مفهوم الحماية الدولية للشعب الفلسطيني

بقلم الدكتور أيمن سلامة : أستاذ القانون الدولي العام

صار العدوان  الإسرائيلي علي فلسيطين مسلسلاً كئيبياً يتابعه  القاصي والداني في كافة أرجاء المعمورة، وما برحت اسرائيل المحتلة تستمرئ نكول المجتمع الدولي ، مغلول الأيدي، عن التدخل لحماية الفلسطينين الأبرياء  العزل، الذين يكابدون و يعانون من نير أطول احتلال عسكري في التاريخ الحديث.

كثيرة هي قرارات  الشرعية الدولية المختلفة التي صدرت عن منظمة  الأمم  المتحدة وهيئاتها ووكالاتها المختلفة ، فضلا عن قرارات العديد من المنظمات  الدولية الأخري سواء أكانت حكومية أو غير حكومية التي أدانت اسرائيل بأقوي عبارات  الإدانة الدولية  التي لا تفسر سوي بتحميل إسرائيل المسؤولية الدولية المدنية فضلا عن قادة إسرائيل المسؤولية الدولية الجنائية ، و يكفي إسرائيل في هذا الصدد أن  قادتها ملاحقون من المحكمة الجنائية الدولية وفقا للتحقيقات الجنائية التي شرعت فيها المحكمة في عام 2019 .

إزاء جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية التي ما انفكت إسرائيل تقترفها جهارا نهارا وعلي رؤوس  الأشهاد ، وبعد أن وثّقت غير مرة لجان التحقيق  الدولية مسؤولية إسرائيل عن ارتكاب هذه الجرائم الدولية الجسيمة بحق  الفلسطينين ، وأبرزها لجنة ” جولدستون ”  التي كانت قد حققت في جرائم الحرب  المرتكبة في قطاع غزة أثناء حملة الرصاص  المصبوب 2008-2009 ، ما فتئت تطالب فلسطين منظمة الأمم المتحدة، بتوفير “الحماية الدولية” للشعب الفلسطيني ، وكانت أحدث هذه المطالبات ، عقب انتهاء جلسة مشاورات مغلقة لمجلس الأمن، دعت إليها دعت إليها الصين وفرنسا وإيرلندا والنرويج والإمارات العربية المتحدة ،حول التوترات السابقة في مدينة القدس  الشرقية في عام 2021 .

ما برحت فلسطين تطالب المنظمة الأممية بهذه  المطالب الشرعية  التي تتأسس علي الواجب في الحماية الإنسانية ، ذلك  المبدأ المتطور لمفهوم التدخل  الإنساني ، حيث تطال فلسطين دوما الأمين العام  للمنظمة والجمعية العامة ومجلس الأمن إلى توفير الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني، وتقصد  فلسطين بذلك نشر قوات تابعة للأمم المتحدة لمنع التجاوزات الإسرائيلية.

مسؤولية الأمم المتحدة تجاه فلسطين المحتلة

تُعتبر الأمم المتحدة مسئولة مسئولية قانونية وتاريخية تجاه الشعب الفلسطيني والإقليم الفلسطيني الخاضع للاحتلال، فقد أشارت في توصيتها رقم (181) لسنة 1947 الخاصة بتقسيم فلسطين، إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي عليها أن تؤدي دورا فعالا في تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته على إقليمه المحتل، وإزالة العقبات التي تحول دون ذلك.

لكن دور الأمم المتحدة في الشجب والاستنكار لممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي غير القانونية، لا يكفي في تمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، بل يمكنها ممارسة دورا أكثر إيجابية لوقف الاستيطان وإنهاء الاحتلال لتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة.

دور الجمعية العامة

تتمتع الجمعية العامة بأهمية بالغة باعتبارها الجهاز العام في منظمة الأمم المتحدة، سواء من حيث تشكيلها أو من حيث سلطانها، فهي تضم كل الدول الأعضاء في المنظمة، سواء أكانت عضوية هذه الدول أصلية أم مكتسبة، وتتمتع بسلطات عامة، إذ لها أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق الميثاق أو يتصل بسلطات أي فرع من فروع المنظمة .

