اختار العرب سفراءهم من بين الشخصيات البارزة فى الدولة، ذات المنزلة المشهورة بحصافة الرأي وبلاغة القول ورجاحة العقل وسرعة البديهة، فعهدوا بالسفارة إلى القضاة، والفقهاء، والعلماء، و المحدثين، وكبار موظفي الدولة كالوزراء والكتاب والأطباء وكبار التجار، حيث كان هؤلاء يوفدون إلى أهل الجلالة والقدر والثناء والذكر من الملوك والسلاطين والأمراء .
أفاض أيضا كتاب العرب فى ذكر صفات من يصلح، وما يستحب فيه من رواء ونبل وحسن رأى وتصرف ونزاهة عن بيع الأمانة أو خيانة مرسله وتجاوز ما رسم له، وأن يكون صحيح الفكرة والمزاج، ذا بيان وعبارة، بصيرا بمخارج الكلام، صدوق اللهجة، جيد اللسان لا تبدر منه البذيئة، كاظما للغيظ لا تلحقه ثورة الغضب، يؤثر الصدق فى القول، وأن يكون وقورا ذا حزامة، حليما ذا أصالة رأي.
إن سمو مهمة السفراء وجلال قدرها، تستلزم أيضا أن يكون السفراء على درجة كبيرة من نفاذ الرأي وحصافة العقل حتى يستطيعوا أن يستنبطوا غوامض الأمور، ويستبينوا دقائق الصواب، ويميزوا الأمر المستقيم من المعوج، ويتأنوا فى تصرفاتهم وأفعالهم.
علي الشاكلة السالفة ، انتخب مجلس الإدارة الجديد للمجلس المصري للشئون الخارجية فى اجتماعه الأول السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق.
السفير محمد العرابي أبرز وزراء الخارجية المصرية التليدة في العقود الأخيرة، الذي رأس مؤخراً مجلس إدارة أحد أبرز المؤسسات المصرية غير الحكومية المعنية بالتنوير والتثقيف لجموع المصريين في كثير القضايا و الشواغل التي تهم الوطن، فضلا عن الدور الأهم الذي لا يعوزه أي تدليل الذي يقوم به المجلس في المشورة الثاقبة لأجهزة ومؤسسات وهيئات الدولة المعنية بتحليل و استشراف السياسات الخارجية التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر علي السياسات الداخلية للوطن .
نافل القول، لا يستقيم الحدث الجلل مع المرور عليه مرور الكرام، أو غض البصر، فلا مشاحة أن ماهية و كينونة المجلس المصري للشؤون الخارجية الذي صار مطمحا للباحثين و الخبراء و المهتمين بالعلاقات الخارجية و الشؤون الاستراتيجية، و أضحي أيضا مغنما لنيل عضويته للشرفاء من المصريين الذين يتوقون للإسهام في تعيين خطوط الأساس للسياسات الخارجية لجمهورية مصر العربية، و تمتين مرتكزات خرائط الطرق السياسة و الاقتصادية و غيرها لجمهورية مصر العربية . ليست منبتة الصلة عن اختيار الوزير الأغر و السفير المبرز بلا مشاحة أو مرية أو مراء، فالطيور علي أشكالها تقع، ولا ينبئك مثل خبير .
باختصار غير مخل، صار العرابي يوماً تلو الآخر، وفينة بعد الفينة محط الأنظار و في مرمي كل الأبصار، بعد أن مد أياديه البيضاء، في العقد الأخير العسير الذي خبرت به المحروسة دون سائر الأمم و الدول بثورتين مجيدتين أفضتا لأعسر مخاض مرت به مصر في تاريخا الحديث، إلي كافة الجامعات و الأكاديميات و الهيئات و المؤسسات، لينشر شعاع العلم، و ينثر بذور الفهم للخاصة و العامة علي حد سواء؛ فاختارته معظم الجامعات و الكليات لعضوية مجاس إدارتها بعد أن كان معقد آمالها وموطن اهتمامها، وتدليلا لا حصرا صار عضوا لمجالس كليات الاقتصاد و العلوم السياسية في جامعات القاهرة، و الإسكندرية، والمستقبل، و بني سويف، وعضو مجلس أمناء جامعة بدر، و جامعة الملك سلمان .
لا غرو أن الوزير محمد العرابي حاز الشرف، واعتلي السؤدد منذ حين، فالعرابي فارس صنديد كابر عن كابر، ففي ريعان شبابه انضم لصفوف القوات المسلحة في منتصف سبعينات القرن الماضي ضابطا محاربا ضمن ثُلة الضباط الاحتياط المصريين المنتقين، أما عن دماء رهطه ،و نقاء عشيرته، فحدث ولا حرج فجده لأمه المرحوم الفريق حسين باشا فريد الله قائد الجيش المصري قبل الثورة المصرية عام 1952، أما عمه قائد الجيش المصري المهيب بل “الرهيب ” المرحوم الفريق إبراهيم عبد الغفور العرابي لعقد من الزمان، فمهما رُويت القصص و الروايات، وسُطرت الأسفار و الالياذات فلن توفيه حقه ولن تفي ببطولاته في حروب وسلم الجيش المصري العرمرم الصنديد .
أما عن سيرته الدبلوماسية العطرة، فنافل القول إن معاليه يُعد بوتقة الانصهار لخبرات الوزراء أساطين الدبلوماسية المصرية و العربية : بطرس بطرس غالي ، وعصمت عبد المجيد، و عمرو موسي، و أحمد ماهر، و أحمد أبو الغيط ، لكن بالرغم من عديد المحطات الدبلوماسية التي جالها العرابي، فما برحت العلاقات المصرية الألمانية تشهد أن العرابي و بعد سفارته لمصر في برلين لمدة ثمانية أعوام دشن أوطد علاقات لمصر بألمانيا في التاريخ المعاصر .
ختاما، غدا اختيار العرابي رئيسا للمجلس الموقر بردا و سلاما علي الكثرة الكاثرة من المعنيين و المتخصصين في شؤون السياسات الخارجية و الداخلية، و هنيئا لمصر والمجلس المصري للشؤون الخارجية ذلك الاختيار الفارق و الانتقاء الفالق، الذي سيسهم من دون ريب في تطوير مسيرة المجلس المصري للشؤون الخارجية، و يمتن جسور الوشائج بين المجلس و كافة المؤسسات و الهيئات و الأجهزة الحكومية المصرية وغيرها .