اهتمام أمريكي غير مسبوق في “حضرموت”.. ماذا تريد واشنطن؟

إعداد: رضوى الشريف

خلافًا للمدن والبلدات اليمنية الأُخرى، يتجلَّى اهتمام أمريكي متزايد بمحافظة “حضرموت”، الواقعة جنوب شرقي اليمن، من خلال زيارات السفير الأمريكي، أو التحرُّك “الأمني، والعسكري”، واللقاءات المُكثَّفة في الأشهر الأخيرة، ولم يكن وراء الزيارتيْن الأخيرتيْن، اللتين قام بهما السفير الأمريكي الجديد لليمن، ستيفن فايغن، في شهريْ “يونيو، وديسمبر” الماضييْن، علامات استفهام كبيرة، لكن من اللافت، أنهما جاءتا في وقتٍ قصير، كما سبقتهما زياراتٌ كثيرةٌ لسفراء أمريكيين ومسؤولين، وانتشار عسكري.

ولا يعلم ما إذا كانت هذه الزيارات تعكس الاهتمام الأمريكي بهذه المحافظة، التي تُعتبر من أكبر المحافظات اليمنية، وتحتوي على موارد نفطية كبيرة وسواحل بحرية وحدود برية أيضًا شاسعة مع السعودية؛ ما يطرح تساؤلات حول سرِّ هذه الزيارات، وما وراءها في الفترة الراهنة.

أهمية “حضرموت” الإستراتيجية

تكْمُن أهمية محافظة “حضرموت” الإستراتيجية بشكلٍ عامٍ، بأن لها حدودًا ممتدة مع السعودية شمالًا، إضافةً إلى إطلالتها من ناحية الجنوب على “بحر العرب”، وتُعدُّ “حضرموت” أكبر محافظات اليمن؛ إذ تمثل أكثر من ثلث مساحة البلاد (36%)، وتمتلك شريطًا ساحليًّا، طوله 450 كم، فضلًا عن ثروةٍ نفطيةٍ ومعدنيةٍ وسمكيةٍ، إضافةً إلى ساحلٍ هو الأطول لمحافظة يمنية مع السعودية.

ويغْلُبُ على التركيبة الديمغرافية للمحافظة الطابع القبليّ، الذي يتمتع بامتدادٍ اجتماعيٍّ في الجوار السعودي؛ إذ إن “الحضارمة” اتجهوا إلى وسط الجزيرة العربية في سبعينيات القرن الماضي.

وازدادت أهمية “حضرموت” من الناحية الاقتصادية، مع اكتشاف حقل “المسيلة” النفطي، مطلع تسعينيات القرن المنصرم، إلَّا أن ذلك فاقَمَ أيضًا الخلافات بين القوى السياسية في البلاد؛ حيث ظهرت مطالب آنذاك، بحكمٍ ذاتيٍّ للمناطق التي كانت تُشكِّلُ اليمن الجنوبي سابقًا.

خريطة اهتمام أمريكي غير مسبوق في "حضرموت".. ماذا تريد واشنطن؟

وازدادت أهمية “حضرموت” من الناحية الاقتصادية، مع اكتشاف حقل “المسيلة” النفطي، مطلع تسعينيات القرن المنصرم، إلَّا أن ذلك فاقَمَ أيضًا الخلافات بين القوى السياسية في البلاد؛ حيث ظهرت مطالب آنذاك، بحكمٍ ذاتيٍّ للمناطق التي كانت تُشكِّلُ اليمن الجنوبي سابقًا.

دعوات جديدة بـ”استقلال حضرموت”

وتتميز “حضرموت” بامتلاكها ثقلًا سياسيًّا كبيرًا، يُمكّنُها من الإسهام بفاعليةٍ في رسْم مستقبل الدولة اليمنية، التي يحْلُمُ بها اليمنيون، كما أنها تُشكِّلُ حَجَرَ عَثْرةٍ في طريق المشاريع التي ترغب في انفصال جنوب البلاد عن شماله.

وبالرغم من أن “حضرموت” ظلَّت على مدار سنوات طويلة، بعيدةً عن الصراع، باستثناء سيطرةٍ مُؤَقَّتةٍ لتنظيم “القاعدة” على مدينة “المكلا”، انتهت بانسحابٍ مفاجئٍ، عقب دخول القوات الإماراتية، عام 2016، إلَّا أنه في الفترة الأخيرة، ظهر تناحُرٌ بين “المجلس الانتقالي الجنوبي، وحزب الإصلاح”؛ بسبب خطوةٍ هي الأولى منذ عشرات السنين، قام فيها تابعون لـ”حزب الإصلاح”، بالدعوة لمشروع انفصال محافظة “حضرموت”، بعيدًا عن جنوب اليمن وشماله؛ حيث تظاهر الآلاف من أنصار هذه الدعوة في مدينة “سيئون”، ثاني أكبر مدن محافظة “حضرموت”، وهي كبرى محافظات اليمن، في 7 أكتوبر الماضي، رافعين أعلام “دولة حضرموت”، في تحرُّكٍ نادرٍ وجريءٍ.

