استراتيجية اشتداد الخناق .. مشهد حركة الشباب الصومالية

إعداد/ جميلة حسين محمد

مرَّت “حركة الشباب” بالعديد من مُنْحنيات الصعود والهبوط، منذ نشأتها في عام 2006 بالصومال، وتصاعدت هجماتها بقوة على الساحة الصومالية، خاصةً مع قرار الرئيس الأمريكى السابق “دونالد ترامب” بالانسحاب الأمريكي من الصومال، في نهاية عام 2020، وانسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي “أميصوم”، حيث لحقت ضرباتها المتتالية معظم المناطق الصومالية، وذلك بإطار رغبتها في السيطرة على الحكومة المركزية، وتطبيق التفسير المتشدد للشريعة الإسلامية، مستغلةً حالة الصراع القَبَليِّ، وغياب حكومة مركزية قوية؛ ما خلَّف مزيدًا من الدمار والفوضى للوضع الأمني وكذلك الإنسانى داخل البلاد، ومع تولِّي الرئيس “حسن شيخ محمود” رئاسة الصومال، انتهج حربًا عسكريةً واقتصاديةً وإعلاميةً ضد “حركة الشباب” الإرهابية؛ من أجل مقاومتها، وتحرير المناطق المسيطرة عليها في الداخل الصومالي، وفي الآونة الأخيرة، قامت القوات الأمنية الصومالية بشنِّ العديد من الضربات ضد الحركة بدعم قواتٍ أمريكيةٍ وإقليميةٍ وقوات العشائر ضد الحركة، خاصةً في محافظات الجنوب والوسط، مع تواجُد الدعم الشعبي لخطة الرئيس من أجل مكافحة الإرهاب.

ضربات متلاحقة وصدام عنيف

تشهد المرحلة الجارية صدامًا عنيفًا بين الحكومة الصومالية والحركة، في إطار محاولة الحكومة لانحسار الحركة والقضاء عليها، ومحاولة الحركة الصمود، وإثبات تواجدها على الساحة الصومالية؛ ما يفسر تكثيف هجماتها الإرهابية الأخيرة، وشهد مطلع هذا الشهر الجاري، انفجار سيارتيْن مفخختيْن بشكلٍ مزدوجٍ قرب منطقة “زوبي” بالعاصمة مقديشو أمام وزارة التعليم، أسفرت عن مقتل حوالي 100 شخصٍ وإصابة 300 آخرين، وفقًا لتصريحات وزير الصحة الصومالي، وقد أدان الرئيس “حسن شيخ محمود” الحركة بتنفيذ هذا الهجوم، مشيرًا إلى انفجارٍ سابقٍ تبنَّته الحركة لشاحنة مفخخة في المنطقة نفسها، في أكتوبر لعام 2017؛ ما أدَّى إلى سقوط حوالي 512 شخصًا وإصابة حوالي 290 آخرين، وقد توعَّد الرئيس بالردِّ على هذا الهجوم، والتأكيد على عدم قدرة الحركة على شنِّ هجومٍ آخر على منطقة “زوبي”.

ويُعدُّ الهجوم الذي أطلقته القوات الأمنية الصومالية، من خلال عمليات عسكرية في محافظتيْ “غلغدود، وشبيلي السفلى” وسط وجنوب البلاد، الأبرز خلال هذا الشهر الجاري؛ حيث تمَّ قتْل حوالي 100 إرهابيٍّ من الحركة، من خلال إطلاق عمليتيْن، الأولى: في بلدة “عيل غورف” بمحافظة “غلغدود”، والتي أسفرت عن مقتل حوالي 50 إرهابيًّا، وتحرير كُلٍّ من “ورحولي، وعيل بوري، عيل غورف” وكذلك إعادة السيطرة على منطقة “وبحو”، التابعة لمحافظة “غلغدود”، والتي كانت خاضعة لسيطرة الحركة لمدة 15 عامًا، هذا فضلًا عن تدمير قواعد لـ”حركة الشباب” في المنطقة، وهو ما ألحق بدوره خسائر كبيرة للحركة، وقد وصف البيان الحكومي تلك العملية بـ”المنسقة للغاية”، في حين استهدفت العملية الثانية بمنطقة “شبيلي السفلى”، وأدَّت إلى مقتل حوالي 47 إرهابيًّا.

وقد أشار بعض الخبراء، أن تلك العمليات تشهد بُعْدًا إستراتيجيًّا مهمًا؛ لأن تحرير تلك المنطقة سيفتح آفاقًا لتحرير مناطق أُخرى مستقبلًا؛ ما يؤدى لفقدان مزيدٍ من السيطرة من جانب “حركة الشباب”، خاصةً بعد استعادة سيطرة الجيش على عددٍ من القرى في محافظة “شبيلي الوسطى”، أهمهم: “وركلن، وبكجيح، وغاليف، ورعيسي، وقورطيري، وجيلبلي”، وذلك بعد إعلانه تصفية العشرات من الحركة قُرْب “شبيلي، وهيران”.

