زيارة بلينكن للشرق الأوسط.. بين الأولويات الأمريكية والمصالح الإقليمية

إعداد: مصطفى أحمد مقلد

مقدمة:

قام وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” بجولة للشرق الأوسط استغرقت 3 أيام، شملت مصر وإسرائيل والضفة الغربية، وسط تصاعد كبير في أعمال العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بعد مقتل 9 فلسطينيين في عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية، تلاه هجوم مسلح لشاب فلسطيني قرب كنيس يهودي في شرق القدس خلف سبعة قتلى وعدة إصابات.

ويمكن الإشارة للزيارة باعتبارها امتداد لزيارات المسؤولين الأمريكيين للمنطقة بشكل مكثف وهو ما يعد ترجمة لعهد قطعه “بايدن” خلال قمة جدة في يوليو 2022، بأن الولايات المتحدة ستظل في المنطقة تحرس نفوذها وتدعم الأمن والاستقرار الإقليمي، في سعيه لقطع الطريق على روسيا والصين لملء فراغ قد تتركه الولايات المتحدة في المنطقة.

تفاصيل الزيارة:

  • في مصر:

تعتبر الولايات المتحدة مصر شريكًا استراتيجيًا وطرف إقليميًا موثوقًا، وعليه فقد بدأت زيارة المسؤول الأمريكي بالقاهرة، حيث تدرك الولايات المتحدة أن الوسيط المصري قادر على احتواء أي تصعيد من جانب “حماس” وكذلك الضغط على السلطة الفلسطينية للتهدئة، ولذا بحث “بلينكن” مع المسؤولين في مصر خفض حدة التوتر، وجاءت التأكيدات على أن تطورات الأحداث الأخيرة تؤكد أهمية العمل بشكل فوري في إطار المسارين السياسي والأمني لتهدئة الأوضاع والحد من اتخاذ أي إجراءات أحادية من الطرفين، وكذلك التأكيد على ضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل لإرساء السلام وتحقيق حل الدولتين.

بالمقابل تعول القاهرة على دور أكبر لواشنطن يدفع باتجاه حل “أزمة السد الإثيوبي”، كما تريد القاهرة من واشنطن الضغط لتوفير دعم دولي لإجراء الانتخابات في ليبيا باعتبارها المخرج الوحيد والآمن من الأزمة السياسية في ليبيا بما يدعم الأمن والاستقرار الإقليمي.

ويشير مراقبون إلى دعم القاهرة جهود الولايات المتحدة لتشجيع إيران على العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، نظرًا إلى قناعتها بأن الاتفاق ينطوي على عملية من شأنها أن تجنب المنطقة مزيدًا من التوترات، كما أن القاهرة تعتبر أمن دول مجلس التعاون الخليجي أمرًا بالغ الأهمية، وفي ضوء ذلك تحدث “بلينكن” عن مواصلة العمل للتصدي لتصرفات إيران في المنطقة.

ومنذ بدء الحرب حافظت مصر على موقف متوازن لها تجاه الحرب الأوكرانية، واتبعت مصر ما يمكن وصفه “بالحياد الإيجابي” حيث حافظت على علاقاتها مع روسيا والغرب واستمرت في تعزيز العلاقات، فمن الطبيعي أن تحمل زيارة “بلينكن” دعوة لمصر للعب دور وساطة في الحرب الأوكرانية، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، فبعد يوم من لقائه نظيره الأميركي “أنتوني بلينكن” بالقاهرة، وصل إلى موسكو وزير الخارجية المصري، وعقد مباحثات مع لافروف، وصرح “لافروف” أن بلاده تلقت رسالة من الولايات المتحدة عبر وزير الخارجية المصري، وتتضمن الرسالة “دعوة روسيا للانسحاب من أوكرانيا”، فيما شدد شكري على ضرورة التوصل لاتفاق “ينهى المواجهات العسكرية”.

  • في إسرائيل:

حرص وزير الخارجية الإسرائيلى “إيلى كوهين”، على جعل الملف النووي الإيراني الأبرز أمام وسائل الإعلام، وهو ما أعاد “بلينكن” تناوله مع “نتنياهو”، واتفقا على أنه لا ينبغى السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، ويشير ذلك إلى عزم واشنطن على معاودة العلاقات سريعًا مع “نتنياهو” الذى عاد إلى السلطة على رأس حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، وبعد أن ضرب التوتر العلاقات بين “نتنياهو” والإدارة الأمريكية نتيجة اختلاف الرؤى حول طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني، لكن من المتوقع أن يسهم الجمود الحالي في مفاوضات إحياء اتفاق 2015 في تقريب المواقف.

