بعد اثني عشر عامًا من الصراع.. سوريا في ظلِّ أزمةٍ مزدوجةٍ

إعداد: دينا لملوم عبيد

لقد أصبح الوضع في سوريا مأسويًّا بالمعنى الحرفي للكلمة، فلم يكد يُطِلُّ برأسه من جُعْبَتِهِ، حتى تناولته الأزمات المتضاربة، واحدةً تِلْوَ الأُخرى؛ حيث تدهورٌ اقتصاديٌّ حاد، ومن ثمَّ ارتفاع مستفحل في معدلات البطالة، وفقر مُدْقِع، حتى أصبح الحصول على رغيف الخبز، بمثابة حلْمٍ لدى المواطن السوري، وما إن حصل عليه، فكأنما حِيزت له الدنيا، ناهيك عن انعدام الاستقرار والأمن، في ظلِّ نظامٍ سياسيٍّ طاغٍ، وتابعٍ لدولة كروسيا، فذلك «الأسد» الذي يتبع الأساليب الوحشية ضد المواطنين، سواء «قمْع، أو تعذيب، واستغلال سلطوي بحت»، فجّر حروبًا أهليةً عارمةً، كانت ذريعةً لامتداد الأذرُع الخارجية في العُمْق السوري، وتوالت النكبات على البلاد؛ حيث تفشِّي الفيروس التاجي، الذي حصد الأرواح حصْدًا، واندلاع الحرب «الروسية – الأوكرانية» التي غيّرت موازين اللعبة، وأخيرًا: وقوع الزلازل التي قلبت الأوضاع رأسًا على عَقِب.

جذور الأزمة السورية:

تعود جذور هذه الأزمة إلى عقودٍ؛ حيث بدأت منذ وصول «حزب البعث» إلى السلطة بانقلابٍ عسكريٍّ، عام 1963، عقب وصول فئات «عسكرية، ومدنية» من الطبقة «الوسطى، والدنيا» إلى سُدَّة الحكم، وإزاحة الفئات «البرجوازية المدنية التقليدية»، ووصل «بشار الأسد» إلى الحكم، عام 2000، ولكنه لم يتخذ أيَّ خُطْوةٍ نحو وضْع دستورٍ يتوافق عليه السوريون دون إقصاء، خاصةً في ظلِّ استبعاده لجماعة «الإخوان المسلمين» السورية، وعدم إلغاء القانون الذي يحكم بالإعدام لكل منتمٍ للجماعة في سوريا، وبالرغم من مرور أحد عشر عامًا على خطابه الإصلاحي، إلَّا أنه لم يتمكن من تحقيق قناةٍ للتواصل مع معارضيه في الداخل، ولعل ذلك من أكثر الأسباب التي أدَّت إلى رفْض نظامه داخل سوريا وخارجها، خاصةً للمنتمين لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، وقد بلغت الأزمة في سوريا ذُرْوَتها، منذ مارس 2011؛ بسبب تدنِّي الأوضاع «الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية»، والتي وصلت إلى حدِّ النزاع المسلح، وارتكاب العديد من الانتهاكات والممارسات العدوانية.

أسباب الثورة السورية:

تعود العوامل التي أدَّت إلى اشتعال فتيل الثورة، مارس 2011، إلى تدهور الأوضاع «الاقتصادية، والاجتماعية»، وانتشار الفقر المُدْقِع، فضلًا عن انعدام الحياة السياسية، ومحاربة المتدينين داخل المجتمع السوري، ويعود هذا التراجُع إلى الآتي:

عانت سوريا في ظلِّ الانتداب الفرنسي من التراجُع الاقتصادي، وعندما حصلت على استقلالها، كانت تعاني من انتشار ظاهرة التخلُّف، وتدنِّي اقتصاد الدولة؛ نتيجةً لاستنزاف المستعمر الفرنسي لمواردها، وعندما وصل الرئيس “حافظ الأسد” إلى سُدَّة الحكم، سعى للقيام ببعض الإصلاحات الاقتصادية، عن طريق النهوض ببعض المشروعات التنموية؛ معتمدًا في ذلك على المساعدات المادية، التي كانت تمنحها الدول العربية لسوريا، وخاصةً الدول النفطية، وقد نجحت هذه المشروعات في البداية – في تحقيق نموٍّ اقتصاديٍّ؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط، وبدأت الأوضاع في سوريا تعود إلى التراجُع، خاصةً بسبب حالة الجفاف التي حلَّت بالبلاد، في الفترة بين «2006-2011»، وبعد وفاة “حافظ الأسد”، تولَّى ابنه “بشار” حكم البلاد، ولكن الدولة السورية كانت تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، وكانت مؤسسات القطاع العام تعاني من ضعفٍ؛ نتيجة عدم وجود خبرات لدى العاملين فيها، وقد تدهورت الأوضاع داخل الدولة السورية، بعد عام 2011؛ نظرًا لتراجُع قطاع السياحة؛ بسبب انتشار الفوضى داخل البلاد، وعدم قدرة النظام بالسيطرة عليها، وكان المجتمع السوري منقسمًا على نفسه، فقد كانت هناك فئاتٌ ثريةٌ ثراءً فاحشًا، وهم عائلة «الأسد» وحاشيته، بينما غالبية الشعب السوري كان يعاني من فقرٍ حادٍ، وتدنٍّ في الأوضاع الاقتصادية؛ حيث وصلت نسبة الفقراء الذين أصبحوا تحت خط الفقر عام 2010، إلى حواليْ 7 مليون نسمة، وارتفاع نِسَبِ البطالة، فضلًا عن تفشِّي الفساد في مؤسسات الدولة؛ الأمر الذي أدَّى إلى إعاقة عمليات التنمية الاقتصادية، فضلًا عن وجود نوعٍ من كبْت الحريات وحرمان المواطن من التعبير عن رأيه؛ ما أدَّى إلى سَخَطِ هذه الفئات، ودفعها إلى الثورة على النظام.

