الأمن المائى المصرى وسد النهضة الإثيوبى الكبير: لماذا إثيوبيا لها اليد العليا؟

إعداد : مصطفى مقلد 

يستعرض موقع “JURIST” تقرير بعنوان “الأمن المائى المصرى وسد النهضة الإثيوبى الكبير: لماذا إثيوبيا لها اليد العليا؟” صادرة فى 1 فبراير 2023، مقدمة من “إليوت وينتر” محاضر (أستاذ مساعد) فى القانون الدولى بجامعة نيوكاسل فى المملكة المتحدة.
تتناول هذه المقالة الأمن المائى فى سياق سد النهضة الإثيوبى، الذى تقوم إثيوبيا ببنائه على نهر النيل وتعارضه مصر بشدة، وتعرض الدراسة نبذة تاريخية عن السد، وتحدد دور اتفاقية المجارى المائية، كما تشرح أهمية معاهدات مياه النيل، وتوضح الحجج القانونية الرئيسية لمصر ولإثيوبيا، وتنتهى المقالة إلى أن الموقف القانونى لإثيوبيا أقوى وأن التوصل إلى اتفاق تفاوضى لصالحها هو النتيجة الأكثر احتمالا للنزاع.
ترى المقالة أن الأمن المائى يتهدد نتيجة لإحدى مشكلتين أو كلاهما فى آن واحد، وهما إما زيادة فى الطلب على المياه وينتج ذلك عادةً عن النمو السكانى المطرد، أو عن طريق تناقص كميات المياه العذبة لأسباب ترجع لتغير المناخ مثلا. ونتيجة لمخاطر ندرة المياه التى قد تؤدى لإشتعال الصراعات حول الماء، فقد أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “الأمن المائى” كتهديد محتمل للسلم الدولى، مثل المخاطر الأمنية الناتجة عن الإجهاد المائى فى منطقة حوض بحيرة تشاد.
فانخفاض منسوب المياه، قد ولّد نمطين من الصراع والعنف فى المنطقة: زيادة المنافسة على موارد المياه الشحيحة مدفوعة بزيادة عدد السكان وتدهور البحيرات، وزيادة الهجرة البشرية مدفوعة إلى حد كبير بدوافع اقتصادية حيث يواصل المزارعون والرعاة البحث عن فرص لكسب العيش، ما أدى لزيادة النزاعات داخل المجتمعات المحلية وفيما بينها.

تاريخ سد النهضة الإثيوبي الكبير:

وفقا للدراسة، فإن مصر امتلكت الهيمنة المائية على النيل تاريخيا، وبدأ هذا الوضع فى التغير عندما بدأت إثيوبيا فى بناء السد فى أبريل عام 2011، ويستخدم السد لتوليد الكهرباء ودخل حيز التشغيل الجزئى فى عام 2022، وتعتقد مصر أن تشغيل السد سيقلل من كمية المياه العذبة المتاحة لها من نهر النيل، وهذه مسألة مقلقة للغاية بالنظر إلى أن مصر تعتمد على النيل فى حوالى 97٪ من مياه الرى ومياه الشرب.
وعليه، قامت مصر بجهود مختلفة فى محاولة لتأمين أمنها المائى فى سياق نهر النيل، فقادت مبادرة دبلوماسية لتقويض الدعم للسد فى منطقة حوض النيل، وكذلك فى دول أخرى تدعم المشروع مثل الصين وإيطاليا، كما أن المسؤولين المصريين فى البنك الدولى تمكنوا من التعجيل بسياسة تقضى بمنح الأموال فقط لمشروعات المياه غير الخلافية، مما يحول دون تمويل السد. الأمر الأكثر إثارة هو أن الرئيس المصرى “حسنى مبارك” قد فكر فى قصف السد، علاوة على أنه كانت هناك شكوك بأن أجهزة المخابرات المصرية قوضت إثيوبيا داخليًا من خلال مساعدة جبهة تحرير أورومو فى حملتها للاضطرابات المدنية فى إثيوبيا فى عام 2016.
دولة المصب الأخرى “السودان” عارضت فى البداية السد لكنه غير موقفه فى عام 2012 بعد مشاورات مع إثيوبيا، سلطت هذه المناقشات الضوء على فوائد مثل تدفق المياه بشكل أكثر اتساقًا، وتقليل مخاطر الفيضانات والجفاف، وإمكانية نقل الطاقة الكهرومائية التي ينتجها السد.
فيما يتعلق بالوضع الحالى للمحادثات حول السد بين الدول الثلاث، ففى عام 2019، بدأ وزير الخزانة الأمريكى “ستيفن منوشين” فى تسهيل المفاوضات بين مصر وإثيوبيا مما أدى إلى بعض التقدم المبدئى. ومع ذلك، رفضت إثيوبيا فى نهاية المطاف التوقيع على مسودة الاتفاقية. فى الآونة الأخيرة، كانت هناك اقتراحات بضرورة أن يحل الاتحاد الإفريقى الخلاف، غير أنه لا يزال الخلاف مستمرا.

