إعداد : مروة سماحة
بات الوضع بـ(بيروت) يزداد تعقيدًا وتأزُّمًا يومًا تِلْوَ الآخر، فبعد أن كان (لبنان) منارةً للجمال، أصبح رمزًا للدمار، فعقب أيام من فشل البرلمان في انتخاب الرئيس الرابع عشر للبلاد، في الجلسة العاشرة من انعقاده، وتم تأجيل الجلسات القادمة إلى السنة الجديدة، اندلع حادث خطير، بتعرُّض مركبةٍ تابعةٍ لقوات اليونيفيل في جنوب (لبنان)، وقد أسفر ذلك عن مصرع جنديٍّ أيرلانديٍّ، وإصابة ثلاثة آخرين، وتم هذا الاعتداء على يد الأهالي، بعد تعديل مهمة القوات الدولية، في شهر أغسطس الماضي، بما يسمح لدوريات اليونيفيل بالتحرُّك في منطقة عملياتها، بدون إذنٍ مُسْبِقٍ، وبدون مواكبة الجيش اللبناني كذلك، وقد لاقى هذا التعديل اعتراضًا شديدًا من قِبَلِ كل من «حزب الله» ووزارة الخارجية اللبنانية، باعتباره احتلالًا متنكرًا، وقد طغى ذلك الحادث على الملفات السياسية العالقة بالبلاد، التي من بينها، قضية السجال الدائرة، حول جلسة مجلس الوزراء، التي عقدها نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال، بدون موافقة التيار الوطني الحر، ومقاطعة ثمانية وزراء من أعضاء حكومتة.
نبذة عن ماهية قوات اليونيفيل
تمثل اليونيفيل قوة الأمم المتحدة المؤقتة بـ(لبنان)، الموجودة منذ 1978، بجنوب (لبنان)، بموجب قراريْ مجلس الأمن الدولي 425 و 426، الصادريْن في 19 مارس 1978، إثْر تزايد التوتُّر على طول الحدود بين كل من (لبنان، وإسرائيل)، وجرى تعزيزها بعد حرب 2006، وبموجب قرارات أممية، أُسندت إليها مهام عدة، من ضمنها، استعادة الاستقرار والأمن الدولييْن، ومراقبة وقْف الأعمال العدائية بالمنطقة، بالنسبة للعدد والمشاركة؛ فقد بلغ عدد القوة المُعززة 15 ألف جنديٍّ معززين بـ50 مراقبًا عسكريًّا، و 100 من العمال اللبنانيين، تحت قيادة اللواء الأسباني، أرولدو لاثارو، كرئيسٍ وقائدٍ عامٍ لليونيفيل.
ويجدر بالذكر، أن مهام اليونيفل قد طرأ عليها ثمَّة تعديلات، تزامنت بين عاميْ 1982 و 2000، وبعد أزمة يوليو 2006؛ حيث قام مجلس الأمن بتعزيز القوة، وأوكل إليها مهمة وقف الأعمال العدائية، ومراقبة انتشار الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق، فضلًا عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، ناهيك عن التأكد من خلوِّ المنطقة العازلة من المظاهر المسلحة، ومساعدة الحكومة اللبنانية في تأمين حدودها ومعابرها، علاوةً على ذلك، السماح للقوة بإطلاق النيران؛ دفاعًا عن النفس، ولحماية المدنيين.
وفي سياقٍ متصلٍ، كانت هناك محاولات أمريكية عديدة؛ لتوسيع مهام القوة عام 2017، واتهمت اليونيفيل بالتقصير في أداء وظائفها، وبالتوازي لذلك، طالبت إسرائيل بتوسيع مهام القوة؛ للتضييق على أنشطة «حزب الله» في الجنوب اللبناني، وفي عام 2022، قام مجلس الأمن الدولي، بتمديد عمل اليونيفيل لعامٍ جديد بلبنان، ولكنه قام بإضافة فقرة إلى البند رقم 16، تتضمن عدم حاجة اليونيفيل إلى إذنٍ مُسْبَقٍ لأداء مهامها، وتم اعتماد ذلك في شهر أغسطس.
ومن الجدير بالإشارة، أنه يتم تجديد ولاية القوة سنويًّا من قِبَلِ مجلس الأمن الدولي؛ بناءً على طلبٍ من الحكومة اللبنانية.
ردود الفعل حيال تلك الواقعة
أثار الحادث حالةً من ردود الفعل الغاضبة على الأوساط المحلية والدولية؛ فقد أعربت يوانا فرونتسكا، المنسق الخاص للأمم المتحدة بـ(لبنان)، عن حزنها البالغ لوفاة الجندي، وندَّدت بإجراء تحقيقٍ سريعٍ وشاملٍ؛ لتحديد وقائع هذا الحادث المأسوي، وفي السياق نفسه، أكد السفير البريطاني بـ(لبنان)، هاميش كارول، على ضرورة محاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة.
