إعداد : رضوى الشريف
تتكاثف – يومًا بعد يوم- المؤشّرات إلى احتمال عودة الأوضاع في اليمن إلى ما قبل الهُدْنة، في ظلّ استمرار التعثّر في مفاوضات تمديدها وتوسيعها، وغياب أيّ علامةٍ على إمكانية تَحَلْحُلِها قريبًا، وذلك بعدما أصبحت البنية التحتية والمنشآت العامة الاقتصادية والموانئ النفطية في مرمى الصواريخ والطائرات المُسيَّرة؛ ما يُنذر بأيامٍ صعبةٍ ستعيشها البلاد في الفترة القادمة.
ففي مسارٍ تصعيديٍّ جديدٍ، نقل الحوثيون – مؤخرًا- المعارك مع القوات الحكومية إلى الواجهة البحرية، الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، بعدما حوّلوا موانئ النفط إلى أهدافٍ مباشرةٍ، فقبل أسابيع، ضربت ميليشيا الحوثي ميناءيْن في “شبوة، وحضرموت”، ثم أُعيدت الكَرَّة يوم 10 نوفمبر، في شبوة في ميناء قنا، فيما هدَّدت بمواصلة معاركهم البحرية.
أثارت تلك الهجمات التي تعرضت لها الموانئ النفطية لتصدير النفط الخام في محافظتي “حضرموت، وشبوة”، جنوب البلاد، أزمة صراعٍ طاحنةٍ، تتركز في القطاع النفطي، بعد أن كان جزءٌ كبيرٌ من هذا الصراع يدور بصورةٍ غير معلنةٍ، واقتصر على طاولات الحوار، التي تُشرف عليها الأمم المتحدة.
إدانات واسعة
قُوبلت الهجمات الأخيرة التي قامت بها ميليشيا الحوثي ضد الموانئ النفطية، الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، بانتقادات عربية وغربية؛ حيث يرى الاتحاد الأوروبي في هجمات الحوثيين على موانئ النفط الخام “إهانة” للمبادئ الأساسية لقانون الملاحة، ومقدمة لتفاقُم الوضع الإنساني اليمني المتردِّي أصلًا.
وكان مجلس الأمن الدولي أدان بشدّة الهجمات بالطائرات المُسيَّرة، التي شنتّها الميليشيا الحوثية على ميناء الضبّة النفطي بمحافظة حضرموت، حيث كانت ترسو ناقلة نفط، وفي بيانٍ صحفيٍّ، اعتبر أعضاء المجلس ذلك “تهديدًا خطيرًا لعملية السلام واستقرار اليمن، والأمن البحري بما في ذلك الحقوق والحريات الملاحية المنصوص عليها في القانون الدولي”.
رسالة إيرانية
تأتي الهجمات الحوثية على موانئ النفط في مناطق تسيطر عليها الحكومة اليمنية بأنها جزء من ردود إيران على احتدام توتر العلاقة بينها وبين السعودية، إضافة إلى أنها تتزامن مع الضغوط الدولية المسلطة على طهران بسبب مشاركة مسيّراتها في الحرب الروسية – الأوكرانية والدعوات المطالبة بفرض المزيد من العقوبات على إيران.
يعبر انقلاب الحوثيين على كل تعهدات الهُدْنة التي قدَّموها إلى المجتمع الدولي عن أجندة إيرانية، تدفع نحو خلْط الأوراق، ومنْع أيِّ حلٍّ سياسيٍّ في اليمن على المدى المنظور، وذلك عن طريق تغذية الصراع، من خلال تزويد الحوثيين بالمُسيَّرات والصواريخ؛ من أجل امتلاك ورقة ضغطٍ كبيرةٍ، تتعلق بأمن الملاحة وعبور السفن، وخاصةً تلك التي تنقل النفط؛ ما يتيح لطهران التفاوض من موقع قوة في الملفات التي تخصُّها، وعلى رأسها، ملف البرنامج النووي.
