تداعيات التهديد التركي بشن عملية برية بشمال سوريا

إعداد : أحمد محمد فهمي

في إطار شن تركيا لعمليتها العسكرية الجوية “المخلب-السيف” ضد مواقع التنظيمات الكردية في شمالي سوريا والعراق، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن العملية العسكرية لن تقتصر على الضربات الجوية[1]، مضيفًا بأن هناك خطط لضم منطقة عين العرب إلى منطقة عملية درع الفرات، وأن الخطوة المتخذة جاءت وفقًا لذلك.

وقد استهدفت غارات عملية “المخلب – السيف”، مناطق قنديل وآسوس وهاكورك في شمال العراق، وعين العرب ومنبج ومنطقة زور مغار وتل رفعت والجزيرة والمالكية في شمال سوريا، لكن يكمن الهدف التركي في حال شنها عملية برية في شمال سوريا، في استكمال ما أسمته إقامة “منطقة آمنة” على عمق ٣٠ كيلو متر على طول الحدود التركية – السورية، وذلك مع تحديد عدة أهداف ومنها السيطرة على مناطق تل رفعت وعين العرب “كوباني” وعين عيسى ومنبج، بجانب القضاء على تواجد التنظيمات الكردية المسلحة بتلك المناطق وعلى رأسها وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتي تصنفها أنقرة تنظيمًا إرهابيًا.

وتأتي هذه العملية العسكرية الجديدة، بعد أربع عمليات عسكرية سابقة في شمال سوريا، وهم: (درع الفرات ٢٠١٦ – غصن الزيتون ٢٠١٨ – نبع السلام ٢٠١٩ – درع الربيع ٢٠٢٠) شنتها القوات التركية وحليفتها في الداخل السوري قوات الجيش الوطني السوري “الجيش السوري الحر سابقًا”.

وفي ظل المسعي التركي لتوسيع عملياتها العسكرية “المخلب-السيف” لهجوم بري علي شمال سوريا، قد يؤدي ذلك الى العديد من التداعيات على المنطقة والتي صارت تنعم بشي من الاستقرار خصوصاً بعد القضاء علي تنظيم “داعش” الإرهابي، ووقف العمليات العسكرية الكبرى التي كانت تدور رحاها في تلك المنطقة.

خريطة تركيا تداعيات التهديد التركي بشن عملية برية بشمال سورياصورة نشرتها وسائل الإعلام التركية نقلاً عن وزارة الدفاع التركية توضح أهداف العملية العسكرية الجوية “المخلب-السيف” في شمالي سوريا والعراق

عودة تنظيم “داعش” من جديد الى الواجهة:

في رد فعل من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على الهجمات التركية، أعلنت وقف التنسيق مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، كما أشارت الى إنها قد تُجبر على التخلي عن معسكرات معتقلي التنظيم الإرهابي، إذا شنت تركيا عملية برية جديدة هناك، وأوضحت إن عددا من الضربات الجوية التركية استهدف مخيم “الهول” والذي يضم نحو 56 ألف شخص، وأسفر الهجوم عن مقتل سبعة من عناصر الأمن المسؤولين عن حراسة المخيم، وفرار ستة معتقلين أجانب خلال الهجوم، لكن أعيد القبض عليهم لاحقا.

ولطالما وجهت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” نداءات دولية، لوقف العمليات العسكرية التركية المتتالية على مناطق نفوذها، خصوصًا في ظل تركيزها على القضاء على فلول تنظم “داعش” الإرهابي بسوريا وبالأخص مدينة “الرقة” والتي كانت عاصمة التنظيم الإرهابي، كما أن قوات “قسد” لديها عدة مراكز اعتقال يتواجد بها الآلاف من معتقلي تنظيم “داعش”، والتي أكدت مرارًا وتكرارًا أنه لا توجد ضمانات بإمكانية السيطرة على هذا العدد من عناصر “داعش” في ظل شن تركيا لعملياتها العسكرية.

وقد يؤدي فرار العناصر الإرهابية – خصوصًا القيادات منهم – من داخل المعتقلات الى التنقل الى مناطق ووجهات أخرى تعاني من اضطرابات أمنية، ومنها وسط وغرب أفريقيا والتي صار بها مؤخرًا وجود بارز للتنظيم الإرهابي مستغلا الأوضاع الداخلية المضطربة وضعف القوى الأمنية في ضبط ومراقبة الأمن والحدود.