كما أبدى نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال، أسفه البالغ إزاء ذلك الفعل، وشدَّد في بيانٍ، على ضرورة إجراء السلطات المعنية التحقيقات اللازمة؛ لكشف ملابسات الحادث، ومن جهةٍ أُخرى، أعرب رئيس مجلس النواب، نبيه بري، عن أسفه البالغ حيال تلك الواقعة؛ آملًا ألَّا تؤثر على العلاقات “اللبنانية – الأيرلاندية”، وألَّا تؤثر على العلاقة بين سكان الجنوب اللبناني واليونيفيل.
وفي هذا الصدد، أعربت الخارجية اللبنانية، عن حزنها الشديد، تجاه هذه الواقعة، مؤكدةً ضرورة التحرِّي، والكشف عن مرتكبي الحادث الأليم، كما أبدى «حزب الله» أسفه على تلك الحادثة، وشدَّد على التبرئة من مسؤوليتها.
من المسؤول عن ذلك الحادث؟
أصبح ذلك الحادث الشُّغْل الشاغل بالنسبة للداخل اللبناني؛ لما له من تداعيات ليست بالهينة على لبنان، تستطيع أن تلحق باقتصادها تحديات فادحة، كما أخذت الاتهامات تتبادل حول من يتحمل مسؤولية تلك الواقعة؟ فقد سبق وعرضنا غضب كُلٍّ من «حزب الله» ووزارة الخارجية اللبنانية، حيال الفقرة المضافة إلى البند رقم 11، والتي تتيح الفرصة أمام قوات اليونيفيل بالتوغُّل داخل جميع الأماكن بالجنوب، بدون وجود إذنٍ مُسْبَقٍ.
وفي ذلك الصدد، فهناك احتمالية، بأن يكون «حزب الله» هو المسؤول عن تلك الحادثة؛ كردِّ فعلٍ على تلك الفقرة، ولا سيما أنه من يمتلك السلاح في منطقة الجنوب، وسبق وأن اتهم اليونيفيل، بأنها قوات أمن تخدم مصالح إسرائيل، والذي يدعم ذلك الاتهام، هو أن الدورية تعرَّضت للهجوم، عندما شرعت بالدخول إلى منطقةٍ، لم يكن مسموحًا لها من قبل، بالتوغُّل فيها بدون إذنٍ مُسْبَقٍ، وهناك تكهُّن بأن هذه المنطقة يكْمُنُ فيها معلومات في غاية الحساسية، تعكس سرية تحرُّكات «حزب الله»، ولكن هذا السيناريو ليس الأقرب؛ حيث لايوجد أي مصلحة لـ«حزب الله»؛ جرَّاء فعل ذلك الحادث، بل هذا سيُشدِّد التضييق عليه، كما أن الأحداث الأخيرة بـ(لبنان)، أكدت التغيُّر في موقف «حزب الله»، والذي تجلَّى في نجاح اتفاقية ترسيم الحدود بين (لبنان، وإسرائيل)، والتي لم تكن لتتم بدون موافقة «حزب الله» عليها، كما أن «حزب الله» ليس المالك للسلاح فقط في الجنوب؛ فالسلاح متداول بشكلٍ كبيرٍ في (لبنان)، وليس هناك محتكر له.
وفي السياق نفسه، فهناك تكهُّنات، بأن يكون الجيش اللبناني هو المسؤول عن ذلك الحادث، كاعتراضٍ على الفقرة المضافة، ولا سيما أنها تتعارض مع سيادة الجيش اللبناني على أرضه، وهذا الاحتمال ليس مستحيلًا، ولكن إذا تمَّ تأكيد ذلك، سيدفع (لبنان) فاتورةً باهظةَ الثمن، وستقع عليه عقوبات اقتصادية تزيد من الأزمة الاقتصادية شللًا، فضلًا عن العُزْلة الدولية.
وهناك سيناريو، بتحمُّل إيران مسؤولية ذلك الحادث، والذي يُعزِّز ذلك السينارو، أنه من الممكن، اعتباره ردًّا على الأمم المتحدة، برسالة دموية من جنوب (لبنان)، بإلغاء عضويتها من لجنة المرأة بالأمم المتحدة، وعلى وجهٍ آخر، من الممكن اعتباره رسالةً من (طهران)، بقدرتها على تحريك أذرعها في الدول العربية، وهزّ الاستقرار؛ ردًّا على الضغوط الدولية، التي تتعرض لها كالعقوبات الاقتصادية، وتعليق البرنامج النووي، ولن تجد أسهل من الساحة اللبنانية الرَّخْوة؛ لتحقيق ذلك، ولا سيما بعد اتهام (إسرائيل) لـ(إيران) بتهريب الأسلحة، عبر مطار (بيروت) كبديلٍ لمطار (دمشق)، وإعلانها عن قصف طيرانها الحربي، قافلة أسلحة على الحدود “السورية – العراقية” معطلةً مشروعًا إيرانيًّا؛ لوضع مئات صواريخ “أرض – جو” في (سوريا، ولبنان)، وهذا السيناريو الأكثر توقُّعًا.