كيف استقبل الداخل التركي مصافحة الرئيسين “السيسي وأردوغان”؟

إعداد : أحمد محمد فهمي

على هامش حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم، المُقامة فى العاصمة القطرية «الدوحة»، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى مع نظيره التركى رجب طيب أردوغان، وتصافحا بحضور أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، وعقب ذلك صرَّح السفير بسام راضى، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أنه خلال المصافحة، تم التأكيد المتبادل على عُمْق الروابط التاريخية، التى تربط البلديْن والشعبيْن “المصرى والتركى”، كما تم التوافق على أن تكون تلك بداية لتطوير العلاقات الثنائية بين الجانبيْن، من جانبه، وصف الرئيس التركى “أردوغان” اللقاء، بأنها خطوةٌ أُولى تمّ اتخاذها؛ من إطلاق مسارٍ جديدٍ بين البلديْن، وأضاف: “آمل أن نمضى بالمرحلة التى بدأت بين وزرائنا إلى نقطةٍ جيدةٍ لاحقًا، عبْر محادثات رفيعة المستوى”.

وتسعى تركيا إلى إعادة علاقاتها مع مصر، على غرار عمليات التطبيع مع “السعودية والإمارات وإسرائيل”، وذلك بعد فشل سياساتها السابقة فى الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، وكذلك تزامنًا مع الدور الجديد الذى تلعبه تركيا فى إدارة الأزمات الدولية، ومنها؛ الأزمة “الروسية – الأوكرانية”، عن طريق وساطتها بين الطرفيْن، ومركزية دوْرها في صادرات الحبوب الأوكرانية، واختيارها كمركزٍ لتوزيع الغاز الروسى نحو أوروبا، وكذلك أيضًا دفعها لحليفتها أذربيجان للتطبيع مع أرمينيا؛ تمهيدًا للتطبيع “التركى – الأرمينى”، بجانب الدَّفْع من جديدٍ بمنظمة الدول التركية؛ لتلعب دوْرًا جديدًا فى منطقة وسط آسيا.

وعلى صعيد الداخل التركى، شجَّع العديد من الأتراك، إنهاء الخصومة مع مصر، وبدْء مرحلةٍ جديدةٍ بين الطرفيْن، بينما رفض تيارٌ متمسكٌ بالسياسات التركية السابقة، تلك الخطوة، وتشدَّدوا بالاستمرار فى المسارات السابقة، حتى فى ظلِّ فشل تحقيق أهدافها.

تراجعٌ عن الأخطاء:

فى ظلِّ التعثُّرات المتتالية للنظام التركى فى إداراته للعديد من الملفات، خصوصًا أنَّها أثَّرت بشكلٍ كبيرٍ على الأوضاع الداخلية التركية بشكلٍ عامٍ، وعلى الاقتصاد بشكلٍ خاصٍّ، خرجت أصواتٌ عديدةٌ تنادى: “بضرورة إعادة النظر فى السياسية الخارجية التركية، وبالأخص تجاه دول المنطقة التى تربطها بتركيا علاقات إستراتيجية”، ومن هذا المنطلق، رأى البعض أن خطوة التطبيع التركى مع مصر، وعلى غرار خطوات التطبيع التى قامت بها تركيا مع دول المنطقة، هو تراجعٌ عن الأخطاء التي ارتُكبت فى السنوات العشر الماضية، لا سيما بعد التحوُّل من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى، وذلك سواء على صعيد الاقتصاد أو السياسة الخارجية، وأنه من الضرورى، أن تعود تركيا إلى سياستها الخارجية المؤسسية التقليدية و”محور” اقتصاد السوق المنتظم[1]، بالتالي فإن محاولة المصالحة صحيحة، وتصُبُّ فى هذا الإطار، لكن لا بُدَّ عدم تجاهل السياسات الخاطئة التى جعلت البلد على هذا النحو، وكذلك الدوافع الأيديولوجية والشخصية التى أدَّت إلى حدوث هذه الأخطاء.

وعلى الصعيد الرسمى، خرجت تصريحات لمسؤولين أتراك؛ لتعبِّر عن التراجُع فى السياسات السابقة للدولة التركية، وأنها كانت خاطئة، مثل؛ احتواء تركيا لجماعة الإخوان المسلمين، والتمادى فى العداوة مع مصر، فقد وجَّه نائب وزير الثقافة والسياحة التركى، سردار جام، انتقادات لجماعة الإخوان، وأوضح، أن “جماعة الإخوان باتت ترتبط فى أذهان جُزْءٍ كبيرٍ مِن المصريين بالقنابل المتفجرة وقتل الأبرياء، وهو ما تسبب في كراهيتهم لها”[2]،وأوضح، أنها فقدت مكانتها؛ بسبب الانقسامات الداخلية، وتسلُّل الجماعات الإرهابية إليها، خاصةً “داعش”.