في 19ديسمبر 1968 أصدرت الجمعية العامة قرارها 2443(د_23) الذي تم بموجبه إنشاء لجنة خاصة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة، والتي جاء في تقريرها الصادر في 17 سبتمبر1971 أن كافة الأدلة المتوفرة تؤكد أن حكومة إسرائيل تنتهج سياسة الضم والاستيطان للأراضي المحتلة، بكيفية يُقصد بها استبعاد كل إمكانية لرد هذه الأراضي إلى أصحابها الشرعيين .

وبناء على التقارير اللاحقة لهذه اللجنة أصدرت الجمعية العامة في 20ديسمبر 1971 قرارها(2851) الذي طالبت فيه إسرائيل بالكف عن إنشاء المستوطنات في الأراضي المحتلة، والكف عن نقل السكان المدنيين إلى هذه الأراضي المحتلة وطلبت فيه بقوة من إسرائيل أن تلغي فورا كل الإجراءات التي اتخذتها وتكف عن كل السياسات والتصرفات التالية :

1-ضم أي جزء من الأقاليم العربية المحتلة.

2-إنشاء مستوطنات إسرائيلية في هذه الأقاليم، ونقل بعض المدنيين من إسرائيل إليها.

3- تدمير وهدم القرى والأحياء والمساكن ومصادرة الممتلكات ونزع ملكيتها.

وتوالت بعد ذلك القرارات التي تدين إنشاء المستوطنات في الأراضي المحتلة وإحلال المستوطنين مكان السكان الأصليين، خلافا لقواعد القانون الدولي العام ولمبادئ الأمم المتحدة، وخاصة عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة وتهديدها للسلم والأمن الدوليين .

للجمعية العامة أن تتدخل لحماية الشعب  الفلسطيني استنادا الى التعهدات والالتزامات التي ألتزمت بها إسرائيل عند تقديمها لطلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة، والتي تم تأكيدها من الجمعية العامة في قرارها المتعلق بالموافقة على قبول عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، مما جعل من عضوية إسرائيل عضوية مشروطة ومعلقة في بقائها واستمراريتها على مدى احترام إسرائيل وتنفيذها بحسن نية لما ألزمتها به الجمعية العامة

كما ويمكن للجمعية العامة أن تتحرك بموجب سابقة ” الاتحاد من أجل السلام”  لفرض جزاءات دولية  على إسرائيل؛ لإجبارها على وقف الاستيطان وإزالة المستوطنات ، وتمكين الشعب الفلسطيني من استحقاق حقه الكامل في تقرير مصيره بموجب ميثاق منظمة الأمم المتحدة .

دور مجلس الأمن

يحظى مجلس الأمن بأهمية بالغة بين أجهزة الأمم المتحدة، وذلك كونه المسئول الأول و الأصيل عن حفظ السلم والأمن الدوليين، وإعادتهما إلى نصابهما إذا ما تم الإخلال بهما، وذلك كونه جهاز محدود العضوية؛ الأمر الذي يجعله أكثر قدرة على القيام بهذه المهمة والتوصل إلى قرارات حاسمة بشأنها في أسرع وقت.

ومن خلال التمعن في سلطات مجلس الأمن  ومدى قدرته على وقف جريمة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نجد أن لديه العديد من السلطات والصلاحيات لإلزام دولة الاحتلال بإزالة مستوطناتها وجلاء مدنيها عن الأراضي الفلسطينية، إلا أن مجلس الأمن يتعامل مع جريمة الاستيطان بتحيز بيّن لدولة الاحتلال.

كما أكد المجلس في العديد من القرارات على عدم مشروعية الاستيطان، وذلك بالنظر لما يشكله من انتهاك لقانون الاحتلال الحربي وقواعد القانون الدولي العام التي تحرم الضم أو الاستيلاء على أراضي الغير بطريق الحرب واللجوء غير المشروع لاستعمال القوة المسلحة، وتدين الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقر بعدم مشروعية ما تقوم به إسرائيل من بناء للمستوطنات، وإحلال للمهاجرين اليهود مكان السكان الأصليين .

أخفق مجلس الأمن في تحمل مسئولياته في وقف الاستيطان الذي يمثل جريمة حرب خطيرة بموجب نظام روما المؤسس  للمحكمة الجنائية الدولية، تهدد السلم والأمن الدوليين، ولعل مرد ذلك إلى تسيس الولايات المتحدة الأمريكية لمجلس الأمن لخدمة مصالحها في الشرق الأوسط.

