إقبال محدود على الانتخابات التشريعية في تونس

إعداد : رضوى الشريف

بدأ التونسيون، السبت 17 ديسمبر، التصويت في انتخاباتٍ؛ لاختيار برلمانٍ بلا سلطة تقريبًا، وهو الركيزة الأخيرة، لما يسميه الرئيس التونسي، قيس سعيد “الإصلاح السياسي”.

ودعت الجماعات السياسية المعارضة في تونس إلى مقاطعة التصويت، مؤكدةً أن العملية جزءٌ من “انقلاب على الديمقراطية الوحيدة التي خرجت من موجة انتفاضات 2011 في المنطقة”.

ووفق ما أعلنته الهيئة المستقلة للانتخابات، يجري التصويت في انتخابات الداخل، السبت 17 ديسمبر، بينما يكون اقتراع الخارج بين يومي 15- 17 ديسمبر، وتُعلن النتائج الأولية بين 18 و20 ديسمبر، أما النهائية، فستصدر 19 يناير، بعد البتِّ في الطعون، وفي حال اضطرت الهيئة لمرحلة ثانية، إذا لم يحصل مرشحون على غالبية الأصوات، ستعقد المرحلة الثانية، وتعلن نتائجها في 3 مارس.

ويتنافس 1058 مترشحًا، بينهم 16% فقط من النساء، على 161 مقعدًا في مجلس النواب، ومعظم المترشحين هم من المستقلين بخلفيات اجتماعية مختلفة، بينهم، رجال أعمال أو أعيان مناطق، إضافةً إلى مترشحين عن جماعات مؤيدة لإجراءات الرئيس “سعيّد”، مثل “حراك 25 جويلية”، وحركة “تونس إلى الأمام”، وحزب “حركة الشعب القومي العروبي” وحزب “التيار الشعبي”، إضافةً إلى عددٍ محدودٍ من نواب سابقين، يُعتبرون من الصف الثاني أو الثالث في أحزابهم (معارضة).

إقبال محدود

في جولةٍ بعددٍ من مراكز الاقتراع بالعاصمة تونس، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، أن نسبة الإقبال الأولية في الانتخابات البرلمانية، التي جرت السبت، بلغت 8.8% فقط، بينما أكَّدت “جبهة الإنقاذ” المعارضة، أن النسبة لم تتجاوز 2%.

استنادًا إلى مؤشراتٍ عديدةٍ في وسائل الإعلام التونسية وهيئات المجتمع المدني، يرصد مراقبون فُتُورًا واضحًا في سلوك المواطنين، إزاء حملات المرشحين للانتخابات، فناهيك عن دعوات المقاطعة، التي أطلقها 12 حزبًا من المعارضة، يبدو أن نظام الاقتراع، القائم على ترشُّح الأفراد، بدل اللوائح، والذي يؤدي عمليًّا إلى إضعاف دور الأحزاب، يطرح أيضًا صعوباتٍ على مستوى الترشيحات، لا سيما أن القانون الانتخابي يضع قيودًا على الترشُّح؛ إذ يشترط حصول كُلِّ مترشح على تزكيةٍ من 400 شخصٍ في دائرته، وقد أدَّى ذلك إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابي في سبعة دوائر انتخابية بالخارج؛ بسبب عدم توفُّر شرط التزكيات، بينما يخوض مترشحون في عشر دوائر انتخابية داخل البلاد بدون منافسين؛ بسبب إسقاط الهيئة المستقلة للانتخابات لأسماء المترشحين المنافسين؛ لعدم حصولهم على التزكيات.

غياب حضور حزبي بارز

يُذكر، أن أحزابًا عِدَّةً، أعلنت مقاطعتها للانتخابات التشريعية، رافضةً الأساس الدستوري للتصويت، وانتقدت قانون الانتخاب الذي يحكمها.

وتضم قائمة المقاطعين لهذه الانتخابات كيانات سياسية مختلفة، مثل “جبهة الخلاص الوطني”، المكونة من عددٍ من الأحزاب السياسية والهيئات المدنية، بينها، أحزاب “حركة النهضة، وقلب تونس، وائتلاف الكرامة، وحراك تونس الإرادة، وحزب حركة أمل المعارضة”، إلى جانب “تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية”، التي تتشكل من 5 أحزابٍ يساريةٍ وديمقراطيةٍ واجتماعيةٍ، هي “التيار الديمقراطي، والحزب الجمهوري، والتكتُّل الديمقراطي، وحزب العمال، وحزب القطب”، كما أعلن “الحزب الدستوري الحر، وحزب آفاق تونس”، مقاطعتهما لهذه الانتخابات.

في المقابل، يساند كُلٌّ من “حزب حركة الشعب، وحزب التيار الشعبي”، مسار 25 يوليو/ تموز، منذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية.

