“رئيسى” فى الصين: ما هى أبرز دوافع الزيارة؟

إعداد: ميار هانى

المقدمة:

التقى الرئيس الإيرانى “إبراهيم رئيسى” نظيره الصينى “شى جين بينج” بالعاصمة بكين، الثلاثاء 14 فبراير الجارى، فى زيارة استغرقت 3 أيام قام بها “رئيسى” على رأس وفد اقتصادى وتجارى وسياسى رفيع المستوى.
ونسلط الضوء على أهمية تلك الزيارة باعتبارها الأولى لرئيس إيرانى إلى الصين منذ 20 عامًا، حيث كانت زيارة الرئيس السابق “حسن روحانى” إلى بكين فى عام 2018 للمشاركة فى أعمال قمة منظمة “شنغهاى” للتعاون وليس من أجل الحوار الثنائى فقط مع الصين، والتقى “رئيسى” و ” بينج” للمرة الأولى فى سبتمبر على هامش قمة منظمة “شنغهاى” للتعاون فى أوزبكستان، حيث دعا الرئيس الإيرانى إلى تعزيز التعاون بين البلدين.
ووقع البلدان على 20 وثيقة تعاون فى مختلف المجالات، شملت التجارة الدولية وتكنولوجيا المعلومات وحماية الملكية الفكرية والإعلام والزراعة والسياحة، وكذلك الرعاية الصحية والرياضة والثقافة.
دوافع متعددة

هناك عدة دوافع تفسر زيارة الرئيس الإيرانى “إبراهيم رئيسى” إلى الصين، والتى يمكن عرضها على النحو التالى:

تراجع أولوية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين:

خلال زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينج” إلى إيران فى عام 2016، طرح فكرة اتفاقية اقتصادية استراتيجية لـ 25 عامًا، تنص على ضخ الصين استثمارات هائلة تصل إلى 400 مليار دولار فى مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والدفاعية الإيرانية، وذلك مقابل امتيازات تمنحها “طهران” لـنظيرتها “بكين” فى قطاعات الطاقة.

واستمر الحديث بشأن الاتفاقية سنواتٍ حتى بدت حاجة إيران المُلحة فى إبرام مثل هذه الاتفاقية لعدة أسباب أبرزها:

• توسيع نطاق الخيارات المتاحة على الساحة الدولية فى ظل الأوضاع المتصاعدة مع الدول الغربية حول ملفات رئيسية فى المنطقة.
• الالتفاف حول العقوبات الأمريكية التى فرضها الرئيس الأمريكى السابق “دونالد ترامب” منذ 7 أغسطس 2018 عقب إعلانه انسحاب بلاده من الاتفاق النووى فى 8 مايو من العام نفسه.
• فضلًا عن تنامى الشكوك حول مدى نجاح أى اتفاق نووى مستقبلى فى تحقيق طفرة اقتصادية فى “إيران”، ما دفعها إلى الاتجاه نحو تقوية علاقاتها الاقتصادية مع دول بعينها، على رأسهم الصين وروسيا.

وعليه وقّع “محمد جواد ظريف” وزير الخارجية الإيرانى السابق مع نظيره الصينى “وانج يى”، فى مارس 2021، الاتفاق الشامل المُشار إليه، وعدّتها إيران بمثابة “خارطة طريق متكاملة” وبات من المقرر أن تستثمر الصين حوالى 280 مليار دولار لتطوير قطاعات الغاز والنفط والبتروكيماويات، و120 مليار دولار أخرى لتطوير قطاع البنى التحتية للتصنيع فى “إيران”، فضلًا عن تضمين الاتفاقية تعاونًا دفاعيًا وأمنيًا.
إلا أن اتفاقية الـ 25 عامًا لم تدخل حيز التنفيذ العملى بوجه كامل حتى وقتنا الحالى، إذ تم البدء فقط بتنفيذ بعض العقود المنبثقة عنها، فضلًا عن تراجع الاستثمارات الصينية خلال الفترة الماضية، فقد ذكرت هيئة الاستثمار والمساعدات الاقتصادية والفنية فى إيران أن الصينيين استثمروا حوالى 227 مليون دولار خلال العامين الماضيين، ولكن هذا الرقم قد انخفض حاليًا إلى 185 مليون دولار فقط.
وبالتالى يمكننا القول إن تفعيل الاتفاقية يعد الهدف الأبرز الذى تسعى “طهران” لتحقيقه من وراء زيارة الرئيس الإيرانى “رئيسى” إلى الصين، وستحاول إيران استقطاب رأى الصين لمزيد من التعاون الاقتصادى.