خطوةٌ إستراتيجية:

يرى بعض المحللين الإستراتيجيين الأتراك، أن مصر بالرغم من الظروف الاقتصادية التي تمر بها جرَّاء تَبِعَات الأزمات الدولية وغيرها، إلا أنها قوية عسكريًّا وسياسيًّا، ولها حضورٌ قوىٌّ وفعَّال فى العديد من القضايا المتعلقة بالعالم العربى، وأن ثروة الغاز فى طريقها للزيادة على أراضيها[3]، بالتالى، فإن سعى تركيا لتصحيح مسار علاقاتها مع مصر هى خطوةٌ فى غاية الأهمية؛ لخدمة الأهداف الإستراتيجية للدولة التركية، فهناك عدة قضايا ترغب تركيا فى التوصُّل إلى تفاهمات بخصوصها مع مصر، ومن أبرزها؛ ملف ترسيم الحدود فى منطقة شرق المتوسط، وانزعاج تركيا من استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسط، فعند عودة “أردوغان” [4] من قطر الى تركيا، أكَّد أنّ مطلب بلاده الوحيد من المصريين بالتوازى مع اللقاءات بين البلديْن، هو “تغيير أسلوبها تجاه وضْع تركيا فى البحر المتوسط”، وذلك فى ظلِّ رفْض القاهرة للممارسات التركية فى منطقة المتوسط، ومنها؛ توقيع اتفاقية مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية، المنتهية ولايتها، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والتي منحت تركيا حق التنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، بجانب قيام تركيا بعمليات تنقيب فى شرق المتوسط، والتى تُعتبر خرْقًا لقانون البحار الدولى.

كما أكَّد سابقًا، الأميرال جهاد يايجى، رئيس أركان القوات البحرية التركية السابق، وأحد مهندسى مصطلح «الوطن الأزرق» لتركيا، ضرورة توقيع كُلٍّ من “تركيا ومصر” على اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بينهما؛ لأن الدولتيْن صديقتان وشقيقتان عبْر التاريخ، ولأن منطقة شرق المتوسط التى يتشاركان فيها، تمتلك احتياطات هيدروكربونية غنية جدًّا، يجب استخراجها، والاستفادة منها اقتصاديًّا.

كذلك فهناك رغبةٌ تركيةٌ لحسْم الخلافات فى الملف الليبى، والتوافق حول رؤيةٍ مشتركةٍ؛ لإنهاء الأزمة الليبية، ومناقشة ملف إعادة الإعمار، والذى تنتظره تركيا بشدة، وكذلك حلّ الأزمة السورية؛ للتأكيد على موقفها الحازم، بمنْع تقسيم سوريا؛ لمنع أىِّ محاولات مستقبلية لإنشاء دولةٍ كرديةٍ على حدودها الجنوبية؛ وهو ما يفسر أيضًا المسعى التركى للتصالح مع دمشق.

فرصةٌ لتفتيت التحالف “المصرى اليوناني القبرصي”:

ظهر تحليل فى الداخل التركى، بأن زيارة وزير الخارجية اليونانى، نيكوس ديندياس، إلى القاهرة، وذلك بعد لقاء الرئيسيْن “السيسى وأردوغان”، وكذلك توقيع وزيرىْ دفاع البلديْن، مذكرة تفاهُمٍ فى مجال البحث والإنقاذ الجوى والبحرى بيْن الجانبيْن “المصرى واليونانى”، بشعور أثينا بالقلق من التقارُب بين “مصر وتركيا”[5]، مع عدم إغفال توقيت زيارة الفريق، ديموكريتوس زيرفاكيس، قائد الحرس الوطنى القبرصى، والذى حضر المرحلة الرئيسية لفاعليات التدريب العسكرى المشترك «ميدوزا-12».