الدور المحدود لاتفاقية المجاري المائية:

تطرقت المقالة الى سرد محاولات لمنع النزاعات المائية المحتملة مثل تلك التى تنشأ حول السد، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجارى المائية والتى تهدف إلى تنظيم الاستخدامات، فضلاً عن الحفاظ على جميع المياه العابرة للحدود فوق وتحت السطح.
وجاء فى المادة “5” فى الإتفاقية أن تستخدم الدول المتشاطئة المجرى المائى الدولى “بطريقة منصفة ومعقولة” وتنشئ “واجب التعاون فى حماية المجرى المائى وتنميته”. كذلك تنص المادة “7” على أنه يجب على دول المجرى المائى اتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع “إلحاق ضرر كبير بدول المجرى المائى الأخرى” وأنه فى حالة حدوث ضرر، يجب إجراء مشاورات “لمناقشة مسألة التعويض”، على أن تتعاون دول المجرى المائى على أساس المساواة فى السيادة وسلامة الأراضي والمنفعة المتبادلة وحسن النية” كما جاء فى المادة “8”.
لم تدخل الإتفاقية حيز التنفيذ حتى 2014 بسبب عدم وجود الحد الأدنى من التصديقات الضرورية من قبل الدول، وحتى فى عام 2023، لا يوجد سوى 46 دولة طرف، مع بقاء جهات فاعلة رئيسية مثل الولايات المتحدة خارج نظام الاتفاقية. وما يؤشر على الأثر المحدود لهذه الإتفاقية هو أنه لا مصر ولا إثيوبيا قامتا بالتصديق على تلك الإتفاقية، ويبقى أمل فى الإستفادة من أحكام الإتفاقية ويتمثل فى أن بعض أحكامها قد تحولت إلى القانون الدولى العرفى.
معاهدات مياه النيل:
يجب النظر فى مختلف الترتيبات القانونية والإعلانات السياسية الأخرى للوصول الى فهم واضح عن تنظيم السد ونهر النيل بشكل عام.

تاريخيا، كانت مياه النيل تحكمها “معاهدات مياه النيل”. وتشمل:
1) المعاهدة الأنجلو إثيوبية لعام 1902 (مع المملكة المتحدة التي تمثل السودان الحديث).
2) المعاهدة الإنجليزية المصرية لعام 1929 (مع المملكة المتحدة التي تمثل كينيا وأوغندا الحديثة).
3) المعاهدة المصرية السودانية لعام 1959 (مع غياب المملكة المتحدة الآن نتيجة لإنهاء الاستعمار).

استمر ذلك حتى وافقت دول حوض النيل فى عام 1999 على تشكيل مبادرة حوض النيل والتى تعد شراكة حكومية دولية لتوفير منتدى للتشاور والتنسيق من أجل الإدارة والتنمية المستدامة للمياه المشتركة، والتى أنتجت:

“هنا الإطار التعاوني” (CFA) عام 1999:

كانت محاولة لاستبدال معاهدات مياه النيل كلها، ومثلت نجاحًا سياسيًا لدول المنبع الثمانى مثل إثيوبيا لأنها فضلت تلك الدول وعزلت دولتى المصب مثل مصر والسودان، كما أنها أوجدت رسالة مضادة للرواية المصرية القوية “النيل ه و مصر” المألوفة فى جميع أنحاء العالم، لذا لم توقع مصر أو السودان الإتفاقية وبالتالى فهى لم تحل النزاع.
“إعلان المبادئ العامة لعام 2015” (DOP) الذى اهتم بالسد على وجه التحديد (بدلاً من النيل بشكل عام)، ولأول مرة اعترفت مصر بحق إثيوبيا فى استخدام النيل لأغراض التنمية، كما أنها قننت مبادئ “الاستخدام المنصف والمعقول” و “لا ضرر كبير” (المنصوص عليها أساسًا من اتفاقية المجارى المائية) المذكورة سلفا. واستهدف ذلك الأساس القانونى تهدئة التوترات السياسية بين الدول، وتُرك الوضع القانونى لإعلان المبادئ غامضًا بشكل متعمد، بالتالى لم يقدم إعلان المبادئ حلاً قانونيًا واضحًا للنزاع.بعد ذلك انتقلت المقالة للحديث عن الحجج القانونية لمصر حول السد وحقها التاريخى فى مياه النيل ثم الحجج القانونية لإثيوبيا.

