إعداد: دينا لملوم
لقد عانت سوريا، بتعاقب النكبات عليها، فمع نشوب الحرب الأهلية، توالت الضربات الإسرائيلية، والتى كانت تستهدف النفوذ الإيرانى، حسبما صرّحت، وبدأت تشن غاراتها تزامنًا مع الأزمة السورية، وحتى الوقت الحالى، فقد شهد عام ٢٠٢٣ وقوع غارتين، أولهما، استهداف مطار دمشق الدولى، والثانية تمثلت فى قصف مناطق بدمشق، واستهداف مناطق إيرانية، وذلك فى ظل نكبة الزلازل التى اجتاحت البلاد فى فبراير من نفس العام.
بدايات الاعتداءات الإسرائيلية فى سوريا:
امتدت الاعتداءات الإسرائيلية داخل العمق السورى، على خلفية الحرب الأهلية، حيث جاءت مقدمات هذا الاعتداء لأول مرة عام ٢٠١٣، وكان دورها فى هذه الحرب يقتصر على الضربات الصاروخية، وتوالت هذه الضربات، حتى العام الحالى، ففى عام ٢٠١٧، استهدفت الصواريخ المضادة للطائرات السورية، مجموعة طائرات إسرائيلية، كانت تحلق فى الأجواء اللبنانية، وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى آنذاك، أن تلك الطائرات كانت فى مهمة استطلاعية، وتطرق إلى أن تلك هى المحاولة الأولى التى قامت فيها الحكومة السورية باستهداف الطيران الإسرائيلى منذ بدء الحرب الأهلية، وقد قامت إسرائيل بوضع إستراتيجية أطلقت عليها “المعركة بين الحروب”، والتى هدفت إلى إضعاف قدرة إيران، وردعها.
وفى عام ٢٠١٨، قامت الطائرات الإسرائيلية بالإغارة على موقع عسكرى فى دمشق؛ مستهدفةً مركز بحوث علمية؛ وأشارت البيانات الرسمية وقتها إلى أن هذا المركز كان يحوى مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله اللبنانى، أما فى عام ٢٠١٨، فقد شنّت إسرائيل غارات جوية أطلقت من خلالها ثمانية صواريخ، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ١٤ شخصًا، وصرّح المرصد السورى لحقوق الإنسان، بأن سبعة من القتلى ينتمون إلى الجنود الإيرانيين، وتعاقبت الصدامات، والتى كانت تهدف إلى تطويق الوجود الإيرانى على الأراضى السورية، خوفًا من تمدده على حدودها المباشرة، ووصوله إلى أراضيها.
أطراف الصراع:
هناك العديد من الفصائل، سواء كانت أجنبية أو محلية، والتى انغمست فى الحرب الأهلية السورية، كالجيش السورى وحلفاؤه من إيران وحزب الله اللبنانى، فضلًا عن التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة، وقد أضفى الدعم الأجنبى على الصراع طابعًا وُصف بأنه حربًا بالوكالة، وقد كانت هناك بعض الأطراف التى وقفت جنبًا إلى جنب “بشار الأسد”، والبعض الآخر يدعم المعارضة.
الأطراف الداعمة للنظام السورى:
تشمل إيران وروسيا، وحزب الله اللبنانى، كما يعد النظام ذاته طرفًا من أطراف الصراع.
الأطراف الداعمة للمعارضة السورية:
لقد تلقت المعارضة، التى تعد إحدى أطراف الصراع المتجذر فى سوريا، كافة أشكال الدعم اللوجستى والسياسى والعسكرى من العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا[1]، فضلًا عن إسرائيل[2]، وفرنسا[3]، وبريطانيا[4].
الموقف الروسى من الضربات الإسرائيلية فى سوريا:
رغم تقاطع المصالح بين روسيا وإيران فى سوريا، واعتمادها على الميليشيات الإيرانية، إلا أنها لم تتصدى للغارات الإسرائيلية التى شُنت عليها، بل أفسحت لها المجال نحو ضرب الأهداف الإيرانية، وفى ظل التصاعد المستمر من قبل إسرائيل ضد إيران، إلا أن روسيا لم تتخذ موقفًا ضد تنامى الاعتداءات المستمرة على “تل أبيب”، وبررت ذلك بأن إبقاء الضغط على ميلشيات إيران، سوف يقلص من النفوذ الإيرانى على حساب الجانب الروسى، ومنع طهران من الانفراد بمقاليد السلطة فى دمشق، وقد تطرق الاجتماع الأمنى الثلاثى، الذى عُقد فى يونيو ٢٠١٩، بحضور “موسكو وتل أبيب وواشنطن”، إلى إخراج إيران وميليشياتها من سوريا.
