“مقترح بيني على أرضية غير ممهدة”: كيف يمكن فهم مقترح ستيفاني ويليامز لحل الأزمة الليبية

إعداد : حسناء تمام كمال 

 بعد مرور عامين على اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، اقترحت المستشارة الخاصة السابقة للأمين العام للأمم المتحدة لدى ليبيا، ستيفاني وليامز، أن يجرى في أول انتخابات رئاسية انتخاب مجلس رئاسي يتكون من ثلاثة أشخاص، يمثل كل عضو منهم واحدة من المناطق التاريخية الثلاث في ليبيا، وذلك لمواجهة مخاوف استئثار الرئيس بالسلطة، هذا المقترح أعاد  هذا الطرح  دعاوى إعادة النظر  في   في شكل الدولة  الليبيبة  كأساس للحل .

ترى ستيفاني ويليامز الشكل الجديد   للسلطة،  قد يتمثل في شكل  مجلس رئاسي جديد ، كما ترى أن الضغط الدولي على مجلس الدولة والنواب،  من شأنه حسم القاعدة الدستورية ، وإن لم ينجح الضغط الدولي فيجب البحث عن بديل  آخر لإنجاز هذه المهمة،  كما أشارت أن وقف إطلاق النار الموقع في ليبيا لم يكن كافيًا بمفردة لإحداث تقدم في حالة الوضع الليبي الداخلي ،  الذي نتج  عنه استمرار تدهور الأوضاع في ليبيا. وأن الهدف الرئيس هو  معالجة مخاوف الاستئثار بالسلطة واعتبرته المدخل الرئيس لمعالجة ما يجرى في ليبيا.

أولًا: دعوات النظر في شكل الدولة ليست حديثة

بالرغم من أن ويليامز لم تعرض صراحة تبني الفيدرالية ، لكن ما طرحته بتشكل مجلس رئاسي ثلاثي ، يعكس تقسيم  الأقاليم بدرجة وبشكل.ما  ومع ذلك فطرح  الفيدرالية   في ليبيا ليس حديث ، ويعود بالأساس إلى  ماقبل الاستقلال ، أو أن الاستعمار هو من وضع جذوره.

قبل استقلالها عام 1952 كانت ليبيا مقسمة إلى عدة أقاليم، هي برقة وطرابلس وفزان، وكان لكل منها تاريخه مع الاحتلال، وحتى مع نشوء ليبيا، بعد إعلان المملكة الليبية المتحدة بقيت هذه الأقاليم موحدة، إلى حين إلغاء نظام الأقاليم لاستبداله بتقسيمات إدارية أصغر جغرافياً، وهي المحافظات.

ومع قيام الثورة الليبية  2011 أعيد إحياء هذه المطالب في بعض الأقاليم، وبالرغم من أنه لم يكن هناك  إجماع من الأقاليم الثلاثة عليها إلا  أن  قام برقة في مارس 2012 بإعلان منطقة برقة شرقي ليبيا “إقليما فيدراليا اتحاديا” واعتبر مؤيدو ذاك الإعلان أنه  معالجة لقضية التهميش وتحسين الأوضاع بالمنطقة الشرقية وليس تهديدا لوحدة ليبيا الوطنية.

 ومنذ ذلك الحين ، ويعلن  مجلس برقة في الأزمات المختلفة إعادة طرح فيدرالية  ليبيا  ، كان أهمها الدعوات المتصاعدة  في وقت إعلان مبادرة القاهرة في 2020 ، والتي لم يكتفي مجلس برقة فيها بطرح مطالبه داخليًا بل  فتح قنوات تواصل مع عدد من الدول  وفي مقدمها الولايات المتحدة، حيث أُنشئ مجلس سُمي “مجلس العلاقات البرقاوية الأميركية”.[1]

وجدير بالذكر أن لدى برقة ميول  للاتحادية أوسع من أي إقليم أخر وفي مايو 1919 م. أعلنت برقة مستعمرة إيطالية، واعترفت إيطاليا بالشيخ سيدي إدريس كزعيم السنوسيين وعرف بلقب أمير وفي يناير 1934م. أصبحت برقة وإقليم طرابلس وفزان تحت الاستعمار الإيطالي، وعرفت باسم ;ليبيا الإيطالية  حتى الحرب العالمية الثانية.

