قمة «الإيكواس»

إعداد : مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

تأتى قمة «الإيكواس»، التى تجمع رؤساء دول غرب أفريقيا، فى وقت يزداد فيه اهتمام القوى الدولية بتلك البقعة الجغرافية، باعتبارها رقعة جيوسياسة مهمة فى أفريقيا؛ حيث فى حين تتنازع روسيا مع الغرب – وتحديدًا فرنسا- النفوذ فى منطقة الساحل، تطل أيضًا الصين برأسها؛ لتؤكد اهتمامها بغرب أفريقيا، وهو ما يتجلى فى وضع الرئيس النيجيرى “محمد بخارى” فى “أبوجا”، الأساس لمجمع مقر المجموعة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن الصرح بمجرد اكتماله، سيمثل وحدة وأخوة الدول الأعضاء، وشراكة إستراتيجية بين الصين ومجموعة «الإيكواس».

وقد أجرى “بخارى” مراسم وضع حجر الأساس جنبًا إلى جنب مع الرئيسيْن “أومارو إمبالو” من غينيا بيساو و”جوليوس مادا بيو” رئيس سيراليون، بعد تبرع الحكومة الصينية، ببناء مجمع مقر «الإيكواس»، ومن المتوقع، أن يبدأ تشغيل المجمع، المعروف أيضًا باسم “عين غرب أفريقيا”، في فبراير 2025، وقد وقعت «الإيكواس» والصين، اتفاقية تنفيذ لهذه الهبة الدبلوماسية لدول غرب أفريقيا، فى 10 يوليو 2019.

كان قد قدم “طوراى” رئيس المفوضية، فى خطابه أربعة أهداف إستراتيجية تستهدفهم المنظمة، تشمل تعزيز السلام والأمن الإقليمييْن، وتعميق التكامل الإقليمى، وتعزيز الحكم الرشيد والتنمية الشاملة والمستدامة، بالإضافة إلى عامليْن تمكينييْن “السعى إلى المؤسسات القادرة والشراكة المنصفة”، كما تضمنت الجلسة المغلقة على جدول أعمالها التقرير السنوي لعام 2022، عن حالة المجموعة، والتقارير الخاصة للعُمْلة المُوحَّدة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومذكرة بشأن البعثة رفيعة المستوى لرؤساء الدول إلى جمهورية مالي، وموعدها ومكانها، ومشروع حول إصلاح مجلس الأمن.

أبرز مُجريات القمة:

أولًا: يعد أبرز ما قرره زعماء دول غرب أفريقيا، هو تشكيل قوة لحفظ السلام؛ للتدخل ضد الجهاديين، ومن أجل المساعدة فى استعادة الأمن والنظام الدستورى فى دول المنطقة، التى شهدت عدة انقلابات عسكرية، ولم يذكر البيان الختامى أىَّ تفاصيل عن كيفية تشكيل القوة، لكن قادة الدفاع سيجتمعون الشهر المقبل؛ لتحديد كيفية عملها؛ بهدف إعادة ضبط البنية الأمنية؛ على أمل أن تتولى تلك الدول حماية أمنها الخاص، وليس فقط الاستعانة بأطراف خارجية؛ ما يجعلهم عرضةً للاستقطابات الدولية.

ويأتى التصميم على إنشاء قوة إقليمية تتدخل عند الضرورة، سواء كانت لمواجهة الإرهاب، أو إعادة النظام الدستوري في الدول الأعضاء؛ ما يعنى رفع كفاءة الجيوش الوطنية، التى هى الآن عاجزة إلى حدٍّ كبيرٍ، وتعتمد على أطراف خارجية؛ لذا فإن قادة دول غرب أفريقيا قرروا من أجل التمويل، عدم الاعتماد فقط على المساهمات الطوعية التى أظهرت محدوديتها.

وارتباطًا بما سبق، فقد بحث قادة دول غرب أفريقيا الوضع فى مالى وبوركينا فاسو وغينيا، الدول الثلاث التى تولَّى فيها العسكريون السلطة بالقوة، منذ 2020، وتمارس الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ضغوطًا منذ أشهر؛ من أجل عودة المدنيين فى أسرع وقت ممكن إلى السلطة فى هذه الدول، وبينها اثنان، مالي وبوركينا، اللتان تعانيان من اضطرابات خطرة؛ بسبب تحرُّكات الجهاديين، الآخذة بالاتساع.