الأوضاع السياسية:

سعى “حافظ الأسد” لتهيئة الأوضاع داخل سوريا؛ تمهيدًا لتوريث الحكم لابنه “بشار”، وقد انعدمت الحياة السياسية بمعناها الحقيقي داخل سوريا، منذ مجيء «حزب البعث» عام 1963، وحتى وصول «الأسد» إلى سُدَّة الحكم؛ ما يعني انعدام المشاركة الحقيقية للشعب في قيادة البلاد، وغياب الانتخابات النزيهة، فضلًا عن عدم تداول السلطة، فأصبحت أسرة «الأسد» هي محور الحياة السياسية، وأدَّت هذه الأوضاع المُزْرية إلى  وجود حالة اختناقٍ وغضبٍ سياسيٍّ، تفجَّرَ مع انطلاق الثورة التي قادها الشعب السوري.

عداء الدين ومحاربة المتدينين:

اتَّبع «حزب البعث» الذي استلم السلطة عام 1963، ممارسات عدائية ضد الدين والمتدينين، ليس ذلك فحسب، بل سعى إلى انتزاع الدين من حياة المجتمع السوري، كالقيام بتدمير مسجد السلطان في «حماة»، عام 1964، واستمر ذلك حتى بعد مجيء “بشار الأسد”، وما زاد الطينة بلّة، تسلُّط الأجهزة الأمنية وانتشار الظلم وعدم المساواة.

سيناريوهات تطوُّر الأزمة في سوريا:

وفي ظلِّ تفاقُم الأوضاع سالفة الذكر، اندلعت الاحتجاجات التي طالبت بالديمقراطية متأثرةً بأحداث «الربيع العربي»، التي قامت بها الشعوب ضد حكامهم المستبدين، وبادرت الحكومة السورية بالردِّ على هذه الاحتجاجات، باستخدام العنف؛ ما أجَّج من حِدَّةِ الاحتجاجات، التي طالبت بإقالة الرئيس، وانتشرت الاضطرابات في البلاد؛ ما دفع المعارضة إلى حمْل السلاح؛ للدفاع عن نفسها، وتسارعت وتيرة العنف، حتى أوقعت البلاد في بَوْتَقة الحروب الأهلية، وباتت الفوضى تنتشر، ومع تدهور الأوضاع، كان هناك بوادر لظهور المنظمات الجهادية المتطرفة، كـ«تنظيم الدولة الإسلامية، والقاعدة»؛ الأمر الذي أثار الذُّعر لدى المجتمع الدولي، الذي يرى أن ذلك يُمثِّلُ تهديدًا كبيرًا لهم، وكانت هذه الظروف بمثابة أرضٍ خصبةٍ لظهور «الأكراد» السوريين، الذين طالبوا بالحكم الذاتي، وأصبحت البلاد في ظلِّ فوضى يشُوبُها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وحقوق الشعب السوري، وتفاقمت أعداد القتلى، وبدأت لدينا عمليات اللجوء غير المسبوقة في الظهور؛ حيث تستضيف «لبنان، والأردن، وتركيا»، حوالي 93% من اللاجئين السوريين

أطراف النزاع:

لقد شهدت الأزمةُ السوريةُ العديدَ من التدخُّلات، سواء «داخلية، أو خارجية»:

الأطراف الداخلية:

النظام السوري: يُعدُّ النظام السوري الممثل في “بشار الأسد” العدوَّ الأكبر لسوريا، وهو الذي قام بارتكاب العديد من الانتهاكات الموجهة ضد الشعب السوري وعمليات القمْع والاستغلال السياسي.

المعارضة: مع تفاقُم الأوضاع اضطرت إلى حمْل السلاح؛ للدفاع عن نفسها، ولمواجهة بطْش «الأسد».

الأكراد: يسيطرون على مناطق واسعة في شمال سوريا، ويتحالفون مع الولايات المتحدة.

تنظيم الدولة الإسلامية: سيطر على مساحاتٍ واسعةٍ في «العراق، وسوريا» قبل أن يتعرض لضرباتٍ مُوجِعَةٍ وهزائمَ حدَّت من قدراته.

الأطراف الخارجية:

لبنان: تورَّط «حزب الله» في سوريا؛ حيث ساعد قوات المتمردين في بعض المناطق عام 2013، وظلَّ مقاتلو هذا الحزب يشاركون في عملياتٍ بشمال غرب «دمشق».

العراق: اتَّبعت العراق الأسلوب الوسطي بين النظام والمعارضة؛ حيث دعت إلى إيجاد حلٍّ سياسيٍّ مُرْضٍ للطرفيْن، النظام السياسي والمعارضة في سوريا.