ثانيًا: إشكاليات متعلقة بالفيدرالية

الفيدرالية في الدستور:  تناول الدستور الليبي الفيدرالية في حالتان الأولى هي في دستور 1951،والذي ينص علي أن ليبيا دولة فيدرالية اتحادية ، في حين جاء دستور 1963 بإلغاء نظام الولايات واستبدل بتقسيم إداري يحتوي على عشر محافظات وتغير اسم البلاد إلى المملكة الليبية، في حين تنص  مسودة الدستور التي مازال بحثها لإقرار الدستور أن ليبيا دولة مستقلة لا تقبل التجزئة، ولا يجوز التنازل عن سيادتها، ولا عن أي جزء من  أقاليمها، تسمى الجمهورية الليبية، وذلك في مادته الأولى المتعلقة بشكل الدولة.

البحث عن الفيدرالية مدفوع بعدة أسباب :   تقف وارء  مطالب الفيدرالية عدة أسباب على رأسها التوزيع العادل للثروة بين الأقاليم الثلاثة، وهو مطلب قديم لسكان الشرق الليبي، ومعالجة التناقض بين ما تحويه الأقاليم من ثروات والعوائد التي يحصل عليها بعد استخراجها وتصديرها، وكذلك وتوزيع الثروة والسلطة، وتوسيع صلاحيات الحكم المحلي،مثل المحاصصة السياسية في تقاسم السلطات، وتشكيل مجلس رئاسي جديد، مكون من رئيس ونائبين، يتم اختيارهم على أساس عضو لكل إقليم جغرافي، من الشرق والغرب والجنوب.

ثالثًا: اقتراح ويليامز  انتقال وسط بين  مبادرة القاهرة ومطالب الفيدرالية

يمكن القول  أن اقتراح ويليامز ، هو محاولة  للوقوف علي أرضية وسط بين  “مبادرة القاهرة” لحل الأزمة الليبية التي طرحت  في يونيو 2020، وبين مطالب الفيدرالية التي يطالب بها أقليم برقة، إذا عالج كلا منهم المطالب  على النحو التالي فيما يتعلق بتوزيع السلطات  وموقفها من  الفيدرالية  والمركزية كالتالي:

أ‌- مبادرة القاهرة

جاء في  مبادرة القاهرة أن يقوم كل إقليم من الأقاليم الثلاث بتشكيل مجمع انتخابي يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان،  و قيام كل إقليم باختيار ممثله للمجلس الرئاسي ونائب لرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية، بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء ليقوم بدوره هو ونائبيه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيدا لإحالته لمجلس النواب لمنحها الثقة.

وأن يقوم المجلس الرئاسي باتخاذ قراراته بالأغلبية، عدا القرارات السيادية المتعلقة بالقوات المسلحة، و حصول كل إقليم على عدد مناسب من الحقائب الوزارة طبقا لعدد السكان، عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة، على ألا يجمع أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث (المجلس الرئاسي، مجلس النواب، مجلس الوزراء) .[2]

ب‌-    تصور الفيدرالية وفقا لمؤيدي الفيدرالية

وكان المقترح،  الذي قدمه برقة ، هو العودة إلى نظام فدرالي يجعل البلاد ثلاثة أقاليم هي برقة في الشرق، وطرابلس في الغرب، وفزان في الجنوب، والفيدرالية تعني إتحاد طوعي وإرادي لعدد من الأقاليم أو الدول  في تجمع وحدوي تتنازل فيه الأطراف المشكلة للدولة الفدرالية على جزء من صلاحياتها لصالح الحكم المركزي،وتنشأ بناء علـى دساتير تنظم السلطات وتحـدد كيفية ممارستها سـواء مـن طـرق الأقاليم او السلطة الفدرالية ، وتعرف ايضا على أنها كيانات دستورية أي منشأة بواسطة دستور ، تتمتع بالاستقلالية وتخضع للدولة الفدرالية كسلطة عليا [3]