 ماذا تريد واشنطن؟

المُلاحظ في التطورات الراهنة في “حضرموت”، الساعية لفصلها، أنها جاءت بعد عدة زيارات أمريكية لـ”حضرموت، والساحل، والوادي، والصحراء”؛ ما يشير إلى وجود علاقةٍ سببيةٍ بين تجلِّي اهتمام “واشنطن” بتلك النقطة الإستراتيجية ومطالب الانفصال الأخيرة.

ولمعرفة ما إذا كانت “واشنطن” وراء التطورات الراهنة في “حضرموت”، يجب إلقاء الضوْء على ما تُشكِّلُه تلك المحافظة من أهميةٍ بالنسبة لـ”واشنطن”.

في الواقع، إن الاهتمام الأمريكي بمحافظة “حضرموت”، ليس وليد اللحظة، بل ظهر منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، والذي بدأ ترجمته من خلال إرسال شركات للتنقيب عن النفط، بالتعاون مع المملكة البريطانية في المحافظات الجنوبية، وفي مقدمة تلك الشركات شركة “بان أمريكان” والتي أعلنت في العام 1961م، وجود كميات كبيرة من النفط في “صحراء ثمود”.

جعلت الأطماع الأمريكية محافظة “حضرموت” تحتلُّ واجهة اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة، والتي أظهرت اهتمامًا استثنائيًّا بمحافظة “حضرموت”، منذ بدْء الصراع 2015؛ حيث تشير المعلومات إلى أن الولايات المتحدة لديها قاعدة مشتركة مع الإمارات في مطار الريان بـ”المكلا”، إضافةً إلى اشتراكها في القاعدة العسكرية بمطار الغيضة بمحافظة “المهرة”، التي تُوجد فيها أيضًا قوات “بريطانية، وسعودية”.

وترجمة لتوجُّهات “واشنطن” الحالية وتطلُّعاتها في المنطقة، تحوَّلت محافظة “حضرموت” إلى محطةٍ رئيسيةٍ للأمريكيين، ووجهة لتحرُّكاتهم المُكثَّفة والمتلاحقة، قاموا بها خلال الفترات الماضية، بشكلٍ مُكثَّفٍ، أظهر الأمريكيون خلالها، أنهم ليسوا في حاجةٍ لأخْذ الإذن للتحرُّك بحرية في “حضرموت”.

ويتمحور الاهتمام الأمريكي بـ”حضرموت” وفْق مُحدِّدات رئيسية أهمها:

