إعداد: أكرم السيد
في الذكرى الثانية عشر لإسقاط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، شهدت وسط العاصمة التونسية، تظاهرات قدرت أعداد المشاركين فيها بالآلاف، وسط إجراءات أمنية مشددة، وتأتي هذه التظاهرات مناهضة للرئيس التونسي قيس سعيد والمسار السياسي الذي انتهجه منذ ٢٥ يوليو ٢٠٢١، والذي شهد تفعيل المادة ٨٠ من الدستور، وحل الحكومة، وتجميد عمل البرلمان، وتغيير الدستور، وانتهاءً بإجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر من العام الماضي، والتي شهدت إقبالًا ضعيفًا، دفع البعض للتدليل على انخفاض التأييد لقيس سعيد.
وفي سياق متصل، جاءت التظاهرات هذه المرة نتيجة لدعوات من كيانات مختلفة شملت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية ونقابية، والتي رفعت شعارات تطالب بإسقاط رئيس الجمهورية، لتدخل البلاد في حالة من الاضطرابات السياسية، والتي لم ينجح المسار السياسي الذي أرساه رئيس الجمورية منذ العام ٢٠٢١ في أن يضع نهاية له.
ذكرى الثورة التونسية بين 14 يناير و17ديسمبر
تأتي هذه التظاهرات التي شهدتها البلاد بعد ١٢ عاما من سقوط نظام بن علي، حيث شهدت تونس على إثر ذلك تعثرات أعاقت مسارها الديمقراطي، والذي ألقت بظلالها على مختلف أوضاع البلاد. ومثل النهج الجديد لقيس سعيد منذ يوليو ٢٠٢١ تغيرًا كبيرًا في مسار المشهد السياسي التونسي، وعلى الرغم من أن نهج قيس سعيد كان يستهدف بالأساس سلوكيات حركة النهضة، إلا أن ثمة انتقادات من قوى مدنية ضد نهج الرئيس قد تبلورت طيلة الفترة الماضية، ولعل التظاهرات التي شهدتها البلاد مثالًا واضحًا على ذلك، حيث تصف قوى المعارضة مسار قيس سعيد بأنه يضمن لرئيس الجمهورية الانفراد بالسلطة واحتكارها، فضلًا عن إجهاض المسار الديمقراطي، فيما يرفض قيس سعيد هذه الاتهامات، حيث جاءت تصريحات سعيد ،في أعقاب مساعي قوى المعارضة للتعبئة لتظاهرات تنادي بإسقاطه بعد وصفه للمعارضة بالخونة؛ بالإضافة إلى هذا، فقد سعت السلطات إلى منع بعض الأشخاص من التظاهر، وفيما تصر قوى المعارضة على إحياء ذكرى الثورة في ١٤ يناير، يصر قيس سعيد على إحياء ذكرى الثورة في ١٧ ديسمبر، حيث يرى سعيد أن تاريخ ١٤ يناير، وهو اليوم الذي شهد سقوط نظام بن علي، هو اليوم الذي ضلت فيه الثورة، في إشارة من الرئيس إلى القوى التي غيرت مسار الثورة من مسار ديمقراطي حقيقي، إلى مسار يهدف إلى توظيف الديمقراطية من أجل مصالح حزبية ضيقة.
مشاركة متنوعة من قوى المعارضة
شهدت التظاهرات هذه المرة مشاركة مجموعة متنوعة من قوى المعارضة، فلم تكن المشاركة من التيار الإسلامي بشكل عام أو حركة النهضة بشكل خاص، كونهما محل استهداف من قبل قرارات قيس سعيد في يوليو 2021، والتي حجمت من نشاطهما السياسي بشكل كبير؛ وفي هذا الإطار، فإن عدة قوى قد شاركت في التظاهرات، ومنها جبهة الخلاص الوطني والتي تتكون من عدة أحزاب، من بينها حركة النهضة، حيث نظمت الجبهة وقفة بالقرب من مقر وزارة الداخلية.
بالإضافة إلى هذا، فقد شاركت عدة أحزاب ديمقراطية واجتماعية في التظاهرات، وهم حزب العمال، وآفاق تونس، والتيار الديمقراطي، فيما سعي الحزب الدستوري الحر إلى تنظيم مسيرة تتجه نحو قصر قرطاج، والتي تم منعها بعد مشادات مع قوى الأمن، فيما اعتقل أربعة من أنصار الحزب.
لذا فإن ثمة دلالتين من وراء هذه التظاهرات، الأولى هي وجود تنوع ملحوظ في القوى المشاركة في التظاهرات المعارضة للرئيس قيس سعيد لا سيما في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والثانية هي مشاركة حركة النهضة جنبُا إلى جنب القوى المدنية الأخرى، وهو ما يعني نفاذ حركة النهضة إلى المشهد السياسي من خلال هذه التظاهرات التي تعتبر بمثابة فرصة عودة جديدة لها، لا سيما وأن التظاهرات تنادي بإسقاط قيس سعيد، والذي أزاح بقرارته حركة النهضة من المشهد.
وفي تصريحات ذات صلة بالأحداث للأمين العام لحزب العمال “حمة الهمامي” ، حول مدي تحالف الأحزاب المشاركة في التظاهرات مع حركة النهضة المشاركة هي الأخرى، نفى “الهمامي” إمكانية وجود تحالف بينهما، موضحا أن “حركة النهضة تتحمل مسؤولية تعفن الأوضاع طيلة العشرية الماضية وفتحت الباب لانقلاب قيس سعيد ولم تعتذر إلى الشعب”.
في مواجهة القوى المعارضة
تذهب القوى المؤيدة للرئيس إلى التقليل من حدة هذه التظاهرات، فعلى الرغم من تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي لا تنكرها القوى المؤيدة لسعيد، فإنهم يرون أن ثمة فشل قد أصاب قوى المعارضة في تعبئة عدد لا بأس به من الجماهير في التظاهرات الأخيرة، وهو بدوره ما يجعل هذه التظاهرات عابرة، ولن تغير في المشهد السياسي الحالي أي تغييرات، لا سيما وأن الرئيس قيس سعيد في الأساس لا يلقى للقوى المعارضة أي اهتمام.
وإجمالا، فإن التظاهرات التي شهدتها تونس لا يمكن على وضعها الحالي، أن تزعج أجهزة الدولة، إذ تقدر أعدادها بالآلاف، لكن ومن ناحية أخرى تقابل الدولة ممثلة في الرئيس قيس سعيد مثل هذه التظاهرات بالاستهزاء وعدم إعطائها القدر اللازم من التفاعل والاهتمام، إلا أنه ومع استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الفترة الحالية، فإن ذلك من الممكن أن يزيد من حدة هذه التظاهرات، ويجعلها تتحول من تظاهرات تدعو لها قوى حزبية إلى تظاهرات شعبية واسعة، وهو ما قد يدخل البلاد في سيناريوهات مضظربة على الصعيد السياسي.