وقد أعلن الجيش، يوم الثلاثاء، الموافق 8 من الشهر الجاري، التصدِّي لمحاولةٍ إرهابيةٍ للحركة ضد قرية “قايب”، التابعة لإقليم “غلغدود”، تلك المنطقة التي تُعتبرُ جُزْءًا إستراتيجيًّا من المناطق التي سقطت من أيدي الحركة، وذلك بعد سيطرة الجيش عليها، وسبق هذا الهجوم استهداف قاعدةٍ عسكريةٍ للجيش فى المنطقة نفسها، فضلًا عن تنفيذ هجومٍ انتحاريٍّ بسيارتيْن، أعقبه مواجهة وقتال مُسلَّح بين مقاتلي الحركة والقوات الصومالية، أسفرت عن سقوط 17 إرهابيًّا من الحركة و6 من جنود القوات الصومالية.

كما استطاعت القوات الصومالية بمساعدة قوات العشائر قتل حوالي 21 عنصرًا من الحركة في مناطق وسط الصومال، كما أدَّت إلى إعادة سيطرة الحكومة على بلداتٍ هناك، ظلت تحت سيطرة الحركة نحو عشر سنوات، وردَّت الحركة بهجومٍ إرهابيٍّ في منطقة “بردار” بإقليم “هيران”، الذي يقع وسط الصومال، ولكن استطاع الجيش الصومالي إحباط هذا الهجوم، وتمَّ قتل 12 عنصرًا من الحركة، ولكن تمَّ إصابة 3 جنودٍ من القوات الصومالية، هذا فضلًا عن إعلان الجيش الأمريكي قتل 17 عنصرًا من الحركة، كما نفَّذت القوات الصومالية عمليةً أمنيةً مهمةً في منطقة “بيدوة”، الواقعة وسط جنوب الصومال، استطاعت من خلالها اعتقال العديد من عناصر الحركة.

دعم دولى واقليمى

على المستوى الدولي، كان قرار الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، في شهر مايو الماضي، بإعادة نشْر حوالي 500 جنديٍ أمريكيٍّ في الصومال؛ لمساعدة الحكومة الصومالية في الحرب ضد “حركة الشباب” دور مهم في تقوية القوات الصومالية، وتقديم الدعم في مواجهة العناصر الإرهابية، بينما يتمثل المستوى الإقليمي في مساهمة جيبوتي بقوةٍ عسكريةٍ في قوة حفظ السلام المفوضة من الاتحاد الأفريقي، وكذلك القوات الكينية تشارك ضمنها؛ لمساعدة القوات الصومالية في حربها على الإرهاب، والقضاء على “حركة الشباب” وتأثيرها الدمويّ والفوضويّ الذي يُؤثِّر ليس فقط على الداخل الصومالي، إنما على خارجه، وخاصةً دول الجوار، ومن ناحيةٍ أُخرى، أعلن المدير العام لجهاز الاستخبارات والأمن الوطني في الصومال “مهد محمد صلاد” يوم الجمعة الماضية، توقيع اتفاقية استخباراتية مع نظيره الأثيوبي “تامسغن تيرونه” في “أديس أبابا”، احتوت على تبادل المعلومات؛ لمكافحة الإرهاب ضد التنظيمات الإرهابية.

حصار ثلاثي الأبعاد

اعتمدت إستراتيجية الحرب على الإرهاب التي تبنَّاها الرئيس الصومالي الجديد حصارًا ثلاثي الأبعاد على الحركة، متمثلًا في حصارٍ عسكريٍ؛ حيث استهداف المراكز الإدارية والقوات الأمنية للحركة؛ لشلِّ عملياتها، وتكثيف وتوالي العمليات، والتنسيق مع قوات العشائر والقبائل المتضررة منها، والحصار الاقتصادي، المتمثل في استنزاف الحركة ماديًّا، وتجفيف منابع تمويلها، فضلًا عن إبعاد أيِّ كيانات من شأنها مساعدة وتمويل الحركة في هجماتها الإرهابية، وأكد الرئيس الصومالي في تصريح له على هذا الأمر، باعتباره من أولويات الحكومة، وكذلك قطْع طُرُق الإمدادات بيْن معسكرات الحركة، وأخيرًا: الحصار الأيدولوجي والإعلامي؛ لتحجيم المادة الترويجية والدعائية للحركة.

أولًا: الحصار العسكري

في إطار حرْص الدولة لمجابهة العناصر التابعة لـ”حركة الشباب”، قامت بتوجيه ضرباتٍ عسكريةٍ هجوميةٍ ودفاعيةٍ، كما أُسلف الذكر في الولايات ومرتكزات الحركة المتفرقة والأماكن التي تمثل أهميةً إستراتيجية بالنسبة لهم، وقد ساعد دخول الطائرات الأمريكية والتركية، وخاصةً الطائرات المُسيَّرة على خط الاشتباكات، في ترجيح الكفة لصالح القوات الصومالية، والذي نتج عنه سقوط المئات من عناصر الحركة، وإعادة السيطرة مرةً أُخرى على مناطق خضعت لنفوذ الحركة لعددٍ من السنوات.