إيران: تورَّطت الميليشيات «الشيعية – الإيرانية» في الأزمة السورية؛ حيث كانت تشارك في القطاع، جنْبًا إلى جنْبٍ، مع القوات السورية، وكانت تسعى إلى إيجاد حكومةٍ صديقةٍ في «دمشق»؛ تُسهِّلُ لها عملية عُبُور الأسلحة من إيران إلى «حزب الله»، هدفت إيران أيضًا إلى تعزيز قدرة «الأسد» على قمْع المعارضة، وفي الوقت ذاته، تأمين مصالحها في سوريا، حالَ رحيل حكومة «الأسد».

تركيا: دعت الحكومة التركية النظام السوري إلى إجراء الإصلاحات اللازمة في الداخل السوري، كما أنها بمثابة الداعم الأكبر للمعارضة، وركَّزت على استغلال مجموعات المعارضة المسلحة؛ للتصدي لوحدات «حماية الشعب الكردية»، التي تسيطر على تحالُف قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

السعودية: كانت تسعى من أجل الحدِّ من النفوذ الإيراني، ودعمت المعارضة بالمال والسلاح في بداية الحرب، واتَّبعت قطر المسار نفسه.

إسرائيل: كانت تتخوَّف من النفوذ العسكري الإيراني في سوريا، وشحنات الأسلحة الإيرانية لـ«حزب الله»، وقامت بشنِّ الحملات الجوية لمجابهتهم.

الولايات المتحدة الأمريكية: ندَّدت بانتهاكات الحكومة السورية لحقوق الإنسان، واستخدام «العنف، والتعذيب، والاعتقال» للمتظاهرين؛ الأمر الذي يُشكِّلُ تهديدًا جسيمًا للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما أنها قامت بشنِّ ضرباتٍ جويةٍ، وإرسال قواتٍ خاصةٍ إلى سوريا، عام 2014؛ لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية “التي هي عبارة عن تحالفٍ من المقاتلين «العرب، والأكراد»؛ لانتزاع الأراضي التي سيطر عليها «تنظيم الدولة الإسلامية» في شمال شرق البلاد”.

روسيا: أدركت مدى أهمية الشرق الأوسط بما يخدم المصالح «الجيوسياسية، والاقتصادية» الروسية؛ ما دفعها إلى التعاوُن مع النظام السوري؛ لتحقيق المكاسب «الاقتصادية، والسياسية»، وقد كان لها دورٌ كبيرٌ في تعميق الأزمة السورية وتعقيدها.

موقف روسيا من الأزمة السورية:

إن التدخُّل الروسيَّ العسكريَّ على خطِّ الأزمة السورية، لم يأتِ كمحتلٍّ للأراضي السورية، وإنما جاء بقرارٍ سياديٍّ سوريٍّ؛ فالنظام هو من طلب المساعدة من الرُّوس، وتعددت الأهداف الروسية؛ جرَّاء التدخُّل في سوريا؛ حيث تدخَّلت بحُجَّةٍ واهيةٍ، وهي دعْم الجيش السوري، وعزَّزت من تواجُدِها العسكري في سوريا، عبْر نشْر قواتها البحرية في قاعدتها، في ميناء «طرطوس» السوري، وقامت بتقديم معدات عسكرية لدعْم «الأسد»، وأكَّدت على أن الحملة الروسية تستهدف الجماعات الإرهابية، ولكن من جانبٍ آخرَ، نجد أنها كانت تستهدف كافَّة الجماعات التي تحمل السلاح ضد «بشار الأسد»، ويبدو أن التحرُّك العسكريَّ الرُّوسيَّ الجديدَ في سوريا، جاء كردِّ فعْلٍ على استبعادها من المشاركة في تحالُف الدولة، الذي تقوده الولايات المتحدة؛ لقتال «تنظيم الدولة الإسلامية» في «سوريا، والعراق»، كما دفعها للمشاركة في الحرب على الإرهاب؛ تأسيس تحالفها الخاص في سوريا، على الصعيد «البراجماتي» ساعد التواجُد العسكري الرُّوسي في سوريا على تقوية العلاقات الاقتصادية بيْن البلديْن؛ حيث زاد حجم التبادل التجاري بينهما، في عام 2010، وزادت فرص الاستثمار الروسية، وكانت تسعى روسيا من وراء تواجدها العسكري ومشاريعها الاقتصادية في سوريا إلى جعْل النظام السوري أكثر تبعيةً لها، وذلك بطبيعة الحال، يجعلها قادرةً على التأثير في قراراته «السياسية، والعسكرية»، إلَّا أن نظام «الأسد»، وإن كان يُنسِّقُ التحرُّكات «العسكرية، والدبلوماسية» مع روسيا بشكلٍ كبيرٍ، إلَّا أنه يرفض الخضوع لها بشكلٍ تامٍ، واعترض على العديد من المطالب السياسية، كما أنه قوَّض جهود «موسكو» في تشكيل حكومة وحدةٍ وطنيةٍ في سوريا، وعمل على إفشال مؤتمريْ «موسكو 1، وموسكو 2»، الذي عقدته روسيا، وكان من المفترض، أن تشارك فيه المعارضة البنَّاءة، ولكن النظام السوري منع سفر بعض المعارضين، الذين دعتهم «موسكو» للمشاركة في المؤتمر، وقد أدركت روسيا أن الحلول السياسية دائمًا ما يعمل نظام «الأسد» على إفشالها؛ ما جعلها تتشبَّثُ بدعْمِهِ عسكريًّا، تلك الطريقة التي تضمن بها تبعيته لها، ولكن التاريخَ خيْرُ دليلٍ على أنه ما هَرَعَ مُتدخِّل في شؤون دولة، إلا وكان وراءه مصالح شخصية، يريد أن يحققها، فلم يكن التدخُّل الروسي في سوريا مجرد دعمٍ عسكريٍّ لحليف، بل كان عدوانًا على البلاد وتدميرًا لبِنْيَتِها التحتية، بالإضافة إلى محاولة إجهاض مشروع التغيير فيها، ففي عام 2016، قام الرُّوس بتدمير مدينة «حلب»، في خطواتٍ استباقيةٍ للسيطرة عليها، وفي «دمشق، وإدلب» ارتُكِبَ الكثير من المجازر، وراح ضحيتها الآلاف من المدنيين، دون أدْنى مقاومةٍ من قِبَلِ النظام السوري وحلفائه، وقد صعَّد التدخُّل الروسي في سوريا من حِدَّة الحرب الأهلية، وبات يهدد فُرص التوصُّل إلى تسويةٍ سياسيةٍ.