ثانيًا: وفيما يتعلق بغينيا، فى حين أن الحكومة فى “كوناكرى”، حددت يناير 2023، موعدًا لبدْء انتقال السلطة للمدنيين، رحبت المنظمة بالجدول الزمنى الموحد للانتقال، لمدة 24 شهرًا، والذى يغطى النقاط العشر ذات الأولوية للسلطات الانتقالية، بالاشتراك مع خبراء الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، لكن أصرَّت المجموعة على أن تنفيذ الجدول الزمنى لمدة 24 شهرًا، يبدأ فورًا، وليس فى تاريخٍ لاحقٍ؛ حيث كان قد أشار الزعيم الغينى “مامادي دومبويا”، فى نهاية أكتوبر الماضى، عندما تم التوصل إلى الاتفاق، أن الجدول الزمنى سيتم تطبيقه، بدايةً من يناير 2023، وكذلك حثَّ المؤتمر السلطات الغينية، على إجراء حوار وطني يضم جميع الفاعلين السياسيين دون استثناء، وضمان أمن وحرية جميع المشاركين.

وقالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا: إن رؤساء الدول والحكومات أعربوا عن دعمهم للحوار، واستعدادهم لتسهيل استضافته في بلدانهم، إذا لزم الأمر،علاوةً على ذلك، يوجه المؤتمر المفوضية إلى دعم الحوار الوطني الشامل، ويدعو الشركاء الدوليين إلى دعم عملية الانتقال بالموارد المادية والمالية والتقنية اللازمة.

وبموجب عقوبات المجموعة الاقتصادية، اعتبارًا من 5 سبتمبر 2021، فسيتم رفعها تدريجيًّا، وفقًا لمؤتمر رؤساء الدول، وفي نهاية القمة، كلف رئيس المفوضية “توراى”، بضمان الامتثال للقرارات المتعلقة بغينيا، وأن يقترح على رئيس المؤتمر الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية والمالية، المفروضة على جمهورية غينيا.

ثالثًا: علاوةً على ذلك، أمهل قادة الدول الأعضاء في «إيكواس»، المجلس العسكرى الحاكم فى مالى، حتى الأول من يناير المقبل؛ للإفراج عن 46 جنديًّا، من ساحل العاج، أسرتهم مالى منذ يوليو المنقضى، وهددت أنها ستفرض عقوبات إن لم يتحقق ذلك، وفى سياقٍ موازٍ، فإن رئيس توغو “غناسينغبى”، الذى يقوم بمساعٍ حميدة، بين مالى وساحل العاج فى هذه الأزمة، سيتوجه إلى مالى؛ “للمطالبة” بالإفراج عن الجنود، وتؤكد ساحل العاج والأمم المتحدة، أن هؤلاء الجنود كان يُفترض أن يشاركوا فى ضمان أمن الكتيبة الألمانية، العاملة ضمن قوة حفظ السلام الدولية فى مالى، لكن باماكو قالت: إنها تعتبرهم “مرتزقة”، جاؤوا للمساس بأمن الدولة.

أبرز مُخْرجات القمة:

1)أدى رئيس مفوضية «الإيكواس»، عمر توراى، اليمين الدستورية، فى الدورة العادية الثانية والستين، لهيئة رؤساء دول وحكومات الجماعة الاقتصادية، لدول غرب أفريقيا في أبوجا، نيجيريا، يوم الأحد، 4 ديسمبر 2022.

2) قرَّر قادة المجموعة، تكليف لجنة رؤساء الأركان بالدراسة، واقتراح الخيارات والطرائق والوسائل المالية والتقنية؛ للتفعيل العاجل للقوة العسكرية لـ«الإيكواس»، وتكليف رئيس المفوضية، باتخاذ الإجراءات المناسبة، التى تهدف لضمان التنسيق السياسى والتشغيلى الفعَّال، بين مختلف المبادرات الإقليمية؛ لمكافحة الإرهاب، وتوجيه رئيس المفوضية؛ للمشاركة فى مناقشات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص؛ لتعبئة موارد إضافية، من خلال برامج التوعية، والدعوة لمكافحة الإرهاب، فى منطقة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

3) تسعى المجموعة والدول الأعضاء؛ لإنشاء سوقٍ مشتركةٍ، في غرب أفريقيا، واعتمد المؤتمر مشروع اللائحة، التى تمدد لمدة خمس (5) سنوات فترة تنفيذ التدابير الإضافية؛ لحماية التعريفة الخارجية المشتركة.

4) كرر رؤساء الدول والحكومات، التزامهم بالتنفيذ الفعَّال لخطة العمل ذات الأولوية للجماعة الاقتصادية، لدول غرب أفريقيا “2020-2024″؛ للقضاء على الإرهاب في المنطقة، على النحو المعتمد فى اجتماعهم السادس والخمسين، الذى عُقِدَ فى 21 ديسمبر 2019 فى أبوجا،  ومن هذا المنظور، يتعهدون على وجه السرعة، بدفع مساهماتهم البالغة 1 مليار دولار للصندوق الإقليمى لمكافحة الإرهاب، الذي تم إنشاؤه لهذا الغرض.

