتوبر بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر القادم وضع علاقة واشنطن والرياض على أسس أكثر وضوحا من ذي قبل.

دوافع القرار

يُنظر إلى الخطوة على أنها محاولة من أوبك+ لضبط الأسواق ودعم الأسعار، التي وصلت إلى 120 دولارا للبرميل خلال الربيع لكنها بدأت تتراجع بسبب مخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد العالمي. وانخفضت إلى أقل من 90 دولارا للبرميل في سبتمبر الماضي.

كذلك أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان أكد أن قرار “أوبك+” كان مدفوعاً بمؤشرات السوق الأساسية، وأن التحالف بحاجة لأن يكون استباقياً خلال فترة تقلبات السوق الشديدة وحالة عدم اليقين التي أصبحت حاضرة بشكل غير مسبوق على ‏الساحة العالمية.‏

أيضا أكد الأمين العام لمنظمة “أوبك+”، هيثم الغيص، إن القرار بتخفيض الإنتاج، كان قرارا مدروسا ومبنيا على مؤشرات وتوقعات واضحة، وكان بالإجماع بين 23 دولة، مشددا على المرونة الموجودة في الاتفاق رغم أنه يمتد إلى نهاية العام 2023، وذلك في حال تغير أي شيء، حيث هناك جهوزية للتحرك.

ويرى بعض الاقتصاديين أن قرار أوبك بلس “إيجابي” وسط محاولة موازنة بين العرض والطلب؛ فالتباطؤ الاقتصادي في الصين والدول الأخرى المتقدمة يشير إلى هبوط الطلب على النفط، لذلك فإن القرار سينعكس على دعم أسعار النفط، وهذا بالنهاية وعلى المدى البعيد سيصب في مصلحة الاقتصاد العالمي ونموه.

استنفار أمريكي

أثار قرار منظمة أوبك + بقيادة السعودية غضب واشنطن، وتصاعدت الأصوات داخل البيت الأبيض وهدد مسؤوليه بالتشاور مع الكونجرس حول سبل الحد من تأثير أوبك على أسعار النفط حيث دعا تشاك شومر، زعيم الأغلبية بمجلس النواب الأمريكي إحياء مشروع قانون يسمى ” لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط “، المعروف باسم NOPEC، والذي من شأنه أن يخول وزارة العدل الأمريكية رفع دعوى قضائية ضد أوبك بخضع المنظمة لنفس قوانين مكافحة الاحتكار المستخدمة منذ أكثر من قرن.

بدوره، أشار النائب آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، إن قرار السعودية بخفض إنتاج النفط خلال أزمة الطاقة الدولية؛ هو مساعدة لروسيا في حربها على أوكرانيا.

واقترح مشرعون آخرون تقليص شحنات الأسلحة للسعوديين وسحب أنظمة الدفاع باتريوت وثاد. ومع ذلك، فإن كلا الخيارين يخاطر بتصعيد التوترات مع المملكة مع عواقب غير معروفة.

ولم يعلن بايدن حتى الآن عن الخطوات التي قد تتخذها واشنطن للرد على خفض إنتاج النفط. وأكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال المؤتمر الصحفي في بيرو إن الولايات المتحدة “تدرس عددا من خيارات الرد” بخصوص علاقاتها مع السعودية ولكن مؤكدا بأن واشنطن لن تفعل أي شيء يضر بمصالحها.

الخيارات المتاحة أمام واشنطن

يساور القلق إدارة الرئيس بايدن من أن يؤدي خفض إنتاج النفط إلى زيادة أسعار البنزين قبيل انتخابات التجديد النصفي الأمريكية في شهر نوفمبر القادم، إذ سيدافع الديمقراطيون عن سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ.

وتعتبر الأسعار، بصدارة أسعار الوقود محركا رئيسيا في هذه الانتخابات، والمتبقي لها قرابة شهر واحد في الولايات المتحدة. ومع ارتفاع الأسعار في المضخات على الصعيد الوطني داخل السوق الأمريكية، تسعى إدارة بايدن جاهدة لحماية الديمقراطيين من إحباط المستهلكين، وإلقاء اللوم على انتهازية شركات النفط وتهديد قيود جديدة على الصناعة.

ولا يعد استهجان البيت الأبيض للقرار أمراً مستغرباً، لذلك فهناك خيارات عدة مطروحة على الطاولة للتعامل مع ارتفاع أسعار الوقود.

الخيار الأول: الضخ من احتياطي النفط الاستراتيجي

استكمال الرئيس جو بايدن لخطته المعلنة سابقا لبيع 180 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي، حيث كانت تشير التوقعات إلى أن منظمة أوبك + قد تخفض الإنتاج بمقدار 1 مليون برميل فقط. وساعد الانخفاض في الأسعار الذي امتد لمدة 99 يوما الماضية حتى الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، على تحسين آفاقهم في انتخابات التجديد النصفي الشهر المقبل، والتي تكون خلالها السيطرة على الكونجرس والعديد من المحافظات الرئيسية على المحك.