بمقتضي أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يمكن لمجلس الأمن التدخل في حال ارتكاب الدول لأعمال تمثل انتهاكا لأحكام ومبادئ القانون الدولي، يمكن لمجلس  الأمن أن يستخدم وسائل وأساليب دبلوماسية، أو بعبارة أخرى وسائل غير عسكرية في مواجهة الطرف الذي أخل بالتزاماته الدولية جراء اقترافه لعمل غير مشروع دوليا، وتتمثل بوقف التعامل الاقتصادي وقطع المواصلات بمختلف انواعها ما بين أعضاء الأمم المتحدة والطرف المخل بالتزاماته الدولية، وفضلا عن ذلك يحق للمجلس في سبيل ضمان نجاعة إجراءاته الدبلوماسية استخدام القوات البحرية والجوية والبرية في فرض الحصار على الدول في هذه الأحوال.

أيضا يمكن لمجلس الأمن  أن يستخدم  القوة المسلحة والتدابير العسكرية في مواجهة الأطراف التي ترتكب أفعالا تنتهك بموجبها أحكام ومبادئ القانون الدولي ، و لا يمكن لمجلس الأمن مطلقا استخدام القوة المسلحة قبل استنفاذ الإجراءات والتدابير الدبلوماسية وغير العسكرية المنصوص عليها في المواد(41،42). ويمكن القول  قانونا ، بأن مجلس الأمن ملزم بواجب التدخل أمام ما تجسده الأعمال الإسرائيلية من جرائم دولية، وفي هذا الصدد على مجلس الأمن استنادا لمهامه وصلاحياته المحددة بموجب أحكام الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة:

ـ اتخاذ قرارات صريحة وقاطعة تطالب إسرائيل بالكف الفوري عن ممارساتها الاستيطانية، ومن جانب آخر تطالبها بالعمل على إزالة آثار أعمالها غير المشروعة في مجال الاستيطان عبر العودة بأوضاع الأراضي إلى الحالة التي كانت عليها قبل تنفيذ سلطات الاحتلال لأعمالها الاستيطانية.

ـ استخدام التدابير والإجراءات الدبلوماسية غير العسكرية حال رفض إسرائيل الانصياع لقرارات مجلس الأمن الدولي بمطالبة أعضاء الأمم المتحدة بوقف التعامل الاقتصادي مع اسرائيل لإجبارها على الالتزام بأحكام وقواعد القانون الدولي وأحكام الميثاق، وما اصدرته الأمم المتحدة بمختلف اجهزتها من قرارات.

ـ استخدام القوة المسلحة إذا ما فشلت التدابير السالفة في تحقيق النتائج والغايات التي وصفت لأجلها.

لا يخفى على أحد امتناع مجلس الأمن عن استخدام التدابير والإجراءات السالفة بمواجهة دولة الاحتلال الإسرائيلي جراء حق النقض “الفيتو” الذي ما فتئت تستمرئ اللجوء إليه  الولايات المتحدة الأمريكية كلما عرض على مجلس الأمن الدولي مشروع قرار خاص بالممارسات الإسرائيلية، بحيث لم يتمكن المجلس طوال سنوات الصراع ولغاية وقتنا الراهن اتخاذ أي قرار ملزم بمواجهة الانتهاكات الجاري اقترافها من دولة الاحتلال الإسرائيلي على الإقليم الفلسطيني.

المراقبون الأمميون

آلت إسرائيل علي نفسها إلا وتنهج  النهج الشاذ من بين كافة الدول أعضاء الأمم المتحدة ، وترفض مراراً وتكراراً أية مقترحات سواء من قبل منظمة الأمم المتحدة أو سائر الدول  الأعضاء تهدف لنشر قوات أممية أو أوربية أو متعددة  الجنسيات لحفظ السلام و حماية السكان المدنيين في الأراضي الفلسطينية التي لا زالت تحتلها إسرائيل .

يُعد  المثال الذي يُضرب في هذا السياق ، الرفض  الإسرائيلي لتنفيذ قرار  الجمعية العامة للمنظمة في عام 1956 تأسيساً علي  ” الاتحاد من أجل السلام ” ، حيث قضي  القرار بنشر القوة الأولي للطوارئ الدولية للأمم المتحدة في كل من سيناء و النقب الإسرائيلي ، للإشراف علي انسحاب الدول المعتدية علي مصر في حرب  السويس عام 1956 .

