الدوافع الإيرانية لتطوير علاقاتها مع مصر

إعداد: أحمد محمد فهمي

لا تزال التصريحات الإيرانية مستمرة بين فترة وأخرى في مغازلة التقارب مع مصر، وكان آخرها تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني[1]، والذي كشف عن عقد محادثة “قصيرة” بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وذلك على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة والذي عقد بالعاصمة الأردنية “عمان” في ديسمبر الماضى، مضيفًا أن الحوار كان إيجابيًا وعبر عن رغبة الجانبين في الحوار، مشيرًا إلى أن “العلاقات الثنائية مستمرة بين البلدين من خلال رعاية المصالح وليس هناك مشكلة بين البلدين لاستمرار الحوار”.

كما صرح كنعاني كذلك في يوليو الماضي، بأن طهران لديها تواصل دبلوماسي مباشر مع القاهرة من خلال مكاتب حماية المصالح، بجانب أطر دبلوماسية أخرى، مشيرًا إلى أن هذه العلاقة تخدم التفاهم بين البلدين دون الحاجة لوجود وسطاء، كما أن لإيران تعاون مع مصر في المحافل الدولية، مؤكدًا أن هناك إرادة لاستمرار هذا التعاون.

وتأتي تلك التصريحات في إطار الإشارات المتتالية من طهران لرغبتها في تطوير علاقاتها مع القاهرة على مدى الفترات الماضية، وكان من أبرزها الحضور الإيراني في قمة مؤتمر المناخ “COP27” بمدينة شرم الشيخ بحضور نائب الرئيس الإيراني، علي سلاجقة، والذي التقى بوزير الخارجية سامح شكرى أثناء فعاليات المؤتمر.

وفي هذا الإطار تقوم العراق بالوساطة لتطوير العلاقات المصرية الإيرانية، على غرار نفس المسعى العراقي بين السعودية وإيران، نظرًا لحكم العلاقات الخاصة التي تربط العراق وإيران، وقد أبدى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ترحيبه بمقترح لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، لبدء حوار مع مصر بوساطة عراقية لتحسين العلاقات معها، مشيرًا إلى أن إيران ستواصل متابعة هذا الموضوع تماشيًا مع دور العراق الإقليمي للمساعدة في تعزيز الحوار والتعاون.

فما هي أبرز الدوافع الإيرانية وراء مسعاها لتطوير علاقاتها مع مصر، والتى وإن كانت تبدو مفهومه في ضوء ما تمثله مصر من ثقل سياسي في المنطقة، والدور المهم الذي تلعبه في العديد من القضايا، إلا أن هناك بلا شك مؤثرات جديدة داخلية وخارجية، تضغط على القيادة الإيرانية لاتخاذ خطوات لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة وبالأخص دول الخليج ومصر، وذلك على الرغم من عمق الملفات الخلافية.

أولًا: الحضور المصري البارز في القضايا الإقليمية:

بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في عام 2014، استطاعت الدولة المصرية وبعد استقرار الأوضاع الداخلية، أن تنتطلق في تطوير سياستها الخارجية إنطلاقًا من عدة محددات جوهرها التزامها بنهج متوازن بين مصالحها الوطنية، والتزاماتها وموقفها تجاه القضايا الإقليمية والعالمية، فكانت سياستها الخارجية تقوم على احترام السيادة الوطنية لكافة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فكانت تلك عوامل ثقة لجميع الدول للتعامل مع الدولة المصرية، وذلك على عكس السياسات التي تمارسها بعض الدول الإقليمية وعلى رأسها تركيا وإيران، والتي تستخدم أدوات القوى الخشنة في تعاملها مع العديد من أزمات المنطقة، وتدخلها في الشؤون الداخلية لهذه الدول وهو ما أفقدها ثقة شعوب وحكومات دول المنطقة.

