بقلم السفير: محمد الصوفي
المدير العام للمعهد الثقافي الأفريقي العربي
استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن أيام 13و 14 و 15 ديسمبر الجاري أعمال القمة الأمريكية الإفريقية الثانية بحضور نحو الخمسين من قادة دول القارة الإفريقية. و كانت القمة الأولى بين الطرفين قد انعقدت قبل ثماني سنوات من الآن عام 2014 في ظل رئاسة باراك أوباما.
تأتي القمة في سياق إستراتيجية “إفريقيا” الجديدة التي كشف عنها البيت الأبيض الصيف الماضي مع الإعلان عن إصلاح شامل للسياسة الأميركية في دول إفريقيا جنوب الصحراء لمواجهة الوجود الصيني والروسي هناك.
في نفس السياق يقول الخبراء المختصون في شؤون القارة الإفريقية إن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” يُطلق من خلال تنظيم هذه القمة إحدى مراحل الحملة التي شرع فيها منذ دخوله البيت الأبيض من اجل تدارك ما فات و تجاوز التأخر الذي حصل في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية و إفريقيا خلال مأمورية سلفه “دونالد اترامب ” الذي لم يكن يخفي عدم اهتمامه بالقارة السمراء.
دارت النقاشات طيلة الأيام الثلاثة للقمة حول مواضيع متنوعة شملت محاربة الإرهاب و التغيرات المناخية والأمن الغذائي و مواضيع الاقتصاد و الاستثمارات و العلاقات التجارية في إطار اتفاقية تسهيل دخول الصادرات الإفريقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تم تمديدها لغاية عام 2025.
لاحظ المراقبون أن خطابات الرئيس الأمريكي و كبار معاونيه مثَّلت عملية إغراء للقادة الأفارقة الحاضرين و استمالة المترددين منهم في بعض الأحيان في خطاب تلميعٍ و دفاعٍ عن السياسة الأمريكية اتجاه إفريقيا في مقابل سياسات أطراف أخرى دون ذكرها بالاسم لأنها معروفة.
و في هذا الاتجاه أعلن الرئيس “جو بايدن” أنه يستعدُّ للدفاع عن انضمام الاتحاد الإفريقي إلى “مجموعة الـ20” التي تضم الاقتصادات التسعة عشر الأكثر تقدمًا في العالم بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
كما أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي “جيك سوليفان” أمام الحاضرين ، أن الولايات المتحدة ستلتزم لإفريقيا بمبلغ 55 مليار دولار لإفريقيا، على مدى السنوات الثلاث المقبلة. و سيوجه هذا المبلغ لمبادرات رئيسية مثل تعزيز مقاومة البلدان لتأثير تغير المناخ وبناء أنظمة كهربائية لا تعتمد على الوقود الأحفوري وتحسين الرعاية الصحية للسكان المحليين.معيدا إلى الأذهان أن إفريقيا حازت على نسبة 12,6% من الاستثمارات العالمية في الصناعة عام 2016 لكنها تراجعت إلى نسبة 2,9% في 2022.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي إن الهدف من القمة الأمريكية الإفريقية هو أن تبرهن واشنطن للقادة الأفارقة أن الولايات المتحدة شريك موثوق لتحقيق أهدافهم التنموية، دون إجبارهم على الالتزام بخط واشنطن بشأن القضايا الدولية، مثل الحرب في أوكرانيا”، مضيفا “نحن لا نتعامل مع هذا من وجهة نظر إكراه دول أخرى هذه ليست الطريقة التي ستتعامل بها الولايات المتحدة مع شركائها في إفريقيا”، حسب تعبيره.
وبالجملة ،يمثِّل انعقاد هذه القمة في هذا الظرف بالذات ،رغم أنها كانت مقَّررة منذ تاريخ طويل، مرحلة من مراحل المواجهة المتصاعدة على الساحة “الجيو- سياسية “بين الدول الغربية و روسيا دون أن ننسى أنه يمثِّل كذلك تعزيزًا لموقع الدول الغربية ،و الولايات المتحدة بوجه خاص، في وجه الصين التي كثَفت العمل في السنوات الأخيرة على توسيع نفوذها في القارة الإفريقية. فإفريقيا من هذا المنظور أصبحت بالفعل موضوع َرهانٍ “جيو- سياسي “حقيقي بين الدول الغربية ،و الولايات المتحدة بوجه خاص من جهة و روسيا و الصين من جهة أخرى.
و زاد من حدة الموقف كون الدول الغربية ،و الولايات المتحدة أصبحت تدرك أن الأفارقة صاروا منذ بعض الوقت جريئين على البحث عن الشراكة مع روسيا و الصين حين لاحظوا تردد الشركاء الغربيين.