ثِمَارُ التدخُّل الرُّوسي في سوريا:

تمكَّنت روسيا بالفعل من تغيير توازنات المشهد في سوريا، وحقَّقت عِدَّة أهداف:

تثبيت أركان حكم الرئيس “بشار الأسد”، ومنْع سقوطه، مع العمل على زيادة مساحة سيطرته بشكلٍ كبيرٍ، كما عملت روسيا منذ قدومها إلى سوريا على إحداث تغييرات في بِنْيَة الجيش السوري، باستحداث فِرَقٍ جديدةٍ، كالفيْلق الخامس، وتزامنًا مع ذلك، تمَّ تعزيز المكانة الدولية لروسيا في النظام، مثل: «الولايات المتحدة، ودول أوروبية»، كما باتت روسيا شريكًا رئيسيًّا في أيِّ جهودٍ لحلِّ الأزمة السورية، وتمكَّنت روسيا من تثبيت وجودها العسكري في سوريا على الساحة السورية؛ لاختبار واستعراض وتسويق السلاح الرُّوسي، ووفقًا لتصريحات روسية رسمية، قامت «موسكو» باختبار أكثر من 200 نوعٍ من الأسلحة فوق الأراضي السورية.

حرب باردة جديدة تغزو الشرق الأوسط:

لقد أدَّت الأزمة السورية إلى تصاعُد التوتُّرات والخلافات على المستوى الإقليمي، وهذا أدَّى إلى تراجُع الرغبة في التعاون؛ حيث إنه في عام 2012، اشتدَّ مستوى الخلافات بين «إيران، والسعودية»؛ الأمر الذي أدَّى إلى خلْق بيئة حربٍ باردةٍ جديدةٍ في الشرق الأوسط، أيضًا نجد أن «إيران، وتركيا» كان لهما وجهات نظرٍ مختلفةٍ، بشأن الأزمة السورية، ففي الوقت الذي انتهجت فيه تركيا سياسة دعْم معارضي حكومة “بشار الأسد”، قامت إيران بالدعوة إلى وقْف التدخُّل الأجنبي في سوريا، ووقْف تصدير الأسلحة للمعارضة؛ إذن فكلا البلديْن ينتهجان إستراتيجيات مختلفة؛ للتعامل مع الوضْع في سوريا.

الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة تصل لحافة الهاوية:

لقد عمَّقت الأزمة السورية من مدى العداء المُتجذِّر بين «روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية»، وهكذا فقد أصبحت سوريا أحد بُؤَرِ التنافُس بين البلديْن، فنجد أنه في الوقت الذي دعَّمت فيه الولايات المتحدة جماعات المعارضة السورية، وقامت بالضغط على “بشار الأسد” للتنحِّي، ردَّت روسيا بقوةٍ، ودعَّمت النظام السوري، وندَّدت بالوجود العسكري الأمريكي على الأراضي السورية، وأن هذا الوجود غير قانوني، بخلاف روسيا التي استغلَّت اللعبة لصالحها، وأن وجودها العسكري قانونيٌّ؛ لأنه جاء بناءً على اتفاقٍ مع النظام، وقد وقعت حرب باردة جديدة بين القوات الأمريكية ونظيرتها الروسية؛ حيث دارت الاشتباكات بين الطرفيْن على الأراضي السورية، وقد دعت الولايات المتحدة دول العالم أجمع إلى عدم تطبيع العلاقات مع النظام السوري؛ نظرًا لتاريخه المُروِّع، والذي يشهد على انتهاكاته لحقوق الإنسان، وارتكاب المجازر ضد الشعب السوري، فضلًا عن حجْب المساعدات الإنسانية عن المناطق الخارجة عن سيطرة قواته.

عودة العلاقات «المصرية – السورية»:

بعد انقطاع العلاقات بين «مصر، وسوريا»؛ بسبب الجرائم التي ارتكبها النظام السوري ضد المواطنين، عادت العلاقات مرةً أُخرى، ومن المرجح، أن تسعى مصر للعب دوْر الوسيط لدى المنظمات الدولية التي تدعم سوريا، وتقدم يدَ العوْن للشعب المنكوب؛ لمساعدته على تخطِّي هذا المأْزق، أيضًا طرح مبادرة عربية لدعم استقرار الداخل السوري، وتأييد عودة سوريا إلى أحضان جامعة الدول العربية، بعد انقطاعٍ دامَ عقْدًا من الزمن، فمازالت الفرصة سانحة لتقديم كافة أوجه الدعم اللازم.