انتقادات لـ«الإيكواس»:

أخفقت المنظمة الإقليمية فى الضغط على الحكومة العسكرية فى مالى للدعوة إلى إجراء انتخابات، ولم تردع إجراءاتها الانقلابات، أو محاولات الانقلاب فى باقى دول المنطقة، وكانت المنظمة أقرب إلى كونها نادٍ للرؤساء، بعيدًا عن الاتصال باحتياجات السكان المحليين، بالتالى، فقدت المنظمة مصداقيتها فى بوركينا فاسو، وكذلك فى العديد من دول غرب أفريقيا؛ حيث رأت بوركينا فاسو، أن الكتلة الإقليمية تلعب “لعبة مزدوجة”، من خلال فرض عقوبات على غينيا ومالى؛ بسبب الانقلابات، بينما كانت فى السابق صامتة، بشأن التلاعُب بالدستور من قِبَلِ الرئيس الغينى المخلوع “ألفا كوندى”، فخلال الاحتجاجات ضد خطط رئيس غينيا “كوندى”؛ لتمديد فترة ولايته، من خلال تغيير دستوري مثير للجدل، لم تفعل «إيكواس» أكثر من إصدار بيانات فاترة، تحثُّ على الحوار.

وفى مالى، رفض «إيكواس» مطالب نشطاء المعارضة، بإجراء مراجعة للانتخابات التشريعية، لعام 2020، ومخاوف بشأن انعدام الأمن، وفى بوركينا فاسو، لم تنتقد الكتلة الإقليمية، الحملة العنيفة على المتظاهرين، الذين أعربوا عن شكواهم، من سوء إدارة الحكومة؛ لانعدام الأمن.

ونقطة الانتقاد المستمرة ضد «إيكواس»، هي فشلها فى التصرف قبل الانهيار الكامل للمؤسسات الديمقراطية والقيادة السياسية؛ ما أدى إلى غالبية الانقلابات الأخيرة، فى غرب أفريقيا؛ لذا تواجه «إيكواس» ضغوطًا لتكون أكثر استباقية، بشأن مواجهة الممارسات الخاطئة الانتخابية والقيادة السيئة، مع توفير الدعم المؤسسي لدعم الديمقراطية.

تحتل دول الساحل – بالفعل- المرتبة الأدنى فى مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة؛ بسبب عدم الاستقرار المزمن، وسيكون للانكماش الاقتصادي فى مالى تأثير مضاعف على البلدان المجاورة، مثل السنغال، وسيشكل انسحاب القوات الدولية مخاطر على استمرار عمل الاقتصاد المحلي فى شمال مالى؛ حيث كانت القوات الدولية موجودة، بالتالى، هناك خطر من أن تتفاقم التوترات العنيفة، بشأن الوصول إلى الأرض والمياه، وقد تصبح بعض المجتمعات أكثر ضعفًا، ولن يتمكن الروس أو مرتزقة “فاغنر” من استبدال القدرة العسكرية الفرنسية والأوروبية المغادرين بشكلٍ كاملٍ.

عقوبات «إيكواس» ساهمت في تدهور الأوضاع المعيشية، خاصةً بالنسبة للفقراء إلى هذا الحد، كما أشار تقريرٌ نشرته الأمم المتحدة، فتجميد حسابات مالى فى البنك المركزى، لدول غرب أفريقيا، بما يتماشى مع عقوبات «إيكواس» يؤثر أيضًا على البلاد بشدة؛ حيث ألقت حكومة مالى باللوم على القيود المصرفية؛ بسبب تخلفها عن سداد 31 مليار دولار من مدفوعات السندات.

ختاماً

يمكن القول: إن قادة «الإيكواس» تحاول اللعب على أوتار التنافس الدولى، على النفوذ فى المنطقة، ومحاولة الاستفادة من جميع الأطراف، غير أن المتحقق على أرض الواقع، يَشِى بعدم قدرة هؤلاء القادة على تحقيق مكاسب فعلية، تعود على سكان دول المنطقة بالنفع، فهم يحاولون الضغط؛ للتأكيد على ضرورة العودة للديمقراطية والحكم الدستورى؛ تقرُّبًا للغرب، غير أن الدول الغربية لا تملك إستراتيجيةً واضحةً؛ لاستعادة الأمن فى المنطقة، ويدخلون فى شراكةٍ جديدةٍ مع الصين، وعلى ما يبدو أن الصين لا تضع استعادة الأمن فى المنطقة على رأس أولوياتها، بل تركز أكثر – من منظور تجارى- على مبيعات الأسلحة الصينية لدول المنطقة، وذلك فى وجود سعى روسى؛ لزيادة نفوذها السياسى والعسكرى فى المنطقة، لكن من المتوقع، ألَّا يؤدى ذلك لنتائج إيجاببة حقيقية، فى ضوء اهتمام روسيا – بالمقام الأول- بالحرب فى أوكرانيا.

وانعكاسًا لجُمْلة تلك المتغيرات، جاء قرار المجموعة، بمحاولة إنشاء قوة عسكرية، وإيجاد بدائل تمويل جديدة، لا تعتمد على الخارج.

كلمات مفتاحية