إعداد : مروة سماحة
يُعدُّ تحقيق الاستقرار السياسي من أُولى الخطوات التي تسلكها أيُّ دولةٍ للخروج من مأزق الأزمات الاقتصادية؛ فهناك علاقة تكاملية بين كُلٍّ من الاستقرار السياسي ودفْع عجلة الاقتصاد والانفتاح نحو تنفيذ المزيد من الخطط التنموية، وبالرغم من المعاناة الاقتصادية التي يشهدها الداخل اللبناني، فلم تشهد البلاد لحظةً من الاستقرار السياسي منذُ مغادرة “ميشال عون” قصر “بعبدا”، الموافق يوم 31 أكتوبر الماضي، فباتت تُمثِّل مشكلةً؛ كوْنها بلا رئيسٍ وبلا حكومةٍ، ولاسيما بعد أن فشل مجلس النواب في حدوث استحقاقٍ انتخابيٍّ للمرة الخامسة على التوالي، يوم الخميس، الموافق10 نوفمبر، وأحكم الفراغ الدستوري قبضته على بلادٍ لا تأخذ عِبَرَ الماضي على أيِّ محْمَلٍ من الجدِّ والنَّفْع؛ فهذا الأمر ليس جديدًا على المشهد السياسي المعاصر في لبنان، فقد كان هناك سوابق عديدة لفشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيسٍ للبلاد، وكان أقربهم عهدًا الفراغ السياسي الذي مرَّت به البلاد قبل ولاية الرئيس السابق “العماد ميشال عون”، والذي استمر لمدة 29 شهرًا، وعقد خلالها مجلس النواب 45 جلسةً، وكانت تلك المدة بمثابة حِقْبةٍ مظلمةٍ بتاريخ لبنان، عمَّت فيهما فوضى الاستقطاب السياسي والفساد وضيق العيش إلى أن تمَّ انتخاب رئيسٍ للجمهورية، فيما يُعْرَفُ باسم تسويةٍ في صيغة اتفاق بالجلسة الـ46.
أسباب فشل الجلسة الخامسة للمجلس في انتخاب الرئيس الرابع عشر للبنان
كان الأمر محبطًا للغاية، بعد فشل مجلس النواب في التوافق على رئيسٍ جديدٍ للبلاد خلفًا لـ”ميشال عون” للمرة الخامس، وظل الشارع اللبناني يتساءل إلى متى ستظل البلاد تحت وطْأَة الشُّغُور الدستوري؟ وإلى متى ستظل لبنان مسرحًا للاستقطاب السياسي والتدخلات الأجنبية؟
فكان هناك العديد من الآمال المعقودة لحسْم الأمر، ولكن سرعان ما انفكَّتْ.
ويرجع السبب الرئيسي الذي يُعتبر حجر عثرةٍ وراء إخفاق البرلمان في عملية الاستحقاق الرئاسي، إلى ما نتج عن إعادة تشكيل البرلمان، في مايو الماضي؛ حيث قُسِّم إلى ثلاث كُتَلٍ رئيسيةٍ؛ فالكتلة الأولى: تنتمي إلى تيار 8 آذار، ومعروفة باسم “الموالاة”، وهذه الكتلة مُكوَّنة من عددٍ من القوى السياسة، بالإضافة إلى الكتلة الثانية: التي تُشكِّل المعارضة المحتضنة للأحزاب السياسية، علاوةً على ذلك الكتلة الثالثة: التي تُمثِّل نواب التغيير، والذين شاركوا في حراك 17 أكتوبر، وعدد منهم من الحقوقيين الذين دخلوا المجلس لأول مرةٍ في الانتخابات الماضية، والجدير بالذكر، أن لا أحد من تلك الكتل السياسية في مجلس النواب يملك الأغلبية.
وتجدر الإشارة، بأن انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية يتطلب أغلبية الثلثيْن من إجمالي الأصوات داخل البرلمان، وفي حالة عدم تمكُّن المجلس من انتخاب شخصٍ حاصلٍ على تلك الأغلبية، يتم تحديد توقيتٍ لإجراء جولةٍ ثانيةٍ، ويفوز فيها من يحْصُل على أغلبية النصف “+ واحد”، وتجْدُر الإشارة، بأنه – حتى الآن- لم يتم حصول مرشحٍ على أغلبية الثلثيْن، وسط فوضى عارمة داخل البرلمان، ومن ذلك المنطلق، لا تتوفر البيئة المناسبة التي تساهم في اختيار رئيسٍ للجمهورية في الوقت الرهن، وبالتالي فجميع الكتل السياسية مشاركة في الفراغ السياسي المُخيِّم على الداخل السياسي حتى اليوم .