الضربات الإسرائيلية فى خضم الحرب الروسية الأوكرانية:
لم تؤثر العملية العسكرية الروسية الموجهة ضد أوكرانيا فى فبراير ٢٠٢٢، على سيل الهجمات الإسرائيلية فى الداخل السورى، حيث لم تتراجع وتيرتها عن الأعوام الماضية، على الرغم من زيادة التوترات بين البلدين، على إثر تنديد إسرائيل بالغزو الروسى لأوكرانيا، وتقديم إسرائيل المساعدات الإنسانية والدعم الدبلوماسى والدفاعى لـ”كييف”، وقد أدت الحرب الروسية فى أوكرانيا إلى استنزاف الموارد العسكرية فى سوريا، حيث سحبت بعض قواتها لتساندها فى هذه الحرب، وقد شكل النفوذ العسكرى الإيرانى أهمية بالغة فى تعزيز سيطرة “بشار الأسد” على البلاد، ومن ثم فقد اعتبرت روسيا أن أى هجمات إسرائيلية ضد الوجود الإيرانى فى سوريا بمثابة تهديد صريح لاستقرار “نظام الأسد”.
استمرار استهداف إسرائيل لإيران:
ما زالت إسرائيل تصوب ضرباتها نحو العمق السورى، ففى عام ٢٠٢٢ نفذت إسرائيل العديد من الضربات العسكرية، الجوية والبرية؛ واستهدفت ٦٨ موقعًا لقوات النظام السورى، والميليشيات الإيرانية، وتوزعت هذه الغارات على كافة أماكن تمركز هذه العناصر، وقد قامت إسرائيل باستخدام الطائرة “F35″، فى عملياتها الموجهة ضد القوات الإيرانية؛ مما يدل على مدى الأهمية العسكرية لهذا الموقع، وضرورة توخى الدقة فى التنفيذ.
على الصعيد الآخر، قامت إسرائيل بتوجيه قذائف الدبابات ضد أهداف “حزب الله”؛ لكى تتمكن من تطويقه، ومنع أى تهديدات أمنية تضر بإسرائيل، خاصة بعد حادث اختطاف جنديين إسرائيليين عام ٢٠٠٦، وتأتى عمليات الاستهداف الإسرائيلى لمواضع تمركز الميلشيات الإيرانية، ومراكز البحوث وتطوير الصواريخ والطائرات، فضلًا عن البنية التحتية الممثلة فى المستودعات وورش التصنيع الحربى، فى إطار تضييق الحصار على إيران وردع تفوقها العسكرى عليها فى سوريا؛ حتى لا تشكل تهديدًا مستقبليًا لإسرائيل.
وفى يناير ٢٠٢٣ صوّبت إسرائيل ضربات عسكرية نحو مطار دمشق الدولى، وحسبما أفاد المرصد السورى، فإن هذه الغارات استهدفت مواقع لحزب الله، فضلًا عن جماعات موالية لإيران؛ مما ألحق خسائر مادية، تمثلت فى تدمير المطار، ومقتل أربعة عناصر، من بينهم جنديين سوريين، وتلك كانت المرة الثانية على التوالى منذ يونيو ٢٠٢٢، التى يتعرض فيها مطار دمشق لعمليات القصف الإسرائيلى، ويبرر الجانب الإسرائيلى بأن تنفيذ هذه الضربات فى سوريا، نادر الحدوث، ولكن عمليات القصف المستمرة هناك، تأتى فى إطار التصدى للوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا.
وقد قامت إسرائيل فى ١٩ فبراير ٢٠٢٣ بشن غارات داخل العمق السورى، حيث استهدفت مواقع عسكرية بدمشق، وحسبما صرّح المرصد السورى، فإن القصف قد امتد إلى حى “كفر سوسة “جنوب غرب دمشق، والذى تتواجد به المقرات العسكرية والاستخباراتية، والأفرع الأمنية، ووفقًا لبيانات المرصد، فقد أسفر الهجوم عن سقوط ١٥ قتيلًا، وتواصل إسرائيل هجماتها على إيران، حيث قامت باستهداف منطقة تضم معهدًا ثقافيًا إيرانيًا، ومدرسة إيرانية فى “كفر سوسة”، بالإضافة إلى تدمير العديد من منازل المدنيين وإلحاق الضرر بعدد من الأحياء فى دمشق وضواحيها، ووقوع الحرائق والانفجارات فى الأماكن المستهدفة.