غارات إسرائيلية على سوريا:

قامت إسرائيل في أكتوبر 2021، باستهداف مطار “التيفور” العسكري في «حمص» وسط سوريا بطائرات حربية؛ نكايةً في إيران؛ حيث تتواجد مستودعات وقاعدة طائرات مُسيَّرة لميليشياتٍ تابعةٍ لإيران في تلك المنطقة؛ ما أسفر عن إصابة 6 جنود، وتتوالى الضربات الإسرائيلية على سوريا، ومازالت الأذرُع المختلفة تعبث داخل سوريا؛ حيث وجود نقاشات «روسية – إسرائيلية – إيرانية» حول الوضع في سوريا، وتدخُّل هذه الأطراف من شأنه، إحداث شللٍ في مختلف أرجاء البلاد؛ حيث إنه يُعمِّقُ من الأزمة، فكل طرفٍ يسعى إلى تعزيز مصالحه، واستنزاف موارد الطاقة بسوريا أكثر من البحث عن حلول للأزمة التي أنهكت الشعب السوري.

اتفاق وقْف إطلاق النار بوساطة «تركية – روسية»:

في مارس 2020، تمَّ إبرام اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بوساطة «تركية – روسية»؛ من أجل وقْف تحرُّك الحكومة نحو استعادة السيطرة على «إدلب»، وقد خيَّم على المنطقة هدوءٌ نسبيٌّ منذ ذلك الحين، وتمكَّن «الأسد» من السيطرة على معظم أطراف الدولة، وفشلت المعارضة في تقديم رؤيةٍ واضحةٍ حول كيفية إدارة الوضع الداخلي، وحلّ الأزمات «الاقتصادية، والاجتماعية» التي عانت منها البلاد، ووضع خطة للإعمار؛ الأمر الذي جعل العديد من الدول العربية تؤمن بأن إسقاط نظام «الأسد» لم يعُدْ العَقَبَةَ في طريق استقرار سوريا، فقد يكون بقاؤه خطوةً نحو الحلِّ، في ظلِّ اختلاف المعارضة، وتعدُّد الفاعلين في الأزمة السورية.

محاولات تسوية باءت بالفشل:

فشلت سلسلة مبادرات، بدايةً من «جينيف 1»؛ لوقف إطلاق النار، وقد قامت العديد من الأطراف بإطلاقها؛ لإيجاد حلٍّ للأزمة السورية على مدى خمْس سنوات، واصطدمت بالخلاف على مصير الرئيس «بشار الأسد»، وتدخُّل الأطراف «الإقليمية، والدولية»؛ ما حالَ دُون وقْف العمليات العسكرية، وبدْء المسار السياسي، وقد أعلنت روسيا في نهاية عام 2016، وقْفًا شامِلًا لإطلاق النار بسوريا، وبدْء مفاوضات بين النظام والمعارضة.

الأزمة السورية على جدول أعمال القمة العربية:

بالرغم من عدم وجود ممثلين عن الدولة السورية في القمة العربية، إلَّا أنها كانت قُطْبَ الحديث، وأوْلى الحضورُ اهتمامًا بهذه القضية، وطالب جميع الأطراف المعنيّة، بإبداء المرونة حِيالَ هذه الأزمة؛ حتى يمكن تبديد ظلمة الانهيار الاقتصادي والانسداد السياسي وغلْق صفحة الماضي بآلامه، والسعي نحو وضْعٍ جديدٍ يتيح انخراط سوريا في محيطها العربي الطبيعي، وفي جامعتها العربية، التي هي من دولها المؤسسة، وقد اشتمل “إعلان الجزائر”، على ضرورة قيام الدول العربية بدوْرٍ جماعيٍّ؛ للمساهمة في جهود التوصُّل لحلٍّ سياسيٍّ للأزمة السورية.

خروج سوريا من أحضان جامعة الدول العربية:

جاء قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية؛ نظرًا لارتكاب جرائم العنف والوحشية والهمجية ضد الشعب السوري، كما أعلنوا فرْض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد «دمشق»، وحثُّوا الجيش السوري على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين المناهضين للنظام، وطالبوا الدول العربية بسحْب سفرائهم من «دمشق»، وفيما يتعلق بعودة سوريا إلى أحضان جامعة الدول العربية، هناك تباينات واضحة في مواقف أعضاء الجامعة، فالبعض يؤيد عودة سوريا، والبعض الآخر يرفض ذلك، ولكن مؤخرًا جرت العديد من اللقاءات والاجتماعات بالعديد من الدول، وذلك من شأنه، جعْل عودة سوريا للجامعة العربية مسألة وقتٍ لا أكثر.