ثانيًا: الحصار الاقتصادي

وبالتركيز على البُعْد الاقتصادي، تبنَّت الحكومة الصومالية بعض السياسات لحظْر وتجميد ملايين الدولارات في البنوك، وشدَّدت على رجال الأعمال المحليين الشهر الماضي، بوقْف أشكال التمويل التي تتلاقاها الحركة، والتي تمثَّلت في حوالي 15 مليون دولارٍ على الأقل شهريًّا، وفقًا لأحد التقارير، بالإضافة إلى قطْع بعض العلاقات بيْن شبكات الحركة المقيمين في العاصمة مقديشو والآخرين المرتكزين في القرى والمناطق الأُخرى، وتأكيدًا على تلك السياسات عُقِدَ مُؤخرًا مؤتمرٌ في العاصمة مقديشو؛ بهدف تجفيف مصادر الدخل للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة، وتعزيز الرقابة، وحماية المعلومات الخاصة بالكيانات المالية.

ثالثاً: الحصار الاعلامى 

ومن أجل زيادة التوعية لدعم وجهة نظر الحكومة، واجتذاب الرأي العام الشعبي، قامت الحكومة بحجْب جميع المواقع الإخبارية التي تستخدمها “حركة الشباب”، وفرضت حظْرًا على نشْر أخبار الحركة  في وسائل الإعلام المحلية ووسائل التواصُل الاجتماعي؛ حيث كشفت عن حظْر 40 منصةً رقميةً في “فيسبوك» و«تويتر»، كانت تابعةً للحركة، هذا بالتوازي مع  وزارة الأوقاف والشوؤن الدينية، التابعة للحكومة الصومالية، التي أعلنت بأن التعامل مع “حركة الشباب” يُعتبر “جريمة وطنية”، وهدَّدت بمحاكمة كُلِّ من يخالف هذه التعليمات، وأكَّدت على منْع تسمية الجماعات المتطرفة المقاتلة في الصومال باسم “غير الخوارج”.

ومن ثمَّ، فإن الحكومة لم تقتصر فقط على الجهود العسكرية في مكافحة الإرهاب، وخاصةً “حركة الشباب” في الصومال، إنما حاولت – ولا تزال تحاول- اتخاذ بعض التدابير الأُخرى؛ للقضاء على حلقة العنف والفوضى في الدولة، كذلك لا بُدَّ من الإشارة إلى حالة التوافُق بيْن الحكومة والمواطنين الصوماليين، حوْل رُؤْيةٍ وهدفٍ مُوحَّدٍ لضرب الحركة، ويأتي في هذا الإطار، التحوُّل الذي شهدته الحكومة الصومالية في موقف القبائل ورجال الأعمال والشركات من الاستسلام، في تقديم الإتاوات إلى المساندة والدعم للحكومة في حربها ضد الحركة،  فضلًا عن إقناع ميليشيات محلية، بالانضمام إلى المجهود العسكري، واستخدام تكتيكات فعَّالة؛ لمكافحة الحركة، والتعاون الاستخباراتي فيما بينهم، باعتبارهم سكانًا محليين على معرفةٍ واسعةٍ بالتضاريس ومواقع الشباب وحقول الألغام وما إلى ذلك.

 ختامًا:

بالرغم من الجهود الصومالية بالتعاون مع الجهود الدولية والإقليمية، فضلًا عن الدور البارز للعناصر المحلية؛ لإضعاف “حركة الشباب”، ونجاحها فعليًّا في تحقيق بعض المكاسب والتفوق بشكلٍ نسبيٍّ على الحركة؛ ما أدَّى إلى استعادة مناطق واسعة من الحركة، وفقدان الأخيرة؛ لسيطرتها على مناطق اقتصادية بالتدريج، يُوجد على الجانب الآخر، مجموعة عمليات وانفجارات متتالية، تقوم بها الحركة مؤخرًا؛ لإثبات نفسها من جديدٍ، ورغبتها في الانتقام، خاصةً بعد سقوط العديد من عناصرها، وتخفيف الضغط الحكومي عليها، فضلًا عن إثارة التخويف للشعب الصومالي، وخلْق انقسامات داخلهم؛ من أجل انحسار الانتفاضة الشعبية المناهضة للحرب ضده، فهل ستنجح الصومال بالفعل من خلال إستراتيجيها ثلاثية الأبعاد في حربها الشاملة على الحركة، وهزيمتها عسكريًّا، والقضاء عليها بشكلٍ فعَّالٍ، والاستفادة الحقيقية من المكاسب والانتصارات التي تحاول تحقيقها فى الفترة الحالية، في ظلِّ تحدياتٍ تواجه الحكومة الصومالية؟

كلمات مفتاحية