 أما استيفاني ويليامز حاولت الوقوف علي أرضية وسط من المقترحين ، فهي لم تدعي إلي الفيدرالية بشكل مباشر ، أو أن تمنح الأقاليم الثلاث سلطات منفصلة عن المركزية كما يدعو مؤيدي الفيدرالية، وانمادعت يكون لكل اقليم ممثل في المجلس الرئاسي يعبر عن الإقليم ويأخذ مطالبه واحتياجاته في الاعتبار، وهذا قد يعني ضمنا أنها تريد التخلي عن فكرة  أن يكون هناك رئيس ونائبين كما دعت مبادرة القاهرة وإنما يكون المجلس الرئاسي وحدة متكاملة يمثل فيه الأعضاء الثلاثة على قدم المساواة.

رابعًا: من يرتضي مقترح ويليامز؟

لا شك أن مقترح ستيفاني ويليامز هو مقترح التفاعل حوله يحدث حالة من الجدل والتباين في الرؤى.

ترتضية حكومة الدبيبة والمبعوث الأممي:  لاشك أن مقترح ستيفاني يتوافق مع توجهات حكومة الدبيبة، بل  وبمثابة  الباب الخلفي  لإدماج الدبيب، ففي ظل حالة الاشتباك التي تجري مؤخرا ، وسبق كسب الشرعية بين  حكومتي باشاغا والدبيبة، وبين الاتفاق بين حكومة باشاغا ومجلس الدولة ، لا يتماشي مع  التفضيل الأممي الذي يرى أن الشرعية  بيد الدبيبة،ومن ثم فإن هذا الاقتراح قد يكون  مدخل لإعادة طرح التوافق مع الدبيبة.

تجاهل مجلس النواب وحكومة باشاغا للمقترح: اما من ناحية حكومة باشاغا ومجلس النواب فإن متوقع أن لا يلقوا بالاً لمقترح ستيفاني، وذلك على خلفية  مطالبهم المتكررة لاستيفاني بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الليبية، وتحفظه المتكرر علي مقترحاتها .

من ناحية أخرى فإن هناك تخوف من  إعادة طرح مسألة المجلس الرئاسي بفتح مسارات أخرى للحل في ليبيا، تؤدي إلي إطالة أمد الأزمة، أو تشتت مجهودات العملية السياسية،في ظل العديد من الملفات المفتوح التي لم تحسم بعد.  أما شركاء  مجلس النواب فبالرغم من أن المقترح قد يلقي قبولًا لديهم ، لكن يتوقع أن يكون تفاعلهم مرتبط بموقف المؤسسات الرسمية.

خاتمة:

بالأخير يمكن القول أن مقترح ستيفاني الذي تحاول الالتفاف على مطالب الفيدرالية بتغييرات في السلطة التنفيذية، هو محاول للوقوف على أرضية وسط بين الأطراف المتصارعة لكن تبقى الساحة والأطراف الليبية غير مستعدين له في هذا التوقيت.

بالرغم من عدم جاهزية الأرضية الليبية للبحث في  إعادة النظر في شكل الدولة ،  أو في  رأس السلطة التنفيذية، لكن  يبقي حل المشكلات التي تقف وراء هذه الدعاوى  أمر هام   لأنها  متعلقة بأسباب هامة  في الصراع.  ومنها  التوصل إلى طريقة مناسبة لتقاسم العائدات النفطية الموجود بكثرة في المنطقة الشرقية  وكذلك  توزيع الثروات الطبيعية ( الغاز، الماء، الذهب ، وغيرها من الثروات) على الأقاليم بالشكل الذي يلبي احتياجاتهم ويستجيب لمطالبهم، و التركيز على معالجة المشكلات ذات الطابع القبلي، إذ يمكن معالجة هذه المشكلات أن تساعد في تلبية المطالبة الواقفة خلف المطالبة بالفيدرالية

[1]    اندبندنت عربية ، تجدددعوي الفيدرالية، https://is.gd/wCvioN

[2 سكاي نيوز ، بنود إعلان القاهرة، https://is.gd/7NXzkl

[3] بشير شايب الفيدراليةة وخصائصها وأنواعها،  https://is.gd/dQ0WEJ
ايديا، نص مسودة دستور ليبيا، https://is.gd/KWt9g3

كلمات مفتاحية