الوجود الـ«داعشي» داخل سوريا:

أدَّى طُول أَمَدِ الصراع في سوريا إلى تصاعُد وتيرة العنف، وتحوُّل سوريا إلى ساحةٍ لتفجير التنظيمات الإرهابية، ويعتبر العديد من الاتجاهات أن تنامي ظاهرة استخدام السلاح خارج نطاق الدولة ومؤسساتها في سوريا، ستنعكس آثارها بشكلٍ سلبيٍّ على العملية السياسية، وتعيش سوريا لا سيما المناطق الشمالية منها، حالة عدم استقرار؛ نتيجة التدخلات الخارجية، وهيمنة الجماعات والتنظيمات الإرهابية، بما يعكس استمرار حالة الفوضى وغياب مؤسسات الدولة عن أداء أدوارها الاجتماعية والأمنية؛ ما يُفاقم الأوضاع هناك، ويُسْهِمُ في مزيدٍ من التدخُّلات الخارجية خاصةً التركية.

مخيم «الهول» السوري وعودة «داعش»:

هذا المخيم يُعدُّ أحد مخيمات اللاجئين السوريين، ويقع على المشارف الجنوبية لمدينة «الهول» في محافظة «الحسكة» شمال سوريا، بالقرب من الحدود السورية العراقية، ويضم أشخاصًا مُشرَّدين من الأراضي التي احتلَّها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فهو امتداد لـ«داعش» وعائلاته، الذين تمتد جذورهم إلى خمسين دولة، وتحاول العناصر الـ«داعشية» استغلاله لصالحهم، والتمركُز في المناطق الحدودية، والتنسيق مع الخلايا الـ«داعشية» في هذه المناطق وفي العراق، ناهيك عن استغلال حالة التأزُّم السياسي في البلديْن، ومن هذا المنطلق، فإن هذا المخيم بات بُؤْرَةً لتَمَوْضُع الإرهابيين، وقد تعدَّى كوْنه بيئة تدريب وتأهيل إلى ركيزةٍ للإرهاب، ومن ثمَّ لا يمكن مواجهته إلا بتفكيك هذا المخيم، وإعادة تأهيل القاطنين فيه بعْد دمْجهم في الحياة داخل دُولهم التي أتوا منها.

سوريا في ظلِّ «جائحة كورونا»:

جاءت «جائحة كورونا» لتحُطَّ بأوزارها على شعْبٍ يعاني من الصراعات والنزاعات والعنف لسنواتٍ طويلةٍ، فضْلًا عن انهيارٍ في البنية التحتية، وفي مقدمتها “المستشفيات”، وأدَّى ذلك إلى هشاشة النظام الصحي، خاصةً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية قدَّمت 1200 جهاز اختبار للكشف عن «الفيروس» للحكومة السورية، إلَّا أنها لم تُقدِّم مساعدةً مقبولةً إلى بقيّة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وقد كان لهذه «الجائحة» وقْع الصاعقة، وتتمحْوَرُ آثارها «الاقتصادية، والاجتماعية» في ما يلي:

تمدُّد العمليات العسكرية وتعدُّد الأطراف الداخلة في الصراع السوري، وضعْف مؤسسات الدولة، خاصةً بعد 10 سنوات من الحرب، وتردِّي النظام الصحي، علاوةً على ذلك النَّقْص الملحوظ في الطواقم والمعدات الطبية، بالإضافة إلى مواجهة سوريا لأسوأ أزمةٍ «اقتصادية، ومالية» في تاريخها، مع ما يصاحبها من ارتفاعٍ لمعدلات «الفقر، والبطالة»، وسياسات الحكومة المستبدة والفاسدة، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، والتي كان من ضمنها: «قانون قيصر 2020»، “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، هو اسم للعديد من مشاريع القوانين المقترحة من الحزبيْن في «الكونجرس الأمريكي» موجهة ضد الحكومة السورية”.

ولقد فاقَمَ تفشِّي «الفيروس التاجي» من الأوضاع في سوريا؛ حيث ضغوط المعيشة التي تواجه الشعب في ظلِّ ظروفٍ اقتصاديةٍ قاسيةٍ، بلغ عجزهم عن شراء كمامات تساعدهم على حماية أنفسهم، وعدم قدرتهم على الحصول على الغذاء المناسب؛ نظرًا لارتفاع الأسعار، وتضرُّر قطاعاتٍ كثيرةٍ في الدولة؛ بسبب إجراءات الإغلاق والقيود المفروضة على التنقُّل وحظْر التجوال.

تداعيات الحرب «الروسية – الأوكرانية» على الأزمة في سوريا:

مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، أعرب النظام السوري عن تأييده للعملية العسكرية الروسية، وسمحوا بسفر مقاتلين للقتال – جنْبًا إلى جنْب- مع الجيش الروسي، باعتبار أن ذلك ردُّ جميلٍ للجيش الرُّوسيّ الذي ساعدهم في هزيمة المعارضة، على الصعيد الآخر، فقد خشي «الأسد» من هوْل التداعيات التي ستقع على الاقتصاد السوري المنكمش، وتراجُع اهتمام المجتمع الدولي بالحلِّ السياسي للأزمة السورية، وقد تصل إلى طريقٍ مسدودٍ، بالإضافة إلى تصاعُد حِدَّة الحروب «الإيرانية – الإسرائيلية» على الأراضي السورية، وسط غضب «موسكو» من الموقف الإسرائيلي حِيالَ أوكرانيا، وإدانتها المستجدة للغارات الإسرائيلية على المواقع «الإيرانية، والسورية»، وتقلص احتمالات تمديد الآلية الدولية للمساعدات الإنسانية، عبْر الحدود السورية، وتحويلها للتعاطي مع الأزمة الأوكرانية وتداعيتها الاقتصادية، بجانب قيام الأوروبيين بإجراء مراجعةٍ عميقةٍ لخيارهم في الانفتاح المتدرج على النظام الذي بات يُنظر إليه أوروبيًّا على أنه امتدادٌ لروسيا، وقد تستغل إيران الانشغال الروسي بالصراع الأوكراني للتحرُّك، وتوسيع دائرة نفوذها في سوريا، وهو ما ظهرت بوادره بالفعل، فقد تتجه إلى تصعيد هجماتها ضد الوجود الأمريكي في سوريا، وكبقية دول العالم، فقد تأثَّرت سوريا بارتفاع أسعار القمح، والمشتقات البترولية، وتراجعت أسعار صرف الليرة السورية أمام الدولار.

