“نجاح المغرب في المونديال يثير جدلًا حول الهوية العربية” – تقرير بالإيكونوميست

إعداد : أكرم السيد

أثار تنظيم كأس العالم في قطر ٢٠٢٢ جدلًا كبيرًا بين سكان المنطقة العربية، فمنهم من يؤيد تنظيم قطر لهذا الحدث الرياضي الأبرز عالميا، وآخر معارض لاستضافة البطولة، ومؤيد لدور هذه البطولة المقامة على أرض عربية في تعزيز وحدة الدول العربية، وآخرون يرون أنه قد أنفق على تنظيم هذه البطولة مئات المليارات كان من الأجدى توجيهها إلى الدول العربية الأكثر احتياجًا، بالإضافة إلى اعتراض البعض على وصف دول المنطقة العربية بأنهم جميعًا “عرب” في الأصل، وبهذا ينتقل الجدل إلى أبعد من كونه جدلًا يتعلق بتنظيم بطولة رياضية تتنافس فيها منتخبات من مختلف قارات العالم، إلى بطولة قد صاحب تنظيمها جدل سياسي، فضلًا عن جدل يتعلق بالهوية العربية.

ومن هذا المنطلق فإن هذه الحالة الجدلية لم تكن حديث المنطقة العربية فحسب، بل تناقلتها العديد من الصحف والمواقع العالمية، ومن ثم فإن تقريرا أتى بعنوان “نجاح المغرب في المونديال يثير جدلًا حول الهوية العربية” نُشر على الإيكونوميست في الثالث عشر من ديسمبر الجاري وقد تناول هذه الحالة، وسنقوم بإلقاء الضوء عليه.

ما الذي جاء به تقرير الإيكونوميست؟
كان الأداء التاريخي للمنتخب المغربي هو مدخل هذا التقرير للحديث عن الهوية العربية، فلم يكن الإنجاز المغربي في البطولة مجرد تحقيق إنجاز رياضي هو الأبرز لإفريقيا والمنتخبات العربية في كأس العالم فحسب، بل حولته فئات كبيرة في المجتمع العربي ليكون بمثابة صراع رمزي بين الدول الاستعمارية ومستعمراتها السابقة، ولكن في هذه المرة يتجسد هذا الصراع على شكل مباراة كرة قدم.

وفي أعقاب عبور المنتخب المغرب ببراعة دور المجموعات من البطولة، ثم تغلبه بعد ذلك في المباريات الإقصائية على إسبانيا والبرتغال، ومن ثم وصوله إلى الدور نصف النهائي من البطولة وحصوله على المركز الرابع فيها، فإن البعض قد ذهب إلى وصف هذا الإنجاز بالإنجاز الإإفريقي والعربي، حيث لم يثير وصف الإنجاز المغربي بالإفريقي جدلًا، فمن المعلوم أن إفريقية المغرب لا جدال بشأنها، أما بالنسبة لوصف الإنجاز بالعربي فقد قوبل باعتراضات من بعض المغربيين أنفسهم، ولم يخلو بطبيعة الحال من تأييد وموافقة من البعض الآخر، كما أن لكلا الجانبين تبريراتهم.

فالجانب المعارض لعروبة المغرب له في ذلك مبررات وجيهة لا يمكن إنكارها، وهي أن الأصول المغربية هي أصول بربرية، ولغتهم الأصلية هي الأمازيغية والتي تم اعتمادها كلغة رسمية في عام 2011 بالإضافة إلى مجموعة إجراءات أخرى هدفت إلى تهدئة المواطنين أثناء ثورات الربيع العربي، كما يرى الرافضون لعروبة المغرب أن من شأن الهوية العربية التي يصر البعض على انتماء المغاربة إليها أن تمحو هويتهم الأصلية؛ في المقابل يرى المؤيدون لعروبة المغرب أن الثقافة المغربية قد اندمجت في الثقافة العربية وهو ما يجعل من الهوية العربية هوية مغربية، ويعزز ذلك أن المغرب دولة من ضمن دول جامعة الدول العربية، والعربية لغتها الرسمية، فضلًا عن مظاهر الاحتفاء في المنطقة العربية على إثر الإنجاز المغربي في بطولة كأس العالم والتي تدلل على أن ثمة هوية عربية تجمع بين سكان المنطقة.

