مبادرة عربية حول سوريا: إلى أي مدى يمكن أن يتعاطى النظام السوري معها؟

إعداد: رضوى الشريف

بعدما كان النظام السوري يأمل وينتظر فتح منافذ حتى لو صغيرة في علاقاته مع محيطه العربي، ساهم الزلزال في إعادة طرح إمكانية عودة سوريا لأحضان الدول العربية مرة أخرى، خاصة مع هرع العديد من الدول العربية لمساعدة سوريا حتى من أولئك الذين قطعوا العلاقات مع دمشق منذ الحرب الأهلية، حيث كان لبعض العواصم لعربية زيارات واتصالات علنية مع دمشق حتى قبل الزلزال مثل سلطنة عمان والإمارات والعراق والجزائر، لكن أخرى مثل الأردن والسعودية ومصر تطورت بشكل ملحوظ بعد كارثة الزلزال، الأمر الذي يثير التساؤل حول مدى تأثيرها على مسار التطبيع من عدمه مع النظام السوري.

برزت مؤشرات انفتاح الدول العربية تجاه دمشق خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع الإمارات التي أعادت فتحت سفارتها في سوريا عام 2018، قبل أن يزور الرئيس السوري، بشار الأسد، أبو ظبي في مارس الماضي. كما كان الأردن من الدول العربية القليلة التي أبقت على علاقاتها بالنظام السوري مع اتصالات محدودة، وتوقفت الزيارات الرسمية بين البلدين لسنوات عدة قبل أن تُستأنف في العام 2021، حيث توج التقارب السوري الأردني أول اتصال هاتفي منذ 2011 بين الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في أكتوبر 2021 وفي أعقاب الزلزال، اتصل الملك الأردني بالرئيس السوري مرة ثانية بعد وقوع الزلزال، ذلك بجانب زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ اثنى عشر عاما، قام بها وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الأربعاء الماضي، إلى دمشق.

وتلقى الأسد اتصالا من نظيره المصري، الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو الأول منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2014، رغم محافظة البلدين على علاقات أمنية وتمثيل دبلوماسي محدود، كما تلقى الأسد اتصالا مماثلا من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هو الأول منذ أكثر من عقد.

وفي تحول لافت للسياسة الخارجية السعودية تجاه سوريا، أكد وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، عن وجود إجماع بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب “في وقت ما” حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين.

ومؤخرًا نقلت وسائل إعلام عن مصادر سورية حكومية، أنباءً عن ترتيبات تجري حاليًا في دمشق لاستقبال وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، وهي ستكون الأولى (إن حصلت) والمثيرة للجدل لمسؤول في دولة قطعت علاقاتها نهائيًا مع دمشق ودعمت المعارضة بشكل بارز، لكن الخارجية السعودية لم تؤكد هذه الأنباء.

دلالة التوقيت

لا شك بأن كارثة الزلزال حركت الجمود فيما يتعلق بالقضية السورية، حيث مثّلت الكارثة فرصة ذهبية للدول العربية من أجل وضع المبادرة الخاصة بها موضع التنفيذ، حيث رفعت الحرج عن بعض الدول من أجل طرحها بشكل علني.

ولعل في مقدمة هذه الدول السعودية ومصر، وإذا كانت القاهرة أكثر حماساً للمبادرة وسبق أن طالبت بتبنيها وإطلاقها، فإن الرياض التي لطالما فضلت التريث، اعتبرت أن العودة إلى دمشق عبر بوابة المساعدات الإنسانية مناسبة معقولة جداً.

لكن هذه المبادرة ليست وليدة كارثة الزلزال أو نتيجة لها، بل تعود في الواقع إلى خمسة أشهر على الأقل، عندما حصل الأردن على موافقة مبدئية من المملكة العربية السعودية على إطلاقها، ليعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في سبتمبر الماضي عنها.

وتقوم ملامح المبادرة المأمول تحقيقها، والتي على أساسها تم التوافق داخل جامعة الدول العربية لتأجيل عودة النظام السوري إليها قبل انعقاد القمة العربية في نوفمبر الماضي، على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 بشأن سوريا.

وستطلب المبادرة من النظام السوري البدء أولاً بمكافحة عمليات تهريب المخدرات، وإظهار خطوات جدّية وملموسة لمعالجة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، مقابل انخراط عربي محدود في البداية بتقديم المساعدات المالية والإنسانية، على أن يبدأ بعد ذلك في تنفيذ خطوات بناء الثقة مع المعارضة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، وتوفير ضمانات جدّية لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى دياره، من أجل الشروع بمفاوضات جدّية مع المعارضة للوصول إلى حل سياسي شامل على أساس القرار الدولي 2254.

نقطة تلاقي

يوجد أهداف قريبة وبعيدة دفعت لهذا التحرك، كما إن هناك أهدافاً مختلفة بالنسبة لكل دولة، لكن بالمجمل يمكن القول إن الأردن لديه دوافع خاصة تتمايز عن دوافع بقية الدول وتحديداً السعودية. فبينما تريد عمّان وضع حد لعمليات تهريب المخدرات إلى أراضيها، وإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدودها، وعودة اللاجئين السوريين بأسرع وقت ممكن، ترى بقية الدول أن الاستمرار بترك سوريا، وكذلك العراق ميدان تنافس أو تقاسم إيراني تركي لم يعد مقبولاً.

كما إن الدول الخليجية التي بدأت تتخذ سياسات متمايزة عن الولايات المتحدة بشكل أوضح، أصبحت تنظر بقلق إلى الإستراتيجية الأمريكية في سوريا، والتي تشير إلى نيتها في إبقاء الوضع كما هو عليه دون أي أفق، خاصة أن تركيا بدأت تتحرك بناء على نفس النظرة القلقة من الإستراتيجية الأمريكية، فبدأت عملية تطبيع مع النظام السوري، ما جعل الدول العربية تسارع لكي يكون لها الحضور الفاعل.