وتطالب “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة للرئيس قيس سعيد، بالاستقالة، وقالت: إنه فَقَدَ الشرعية بعد نسبة الإقبال الضعيفة، التي لم تتجاوز 2%، حسب “الجبهة”، كما دعت إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

كما طالبت “الجبهة”، باستقالة جميع أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وإلغاء الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية؛ حتى يتوقف إهدار المال العام، واقترحت “جبهة الخلاص” تولِّي قاضٍ رفيعٍ إدارةَ فترةٍ انتقاليةٍ، مشيرةً إلى أنه “منذ هذه اللحظة لا شرعية لقيس سعيد”، وأنه “أسدل الستار اليوم على الفصل الأخير من أجندة قيس سعيد”.

الخطوة القادمة

بموجب الدستور الجديد، سيكون انتخاب مجلس النواب الحلقة الأولى في مسلسل انتخابي، قد يطول ثلاثة أشهر على الأقل؛ لإفراز مجلس النواب بشكلٍ نهائيٍّ، بينما يظل تاريخ بدْء اشتغال البرلمان الجديد غير واضحٍ، في ظل عدم إعلان أجندة انتخابات المجلس الأعلى (الغرفة الثانية)، ويتكون البرلمان من مجلس نواب ينتخب انتخابًا مباشرًا في دورتيْن؛ حيث تجري الأولى: في السابع عشر من ديسمبر الجاري، وتكون الثانية: في نهاية شهر يناير2023، بينما سيتم انتخاب المجلس الأعلى، الجمعية الوطنية للمناطق والمقاطعات، بشكلٍ غير مباشرٍ في تاريخٍ لم يتم تحديده بعد، ويتم تعيين أعضاء المجلس الأعلى من قِبَلِ المجالس الإقليمية المنتخبة بشكلٍ مباشرٍ.

وفي غياب حضورٍ حزبيٍّ بارزٍ، يعوّل الرئيس التونسي على الغرفة الثانية للبرلمان (المجلس الأعلى)؛ ليضع فيه – على الأقل- بعض ملامح نظامٍ قائمٍ على مجالس محلية؛ لتجسيد رؤيته “لحكم الشعب بنفسه”، وفي غضون ذلك، لا ينتظر أن يشكل مجلس النواب المنتخب إضافةً نوعيةً في النظام السياسي، الذي يُرْسِيهِ الرئيس التونسي لَبِنَةً لَبِنَةً، منذ إقرار دستور 25 يوليو؛ لأن صلاحيات النواب المنصوص عليها في الدستور محدودة؛ إذ لا يمتلك سلطةً حقيقيةً في مراقبة الحكومة، التي يعود تعيينها وإعفاؤها لرئيس الجمهورية، وهي أصلًا تعتبر جهازًا تنفيذيًّا وظيفيًّا منبثقًا من سلطة الرئيس.

الخاتمة

ما يبدو صعبًا تحقيقه بالنسبة للرئيس التونسي، هو مسألة الإقبال على صناديق الاقتراع، بعد سنواتٍ من فشل الطبقة السياسية، في تحقيق شعارات أساسية للثورة وأحلام الشباب، بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، والتشكيك في جدوى الانتخابات، واتهاماتٍ بسيطرة المال الفاسد على العمليات الانتخابية، وعلى عمل النواب.

وفي ظل تفاقُم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في ظل سنة ونصف، من السلطة بيد الرئيس “سعيّد”، ليس من الوارد أن تتغير نظرة الشعب التونسي فجأةً، حيال الانتخابات البرلمانية، سواء بسبب عدم ثقة الكثيرين في جدوى الذهاب إلى صناديق الاقتراع، الذي جربوه خمس مراتٍ على الأقل منذ تاريخ الثورة (في سنوات 2011 و2014 و2019)، أو حتى على ضوء اعتقاد الكثيرين، سواء المؤيدين للرئيس “سعيّد” أو معارضيه، بأن السلطة الحقيقية توجد بيديه، ولن يكون للبرلمان دورٌ حاسمٌ في القرارات المؤثرة في حياتهم.

وعندما يقوم برلمانٌ جديدٌ حتى لو تأخَّر ذلك بضعة أشهر أخرى، لا يبدو أن ذلك سوف  يغير الكثير في المشهد السياسي في البلاد، فالصراع المفتوح بين الرئيس “سعيّد” والمعارضة، سيظل قائمًا على شرعية مسار 25 يوليو؛ الأمر الذي سيضع الرئيس التونسي، تحت ضغوطٍ متواصلةٍ، من قِبَلِ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بشأن الاستحقاقات الديمقراطية.

وتكْمُنُ المعضلة الأكبر، في استحقاقات التنمية، وخصوصًا في المناطق المهمشة، والاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية، لفئاتٍ واسعةٍ من التونسيين، التي تظل قائمةً، وربما تزداد حِدَّة، سواء في حالة استمرار تعثُّر مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد الدولي، حول الإصلاحات الاقتصادية، ومنْح تونس قروضًا طويلة الأمد، أو حتى في ظلِّ اتفاق مع صندوق النقد، يترتب عنه نهْج تدابيرٍ قاسيةٍ على المستوى الاجتماعي؛ ما يفتح أبواب المستقبل على فترة عدم اليقين في مآلات الأوضاع وتطوراتها في البلاد.

كلمات مفتاحية