بين الهوية العربية والهويات الأصلية لدول المنطقة

في تناول المقال لفكرته أثار فكرة جدلية حول تحديد ما إذا كان سكان المنطقة هم عرب في هويتهم الأساس أم إنهم في حقيقة الأمر ينتمون لهويات متنوعة تشكلت عبر حقب زمنية مختلفة، وتجدر الإشارة إلى أن الحديث عن مسألة حيوية ومهمة كهذه ليس الهدف منه هو إشعال الممارسات العنصرية تجاه شعوب المنطقة وبعضها البعض، إذ أن الهدف من جراء فتح نقاش حول هذه المسألة ينبع فقط من أجل أن تعرف كل دولة من دول المنطقة هويتها الأم التي تميزها عن غيرها من الدول ، وهل هناك تطور في مسار وشكل الهوية يتغير زمنيًا؟ بمعنى هل الهوية موقوتة أم هي أصل صعب الخروج منه؟، كأن يعرف الإنسان أصوله وأصول أجداده ومن ثم يدين بالانتماء لهم.

ونتيجة لذلك فإنه يمكن حل هذه الإشكالية على مستويين:-

أ-المستوى الأول : هو أنه يجمع بين شعوب المنطقة ما يعرف بـ “العروبة الثقافية” ونعني بالعروبة الثقافية هي كل ما يجمع بين سكان هذه المنطقة العربية من عادات وتقاليد ولغة وديانات متشابهة ومشتركة إلى حد كبير، ومن ثم فإن ثمة عروبة ثقافية أو ثقافة مشتركة تعزز من روابط الوحدة بين شعوب المنطقة، وهو ما يعزز بدوره التعاون بين دول المنطقة على المستوى السياسي وما يليه من مستويات أخرى.

ب-المستوى الثاني : ويعالج هذا المستوى حسم ماهية العروبة كونها هوية راسخة تميز دول المنطقة كافة على حساب الهوية الأصلية الأم للشعوب، ونعنى بالعروبة هنا أن يتم وصف المصريين مثلا بأنهم عرب أصليين في محاولة لمحو هوية مصرية يؤكد التاريخ امتدادها الأصيل منذ آلاف السنين.

وفي هذا السياق يحاول الأغلبية وهم المؤيدون لهوية عربية جامعة في مقابل رفض الهويات المختلفة لبعض شعوب المنطقة مثل الأمازيغ والأكراد ، مبررين موقفهم هذا بالقول بأن ثمة حكم ودين ولغة مشتركة تجعل حتمًا كل دول المنطقة من العرب. وفي سياق متصل فإن المخالفين لهذا المنطق تبنوا وجهة نظر ترتكز على إنه بالرغم من اعتناق أغلب الأوروبيين المسيحية، فهذا بطبيعة الحال لا يعني أن الأوروبيين من أصل واحد نتيجة لوحدة الدين، كما أنه لا يمكن القول أنه نتيجة لتحدث أغلب دول المنطقة اللغة العربية، فإن ذلك دليلًا على الأصل العربي لهذه الدول، حيث تتحدث عدة دول إفريقية اللغة الفرنسية، وهذا لا يجعلهم فرنسيين نتيجة لتحدثهم هذه اللغة؛ وبناء على ما سبق، فإنه ثمة عروبة ثقافية تجمع دول المنطقة بالضرورة، نستطيع رؤيتها في كثير من الأمور المشتركة، لكن في المقابل فإنه لا يجب أن يأتي ذلك على حساب الهوية الأصلية لكل دولة من دول المنطقة، فلكل دولة الحق في أن تفتخر بهويتها، حيث يعتبر هذا من الحقوق الطبيعة لها.