سيطرة عسكرية أكبر للميلشيا المسلحة الموالية لتركيا:

تدعم تركيا وبشكل كامل لما يسمى الجيش الوطني السوري “الجيش السوري الحر سابقًا” والذي له سيطرة واسعة في شمال سوريا في المناطق التي شنت فيها تركيا عمليات عسكرية سابقة، كما أن لها مقاتلين قد أرسلوا بأوامر من أنقرة الى ليبيا للقتال ضد الجيش الوطني الليبي، ولتنفيذ السياسات التركية.

ولدعم تركيا للميلشيا السورية الموالية لها عدة تداعيات منها ازدياد سيطرتهم العسكرية على العديد من الأراضي السورية، خصوصًا في ظل الهدف التركي من العملية وهو ربط منطقة جرابلس بمنبج في ريف حلب الشرقي، ومنطقة عفرين بتل رفعت بريف حلب الشمالي، كذلك ربط مناطق عملية درع الفرات (جرابلس) بمناطق عملية نبع السلام (تل أبيض ورأس العين) من خلال السيطرة على عين العرب وعين عيسى، والتي سيتم وصلها بالمناطق التي ستشملها المناطق العسكرية بمنطقة (أدلب) الحدودية مع تركيا والتي تتواجد بها وتسيطر عليها تنظيم “هيئة تحرير الشام” الإرهابي، وغيرها من التنظيمات الإرهابية.

كذلك فإن سيطرة هذه الميلشيا على الشمال السوري، يعني استمرارها في مواصلة أعمالها الغير مشروعة ومنها التهجير القسري، وهي التي تفتقر الي قيادة مركزية موحدة ولا تمتلك العناصر الأساسية لجيش تقليدي منضبط، ولا يملك مشروع سياسي واضح سوى تنفيذ السياسات التركية.[2]

داعش تداعيات التهديد التركي بشن عملية برية بشمال سوريا

القضاء على فرص تسوية الأزمة السورية:

بالرغم من عقد جولة جديدة من “محادثات آستانا” 19 بشأن سوريا بمشاركة الدول الضامنة روسيا وتركيا وإيران، والذين اتفقوا في بيانهم الختامي (المتكرر) على أهمية الحفاظ على سيادة البلاد وسلامة أراضيها، وعلى ضرورة الوقوف بوجه “الأجندات الانفصالية” بشرق الفرات والتي تهدف إلى تقويض وحدة سوريا وتهديد أمن دول الجوار، إلا أن العملية العسكرية التركية تضرب بالتعهدات التركية عرض الحائط، وهو ما يهدد بعدم عقد أي محادثات مستقبلية بهدف تسوية الأزمة السورية المتفجرة منذ عام ٢٠١١.

تزايد خطورة انقسام سوريا:

بالرغم من الموقف التركي الرافض لتقسيم سوريا، لكن لا يعني ذلك رفضها بأن تقوم المليشيا التابعة لها بحكم المناطق الاستراتيجية علي حدودها الجنوبية، وتزيد العمليات العسكرية التركية من حدوث سيناريو التقسيم في سوريا، بين مناطق تابعة للجيش الوطني السوري تابعة للحكومة التركية، ومناطق تابعة للقوات الكردية والراغبة في إقامة إقليم كردي يتمتع بالحكم الذاتي خصوصًا في ظل عدم التوصل لاتفاق مع حكومة دمشق حول مستقبل المناطق التي تسيطر عليها الميلشيا الكردية ومستقبل التعاون بينهم، ومناطق تابعة للنظام السوري وتتواجد بها قوات الجيش العربي السوري والميلشيات التابعة لها.

استمرار سياسات التغير الديمغرافي في شمال سوريا:

لا تزال الحكومة التركية ماضية في تتريك المناطق الواقعة تحت سيطرتها في شمال سوريا، وربطها بالمؤسسات التركية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر افتتاح مؤسسات تعليمية مختلفة لكل المستويات تدرس المناهج والتعليم التركي، وافتتاح فروع عديدة لهيئة البريد التركية في مختلف مناطق شمال سوريا، وفرض التعامل في تلك المناطق بالليرة التركية عوضًا عن العملة الوطنية.