وينظر الأتراك إلى اليونان، بأنها قد استغلت فترة الخلاف بين “تركيا ومصر”؛ لتعميق علاقاتها الأمنية والعسكرية مع “مصر وقبرص”، وذلك فى إطار المناكفة مع تركيا، وتكوين تحالف قوى بين الدول الثلاث؛ للوقوف أمام السياسات التركية فى منطقة شرق المتوسط، بالتالى، فإن اليونان تشعر – الآن- بأن عودة العلاقات للاستقرار بين “تركيا ومصر”، فإنها تُفشل سياستها فى تهميش تركيا، وقد يهدد التحالف مع مصر.

وخلال الفترة الماضية، وخلال التعقيب التركى على الاتفاقيات التى كانت توقعها مصر مع “اليونان وقبرص”، كانت هناك تصريحات دائمة، بأن مصالح مصر مع تركيا هى أكبر من مصالحها مع اليونان، فعلى سبيل المثال؛ فيما يتعلق بالمناطق الاقتصادية البحرية، فإن المساحة التى تحصل عليها مصر، وفق رؤية تركيا، أكبر من التى تحصل عليها بالاتفاق مع اليونان، كما أن تركيا تمثّل خيارًا أفضل لمصر، فيما يتعلق بتصدير الغاز المصرى إلى أوروبا.

ورسميًّا وخلال مناوراتٍ للجيش التركى “الوطن الأزرق 2021” ثمّن وزير الدفاع خلوصي أكار[6]،احترام مصر للجرف “القاري – التركي” خلال أنشطتها للتنقيب شرقى المتوسط، وأكَّد أن القرار المصرى، المتمثل باحترام الصلاحية البحرية التركية بالمتوسط، يصُبُّ كذلك فى مصلحة حقوق ومصالح الشعب المصرى، وأعرب عن اعتقاده بإمكانية إبرام اتفاقية، أو مذكرة تفاهُم مع مصر في الفترة المقبلة، بما يتماشى مع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، المُبْرَمة مع ليبيا.

فكُّ العُزْلَةِ الاقتصادية:

عانت تركيا خلال السنوات الأخيرة، من أزمات اقتصادية متتالية، واجهت فيها الليرة التركية وضْعًا صعْبًا، مع ارتفاعٍ قياسىٍّ في معدل التضخُّم، وشُحٍّ في السيولة، وعجزها على تلقِّى الاستثمار الأجنبى المباشر، ورأى فيها الأتراك، أن السياسة الخارجية لـ”أردوغان” كانت السبب الجوهرى فى تفاقُهما، وأن تركيا لا تملك خياراتٍ واسعةٍ فى معالجة الأزمة، إلَّا عبْر العودة للانفتاح على شركائها السابقين، بالتالى، كانت أحد دوافع التطبيع مع دول الخليج، هو إعادة فتح أسواقها أمام الصادرات التركية.

بالتالى، فهناك حاجة تركية إلى معالجة الأزمات الاقتصادية، والتضخُّم، وانهيار القدرة الشرائية للأتراك، وذلك قبل أشهرٍ من الانتخابات العامة فى تركيا، فى ٢٠٢٣، وهى انتخابات حاسمة ومصيرية بالنسبة لـ”أردوغان” وحزبه؛ لأنها تُعتبر مؤثرةً على أصوات الناخبين، وقد تُحوِّل بوْصلة الناخب باتجاه المعارضة التى تخوض الانتخابات بحظوظٍ أفضل بكثيرٍ من السنوات الماضية، خصوصًا فى وجود شخصياتٍ، لها حضورٌ قوىٌّ، مثل؛ أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق، وعلى باباجان وزير المالية الأسبق، وكان الاثنان أعضاء سابقين في حزب “العدالة والتنمية”، قبل الانشقاق عن الحزب، بعد اختلافهما مع الرئيس التركى “أردوغان” حول سياساته، وقد استفادت المعارضة كثيرًا من نكسات حزب “العدالة والتنمية” الحاكم “الاقتصادية والسياسية”، ومن حالة الانقسامات التى أضعفته.[7]

انتقادات للتطبيع مع القاهرة:

المفاجأة هنا، أن المنتقدين للتقارُب التركى مع مصر، ليسوا من المعارضين لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم، والذين كانوا دائمًا يطالبون “أردوغان”، بإعادة العلاقات مع مصر[8] مؤكدين، أن استمرار الخلافات مع مصر ليست فى مصلحة الأهداف الإستراتيجية التركية، وأن الأتراك دفعوا ثمن قرارات “أردوغان”، والتي بسببها خسروا مصر[9]، ولكن المنتقدين لخطوة التقارُب، هم من أنصار الحزب الحاكم والرئيس “أردوغان”، والذين ما زالوا على موقفهم المؤيد لاحتضان تركيا لجماعة الإخوان المسلمين، وتبنِّى رؤيتهم، تجاه رفْض التعامل مع الدولة المصرية؛ حتى يتم حسْم ملف الإخوان وما يتعلق به من قضايا، كذلك فإن رهانهم ما زال قائمًا، بأن نظام الرئيس “السيسى” لن يستمر كثيرًا فى السلطة، وأن هناك تغيرات قادمة فى السلطة، عاجلًا أم آجلًا.