  • في رام الله:

في ضوء سعى الولايات المتحدة لتهدئة التوتر وتقديم نفسها باعتبارها وسيط يهدف لبناء سلام شامل وحرص إدارة “بايدن” على التأكيد على حل الدولتين ما يعنى تعزيز العلاقات مع الطرف الفلسطيني، أعلن “بلينكن” التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية لإتاحة خدمات الجيل الرابع للاتصالات للفلسطينيين، كما تعهد بتقديم الولايات المتحدة 50 مليون دولار إضافية لوكالة الأمم المتحدة المعنية بالفلسطينيين، وزار “بلينكن” بلدة دير دبوان القريبة من رام الله، والتي يقطنها الكثير من الفلسطينيين الأميركيين، والتقى بقيادات من المجتمع المدني ورجال الأعمال.

وتأتى تحركات الولايات المتحدة بخصوص الفلسطينيين في إطار تنافس الصين وروسيا معها على النفوذ في الشرق الأوسط، حيث عبرت الصين عن امتعاضها من تصرفات إسرائيل الأخيرة تجاه الفلسطينيين ودعت مجلس الأمن للانعقاد بعد اقتحام وزير الأمن الوطني الإسرائيلي “بن غفير” مجمع المسجد الأقصى، وذلك بعد تصريحات الرئيس الصيني خلال القمة الصينية الخليجية عن دعم الصين لحقوق الفلسطينيين في بناء دولتهم، وكذلك التقارب الروسي مع الفصائل الفلسطينية في ضوء توتر العلاقات الروسية الإسرائيلية نتيجة انحياز إسرائيل لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

نتائج الزيارة:

أنهى “بلينكن” جولته دون أي تقدم يذكر للحد من التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث لم يعرض أي مبادرة أمريكية جديدة، وألقى بمسؤولية إحلال السلام على عاتق طرفي الصراع بقوله خلال مؤتمر صحفي في القدس: “الأمر متروك لهم بشكل أساسي، ويتعين عليهم العمل معًا لإيجاد مسار للمضى قدمًا لنزع فتيل دورة العنف الحالية”.

ويتأكد فشل جهود الزيارة لتهدئة الأمور عند معرفة أن إسرائيل شنت ضربات جوية على غزة في 2 فبراير، وذلك بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي أنه اعترض صاروخًا أُطلق من القطاع، كذلك قرار وزير المالية الإسرائيلي بأن إسرائيل التي تحصل الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية، ستأخذ 32 مليون دولار من أموال السلطة الفلسطينية لتعويض ضحايا الهجمات الفلسطينية، وهو ما يزيد احتقان الأمور حتى لو لم ينعكس ذلك في شكل مواجهات مسلحة.

كما أنه قبل وصول “بلينكن”، وافقت حكومة نتنياهو على سلسلة من الخطوات العقابية ضد الفلسطينيين ردًا على إطلاق نار في القدس الشرقية، وتشمل هذه الخطط زيادة بناء المستوطنات في الضفة الغربية وهدم منازل عائلات المهاجمين فضلا عن عشرات المنازل الفلسطينية التي شيدت دون تصاريح بناء، وهو ما لم يحاول بلينكن مواجهته أو تغييره خلال الزيارة، رغم تأكيده على أن الولايات المتحدة ستعارض “أي شيء” من شأنه أن يقوض آمال حل الدولتين.

يرى الفلسطينيون أن حل الدولتين على وشك الموت، ويرجع ذلك إلى الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، ويرون أن زيارة بلينكن لم تعبر عن جدية الإدارة الأمريكية في اتخاذ خطوات لتحقيق السلام، حيث لم تعلن أنها ستفرض عقوبات على إسرائيل ما لم توقف الأنشطة الاستيطانية على الفور، خاصة في ظل وجود هذه الحكومة اليمينية في إسرائيل.

كذلك سلطت النتيجة الهزيلة للزيارة الضوء على التأثير المحدود لإدارة “بايدن” على حكومة إسرائيل الجديدة، التي يهيمن عليها القوميون المتشددون الذين يعارضون التنازلات تجاه الفلسطينيين، كما لم يعط “بلينكن” أي تفاصيل حول الخطوات التي يفكر بها للترويج لأهدافه قصيرة المدى لتهدئة التوتر بشكل عاجل ووقف إراقة الدماء أو رؤيته طويلة المدى المتعلقة بحل الدولتين.

لذا يُنظر إلى زيارة بلينكن على أنها محاولة لاحتواء القضية، كجزء من جهود إدارة “بايدن” لضمان أن الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية لا تلقى بظلالها على أهداف الولايات المتحدة الأوسع خاصة الحرب الأوكرانية التي كان الحديث عنها حاضرًا بقوة كما ذكرنا.

ختامًا، فإنه ما لم يمارس الوسيط الأمريكي بالفعل دورًا حقيقيًا وفاعلًا ومباشرًا تجاه إسرائيل في المقام الأول، ومحاولة الضغط الحقيقي على توجهاتها التصعيدية، فمن المرجح أن تتعامل الفصائل الفلسطينية من منطلق الأمر الواقع، وأن تستمر عناصر غير محسوبة على تنظيمات فلسطينية في هجماتها المسلحة، التي تقود لمزيد من التصعيد الإسرائيلي المتمثل في تعهد “نتنياهو” بهدم منازل المسؤولين عن هجمات القدس بشكل سريع.

كلمات مفتاحية