تجديد الضربات الإيرانية لكردستان العراق
إعداد : ميار هاني
تعرض إقليم كردستان، المتمتع بالحكم الذاتى شمال العراق، لهجمة إيرانية فى الفترة الأخيرة، استهدفت مواقع تنظيمات أكراد-إيران المعارضين لنظام طهران الحالى والتى تتخذ من الإقليم مقرا لها، بالتزامن مع إشتعال المظاهرات داخل المدن الإيرانية فى أعقاب مقتل الفتاة الكردية “مهسا أمينى”.
وقد أسفر ذلك عن ١٤ قتيلاً، وإصابة ٥٨ أخرين, معظمهم من المدنيين وبينهم أطفال، فضلًا عن تدمير العديد من البنى التحتية وفقا لبيان جهاز مكافحة الإرهاب فى إقليم كردستان، وأعلن قائد القوات البرية فى الحرس الثورى الإيرانى قصف صاروخى ل ٤٣ هدف فى الإقليم.
تجدر الإشارة أنه ليس الهجوم الأول على الإطلاق، فقد شهد الإقليم على مدار أعوام هجمات صاروخية متتالية، الا ان الهجوم الأخير على أربيل كان الأكثر تهوراً من بين الضربات الإيرانية،
وتوجد عدة إعتبارات تفسر تجدد الهجمات على أربيل، منها:
– القصف الإيرانى لكردستان بشكل أساسى مرتبط بإستقلال الإقليم فى ٢٠١٧، وما شكله من تهديد استراتيجى لإيران من منطلق تهديده لنفوذ طهران فى العراق، فى ضوء تبنيها مبدأ استراتيجى قائم على “وحدة العراق”، فضلا عن تداعيات هذا الاستقلال المتمثل فى إحيائه للنزعة القومية للطائفة الكردية فى الداخل الإيرانى، وعلى هذا الأساس تبنت طهران العديد من التحركات على المستوى الأمنى والسياسى بهدف محاصرة الإقليم لتقليل المخاطر التى يمثلها على مصالحها الاستراتيجية.
– اتهام طهران الأحزاب الكردية المعارضة أن لديها أذرع تحركها فى الداخل الإيرانى لتأجيج التظاهرات فى البلاد ولاسيما بالمناطق الكردية فى إيران ومنها: كردستان وكرمانشاه وايلام وغيرهم, ويمكن ربط هذه السردية والقصف العسكرى الأخير فى إطار ما يعرف ب “تصدير الأزمات”، وذلك من خلال:
- تصدير فكرة ان الأزمات الداخلية تعد من المؤامرات الخارجية التى يقوم بها خصومها لإستهداف النظام الإيرانى الحالى, وذلك لتعطى شرعية تمكنها من تصفية حساباتها مع المعارضة الكردية خاصة المسلحة، وهذا ما يجعل إيران تعمل على القضاء عليهم ووضعهم فى سلم أولوياتها.
- وعلى الجانب الأخر تشتيت التركيز الإعلامى وتغيير إتجاه الرأى العام المحلى والإقليمى والعالمى عن تطورات الأوضاع الراهنة بإيران.
– طموح أربيل فى تصدير الغاز لتركيا والاتحاد الاوروبى برعاية إسرائيلية، حيث يمتلك الإقليم احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعى تقدر بحوالى ٢٥ تريليون قدم مكعب، ومن شأن ذلك أن يهدد مكانة إيران فى سوق الطاقة العالمى.
حيث سيسمح لكردستان بأن تتحول إلى منافس مستقبلى لإيران، وخاصة فى ملف تصدير الغاز إلى تركيا، ناهيك عن أن الإقليم يمكن أن يلعب دورا محوريا فى تخفيف الضغط على الحكومة العراقية بفعل اعتمادها على استيراد الغاز الطبيعى من إيران بشكل كبير لتجهيز محطات الطاقة الكهربائية، مما يمثل تهديد سافر لإيران بإعتبارها المورد الرئيسى للطاقة فى العراق وتركيا.