هل بالغ العرب في تحويل النصر الرياضي إلى نصر سياسي؟

صاحب إنجاز المنتخب المغربي العديد من الاحتفالات والإشادات بما حققه المغاربة في مسابقة كأس العالم، وكما صاحب إنجاز المغرب احتفالات عارمة وإشادات واضحة من الجميع على المستويين الرسمي والشعبي، فإن ثمة مبالغات واضحة جدا قد تبناها البعض في تناول إنجاز المغرب، وتحويل هذا الإنجاز من إنجاز رياضي من حق الشعوب والحكومات الاحتفال به، إلى نصر سياسي وحضاري كبير قد حققه العرب في هذه البطولة، ويمكن فهم هذه الحالة المبالغة في تناول هذا الحدث على مستويين، أولها أنه نتيجة لمعاناة دول المنطقة العربية من كثير الأزمات التي تثقل كاهل المواطنين والحكومات معًا، فإن تحقيق أي نصر رياضي كالفوز في بطولة عالمية كهذه وتحقيق مراكز متقدمة بها، يكون بمثابة المتنفس الوحيد لدول المنطقة كي تعيش لذة الانتصار ولو كان هذا الانتصار انتصارًا في بطولة رياضية. وثانيها فإن الحماس والتعصب والمبالغة هي صفات لصيقة بالألعاب الرياضية بشكل عام وبكرة القدم على وجه الخصوص، لذا فإنه كان من الطبيعي وصف هذا الإنجاز الرياضي بالملحمي أو التاريخي أو غيره من تلك الأمور.

هل استضافة قطر لكأس العالم تعزز الهوية العربية؟

في خضم استضافة قطر لكأس العالم، ذهب البعض إلى الإشادة بهذا التنظيم، نظرا لما سينتج عنه من تعزيز الوحدة العربية لا سيما على المستوى الشعبي، وكذا إخراج المظهر العربي في تنظيمه لبطولة عالمية كهذه بصورة مشرفة أمام العالم، وهذا الطرح صحيح في بعض أجزائه.

إلا أنه من عدم الموضوعية الإشارة إلى المغزى الأهم من جراء استضافة قطر لهذا الحدث العالمي، ويتمثل هذا المغزى في المقام الأول في الترويج السياسي والإعلامي والسياحي لدولة قطر، ولعل الإنفاق القطري الضخم لتنظيم هذا الحدث يؤكد لنا صحة ما نذهب إليه، حيث أنفقت قطر ما يقارب ٢٢٠ مليار دولار لتهيئة البلاد على كافة المستويات لتكون مستعدة لتنظيم المونديال، حيث وصف هذا الإنفاق بأنه الإنفاق الأضخم في تاريخ بطولة كأس العالم، وبالنظر إلى ما أنفقته دول أخرى قد نظمت هذا الحدث من قبل، فإنه سوف يتضح لنا ضخامة المبلغ الذي أنفقته قطر، حيث أنفقت البرازيل ما يقارب ١٥ مليار يورو لتنظيمها كأس العالم ٢٠١٤، كما أنفقت روسيا ١١ مليار يورو لتنظيم كأس العالم ٢٠١٨، وهو ما يوضح لنا الفرق الكبير جدا بين قطر وغيرها من الدول الأخرى التي نظمت البطولة على مستوى الإنفاق. وأما على مستوى الإيرادات، فوفقا لرئيس اللجنة المنظمة للبطولة، فإنه من المقدر أن تحصل قطر على أرباح تقدر ب ٩ مليار دولار، وهو ما يدل على أن تحصيل الأرباح من جراء تنظيم هذه البطولة لم تكن مسألة ذات أهمية بالنسبة للحكومة القطرية، بل إن “البروباجندا” لدولة قطر على مختلف المستويات كانت لها الأولوية.

إجمالًا
إنه لا يمكن إنكار دور الرياضة وما تلعبه من دور واضح في تعزيز الانتماء والترابط بين مختلف أفراد الشعب الواحد، بل أفراد المنطقة الجغرافية الواحدة، ولعل تحقيق المغرب لهذا الانتصار غير المسبوق كان دليلًا واضحًا على هذا؛ ومن ناحية أخرى فإنه من حق أي دولة من دول المنطقة أن يحتفي شعبها بأصوله الممتدة لمئات بل آلاف السنين، وعلى أي حال فإنه لا يجب أن يفهم ذلك بأنه دعوة للتفرفة بين الشعوب العربية أو إعاقة اندماجهم في تنظيمات فاعلة في مختلف المناحي.

كلمات مفتاحية