كما أن الدبلوماسية المصرية تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وخاصة في الدول ذات البُعد الجيوستراتيجي بالنسبة لإيران، في العراق ولبنان واليمن وغيرها، كما أن هناك اهتمامًا إيرانيًا بتطورات الحضور المصري العسكري من خلال قيادة قوة المهام المشتركة (153) والتي تتمثل مهامها في مكافحة أعمال التهريب والتصدى للأنشطة غير المشروعة خاصة الأنشطة الإرهابية في مناطق ( البحر الأحمر – باب المندب – خليج عدن)[2]، وهي مناطق ذات بُعد استراتيجي بالنسبة لإيران.

ثانيًا: كسر العزلة المفروضة على إيران:

في ظل العزلة الدولية المفروضة على إيران بسبب عدة أزمات أبرزها: الملف النووي الإيراني، واستخدام العنف لمواجهة الاحتجاجات الداخلية والمستمرة حتى اليوم، وكذلك الاتهام الدولي لإيران بمساعدة روسيا بطائراتها المسيرة في حرب أوكرانيا، تحتاج إيران إلى كسر تلك العزلة والتغلب عليها من خلال عدة سياسات على صعيد سياستها الخارجية، ومنها التقارب مع مصر والسعودية، وهو ما سيعود بالنفع كذلك على سياستها الداخلية في حال تحقيق ما ترجوه طهران من ملف تطوير علاقاتها مع بعض دول المنطقة، بالتالي فإن إيران تبحث عن نفوذ إقليمي جديد، مستعينة في ذلك بجارتها العراق، في ظل العلاقات المتميزة بين الدولتين الجارتين.

وفي حال نجاح طهران في تطوير علاقاتها مع القاهرة، ستتمتع إيران بمزايا نسبية، نظرًا للمكانة الإقليمية التي تتمتع بها مصر كونها دولة القلب للوطن العربي، لها كلمة يعتد بها في المحيط العربي، وتشترك في العديد من التحالفات، ولها شبكة واسعة من المصالح، مما يتيح فرصة جيدة لإيران لإفشال سياسة عزلها دوليًا، وحشد العداء لها، خاصة بين الدول العربية، من خلال تحسين صورتها الذهنية لدى العديد من الأطراف العربية،[3] كذلك فإن التسارع التركي في إنجاز ملف تطوير علاقاتها مع العديد من دول المنطقة ومنها السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر، وحتى أرمينيا (حليفة إيران ضد أذربيجان)، يزيد من الرغبة الإيرانية بأن لا تكون وحيدة ومنبوذة في المنطقة.

ثالثًا: قلق بعد وصول حكومة نتنياهو للسلطة:

بعد وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للسلطة من جديد، أكد أنه سيعمل وبقوة، ضد العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، كما أكد اتخاذه إجراءات حازمة لمنع الترسّخ العسكري الإيراني في سوريا وأماكن أخرى، كما طلبت وزراة الدفاع الإسرائيلية في حكومته برفع ميزانيتها، وترغب إيران في كسب الدور المصري البارز في المنطقة، لمحاولة تحجيم سياسات الحكومة الإسرائيلية الجديدة في زيادة أزمات المنطقة، والدخول في مواجهة تصعيدية مع إيران بشكل مباشر أو على صعيد استمرار ضرب الأهداف العسكرية الإيرانية في سوريا، خاصة في ظل الأوضاع الداخلية الإيرانية المضطربة والتي لم تستطع قوى الأمن الداخلية السيطرة عليها، بجانب انشغال حليفة إيران –روسيا-  في حربها في أوكرانيا والتي لا تستطيع في الوقت الحالي تقديم دعم كبير لإيران في حالة ووقوع مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل.