وفي سياق المرشحين للانتخابات، من الجدير بالذكر، أن النائب ميشيل معوض، هو المرشح صاحب الحظ الأوفر في الانتخابات، فأصواته تزداد تدريجيًّا بشكلٍ ملحوظٍ، فبدأ بـ 34 صوتًا، ووصل خلال الجلسة الخامسة 44 صوتًا، وهو مؤسس “حزب الاستقلال السياسي” إلى كتلةٍ نيابية، مُكوَّنة من فرديْن، ولكن هو المرشح الذي توافقت عليه نسبةٌ من المعارضة، وتحديدًا حزبيْ “القوات اللبنانية، وحزب الكتائب” وعدد من المستقلين، وتكْمُن الأزمة الكبرى في الاستقطاب داخل الكتلة الواحدة، فهي منقسمة على ذاتها؛ فلا تُوجد كتلة بعيْنها تتفق على مرشحٍ واحدٍ؛ فنجد أن كتلة المعارضة جزءٌ منها يرشح “ميشيل معوض”، والجزء الآخر يرشحون أسماء أُخرى، كما شهدت الجلسة الخامسة أكبر عددٍ من أسماء المرشحين المطروحة، مثل”عصام خليفة، وزياد بارود”، وكان يشغل وزير داخليةٍ سابق، وزياد حايك، وهو مرشح مستقل، ولكن بدون أيِّ تأثيرٍ ملحوظٍ.
والجدير بالذكر، أن المميز في الجلسة الخامسة هو هيمنة الأوراق البيضاء أو الفارغة، فعلى الرغم من حصول “ميشيل معوض” على 44 صوتًا، فكانت مجمل الأصوات بالورقة البيضاء 47 صوتًا، مقابل أصواتٍ تتراوح بين 50 و55 صوتًا في الجلسات السابقة، وبالتالي لا يزال المسيطر على مجلس النواب في هذا المشهد – حتى الآن- هو الورقة البيضاء.
موقف “حزب الله” نحو أزمة الاستحقاق الانتخابي
على الرغم من قدرة “حزب الله” على إدارة الأزمات وحسْمها بالنسبة للتجارب السابقة، التي ترجع بشكلٍ كبيرٍ إلى امتلاكه سلاحًا موازيًا للجيش اللبناني، فـ”حزب الله” – حتى الآن- كتلته النيابية تُصوِّتُ بورقةٍ بيضاء؛ لأن “حزب الله” والتيارات التابعة له، والتي يُعدُّ أبرزها “حركة أمل، والتيار الوطني الحر” تُصوِّت بورقةٍ بيضاء خلال جلسة التصويت على مرشحٍ سياسيٍّ، وفي تقديري، أن الخلاف الأساسي داخل تلك الكتلة، هو أن “تيار الوطني الحر” يرغب في تقديم مرشحٍ للانتخابات، وهو رئيسه “جبران باسيل” صهر “ميشال عون”، إلَّا أَّن هناك عددًا من العقبات التي تحيل دون ترشُّحِه، ولاسيما اتهامه في العديد من قضايا الفساد، وخضوعه لعقوباتٍ أمريكيةٍ، وأخرى من عددٍ من المؤسسات الدولية، وبالتالي فالاتفاق بين هذا الفصيل قد يكون حاسمًا خلال الفترة الأخيرة إذا ما تمَّ الاتفاق على مرشحٍ آخر، مثل “سليمان فرنجية” الذي لم يُطْرَح اسمه حتى الآن.
الخاتمة
بات الداخل السياسي في لبنان موضع عدم يقين، وأصبح الفراغ السياسي الذي عاصرته البلاد عام 2014 هو السيناريو المتوقع الأقرب لأذهان اللبنانيين في الوقت الحالي؛ بسبب تعنُّت الكتل السياسية والاستقطاب الشائع بداخلها؛ ما يزيد الأمر تعقيدًا، ومن خلال التمعُّن بالحالة السياسية في لبنان، فمن الممكن، التوقُّع أن رئيس لبنان الجديد سيكون مرشحًا لم يُطْرح اسمه بشكلٍ رسميٍّ، مثل “سليمان فرنجية” رئيس تيار المردة، أو “جوزيف عون” قائد الجيش اللبناني؛ فبالنسبة للأول: فهو الأقل احتمالية؛ حيث إنه من المتوقع، أن يقع عليه اختلافٌ كبيرٌ بين القوى السياسية؛ الأمر الذي سيساعد في تمديد جلسات مجلس النواب جلسة بعد أُخرى، دون توافق، أمَّا بالنسبة لـ”جوزيف عون” قائد الجيش، فهو الاسم الذي يملك العديد من المواصفات التي تساهم في كوْنه شخصيةً توافقيةً بالنسبة لأغلبية القوى السياسية؛ كوْنه ينتمي لمؤسسةٍ تحظى باحترام كافة أطياف الشعب، علاوةً على ذلك، فإن الجيش اللبناني يحظى بالدعم والثقة الدولية، فبالتالي سيكون رئيسًا مقبولًا على المستوى الدولي والإقليمي، ولكن سيحتاج ذلك تعديلًا دستوريًّا؛ أُسوةً بما حدث من قبل مع “العماد ميشال عون”؛ حيث لا يجيز الدستور الترشُّح للرئاسة في حالة كان المرشح يشغل منصبًا من الفئة الأُولى إلا بعد استقالته بعاميْن.