المراقبون الدوليون

بعد جهد حثيث من الإتحاد  الأوربي ، حاولت إسرائيل حفظ ماء وجهها ، فانتشر المراقبون الدوليون غير المسلحين بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين ، في مدينة  الخليل  بموجب اتفاق إسرائيلي فلسطيني بعدما قتل مستوطن في فبراير عام 1994، 29 فلسطينيا كانوا يصلون في الحرم الإبراهيمي.

كانت البعثة الدولية تضم نحو ستين مراقبا من الدنمارك والنرويج والسويد وإيطاليا وسويسرا وتركيا ، و تشكلت بقرار دولي عام 1994 وعملت  في الخليل منذ البعثة تكتب تقارير حول الخروقات وتهدف إلى توفير الحماية للفلسطينيين حتى لا تتكرر مجزرة 1994 ، و صرحت  البعثة إنها تهدف إلى ” تزويد الفلسطينيين بالشعور بالأمان في المدينة، والمساعدة في تحقيق الاستقرار”.

تأسست البعثة الأولى في مايو/ أيار 1994، لكنها انسحبت من الخليل بعد ثلاثة أشهر؛ بسبب خلافات بين الأطراف المعنية ، وفي عام 1997 وقعت منظمة التحرير وإسرائيل “بروتوكول الخليل”، الذي دعا إلى إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في عدد من أحياء الخليل، إضافة إلى توقيع بروتوكول “التواجد الدولي المؤقت، وطلب “البروتوكول” من النرويج وإيطاليا والسويد وسويسرا وتركيا توفير مراقبين للبعثة في الخليل، وأن تكون النرويج منسقة أعمال البعثة . وكان لدى البعثة في الخليل 64 عنصرا من الدول الخمس، و20 موظفا محليًا، وهم يتحدثون العربية والعبرية والإنجليزية، وهي بعثة مدنية غير مسلحة ، وسَيّرت البعثة – بموجب الاتفاقية – أولى دورياتها في الخليل القديمة مطلع فبراير/ شباط 1997.

إسرائيل تطرد المراقبين الدوليين

باغتت اسرائيل في عام 2019 العالم بأسره و أجهضت التجربة بل المحاولة  الحصرية التي حاول المجتمع  الدولي من خلالها حماية الفلسطينيين في مدينة ” الخليل ” و حسب من بطش المستعمرين الإسرائيليين ، وأعرب معظم أعضاء مجلس الأمن الدولي، باستثناء الولايات المتحدة، عن أسفهم لقرار إسرائيل إنهاء عمل بعثة مراقبين دوليين داخل مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة.

وخلال اجتماع مغلق بعد  القرار  الإسرائيلي الشاذ ،  تناولت واشنطن المسألة من وجهة نظر قانونية معتبرة أن من حق الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، عدم تمديد مهمة البعثة التي تنتهي مدتها كل ستة أشهر.

في المقابل، أكدت الكويت وإندونيسيا، العضوان غير الدائمين في المجلس، أنه ” ليس من حق” إسرائيل إنهاء هذه المهمة، بحسب دبلوماسيين.

وأعرب العديد من أعضاء المجلس عن “أسفهم” للقرار الإسرائيلي، وشمل ذلك روسيا والصين إضافة إلى الأوروبيين (بلجيكا، ألمانيا، بريطانيا..).

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قرر عدم التجديد لبعثة المراقبين الدوليين، التي تشكلت للمساعدة في حماية الفلسطينيين في الخليل، واتهم نتنياهو البعثة بالقيام بأنشطة مناهضة لإسرائيل، بقوله: ” لن نسمح باستمرار وجود قوة دولية تتصرف ضدنا “.  ولكن لم يوضح نيتينياهو أو الحكومة  الإسرائيلية عن طبيعة التصرفات التي اعترضت عليها اسرائيل .

ختامًا

آن الآوان للمجتمع الدولي ،و في الصدارة منه الولايات  المتحدة الأمريكية ، أن يتصرف بمقتضي قواعد العدالة و القانون  الدولي التي أشار إليهما ميثاق منظمة الأمم المتحدة  و يقوم بحماية الشعب  الفلسطيني الخاضع للإحتلال منذ عام 1967 ، ولا يعوز المجتمع الدولي في هذا الصدد سوي إنفاذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة .

كلمات مفتاحية