تطوير العلاقات مع منافسى وخصوم إيران:

أثار التقارب المطرد ( الصينى – العربى) قلق “طهران”، وتجلى ذلك فى عدد من التحركات كالتالى:

• توقيع اتفاقية بين مؤسسة “قطر للطاقة” (الحكومية) وشركة “سينوبك” الصينية (الحكومية)، فى 21 نوفمبر 2022، تقضى بمد الأخيرة بالغاز الطبيعى المسال عبر حقل الشمال الشرقى لمدة 27 عامًا، والتى تعد الأطول من نوعها فى تاريخ صفقات الغاز الطبيعى المسال للصين حتى الآن، وبالتالى أثار هذا الأمر القلق بتراجع أهمية “إيران” فى الإستراتيجية الصينية، وأن الأخيرة لن تتوانى عن تطوير علاقاتها الثنائية مع المنافسين الرئيسيين لإيران فى مجال الطاقة.
• زيارة الرئيس “شى” للمملكة العربية السعودية للمشاركة فى ثلاث قمم متتالية: ( قمة سعودية صينية – وقمة خليجية صينية – وقمة عربية صينية )، والتوجه نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية.

إلى جانب ما خرج عنها من بيانات مناوئة لسياسات “إيران” ومواقفها إزاء بعض القضايا؛ إذ أكدت “الصين” دعم مساعى دولة “الإمارات” للتوصل إلى حل سلمى لقضية الجزر الثلاث: ( طمب الكبرى – طمب الصغرى – أبو موسى )، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية، كما دعت إلى ضرورة تعاون “إيران” الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتشجيعها على إقامة علاقات ( خليجية – إيرانية ) وفقًا لمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل فى شؤون الدول المجاورة، وهو الأمر الذى أدى إلى إبلاغ وزارة الخارجية الإيرانية احتجاجها إلى السفير الصينى فى “طهران”.

سياسة التوجه شرقًا:

تأتى تلك الزيارة فى إطار حرص إدارة “إبراهيم رئيسى” على التوجه نحو الشرق، لا سيما الصين وروسيا والهند، على حساب علاقاتها المتوترة مع الغرب، وذلك بهدف بناء محور آسيوى ذى أبعاد جيوسياسية وجيواقتصادية، والالتفاف حول العقوبات ومقاومة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة.

الخاتمة:

يمكننا القول ان التطورات الأخيرة، فى إطار تراجع أولوية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فضلاً عن التقارب الصينى – العربى المتمثل فى توقيع اتفاقية الغاز مع قطر وحضور الرئيس شى القمم الثلاث، وما خرج عنها من بيانات مناوئة لسياسات إيران ومواقفها إزاء بعض القضايا، ساهمت بتزايد قلق إيران بأن أهميتها الاستراتيجية تراجعت لدى الصين، وعليه أوجب ذلك طهران إلى مواصلة جهودها من أجل تنفيذ بنود الاتفاقية نظرًا إلى آثارها الاقتصادية الهائلة التى ستعود عليها إن جرى تطبيقها، ووضع وحدّاً لـ «التوتّر النسبى» فى العلاقات الإيرانية-الصينية، وبالتالى من المرجح عدم توقف المحاولات الإيرانية عند هذا الحد، بل استمرارها لتحقيق أهدافها المنشودة.

كلمات مفتاحية