وتتخذ طهران من هجمات الحوثيين على منشآت النفط في اليمن، وقبلها الهجمات المختلفة على السعودية، ورقة ضغط تُشْهرها في وجه المملكة، وقد بلغ التوتُّر أَشُدَّهُ، حين لوّح وزير الاستخبارات الإيراني، إسماعيل خطيب، بنفاد “الصبر الإستراتيجي” لبلاده تجاه السعودية؛ ما يُعدُّ مؤشرًا على إمكانية لجوء طهران إلى الخيار العسكري، والذي من المرجح، أن يكون في حال حدوثه عبْر أذرعتها في اليمن، متمثلةً في جماعة الحوثي.
تحرُّكات ميدانية
وعلى صعيد آخر، تسعى قوات التحالف بإعادة التحشيد العسكري؛ من أجل الجهوزية التَّامة؛ للتصدِّي لأيِّ هجماتٍ محتملةٍ في القريب العاجل؛ حيث دفعت السعودية والولايات المتحدة، خلال الأيام الماضية، بالمزيد من قوّاتهما إلى محافظات اليمن الجنوبية والشرقية، الغنية بالنفط والموانئ الإستراتيجية.
وفي هذا السياق، أكّدت تقارير إعلامية يمنية، وصول دفْعة جديدة من القوات الأمريكية على متْن طائرة شحنٍ عسكريةٍ إلى مطار الريَّان، الذي يحتضن قاعدةً عسكريةً “أمريكية – إماراتية” في حضرموت، شرقي البلاد، منذ عام 2016.
وأشارت المصادر، إلى أن هذه التعزيزات الجديدة، جاءت في ظاهرها، بناءً على طلبٍ من الحكومة اليمنية، تحت مُبرّر حماية الموانئ النفطية الجنوبية، التي تسبّبت ميليشيا الحوثي بوقْف تصدير النفط منها، شهر أكتوبر الماضي، من خلال استهدافها ميناء الضبة.
ويأتي ذلك، بالتوازي مع تحرّكات سعودية، في وادي حضرموت، منذ أسابيع، تستهدف تجنيد نحو 30 ألف عنصرٍ جديدٍ من أبناء المحافظة، في مقابل سعْيِ الإمارات لتثبيت تواجُدها جزيرتَيْ سقطرى وعبد الكوري، شرق خليج عدن، وتعزيز نفوذها في جزيرة ميون الإستراتيجية، المطلّة على مضيق باب المندب وخطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ختامًا:
منذ اندلاع الحرب الأهلية اليمنية، شكَّلت موانئ اليمن نقطةً فارقةً في مسار الحرب، فالموانئ البحرية التي تسيطر عليها الحوثي كميناء الحُدَيْدَة بجانب ميناء الصليف، تُعدُّ بمثابة شريان الحياة لهم؛ إذ تمدهم عبْر إيران بالأسلحة والذخائر، ويراها التحالف العربي معركة الفصل ضد الميليشيا، فالسيطرة على ميناء الحُدَيْدَة هي موت الحوثي سريريًّا، وتراجعهم عسكريًّا بمرور الأيام أكثر وأكثر، بالتالي من الممكن، أن ترسم عدة موانئ على بحر العرب والبحر الأحمر مستقبل وحاضر الحرب في اليمن.
وبالنظر للوضع الحالي، الذي لا تزال فيه المفاوضات لتجديد الهدنة متعثّرةً، من دون وجود أيّ مؤشّراتٍ إلى انفراجةٍ فيها في المدى المنظور، يشهد عددٌ من الجبهات ميدانيًّا، منها مأرب، تصعيدًا ملحوظًا، يُضافُ إلى استمرار عمليات التحشيد العسكري، وينضمّ هذا المؤشّر إلى المؤشّرات السابق ذكرها، حول احتمال عودة الأوضاع في اليمن إلى مرحلة ما قبل الهدنة.