الحجج القانونية لمصر:

الحجة الرئيسية لمصر هى أن معاهدات مياه النيل تظل قانونًا جيدًا وقابلة للتنفيذ ضد الأطراف المعنية، وهذا على أساس مبادئ خلافة الدول على النحو المبين فى اتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول، فوفقًا للمادة “16”، لا ترث المستعمرات السابقة الالتزامات التعاهدية لحكامها الاستعماريين السابقين وبدلاً من ذلك تحصل على “قائمة نظيفة”.
ومع ذلك، يمكن لمصر أن تجادل بأن استثناء “المعاهدة الإقليمية” ينطبق – بموجب المادتين “11” و “12”- حيث تبقى أحكام المعاهدة الاستعمارية المتعلقة بالحدود وتلزم الدول المتحررة من الاستعمار، وتم تنفيذ هذا الاستثناء للتخفيف من مخاطر إنهاء الاستعمار التى تؤدى إلى حروب حدودية.
وارتباطا بذلك، فإن “المعاهدات المتعلقة بحقوق المياه أو الملاحة فى الأنهار يُنظر إليها عمومًا على أنها مرشحة لإدراجها فى فئة “المعاهدات الإقليمية”.
وعليه، فإنه إذا تم تفعيل الاستثناء، فذلك يعنى أن مصر تظل مؤهلة للحصول على حصتها التاريخية من مياه النيل المقدرة بـ66٪ من مياه نهر النيل، وأنه يجب استخدام هذا الرقم كأساس لأى مفاوضات مستقبلية. علاوة على ذلك ، فهذا يعنى أنه يجب استخدام هذا الرقم لتقييم تأثير السد على الاقتصاد المصرى لأغراض حساب التعويض الناتج عن فقدان التدفق.
حجة أخرى قد تقدمها مصر بشأن إعلان المبادئ الذى يقر لأول مرة أن إثيوبيا لها مصالح مشروعة على النيل. ومع ذلك، فإنها يقدم أيضًا تنازلات مفيدة لمصر. وعلى وجه الخصوص، فإن إعلان المبادئ يتبع نهجًا صارمًا للغاية تجاه قاعدة “عدم حدوث ضرر كبير”.
وينص فى المبدأ الثالث على أن الأطراف “تتخذ جميع التدابير المناسبة لمنع التسبب فى ضرر ذى شأن”. علاوة على ذلك، يمكن القول إنه يحظر أى خفض للتدفق إلى مصر عن طريق التأكيد على استخدام إثيوبيا للسد لتوليد الكهرباء فقط، على أن يُسمح لكل المياه بالمرور فى اتجاه مجرى النهر بحيث لا توجد خسارة صافية فى التدفق (باستثناء الماء المفقود بسبب التبخر). فى المقابل، إذا كانت المياه من السد ستستخدم لأغراض الرى من قبل إثيوبيا، فسيتم أخذها فعليًا من دول المصب مثل مصر. وبالتالى ، فإنه من المناسب لمصالح مصر فى هذا السياق القول بأن إعلان المبادئ ملزم، وأنه يمنع أى خسارة صافية للتدفق، وبالتالى فإن استخدام السد لأغراض الرى محظور.
غير أن مشكلة الاعتماد على إعلان المبادئ هو أن وضعه القانونى غير محدد بوضوح، ويمكن أن يكون معاهدة أو مجرد إعلان سياسى كما يوحي الاسم. ويشير إغفال توضيح الوضع القانونى لإعلان المبادئ إلى أنه قد يكون ببساطة إعلانًا غير ملزم يهدف إلى تخفيف التوترات السياسية.