رابعًا: رسائل إلى دول المنطقة:

ترغب إيران في حالة تطوير علاقاتها مع مصر، أن ترسل رسائل تقارب إلى بعض دول المنطقة وعلى رأسها دول الخليج، على أساس مدى أهمية المكانة الاسراتيجية لمصر في المنطقة، والتي لها علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج، وأن تطوير العلاقات معها يعتبر أساسي لإرسال رسائل طمأنة إلى العديد من الدول، حول مصداقية إيران تجاه التقارب والمصالحة وأن هناك تغيرات في سياستها الخارجية، كما أن طهران تنظر إلى القاهرة على أنها من الممكن أن تلعب دورًا تنسيقيًا في التقارب مع دول الخليج، وتقديم مسارات لحل الأزمة السورية واليمنية وغيرها، وخفض التصعيد الدولي تجاهها.

خامسًا: مواكبة مسار المصالحات في المنطقة:

بعد التطورات الأخيرة في المنطقة، وقيام إسرائيل بالتطبيع مع الإمارات والبحرين، وكذلك تطوير تركيا لعلاقاتها مع السعودية والإمارات وإسرائيل ومحاولاتها المستمرة والحثيثية لإنجاز ذاك المسار مع مصر وسوريا، وكذلك التقدم الذي شهده ملف التطبيع بين أذربيجان وتركيا من جانب ومع أرمينيا من جانب آخر، وهي دول حدودية مع إيران،كل ذلك جعل إيران تشعر بعزلة وحاجتها كذلك إلى تطوير علاقاتها مع دول المنطقة، وهو ما جعلها تلجأ إلى جارتها العراق للقيام بدور الوساطة من أجل تحقيق هذا الهدف.

كذلك فإنه مع نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية، فإن هناك توقعات ومؤشرات بأن الحرب سوف تفضي بالنهاية إلى نظام عالمي جديد، وهو ما يعني أن هناك تغيرًا سوف يطرأ على المعادلات الإقليمية في المنطقة، بالتالى لا تريد إيران التعويل للأبد على حليفتها روسيا، دون النظر إلى مستقبل المنطقة، وتأثيرات ذلك على أوضاعها الداخلية وعلى برنامجها النووي.

وختامًا:

على الرغم من المساعي الإيرانية المتكررة في عدة فترات زمنية منذ أواخر القرن الماضي إلى وقتنا الحالي لتطوير علاقاتها مع مصر، إلا أن الدولة المصرية لن توافق على تطوير علاقاتها مع إيران بدون أن ترى تغييرًا في السياسة الإيرانية تجاه دول المنطقة العربية، وخاصة دول الخليج، فهي تريد من طهران أن تحترم سيادة دول المنطقة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتحقيق الاستقرار الإقليمي ومتطلبات الأمن القومي العربي ومنها احترام التزاماتها بمقتضى معاهدة الانتشار النووي، وضمان سلمية برنامجها النووي، والكف عن تداول بعض المفاهيم المعادية ومنها مبدأ تصدير الثورة الإيرانية، وأن تعزز من سياسة الحوار والنقاش البناء حتى تستطيع إيران أن تكون عضوًا فاعلاً في الأسرة الدولية.

وإذا ما حققت إيران تلك المتطلبات، فسوف يكون هناك مجالًا ومسارات لتطوير العلاقات مع القاهرة، وذلك على غرار قيام الأخيرة بتطوير علاقاتها مع الدوحة، وكذلك المسارات التي تسلكها مع أنقرة حول الأمر ذاته.

المراجع:

[1] كنعاني: لا توجد مشكلة بين إيران ومصر للحوار الثنائي وتبادل الآراء، وكالة مهر الإيرانية، 2/1/2023، متاح على: https://bit.ly/3Zai2Cl .

[2] مصر تتولى قيادة قوة المهام المشتركة (153)، موقع وزارة الدفاع المصرية، 13/12/2023، متاح على: https://bit.ly/3Qcnj8m .

[3] رانيا مكرم، “كيف تفكر طهران؟ الرؤية الإيرانية للعلاقات مع مصر”، مجلة السياسة الدولية، 16-9-2022، متاح على: https://bit.ly/3XaR78a.

كلمات مفتاحية