إلا أن القرار الأخير للمنظمة بخفض الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل كان بمثابة صفعة لإدارة بادين بمحاولاته المستميتة للحد من أسعار البنزين، حيث بالرغم من أن الولايات المتحدة قامت عقب قرار منظمة أوبك+ ببيع 10 ملايين برميل إضافي من احتياطي النفط الاستراتيجي للأسواق المحلية، إلا أن الاقتصاديين يحذرون بأن تلك الخطوة قد تستنزف من احتياطي النفط الاستراتيجي الذي يهبط إلى مستويات أقل منذ 1984 طبقا لبيانات حديثة من وزارة الطاقة الأمريكية.

الخيار الثاني: تخفيض صادرات النفط

ويعد الخيار السياسي الثاني الذي قد يكون الأكثر فاعلية لدى البيت الأبيض هو سلطة الطوارئ للحد من الصادرات إلى الدول الأخرى. وهي استراتيجية تستهدف زيادة المخزونات في داخل الأسواق المحلية ولكنها قد تزعزع استقرار الأسواق العالمية وتؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة، وسيكون من الصعب أيضا تحقيق التوازن مع التزام الرئيس بالحفاظ على تدفق أكبر قدر ممكن من النفط إلى أوروبا.

أوروبا اليوم تعتمد بشكل كبير على النفط القادم من السوق الأمريكية، وأي قطع من واشنطن يعني أن النفط سينضم إلى الغاز الطبيعي في أزمة توفر مصادر الطاقة التقليدية في القارة الأوربية، ذلك بجانب أن أوربا سترى أن واشنطن قد تخلت عنها.

الخيار الثالث: تخفيض العقوبات على فنزويلا أو وإيران

بما أن جميع الخيارات مطروحة، فقد ينظر البيت الأبيض في إجراءات إضافية ترتبط بتخفيض العقوبات عن فنزويلا للسماح بزيادة الإنتاج. نظرياً، لدى فنزويلا قدرة على إنتاج ما يصل إلى ٣ مليون برميل، لكنها تنتج حالياً أقل من ٧٠٠ ألف برميل في اليوم فقط. ومع ذلك، فإن مقدار القدرة الفعلية المتاحة تعد موضع تساؤل، حيث لم تكن هناك صيانة كافية للبنية التحتية. 

الأمر بالنسبة لإيران 

تحاول إدارة بايدن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) منذ ما يقرب من عامين حتى الآن، ولكن دون نجاح يذكر بسبب مطالب الجانب الإيراني. وتتمتع إيران بقدرة إنتاجية مماثلة لفنزويلا، لكن من المعلوم أنها تمارس صيانة أفضل.

ومن شأن إعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة أن تسمح لإيران بتصدير النفط الخام إلى أوروبا لزيادة صادرات البنزين إلى الولايات المتحدة، مما قد يساعد في خفض سعر المضخة. ولكن بالطبع، لن يكون لمثل هذه الصفقة أي تأثير قبل الانتخابات النصفية. 

الخاتمة

أشعل قرار منظمة النفط بخفض الإنتاج مليوني برميل يوميًا حتى نهاية عام 2023م، لهيبًا داخل أوساط صناع القرار بالبيت الأبيض، ولكنه جاء ليكشف عن دور جديد للدبلوماسية السعودية يعتمد قوامه على تنوع العلاقات، وعدم رهنها عند حليف واحد.

وكعادة السياسيين الأمريكيين بالغوا في هجومهم على السعودية فور صدور قرار خفض الإنتاج، على الرغم من أن القرار يعود لمنظمة الأوبك متعددة الأعضاء، وليس للسعودية وحدها.

وبالرغم من أن بعض المراقبين يحاولون تسييس قرار منظمة أوبك+ بأنه دخول سعودي- خليجي في لعبة انتخابات الكونجرس القادمة، وذلك بقصد التأثير على الحزب الديمقراطي بزعامة بايدن، وعدم منحه فرصة الفوز في الانتخابات، مستخدمًا ورقة خفض أسعار النفط، إلا أن الخطوات السعودية المتكاملة تجاه واشنطن، والتي سبقت العملية الانتخابية القادمة تؤكد أن عهدًا جديدًا متوازناً في السياسة الخارجية السعودية تشكل بالفعل، وهو يقوم على أن التحالفات الدولية ترعى المصالح المشتركة للدولتين، ولن تكون في المستقبل لصالح طرف واحد.

وفي النهاية، العلاقات السعودية الأمريكية قد يشوبها بعض الشوائب في بعض الأحيان، لكنها في النهاية تعود للنسق الطبيعي، وستظل العلاقة بينهما علاقة استراتيجية، مهما شابها بعض الفتور، أو اختلفت وجهات النظر ولن تتجه إلى التصعيد.

 

كلمات مفتاحية