فيما يرى بعض هؤلاء المنتقدين بأن الرئيس أردوغان ما يزال على موقفه السابق[10] من الرئيس “السيسى”، ولكن نظرًا للظروف الراهنة التي تمُرُّ بها المنطقة، وتشابُك الملفات الإستراتيجية بين “مصر وتركيا”، وحاجة تركيا للمساندة المصرية فى حسْم هذه الملفات لصالحها، فإن هذه المصافحة لا تتعدى مجرد كوْنها سياسة براجماتية لـ”أردوغان”، مثل؛ خطوات التطبيع التى سبقت هذه الخطوة تجاه دول “السعودية والإمارات وإسرائيل” وكذلك أرمينيا.

الخلاصة:

يظهر مما سبق، أن هناك دعمًا عامًا من الداخل التركى لأخْذ خطواتٍ جادَّة للتطبيع مع مصر، والعودة إلى السياسة التى وضعها سابقًا، أحمد داود أوغلو، وهى تصفير المشاكل، والتى ذكرها فى كتابه «العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودوْرها فى الساحة الدولية»، وإنهاء كافة المشكلات مع محيطها الإقليمى، خصوصًا بعد فشل ثورات الربيع العربى فى تحقيق الأحلام التركية فى المنطقة العربية.

ولكن يبقى السؤال، هل ستعود العلاقات “المصرية – التركية” لطبيعتها؟ خصوصًا فى ظلِّ الخلافات العميقة فى رؤية البلديْن للعديد من الملفات؟

أعتقد أن ذلك المسار لا يزال طويلًا، خصوصًا فى ظلِّ البيانات الصادرة من الدولتيْن، فالخارجية التركية انتقدت توقيع كلٍّ من “مصر واليونان” مذكرة تفاهُم، فى مجال البحث والإنقاذ الجوى والبحرى، كما أصدرت الخارجية المصرية بيانًا، أشارت فيه، أنها تتتابع بقلقٍ شديدٍ، الاعتداءات على “سوريا والعراق” من جانب “إيران وتركيا”، مؤكدةً، أن هذا التصعيد ينتهك سيادة كلٍّ منهما على أراضيها.

وكانت تلك المواقف والتصريحات الصادرة من الدولتيْن، جاءت فقط بعد مصافحة الرئيسيْن!

المراجع :

[1]  ماذا وراء عودة أردوغان إلى المصالحة مع إسرائيل ومصر وسوريا، متاح على: https://cutt.us/0JuPD .

[2]  مسؤول تركي: جماعة الإخوان تنقسم ولها علاقات مع داعش، بتاريخ، متاح علي: https://cutt.us/EYw3w .

[3]  العلاقات التركية المصرية بعد مصافحة أردوغان والسيسي في قطر، متاح على: https://cutt.us/M5FRP .

[4]  أردوغان عن لقائه بالسيسي: خطوة أولى لإطلاق مسار جديد بين البلدين، متاح علي: https://cutt.us/b0jER .

[5]  هل تخشى اليونان من التقارب التركي-المصري؟، متاح على: https://cutt.us/HDj2K .

[6]  وزير الدفاع التركي يثُمن احترام مصر حدود الجرف القاري لبلاده، متاح على: https://cutt.us/UYdRA .

[7]  أردوغان يفتح الباب للتطبيع مع مصر بشرط واحد، متاح على: https://cutt.us/OGlYQ .

[8]  زعيم المعارضة التركية ينتقد سياسات أردوغان السابقة تجاه مصر، متاح على: https://cutt.us/krG3T .

[9]  معارضة تركية لأردوغان: بسبب عنادك خسرنا مصر، متاح على: https://cutt.us/IyJ6x .

[10] İsmail Kılıçarslan: “İki meselenin peşinde”, https://cutt.us/vdhUr.

كلمات مفتاحية