إعادة ترتيب أوراق اللعبة بين «روسيا وإيران»:

لقد أدَّت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى تراجُعٍ ملحوظٍ للدوْر الرُّوسيّ داخل سوريا؛ حيث قامت بتخفيض قواتها هناك، ومن بينها: مئات المرتزقة من مجموعة «فاغنر» سيئة السمعة؛ لتعزيز وجودها في أوكرانيا، وقامت بتسليم بعض مواقعها للميليشيات الإيرانية و«حزب الله» اللبناني، وقد رأت أن الانتشار الإيراني سوف يُحقِّق لها أهدافًا روسية، بالضغط على الغرب في الملف الأوكراني، ولكن روسيا لم تعتزم الإجلاء الكامل عن الأراضي السورية؛ نظرًا لإدراكها أن سوريا تُمثِّلُ الركيزة الأساسية لنفوذها في المنطقة، ومن المتوقع، أنه في حال سحْب روسيا لقواتها من سوريا بأعدادٍ أكبر، سوف تزداد حِدَّة الصراع بين «إسرائيل، وإيران»، وسيقوم كُلُّ طرفٍ بتكثيف ضرباته الجوية ضد معاقل الطرف الآخر؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تأجيج بُؤَر الصراع المختلفة في المنطقة.

عمليات «عسكرية – تركية» داخل سوريا:

استهدفت العمليات العسكرية مناطق مختلفة داخل سوريا؛ حيث استغلت انشغال العالم بالأزمة الأوكرانية، وحاولت إيجاد حَدَثٍ يُغطِّي على مشاكلها الداخلية، الممثلة في تراجُع شعبية الحزب الحاكم والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، فضْلًا عن الحدِّ من التهديد الكردي، وطيّ صفحة اللاجئين، وقد جاء هذا التصعيد العسكري؛ ليُجدِّدَ رؤية المخطط التركي التوسُّعي في المنطقة.

اجتماعٌ ثلاثيٌّ يُمهِّدُ لإعادة العلاقات بين «أنقرة ودمشق»:

شهدت العاصمة «موسكو» انعقاد الاجتماع الثلاثي بين كُلٍّ من «تركيا، وسوريا، وروسيا»، في ديسمبر 2022؛ بهدف إعادة العلاقات بين «أنقرة، ودمشق»، ودارت المحادثات في هذا الإطار، بشأن البحث عن مخْرجٍ للأزمة السورية، وقضية اللاجئين، بالإضافة إلى مكافحة الجماعات المتطرفة، وأفْضَتْ نتائج هذه المباحثات إلى موافقة تركيا على الانسحاب الكامل من الأراضي السورية التي تحتلها في الشمال، وتأكيد «أنقرة» احترام سيادة وسلامة الأراضي السورية، وسوف يتم متابعة ما تمَّ الاتفاق عليه من قِبَلِ لجانٍ مُخْتَصَّةٍ شُكِّلتْ؛ لكي تضمن حُسْن التنفيذ والمتابعة، وقد أثار ذلك حفيظة المعارضة والفصائل المسلحة السورية؛ نظرًا لحدوث التقارُب والمصالحة بين النظامين «التركي، والسوري»؛ ما أدَّى إلى اندلاع المظاهرات، وبات الوضع يُنْذِرُ بعودة العمليات العسكرية من جديد، وما زالت المعارضة السياسية تنتظر نتائج الانتخابات التركية المقبلة، ومآلات مسار المصالحة الذي سلكته «أنقرة، ودمشق»، فذلك الحدثان سوف يرسمان طبيعة المشهد السياسي مستقبلًا.

الأوضاع في سوريا بعد حادثة الزلازل:

في خِضَمِّ أزْمَةٍ مُتجذِّرةٍ دامت لاثنيْ عشر عامًا، أنهكت سوريا بشكلٍ مُفْجِعٍ، جاء وقوع الزلازل التي حدثت منذ أيامٍ؛ ليزيد الأوضاع سُوءًا؛ حيث إن الشعب السوري يواجه إحدى أكثر الحالات الإنسانية تعقيدًا في العالم؛ حيث إن ثُلثيْ السكان في حاجة إلى المساعدة، في ظلِّ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، واستمرار النزاعات والقتال الذي دَامَ أكثر من عقْدٍ من الصراع الطاحن، والنُّزوح الجماعي، وتدمير البنية التحتية، هذا بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي، وارتفاع مستويات التسرُّب من المدارس، وقد جاءت أزمة الزلازل الأخيرة؛ لتزيد الوضع سُوءًا.