ومن جهته، كشف مصدر فى “فيلق القدس الإيرانى” عن أن هذه الغارات الإسرائيلية كانت تستهدف اجتماعًا لبعض قادة الفصائل التابعة لإيران، مع قائد الفيلق، الذى يعد بمثابة الذراع الخارجية للحرس الثورى الإيرانى، وقد قام الروس بإبلاغ الإيرانيين بالتحركات الإسرائيلية؛ لذا فقد قاموا بسحب عناصرهم، وأضاف هذا المصدر أن الإسرائيليين عادة ما يقومون بإبلاغ الروس بالقصف بشكل مسبق لسحب القوات الروسية.
جدير بالذكر، أن هذه الغارة تعد الثانية من نوعها فى هذا العام، ووفقًا لإحصائيات المرصد السورى فى عام ٢٠٢٢، فإن إسرائيل قد وجهت حوالى ٣٢ ضربة صاروخية، أدت إلى سحق حوالى ٩١ مبنى ومستودعًا للأسلحة والذخيرة، ونجم عن هذه الضربات سقوط ٨٩ قتيلًا من العسكريين، فضلًا عن إصابة ١٢١ شخصًا آخر[5].
الدوافع الإسرائيلية المرجوة من الغارات على سوريا:
1- تسعى إسرائيل من وراء ضرباتها الجوية فى العمق السورى، إلى الحفاظ على أمنها القومى، والسعى نحو إضعاف النفوذ الإيرانى فى سوريا، وتهديد العلاقة بينه وبين النظام السورى، علاوة على ذلك، يتطلع الجانب الإسرائيلى إلى أن تؤدى مثل هذه الهجمات إلى تقييد البرنامج النووى لإيران، ووقف إمدادها لـ “حزب الله” بالأسلحة المتطورة، فضلًا عن إخفاق شرعية المطالبات السورية بسيادتها على الجزء الإسرائيلى من مرتفعات “الجولان”.
2- سعت إسرائيل نحو طمس محاولة ترسيخ وتوطيد التواجد الروسى العسكرى فى سوريا؛ تجنبًا لوقوع تصادمات بين القوات الإسرائيلية ونظيرتها الروسية، أيضًا فقد سعى الجانب الإسرائيلى نحو الحد من محاولات روسيا لتعزيز الوجود الإيرانى، وتوفير الدعم الذى من شأنه تغيير موازين اللعبة لصالح النظام السورى، فإذا نجح الدعم الروسى لهذا النظام ومكنه من إحكام قبضته على البلاد، فقد يؤدى إلى تفحل النفوذ الإيرانى فى سوريا، ومن ثم تهديد المصالح الإسرائيلية.
3- فى ظل الدعم المستمر من قبل نظام “بشار الأسد” لإيران، تخشى إسرائيل من تصاعد النفوذ الإيرانى، ومن ثم فقد كانت تسعى نحو إبقاء هذا النظام هشًا، بحيث لا يشكل أى تهديد مباشر لإسرائيل، ولا يتمكن من السماح للقوات الإيرانية وقوات “حزب الله” بتنفيذ عملياتها العسكرية، من منظور آخر، لا تريد إسرائيل إسقاط النظام السورى بشكل كامل؛ لأن ذلك قد يخلق حالة من الفوضى، وامتداد للأذرع المختلفة فى العمق السورى، واشتباكهم مع إسرائيل، أو محاولة استهداف أراضيها.
وختامًا
فقد وقعت الغارات الإسرائيلية على سوريا وقع الصاعقة، حيث جاءت فى وقت تعانى منه البلاد من تبعات الزلازل المدمرة، التى خلقت حالة من الذعر، وأسفرت عن سقوط آلاف الضحايا والمبانى، فى وقت يعانى فيه الشعب السورى من تبعات الحرب الأهلية، فالصدمات تتوالى عليه واحدة تلو الأخرى، والأزمة تزداد سوءًا، ومازالت إسرائيل تشن هجماتها على الداخل السورى، ومن المتوقع أن تظل سلسلة الضربات الإسرائيلية المتوالية على سوريا مستمرة فى ظل استمرار التواجد العسكرى الإيرانى على الأراضى السورية، أو أى قوى من شأنها تهديد الحدود الإسرائيلية أو المساس بأمنها ومصالحها.
[1]إبراهيم محمد البنا، زياد جمال القصاص، آخرون، الأزمة السورية (٢٠١١-٢٠٢٢) والصراع الإقليمي والدولي في المنطقة- دراسة في الأصول وآليات إدارة الصراع، المركز الديمقراطي العربي، https://democraticac.de/?p=87505
[2] الهيئة العامة للاستعلامات، https://bit.ly/3lNCrya
[3] Al Arabiya News, https://web.archive.org/web/20180304172538/http://english.alarabiya.net/articles/2012/08/22/233570.html
[4] BBC news, https://web.archive.org/web/20190424071137/https://www.bbc.com/news/uk-19205204
[5] المرصد السوري لحقوق الإنسان، https://bit.ly/3I6qgUw