مصير الهدنة اليمنية أمام تعنت الحوثيين
إعداد : جميلة حسين محمد
رفض الحوثيين في مطلع هذا الشهر الجارى خطة مبعوث الأمم المتحدة “هانس غروندبرغ” لتجديد الهدنة بينهم وبين القوات اليمنية للتهدئة النسبية للصراع اليمنى /الحوثى ووقف إطلاق النار بعد ما دامت 6 أشهر. وقد جاءت تلك الهدنة في اطار اختراق الميليشيات الحوثية لاتفاق ستوكهولهم المنعقد في أواخر عام 2018 لوقف اطلاق النار في مدينة الحديدة، وجاءت الهدنة في اطار تحرك الأمم المتحدة وبعض القوى الدولية والإقليمية في شهر ابريل هذا العام لوقف إطلاق النار وتهدئة الوضع اليمنى، وعقدت تلك الهدنة المؤقتة لمدة شهرين وتم تجديدها مرتين لتشمل بنود جديدة، ومن أبرز بنود هذه الهدنة إيقاف العمليات الهجومية، وفتح مطار صنعاء والسماح برحلتين جويتين كل أسبوع، وتخفيف الحصار على مؤانى الحديدة بما في ذلك تيسير دخول 18 سفينة الى موانئها حاملة بالوقود، وذلك في مقابل فك الحصار عن مدينة تعز وفتح غيرها من المحافظات لتحسين حرية حركة المواطنين في اليمن.
المشهد اليمنى
لقد أثرت الهدنة بشكل ايجابى على الوضع الانسانى في اليمن حيث انخفضت عمليات استهداف المخيمات وانخفض عدد الضحايا بحوالي 60 % كما أفادت بعض المنظمات الإنسانية من ناحية، واعرب السكان عن وجود تحسن نسبى في الحياة اليومية وتوافر لبعض السلع الأساسية واستعادة العمل من ناحية أخرى. ومن ثم فان عدم عقد الهدنة سيزيد من عدد النازحين خصوصا في المناطق الاهلة بالسكان مثل تعز ومأرب والحديدة والضالع، وينذر بمزيد من الضحايا والخسائر. فالحرب فى اليمن منذ بدايتها عام 2014 أدت الى قتل الاف المدنيين والعسكريين وأدت الى نزوح السكان، فقد وصفت الأمم المتحدة الأزمة اليمنية بأنها الاسوء في العالم وخاصة مع تفشى الأمراض وسوء التغذية بين اليمنين.
فى حين أبدت الحكومة اليمنية ترحيبها بتمديد الهدنة التى تراها الطريق لايقاف الحرب والصراع فى اليمن لما فى ذلك من مصلحة للشعب اليمنى وحل أزماته الانسانية وكذلك الاقتصادية. ولكنها أكدت على أن سعيها للسلام لا يعنى ضعف موقفها أمام الطرف الحوثى وعدم قبولها لابتزازه، وأضافت قدرتها على التصدى للأخيرة بكافة قواتها لمحاولات اختراقها وهجماتها المتكررة على الصعيد العسكري.
المشهد الدولى
لقد أعرب أعضاء مجلس الأمن عن مدى استيائه من رفض ميليشيات الحوثى لتجديد الهدنة، التى يرأها انها الحل الأمثل لتهدئة الأوضاع فى اليمن مشيرًا الى مدى الاستقرار النسبى والانخفاض فى عدد الضحايا بين المدنيين الذى شهدته اليمن فى فترة الهدنة. ودعوا الاطراف محل الصراع لاعادة التفاوض من جديد تحت رعاية الأمم المتحدة وخاصة الطرف الحوثى فدعوهم الى ضرورة اعطاء أولوية لمصلحة الشعب اليمنى والامتناع عن الهجمات العدائية داخل اليمن وفى المنطقة وعلى البحر الأحمر. ومن ناحية أخرى فان مصلحة الولايات المتحدة إيقاف أي صراع محتمل داخل اليمن خاصة مع اقتراب الانتخابات النصفية للرئيس الأمريكي جو بايدن وتبنى الطرف الامريكى حل هذه الأزمة بل أنه أصبح من أحد أولويات الادارة الأمريكية، وهذا أيضا اتجاه دول أوروبا للعمل بشكل طارئ لتوسيع وتمديد الهدنة وذلك من أجل تأمين نقل امدادات الطاقة.
