مهمة سلام برعاية إماراتية فى سان بطرسبرج
إعداد : ميار هاني
ألتقى الرئيس الإماراتى “محمد بن زايد” نظيره الروسى ” فلاديمر بوتين”، الثلاثاء الماضى فى مدينة سان بطرسبرج، لمناقشة عدد من القضايا والتطورات الدولية والإقليمية ذات الإهتمام المشترك.
وتجدر الإشارة أنها الزيارة الأولى منذ تولى محمد بن زايد مقاليد الحكم كرئيس للدولة فى ١٤ مايو ٢٠٢٢.
كما يعد توقيت الزيارة بالغ الأهمية فى ظل المتغيرات المتسارعة التى يشهدها العالم، حيث تتزامن مع إشتعال الأزمة الروسية الأوكرانية وتفجير جسر مضيق كيرتش الذى يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، الأمر الذى يطرح احتمالات بدخول الصراع مرحلة أكثر خطورة مما سبق، إلى جانب اجراء الزيارة بعد أقل من أسبوع من إعلان أوبك + خفض إنتاج النفط العالمى بمقدار مليونى برميل يوميا، فى خطوة أعتبرها الكثيرون ان من شأنها مساعدة بوتين بتمويل تحركه داخل أوكرانيا، وما اثاره هذا القرار من ردود أفعال سلبية من جانب واشنطن.
وحققت الزيارة نتائج هامة على مستوى أربع ملفات رئيسية، ألا وهما: (ملف العلاقات الشخصية بين الرئيسين – ملف العلاقات الثنائية بين البلدين – ملف الأزمة الأوكرانية – ملف الطاقة).
وعلى الرغم من عدم ارتباط تلك الملفات ببعضها البعض بطريقة مباشرة، إلا ان نتائج الزيارة فى كل ملف كان لها أثرها على الآخر.
أولا: العلاقات الشخصية بين الرئيسين
تضمن اللقاء العديد من اللفتات التى أرسلت رسائل قوية عن التقارب الوثيق بين البلدين ومدى قوة العلاقات الشخصية التى تربط بن زايد ببوتين، وتمثلت فى:
- استقبال الرئيس بوتين ضيفه بحفاوة شديدة، واصفا أخر زياراته للإمارات فى ٢٠١٩ بأنها كانت “شيئا لا ينسى”.
- مخاطبة الشيخ محمد بن زايد بوتين بكلمة “صديقى”، حيث قال: “سعيد جدا بشوفك صديقى فخامة الرئيس”.
- حرص الرئيس الإماراتى على تهنئة بوتين بعيد ميلاده، وهنا حرص بوتين على أن يردّ باللغة العربية، قائلا: “شكرا”، مما يوحى بالمكانة التى يحظى بها فى بلاده.
- بحسب موقع “روسيا اليوم”، أهدى بوتين نظيره الإماراتى معطفه للوقاية من برد سان بطرسبرج، فى لفتة تدل على قوة العلاقة بينهم.
- تخلى بوتين عن الطاولات الكبيرة أثناء لقائه، مفضلا جلوسه بجوار ضيفه، حيث لم يفصل بينهم سوى أقل من متر.
– فتلك اللفتات كان لها أثر واضح على جملة مباحثات الرئيسين فى باقى الملفات.
ثانيا: العلاقات الثنائية بين البلدين
وعلى هذا الصعيد، بحث الشيخ محمد بن زايد والرئيس بوتين مختلف جوانب العلاقات بين البلدين، وأشارا أن مستوى العلاقات يشهد نموا سريعا.
بدوره، عبر الشيخ محمد بن زايد عن هذا التطور الملحوظ بلغة الأرقام، لافتا إلى تضاعف التبادل التجارى من ٢.٥ إلى ٥ مليارات دولار، كما أشار أن عدد السياح الروس فى بلاده قد وصلوا إلى نصف مليون سائح، معربا عن أمله فى مضاعفة هذه الأرقام فى الفترة المقبلة.
ثالثا: الأزمة الأوكرانية
وفى سياق العلاقات الشخصية القوية والروابط المتنامية فى مختلف المجالات، أبدى الرئيس الإماراتى مسعى للقيام بدور فى الدفع بحل سلمى للأزمة الروسية-الأوكرانية، مؤكدا على ضرورة استمرار المشاورات الجادة لحل الأزمة مهما كان مستوى تعقيدها.
وهو ما لقى قبول واسع من جانب نظيرة الروسى، حيث أكد الرئيس بوتين أن بلاده تقدر دور الإمارات الهام فى عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، فضلا عن جهودها الحالية التى أكدت استعدادها لمواصلة جهود الوساطة، كما أبدى من جانبه الاهتمام باستمرارية جهود الوساطة الإماراتية.
أطلع الشيخ محمد بن زايد، الرئيس بوتين، على موقف الجانب الأوكرانى فيما يتعلق بعدد من القضايا.
وبدوره، أطلع الرئيس بوتين ضيفه على الوضع فى محطة زابوريجيا النووية والجهود التى تتبناها روسيا لضمان سلامة الأمن النووى.
رابعا: ملف الطاقة
حضر ملف الطاقة، أحد أبرز تداعيات الأزمة الأوكرانية، خلال المباحثات بين الرئيسين.
فقد أكد بوتين، بعد قرار أوبك بلس بخفض الإنتاج، أن تلك الإجراءات تهدف لتحقيق الاستقرار فى أسواق الطاقة العالمية وتحقيق مصالح المنتجين والمستهلكين، وأنها ليست موجهة ضد أى طرف.
وسبق أن أكد الشيخ محمد بن زايد استمرار بلاده “مزوداً موثوقاً للطاقة، وداعماً لأمن الطاقة العالمى كونه العمود الفقرى لتمكين النمو والتطور الاقتصادى العالمى”.
– ومن الجدير بالذكر أن كلا الدولتين يجمعهما إرث زاخر من العلاقات الراسخة والوطيدة التى تمتد لأكثر من ٥ عقود، تقوم على إحترام متبادل وإرادة مشتركة.
– وفى الختام، جسدت الزيارة رؤية إماراتية راسخة بأهمية إحلال الإستقرار والسلام والعمل على إيجاد حل لهذة الأزمة ووضع نهاية للحرب الروسية الأوكرانية، التى باتت تؤرق العالم، عبر الآليات الدبلوماسية.
ومن المتوقع أن تلعب الإمارات دورا هاما قد يساهم فى تهيئة البيئة لحلحلة الأزمة الأوكرانية، لعدة الأسباب منها:
- التفاهمات المشتركة الروسية-الإماراتية والتى بدورها تساهم في خلق أجواء إيجابية من المشاورات والتعاون على كافة الأصعدة، بدءا من التعاون الثنائى وصولا إلى القضايا الإقليمية والدولية.
- حرص الإمارات منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، قبل أكثر من ثمانية أشهر، على الحفاظ على علاقات متوازنة مع الجانب الأوكرانى، وهو ما يخولها أن تلعب دورا إيجابيا.
- الثقل الإقليمى الكبير التى تتمتع به فى منطقة الخليج.
- كما يعرف بن زايد بوساطاته ومبادراته الهامة فى أكثر من أزمة على المستوى الإقليمى والدولى، لذا من المتوقع ان يكون لديه الكثير ليقدمه لحل الأزمة.
وأخيرا، ان الأطراف المعنية بالنزاع داخل أوكرانيا مطالبة الآن أكثر من أى وقت مضى بالاستماع إلى صوت الدبلوماسية والحلول السلمية، والا سيدفع العالم لمزيد من الأزمات الخانقة التى تبقى آثارها السلبية لسنوات عديدة.