وتهدف تركيا جراء عمليات التغير الديمغرافي في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتها الى عدة أهداف من أبرزها في مراحلها القادمة هو إعادة توطين اللاجئين السوريين الموجودين بتركيا وذلك لأغراض انتخابية متعلقة بالرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ففي الفترة الأخيرة تزايدت الحملات الدعائية لأحزاب ورجال المعارضة التركية ضد النظام التركي لاستمرار وجود اللاجئين السوريين في تركيا، خصوصًا بعد تفاقم الأزمات الاقتصادية، بالتالي يهدف أردوغان الى توطين اللاجئين في هذه المنطقة الآمنة، خصوصًا بعد قيامه بالعديد من السياسات التي تجعل مناطق شمال سوريا مرتبطة اداريًا واستراتيجيًا بتركيا.

احتمالية فتح جبهة جديدة للمجابهة بين أمريكا وروسيا:

في ظل تواجد عسكري لأمريكا وروسيا في شمال سوريا، واللذان يقومان بتسيير دوريات في مناطق نفوذهما بالتعاون مع القوات والميلشيا السورية المتحالفة معها، وهو ما قد ينذر في إطار شن العملية التركية بوقوع حوادث بين القوات المتواجدة هناك والتي قد تكون مدبرة مسبقًا لتشتيت أهداف العملية البرية، كما أن الولايات المتحدة والتي لها 28 موقعًا منها 24 قاعدة عسكرية، و4 نقاط تواجد، وتضم أكثر من ألفي جندي، قد تستغل العملية التركية لاستدراج روسيا الي معركة في سوريا – قد تكون بالوكالة بين القوات المتحالفة معهم، أو بين روسيا وميلشيا المعارضة السورية في أدلب – بهدف تشتيت القوات الروسية في معركة جديدة يمكن أن تؤدي الى إنهاء أو اضعاف التواجد الروسي في سوريا والتي تمتلك قاعدتين عسكريتين إحداها جوية في قاعدة “حميميم” والأخرى بحرية في قاعدة “طرطوس” – والتي تعد الوحيدة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط – كما يمكن أن تؤدي الى إنهاك القوات الروسية وتشتت قياداتها في حربين بأوكرانيا والأخرى بسوريا، وكذلك إنهاك الاقتصاد الروسي، وهو ما قد يهدف الى إجبار موسكو للجلوس على طاولة المفاوضات لاحقا لتقديم تنازلات للدول الغربية حول القضايا محل النزاع.

الخاتمة والتوصيات:

في ظل التطورات السياسية في المنطقة وبالأخص الخطوات التركية تجاه إعادة العلاقات مع العديد من دول المنطقة ومنها سوريا، والتي من الممكن أن تشهد في القريب العاجل لقاءًا يجمع بين كلا الرئيسين التركي والسوري، وكذلك في ظل التطورات الميدانية في شمال سوريا وما قد ينتج عنها من تداعيات قد تؤثر علي المنطقة بشكل عام، فأعتقد أنه صار من الضروري حسم ملف عودة سوريا الي مقعدها في جامعة الدول العربية، وهو ما سيكون له تأثير كبير على مناقشة وإدارة الملف السوري تحت مظلة الجامعة العربية، واتخاذ ما يلزم عربيًا لحل شامل للقضية السورية وإيجاد صيغة وتصور مشترك لمستقبل سوريا قائمة على وحدة وسلامة وسيادة الأراضي السورية بشكل عام وبحث كيفية وقف الانتهاكات التركية المستمرة على السيادة السورية بشكل خاص، وكذلك من الضروري الاستمرار في دفع عقد الجولات الحوارية بين النظام والمعارضة السورية، للوصول الى صيغة مرضية لكل الأطراف لحل الأزمة السورية.

كما نشدد على ضرورة متابعة الأجهزة الأمنية المصرية بدقة لتداعيات العملية البرية التركية لما قد ينتج عنها من هروب لعناصر التنظيم الإرهابي وتهديدهم للحدود المصرية، وبالأخص من ناحية الجارتين ليبيا والسودان.

[1]  أردوغان: عملية “المخلب – السيف” لن تقتصر على الضربات الجوية، متاح على: https://cutt.us/ikUYc .

[2] The Past, Present, and Future of the Syrian National Army, available on, https://cutt.us/S8Htg .

كلمات مفتاحية