مطالب تعجيزية
ان فشل الهدنة ينتج عن وضع الطرف الحوثى عدد من المطالب التي رأها البعض بانها مطالب تعجيزية بل وانها ابتزازية بعض الشئ، وتأتى تلك المطالب في اطار رغبة الطرف الأخير في الانخراط داخل المجتمع اليمنى بوضع طبيعى ومتكامل في المناحى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتأتى في مقدمة تلك المطالب اقتسام عائدات النفط الخام والغاز مع الحكومة اليمنية، ودفع رواتب موظفي عناصر الحوثي والعسكريين المتقاعدين من إيرادات النفط في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وفتح مطار صنعاء وموانئ الحديدة دون عوائق، بالإضافة الى تجديد الطلب بالسماح بدخول المشتقات النفطية والسفن التجارية للسلع والبضائع والمستلزمات الطبية والدوائية الى مناطقهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل قاموا بتهديد استهداف خطوط الملاحة الدولية التى تمر عبر البحر الأحمر وكذلك المصالح النفطية فى اليمن اذا لم يتم الموافقة على تلك الشروط. ومع انقضاء مدة الهدنة تم استئناف الاشتباكات بين قوات الجيش اليمنى وقوات التحالف بقيادة السعودية والميليشيات الحوثية في الرابع من هذا الشهر الجارى من خلال انفجارات شهدتها العاصمة صنعاء من جانب الحوثيين، لمحاولة اطلاق صواريخ باليستية نحو المدن التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية اليمنية. ومنذ أيام أطلقت عدد من الصواريخ على محاظة مأرب شرق اليمن لتواصل حالة من الفزع والانتهاكات للشعب اليمنى.
ناهيك عن الاختراقات التى قاموا بها فى مرحلة ما قبل انتهاء الهدنة تمثلت أهمها فى وجود طائرات تحلق فوق مواقع الجيش اليمنى، ومواصلة الحصار على تعز وعدم فتح الطرق، وكذلك تحصيل أرباح من قطاع الاتصالات والضرائب على الصناعات الرئيسية. وفى الشهر الماضى ذكرت مصادر ميدانية مواصلة الميليشيات الحوثية استهداف المناطق الشرقية لمدينة تعز بالمدفعية والأسلحة الرشاشة والمنطقة الغربية بها حيث أطلقت طائرة مسيرة مفخخة بها ولكن نجحت الدفاعات الجوية للجيش اليمنى والمقاومة اسقاطها، وكذلك مدينة مأرب التى شنت هجمات واسعة على مواقع الجيش اليمني والمقاومة في جنوب وغرب المحافظة.
واستغل الحوثيين فترة الهدنة لاعادة حشد المعسكر الحوثى وتحقيق مكاسب سياسية، خاصة بعد الانتصارات التى حققتها القوات اليمنية علي الحوثيين فى مطلع هذا العام وقدرتهم على اخراج الأخيرة من مدينة شبوة. حيث تم استغلال فتح ميناء الحديدة للتمكن من تهريب السلاح، وكذلك فتح مطار صنعاء للرحلات الى بيروت وطهران من أجل تبادل الخبراء والأسلحة وتقتنيات جديدة لهدف اعادة الحشد واعادة نشر المسلحين. هذا بالاضافة الى الاستعراض العسكرى الذين قاموا به فى صنعاء فى الشهر الماضى حيث تم استعراض صورايخ باليستية وصواريخ مضادة للسفن وطائرات مسيرة ومروحيات عسكرية تستخدم بعضها فى عمليات انتحارية وأخرى فى عمليات للرصد والمراقبة. وأكد بعض الخبراء أن تلك الصواريخ والطائرات هى ايرانية محدثة، حيث تسعى ايران دوما الى تقديم يد العون والمساعدة للحوثيين وبناء تحالف قوى معهم باعتبارهم وكيل ايران فى اليمن وذلك من أجل لمواجهة المسلحة مع الدولة.
وأخيرا، فى اطار حالة من الترقب لموقف الهدنة أمام اعاقة الحوثيين لاعادة تمديدها للمرة الثالثة، وفى ضوء تهديدات الحوثيين المباشرة للملاحة الدولية والمنشات النفطية خاصة السعودية والامارتية مستغلا أزمة الطاقة العالمية، يمكن التنبؤ بعدم رضوخ الحوثيين لتمديد الهدنة خاصة بعد اعادة حشد قواتها من جديد بدعم ايرانى، مما يشير الى اعادة للصراع والحرب من جديد داخل الساحة اليمنية وهذا ما يسعى اليه الطرف الحوثى دوما الحرب واحداث الدمار، فالحوثيين لا يسعوا الى السلام ودوما ما يضعوا مصلحة الشعب اليمن خارج حسباتهم، وهذا يظهر فى عرقلتهم للهدنة بوضع عدد من المطالب الابتزازية التى لا يمكن الموافقة عليها اطلاقا من الجانب اليمنى. ومن ثم يجب على الطرف اليمنى بمساعدة قوات التحالف والاطراف الدولية العمل على تعزيز الدفاعات الجوية وحشد القوات لمواجهة حالة الحرب التى يستعد لها الحوثيين من جديد ومن المتوقع أن تكون أكثر حدة خاصة فى اطار أزمات داخليا وخارجيا.