  • محاربة الإرهاب؛ كونه أحد أهم الدوافع وراء تحرُّك أمريكا في المنطقة بشكلٍ عامٍ، والذي اشتغلت عليه خلال العقديْن الماضييْن، ويأتي التحرُّك الأمريكي في “حضرموت” في الفترة الراهنة؛ بسبب تنامي نشاط تنظيم “القاعدة” مرةً أُخرى في اليمن، خلال عام 2022، بعد تراجُع هجماته خلال السنوات الماضية، ولهذه العودة دلالاتٌ ومؤشراتٌ وأسبابٌ، مكّنت التنظيم الإرهابي من الظهور بقوة، وكانت لهجماته فاعلية وتأثير بين أفراد مؤسستيْ “الجيش، والأمن”، كما أثارت عودته قلقًا “محليًّا، وإقليميًّا، ودوليًّا”؛ خوفًا من أن يكون قد استجمع قواه، وجذب إليه عناصر جديدة؛ حيث يتركز في محافظات “أبين، وشبوة، والبيضاء، وحضرموت”.
  • الصراع مع إيران، وفي هذا تنظر أمريكا لسواحل “حضرموت”، المُطلّة على “بحر العرب”، بضرورة وجودها العسكري؛ لحماية مصالحها، وللتصدي للتهديدات الإيرانية، المتمثلة في دعم الميليشيات الحوثية بالأسلحة، عن طريق نقْلها على متْن سفن الشحن؛ فطبقًا للمصادر الإخبارية الرسمية، سبق وأن اعترضت البحرية الأمريكية سفن شحن عديدة، مُحمَّلة بالأسلحة على متْن سفن صيْد في “خليج عمان”، يُعتقد أن مصدرها إيران، وكانت في طريقها للميليشيات الحوثية، وكان آخر تلك المجهودات، اعتراض سفينة صيْد مُحمَّلَة بالأسلحة، في 11 يناير الجاري، وهي ثالث شحنة يتم اعتراضها خلال شهريْن، وفْق ما ذكره الأسطول الأمريكي الخامس، وجاء اعتراض تلك الشحنة التي ضمَّت أكثر من 2000 بندقية آلية من نوع “كلاشينكوف”، بعد 10 أيام فقط، من إعلان السلطات اليمنية في محافظة “حضرموت”، توقيف شاحنتيْن كانتا تحملان مُعدَّاتٍ خاصة، بالطيران المُسيّر، متجهة إلى الميليشيات الحوثية.
  • مصالح اقتصادية غير مباشرة تستفيد منها “واشنطن” خاصة في قطاعيْ “النفط، والغاز”، وإن لم تكن فائدة مباشرة، فهي تستفيد منها على الأقل، في توازنات وأسعار سوق الطاقة العالمي، كما أضافت تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية” أبعادًا أُخرى اقتصادية لهذا الاهتمام الغير مسبوق بـ”حضرموت”، من حيث الحاجة إلى موارد الطاقة.
  • التوازنات “الإقليمية، والدولية” وإدارتها وتوظيفها لصالح السياسة، والمصالح الأمريكية تأتي كمُحدِّد آخر ضمن النشاط الأمريكي في اليمن؛ ما يعني الإبقاء على بُؤَرِ التوتُّر قائمة في المنطقة، والمحافظة على أسباب الصراع دون معالجتها، وكذلك المحافظة على أدواته، بقدْرٍ مُعيّن من القوة؛ الأمر الذي يُبْقِي كل الصراعات مفتوحة بدون حلٍّ، يكون الجميع معها في حاجةٍ للموقف الأمريكي، والدعم الذي تقدمه لحلفائها، وأيضًا يُبْقِي الباب مفتوحًا لتدخلاتها في المنطقة؛ لضمان تأمين أكبر قدْرٍ من المصالح.
  • الصراع مع “روسيا، والصين” والتنافس على المنطقة لا يمكن إغفاله من قائمة المُحدِّدات التي تتحرك أمريكا في إطارها، وفي هذا تُحضِّرُ وتعمل لقطْع الطريق على أيِّ دوْرٍ قد تلعبه روسيا أو الصين في الحرب اليمنية.

 الخاتمة

يهدف تزايد الاهتمام الأمريكي الأخير لـ”حضرموت” إلى خلْق حالة تشابُك بين مختلف حلفاء الولايات المتحدة وقواتها الموجودة في المنطقة؛ لمواجهة ما يؤثر على مصالحها، في ظلِّ التحوُّلات التي تشهدها دول الخليج، وعلى وجه الخصوص، ما يقع في إيران، فضلًا عن امتداد النفوذ الإيراني في جنوبي البحر الأحمر، وكذلك التنافُس “الصيني، والأمريكي” الذي هو حاضر؛ لأنه يمسُّ مصالح “واشنطن” من زاوية المفهوم الواسع للأمن.

وبالنسبة للتطورات الراهنة في “حضرموت”، من حيث تزايد التناحُر بين “حزب الإصلاح، والمجلس الانتقالي”، وبروز دعوة (تقرير مصير حضرموت) في الانفصال عن الوطن الأم، والتي لُوحظ أن جميعها حدثت في ظلِّ تزايد الوجود العسكري للقوات الأمريكية والزيارات المتعددة للسفير الأمريكي، ويبدو أن “واشنطن” تستغل الوضع المُتأزِّم بين الطرفيْن وتُغذِّيه؛ لكي تزيد من وجودها العسكري، مبررةً ذلك بخطابات، في ظاهرها الحفاظ على أمن واستقرار اليمن، وفي الواقع تشتغل على مشاريع أُخرى في الجنوب اليمني، وعلى وجه الخصوص محافظة “حضرموت”، التي تمتلك موقعًا إستراتيجيًّا وثروات كبيرة، كل ذلك يأتي في سياق تعزيز الحضور الأمريكي، بما يَكْفُلُ للولايات المتحدة السَّبْقَ في فرْض واقعٍ تُخطِّطُ له “واشنطن”؛ ليكون لها حضورٌ فيه مستقبلًا.

 

 

 

كلمات مفتاحية