أزمة الفجر وتداعياتها على سوريا:

في الوقت الذي ينظر العالم إلى كارثة الزلزال التي أدَّت إلى قتْل آلاف السوريين وتدمير آلاف المنشآت، نجد أنه على صعيد تهدئة الأوضاع في سوريا؛ جرَّاء الصراع الذي دَامَ لسنواتٍ طويلةٍ، قد تكون هذه الكارثة الطبيعية بمثابة نقطة تحوُّلٍ لنظام «بشار الأسد»، وإصلاح العلاقات مع تركيا، وقد تجعل هناك فرصةً للقاء الرئيس “أردوغان” مع نظيره «الأسد»، ومن ثمَّ تغيير خطوط الصراع التي قسَّمت البلاد لسنوات، خاصةً في ظلِّ إمكانية استغلال المعارضة التركية للأزمة، والضغط من أجل تخفيف عِبْء اللاجئين السوريين أيضًا، فربما تتوقف تركيا والقوات التي تدعمها في سوريا عن شنِّ هجماتٍ جديدةٍ في العُمْق السوري بعد هذه الكارثة، وتكون على استعدادٍ لهُدْنةٍ مؤقتةٍ؛ لكي تعطي الفرصة للقوافل الإنسانية؛ للتدخل في هذه النكبة، على الصعيد الآخر، تشير التجارُب السابقة إلى أن الزلازل لا تزيد من احتمالية نُشُوب صراعٍ فقط، بل إن آثارها تكون أكبرَ بكثيرٍ، فقد تؤدِّي إلى تفاقُم الأوضاع، فتتسبب في نُدْرة الموارد الأساسية، ومن ثمًّ نُشُوء صراعاتٍ على هذه الموارد، خاصةً في البلدان النامية، وقد تعطي هذه الأوضاع الفرصة الأخيرة لنظام «الأسد»؛ لكي يثبت للشعب السوري، أن الحلَّ قد يُخْلَق من باطن الكارثة، وقد تكشف الأوضاع أيضًا عن مدى تدنِّي وجَشَع النظام، واستغلال هذه المحنة، وعدم تقديم المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة بشكلٍ عادلٍ، وقد يعمل على استغلال شحنات المساعدات القادمة من العديد من الدول الراغبة في تقديم يَدِ العَوْن، في ظلِّ هذه المحنة، فهل ستخرج سوريا من محنتها بعدما دفعت الثمن جرَّاء الزلازل؟ أم ستكون تلك سلسلة جديدة من الصراعات ستشهدها الفترة المقبلة؟ وهل سيصحِّح «الأسد» مسارَه، ويساند الشعب مقابلَ سنواتٍ داميةٍ أنهكتهم، وأضاعت آمالهم؟

استحواذ النظام السوري على المساعدات الإنسانية الموجهة للشعب السوري المنكوب

انهالت الاتهامات الموجهة للرئيس السوري، بشار الأسد؛ بسبب استحواذه على المساعدات الإنسانية الموجهة للشعب السوري بعد حادثة الزلازل، وعبّر الكثيرون عن استيائهم من استغلال المواطنين حتى في أسوأ الظروف، ولم يتمكَّنُوا من الحصول على المساعدات الإنسانية، إلا بقدْرٍ ضئيلٍ، في حين أنها موجَّهةٌ إليهم بشكلٍ أساسيٍّ، وقد تمَّ بيْع المواد الغذائية التي أُرْسِلَتْ كمساعداتٍ من قِبَلِ العديد من الدول إلى مناطق يسيطر عليها النظام، وتحدَّث البعض عن سرقة شاحنات مساعدات بأكملها، فوْر وصولها إلى المناطق المنكوبة في «حلب، واللاذقية»، ليس ذلك فقط، بل امتدَّ هذا الحصار إلى حدِّ تضييق الخناق على المتطوعين، والجهات الراغبة في تقديم يَدِ العَوْن للمتضررين السوريين، ولم يكتفِ بذلك فقط، بل حرَّض إعلامَه على تشويه صورة المتطوعين في الشمال السوري، ووجَّه إليهم أصابع الاتهام بأنهم إرهابيون، ومازال «الأسد» يعْبث بالشعب السوري، ويستغله حتى في أضْعف الفترات التي يمر بها، فكيف سيكون مصيره في ظلِّ ذلك التأزُّم؟!

ختامًا:

عانت سوريا سنوات طوال من الأوضاع المتدنية على كافة الأصعدة، وأعطت الفُرْصة لتدخُّلاتٍ خارجيةٍ، حتى أصبحت ساحةً لعمليات الشَّدِّ والجذْبِ بين القوى المختلفة، ساحة مليئة بالتخبُّطات والتشابُكات، التي كادت تعْلُو على آلام المواطنين، في ظلِّ التعاطُف المستمر الذي تُبْدِيه هذه الأطراف، وقد زاد الأمر تعقيدًا حادثة الزلازل التي وقعت على سوريا، وقْع الصاعقة، وقضت على الأخضر واليابس، وخلَّفت خسائر كبيرة في الأرواح، وعمَّقت من الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، ومازالت الظروف غامضة ومبهمة، ولكن نأمل بحلٍّ عاجلٍ وقريبٍ لهذه الأزمة يُرمِّمُ قلب الشعب السوري، ويُلَمْلِمُ شتاتَه بعد سنواتٍ عِجَافٍ.

كلمات مفتاحية