الحجج القانونية لإثيوبيا:

ربما تكون الحجة الأكثر وضوحًا التى قد ترغب إثيوبيا فى طرحها هى دحض اعتماد مصر المستمر على معاهدات مياه النيل، حيث يمكن أن توضح إثيوبيا أنها لم تكن طرفًا فى المعاهدة الأنجلو-مصرية لعام 1929 أو المعاهدة المصرية السودانية لعام 1959، وبالتالى يمكن أن تقول أن هذه المعاهدات لا يمكن أن تُلزمها لأنها طرف ثالث ولم تمنح موافقتها، خاصة أن إثيوبيا عارضت بإصرار معاهدتى 1929 و1959 وأوضحت أن فشلها فى استغلال نهر النيل نتج عن نقص القدرة وليس عدم وجود حق قانونى للقيام بذلك.
وفيما يتعلق بالمعاهدة الأنجلو-إثيوبية لعام 1902 التى تنظم تدفق مياه نهر النيل، كانت إثيوبيا طرفًا فيها، إلا أن شروطها محدودة للغاية، فهى تنص فقط فى المادة الثالثة على أن إثيوبيا تتعهد “بعدم إنشاء أى عمل عبر النيل الأزرق أو بحيرة تسانا أو السوبات من شأنه أن يوقف تدفق مياهها إلى النيل.” بمعنى أن إثيوبيا وافقت فقط على أنها لن توقف تدفق الروافد إلى النيل تمامًا. إذ لم تمنع “معاهدة 1902” إثيوبيا من القيام بأعمال قد تقلل من تدفق المياه، بل “توقفها”. إذن، لا تفعل معاهدات مياه النيل الكثير لتقييد قدرة إثيوبيا على بناء السد.
سيطرت الدول الأوروبية بما فى ذلك إيطاليا وبلجيكا وخاصة المملكة المتحدة على نهر النيل كجزء من الاستعمار، واستخدمت هذه الدول تكتيك إبرام المعاهدات (غالبًا تحت تهديد السلاح) لتأمين مصالحها، وفي هذه الحالة، تمنع بشكل أساسى دول المنبع من استخدام مياهها الخاصة، ويمكن أن تجادل إثيوبيا بأنه كان هناك تغيير جوهرى لم يتوقعه الأطراف فى الظروف التى تم فيها التوصل إلى معاهدات مياه النيل لذا يجب إنهاؤها، وذلك وفق “المادة 62” من القانون الأساسى لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات.
ويمكن لإثيوبيا أن تجادل بأن تلك القوى الإمبريالية لم تتوقع إنهاء الاستعمار فى إفريقيا وأن هذا يمثل حدثًا فاصلاً أدى إلى تغيير جذرى فى الأساس الذى بُنيت عليه معاهدات مياه النيل، حيث غادرت القوى الاستعمارية، وبالتالى فإن الاستمرار فى إنفاذ المعاهدات المتفق عليها حول مصالحها سيكون غير عقلانى.
وتتخذ محكمة العدل الدولية وجهة نظر توسعية تجاه إنهاء الاستعمار كما رأينا فى الرأى الاستشارى لـ”جزر شاغوس”، حيث سمحت لأجندة إنهاء الاستعمار بالتغلب على عدم موافقة المملكة المتحدة على أى إجراءات خلافية.
غير أنه لوحظ أنه بموجب المادة “62” من اتفاقية فيينا الدولية، فإنه تُستثنى “المعاهدات الإقليمية” من قاعدة التغيير في الظروف، وترى المقالة أنه من غير المرجح أن تعتبر معاهدات مياه النيل “معاهدات إقليمية”.
تجادل إثيوبيا بأن تشغيل السد يتماشى مع المبادئ الأساسية لقانون المياه الدولى واتفاقية مسارات المياه والقانون الدولي العرفى، حيث تشير تلك الأسس القانونية الى مبادئ مثل “الاستخدام العادل” و”عدم وجود ضرر كبير”، كما أكدت محكمة العدل الدولية أن جميع الدول المشاطئة لها “حق أساسى فى تقاسم عادل ومعقول لموارد المجرى المائى”.
علاوة على ذلك، تم إدخال هذه المبادئ فى إعلان المبادئ 2015 الذى وافقت عليه كل من مصر وإثيوبيا، وتنص المادة الرابعة منه على أن الطرفين “يجب أن يستخدموا مواردهم المائية المشتركة فى أراضيهم بطريقة منصفة ومعقولة”، وتنص المادة الثالثة على أنه يتعين على الأطراف “اتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع التسبب فى ضرر كبير فى مياه النيل”.
وبناءا على مساهمة إثيوبيا بنسبة 86٪ من مياه نهر النيل، يبدو من الطبيعى أن يكون لها حق عادل فى استخدام مياه النيل للمساعدة فى النمو فى اقتصادها الفقير، على أن تستخدم السد لتوليد الكهرباء وليس للرى، حيث يتم إطلاق كل المياه فى نهاية المطاف فى اتجاه مجرى النهر مع التأثير على عدم وجود خسارة صافية للمياه فى دول المصب.