ولعل الهجمات التى شنتها إيران على الإقليم، فى ١٣ مارس الماضى، تؤكد مقاومة طهران توريد أربيل للغاز؛ حيث أستهدفت وفقا للحرس الثورى الإيرانى،”مراكز إستراتيجية” إسرائيلية فى أربيل ردّاً على غارة جوية إسرائيلية قتلت اثنين من أعضائه فى سوريا. إلا أن فى حقيقة الأمر معظم الصواريخ التى تم إطلاقها أصابت محل إقامة رجل أعمال كردى كان يعمل على تطوير خط أنابيب لتصدير الغاز.
– طرح أربيل نفسها كحليف لدول تعتبرها طهران إما من الخصوم أو المنافسين لها، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتركيا، وعلى الرغم أنه لا توجد علاقة رسمية بين كردستان وإسرائيل، إلّا أن وجود علاقات شبه رسمية وغير رسمية، وخصوصاً في مجال الدعم الأمنى والاستخباراتى والأعمال، ليس مفاجئاً، حتى أن بررت إيران الهجمات التي شنتها فى الأشهر الأخيرة بأنها “جاءت كرد على تحركات الموساد الإسرائيلى فى الإقليم”، وعليه ترى طهران ان كل ذلك أسهم فى تمثيل تهديدا مباشرا.
ردود الأفعال إزاء القصف الإيرانى الأخير لأربيل:
- أقتصر رد الفعل العراقى على الإدانة، مع إستدعاء رئيس الوزراء العراقى السفير الإيرانى لتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة جرّاء تلك العمليات المستمرة على كردستان، مما اعتبر خطوة شكلية وليست كافية، خاصة مع غياب موقف رسمى حازم.
وعلى المستوى الدولى:
- وصفت الولايات المتحدة الأمريكية التصرف الإيرانى “بالوقح”، كما لم يقتصر الموقف الأمريكى على التنديد والإتهامات، حيث أعلنت اسقاطها لطائرة إيرانية مسيرة كانت فى طريقها الإقليم كردستان، بدعوى تشكيلها خطرا على القوات الأمريكية.
- وادانة برلين التصعيد ورفضت “محاولات تحميل دولة مجاورة اسباب الاحتجاجات فى ايران, بالتوازى مع استنكار باريس الضربات الإيرانية التى وصفتها “بالعشوائية”, فضلا عن إدانة وزارة الخارجية البريطانية الهجوم فى بيان إن “هذه الهجمات تشكل انتهاكا لسيادة ووحدة اراضى العراق وهى مرفوضة تماما”، متهمة ايران ب”زعزعة استقرار” المنطقة.
وعلى المستوى الإقليمى:
- أعربت الأردن إدانتها للهجوم فى بيانا لها، وأعلنت تضامنها المُطلق مع جمهورية العراق الشقيق، كما أكدت مصر رفضها للتصرف الإيرانى فى بيان لوزارة الخارجية المصرية.
وبالرغم من ردود الفعل الرافضة لهذا التحرك, إلا أن إيران تتحدى كل الإدانات الدولية والإقليمية إرتباطا بإعلان عزمها على مواصلة الهجمات فى الإقليم، فقد أكد الحرس الثورى الإيرانى بأن “هذه العمليات ستستمر حتى يتم نزع السلاح، داعيا حكومة كردستان وحكومة العراق إلى “تحمل مسؤولياتهما بمزيد من الجدية تجاه إيران كجارة”.
وأخيرا, تعدد الهجمات الإيرانية على اقليم كردستان يعكس الاجراءات التى يتخذها النظام الإيرانى لترسيخ قواعد حكمه داخل البلاد من خلال التخلص من اى عوامل خارجية تعرقل تحقيق هذا الهدف, ومع استمرار أربيل فى تبنى تلك السياسات ، تزداد المخاوف بشأن تصعيد عسكرى إيرانى مع احتمالية حدوث توغل عسكرى فى الإقليم.