لكن نقطة التلاقي الأبرز بين هذه الدول وبين الأردن هو الرغبة في وقف تفريغ سوريا من سكانها، مع التصاعد المضطرد في أعداد الباحثين عن فرصة السفر، لينضموا إلى أكثر من عشرة ملايين سوري غادروا البلاد بالفعل، وأغلبيتهم الساحقة من (العرب السنة)، الأمر الذي بدأت الدول العربية تدرك جدياً مخاطره على المدى البعيد.

لا شك أن المكون العربي السني يعاني خطراً يكاد يكون وجودياً في سوريا، وإذا ما تركت الأمور على ما هي عليه، فقد نجد بعد سنوات أن التغيير الديموغرافي بات أمراً واقعاً، لذلك يجب التحرك فوراً من أجل حل المسألة السوري، وبالرغم من أن هذا الدافع منطقي من حيث المبدأ، لكنه على أرض الواقع سيكون معقد وسيحتاج إلى خطة واضحة ومبادرة شاملة تأخذ كل النقاط الجدلية بعين الاعتبار.

لذلك يجب أن يكون الحل حقيقياً ومستداماً وقابلاً للتطبيق، ولكي يكون كذلك يجب أن يشمل إقناع الرئيس السوري، بشار الأسد، بالخروج من المشهد إرضاء للمكون العربي السني.!

كيف من المتوقع أن يتعاطى النظام السوري مع المبادرة؟

تبقى تلك التحركات مرهونة بإلي أي مدى يمكن أن يقبل النظام السوري بالتعاطي الإيجابي مع أي مبادرة قد تتضمن استقالة بشار الأسد من منصبه؟

سؤال تعتبر الإجابة عليه بديهية لدى الكثير، وهي أن النظام لا يمكن أن يقبل مجرد نقاش هذه الفكرة، بدليل أن إعلام النظام السوري يتعاطى مع التطورات الأخيرة من زاويتين متقاربتين، الأولى هي رضوخ العرب له، والثانية هي فتح صفحة جديدة بينه وبينهم مع تجاوز الماضي والإقرار بانتصار النظام.

أمر يمكن لمسه بوضوح من خلال متابعة ما نشرته وسائل الإعلام في دمشق، وكذلك العديد من المسؤولين فيه لدى حديثهم عن الزيارة التي من المرتقب أن يقوم بها بشار الأسد إلى سلطنة عمان والإمارات، من أجل مناقشة رأس النظام بمضمون المبادرة وأهدافها، ويوجد الترتيبات تتم لتوجه وفد عربي من عدة دول إلى دمشق من أجل طرح المبادرة العربية بشكل رسمي، وأنه في حال رفضها من قبل النظام السوري أو عدم التعاطي الجدي معها، فإن الدول العربية قد تتحرك بشكل فاعل هذه المرة لفرض إرادتها في سوريا.

وحول الأسباب التي يمكن أن تدفع النظام السوري لعدم التجاوب مع الطرح العربي، فإن المبادرة ستتضمن تطبيق القرار 2254 بشكل كامل، بما في ذلك إجراء انتخابات عامة بعد تهيئة المناخ اللازم الذي يشمل إطلاق سراح المعتقلين وعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم مع ضمان سلامتهم، إلى جانب وضع خطة زمنية واضحة لمغادرة كافة القوات الأجنبية البلاد، مقابل التعهد بإعادة إعمار سوريا وتنميتها.

من حيث الشكل، تبدو الدول العربية جادة وحازمة هذه المرة في البدء بإجراءات الوصول إلى حل ينهي الصراع في سوريا، أما من حيث المضمون فإن الأفكار والمقترحات ما تزال عامة، ورغم أنها تبدو أقرب للنظام منه إلى المعارضة، إلا أن الرؤية العربية متوازنة وتعي أهمية أن يكون الجميع مقتنعاً بالحل المقترح، لأن ذلك هو الشرط الوحيد الذي يمكن أن يضمن نجاح هذا الحل.

في الختام

التوافق العربي الحالي بشأن الأزمة السورية يقضي بعدم الاستمرار بترك سوريا ملعباً للقوى الإقليمية الأخرى، وتحديداً إيران وتركيا، إلا أن أحداً لا يمكنه أن يكون متأكداً من طبيعة استجابة النظام مع هذه المبادرة، رغم القناعة الكبيرة بصعوبة فصل النظام عن إيران.

وما دام النظام السوري يرى أن مصالح سوريا مع إيران أهم بكثير من مصالحها مع الدول العربية، فإن عودة دمشق لمقعدها في جامعة الدول العربية لن تقدم شيئًا جديدًا، بل ستجبرها على حل مشكلة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان ومصر، وإعادة المرتزقة من ليبيا، وهو الأمر الذي يريد الأسد أن يتركه لما بعد بسط سيطرته على كامل سوريا وحسم الحرب حسمًا نهائيًا.

لذلك تحديد موعد الحوار الذي أشارت إليه السعودية أو المبادرة العربية لحل الأزمة السورية يتوقف على مدى استجابة النظام السوري للتخوفات العربية، وتغييره من سياساته الداخلية والابتعاد عن الاصطفاف مع إيران وقبل الحوار لابد للنظام السوري أن يعيد حساباته في عدة قضايا ومنها انتشار المليشيات داخل سوريا وتهديدها لدول الجوار، وحل مشكلة الهيمنة الإيرانية على مفاصل الدولة، والعمل على مراعاة مصالح الدول العربية.

كلمات مفتاحية