فى النهاية

خلُصت المقالة الى أن إثيوبيا لها اليد العليا “القانونية” فى هذا النزاع، باعتبار أن اثنتين من معاهدتى مياه النيل لا تلزمان إثيوبيا فى حين أن الثالثة لا تمنع فعليًا بناء السد، كذلك فإن اتفاقية المجارى المائية وإعلان المبادئ تتركان مجالًا واسعًا لاستيعاب بناء سد لأغراض توليد الطاقة الكهرومائية.
توقعت المقالة أيضا أن يكون لإثيوبيا اليد العليا سياسياً بالنظر إلى أن السد هو فعليًا أمر واقع، وبالنظر إلى أن حليف مصر السابق “السودان”، قد غير موقفه فى النزاع مما ترك المصريين معزولين دبلوماسيًا.
وتبنى المقالة على هذه الاعتبارات، تصور أن إثيوبيا قد انتصرت فى النزاع. لذا، من المرجح أن يتم التوصل إلى موقف تفاوضى لصالح إثيوبيا بمجرد أن يصبح مستساغًا سياسيًا بدرجة كافية داخل مصر.

غير أنه يمكن تفنيد بعض النقاط التى ذكرتها المقالة:

اعتمدت إثيوبيا إتفاقية عنتيبى 2010 أساسا قانونيا للبدء فى بناء السد أبريل 2011، ولم تتطرق المقالة لتلك الإتفاقية التى أثارت الجدل بين دول حوض النيل، حيث وقعت عليها “6” دول فى حوض النيل، بينما اعترضت عليها دولتى المصب “مصر والسودان”، لأنها تنهى ما يسمى بالحصص التاريخية لمصر والسودان فى مياه النيل، غير أن الاتفاقية لم تدخل حيز النفاذ لانه لم يتوفر العدد الكافى من التصديقات على الاتفاقية، كما أنها خالفت أحد المبادئ الأساسية المنصوص عليها فى مبادرة حوض النيل، والمتعلقة بمبدأ التوافق فى اتخاذ القرارات بين كل الأطراف، وهو ما لم يتم عند توقيع “عنتيبى”.
اعتماد المقالة على موقف مرحلى للسودان “مؤيد” للسد، دون عرض سياق تاريخى كاف يوضح طبيعة التقلبات السياسية لموقف السودان من السد، مع إغفال بعض الأحداث قد يدحض إدعاءات المقالة فى هذا الشأن، مثل اتفاقية التعاون العسكرى بين مصر والسودان 2021.
عدم تحقيق المقالة فى سبب رفض إثيوبيا اللجوء لمحكمة العدل الدولية لطلب الرأى الاستشارى بما يدعم موقفها القانونى باعتبار أنها تملك اليد الطولى قانونيا.
لم توضح المقالة على وجه الدقة أهداف دولتى النزاع “مصر وإثيوبيا” من التفاوض، فمصر لا ترفض بناء السد لكن تشترط اتفاق قانونى ملزم حول عمليتى الملء والتشغيل، وهو ما يمثل وضع قانونى جديد لا يمكن البحث عنه فيما مضى من إتفاقيات بل يتقرر بحدوث توافق للدولتين حوله من خلال المفاوضات التى تُجريها الدولتان مع وجود تأثيرات للمتغيرات الدولية والإعتبارات السياسية والفنية الى تضغط على الدولتان خلال التفاوض، فى حين اقتصر استنتاج المقالة على وجود مباراة صفرية تفوز بها على الارجح –وفق المقالة- إثيوبيا. وذلك دون عرض لتلك الإعتبارات السياسية المحيطة بعملية التفاوض.

كلمات مفتاحية