العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.. التداعيات وردود الأفعال

إعداد: دينا لملوم

شهدت مدينة نابلس بالضفة الغربية غارات جوية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، في هجوم أسفر عن مقتل وإصابة العديد من الفلسطينيين، وفي ظل حكومة تعسفية كحكومة نتنياهو التي ترتكب المجازر باستمرار، وتسعى لتهويد فلسطين وطمس تراثها، وقد لاقى هذا التصعيد ردود فعل مُضاهية من قبل جماعة الجهاد الإسلامي، والتي قامت بإطلاق رشقات جوية على إسرائيل، ودارت تلك المناورات إلى أن وصلت إلى قيام إسرائيل بإطلاق صواريخ على قطاع غزة فجر الخميس الماضي، وأعقبه تنديدات من قبل قوى عربية ودولية، بتهديد الأمن والاستقرار وزيادة حدة التوترات بين الطرفين.

اشتباك نابلس:

قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام حارة الشيخ مسلم بنابلس ٢٢ فبراير ٢٠٢٣، حيث وقعت الاشتباكات المسلحة بين القوات الإسرائيلية وفلسطينيين، ودارت معركة دموية تخللها إطلاق قوات الاحتلال الرصاص؛ مما أسفر عن استشهاد ١٠ فلسطينيين، و١٠٢ مصاب، وقامت الفصائل الفلسطينية بإعلان الإضراب الشامل بعد هذه الواقعة.

وقد وقع هذا الاقتحام بعد يومين من عقد تشاورات بين فلسطين وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، ودارت حول وقف عمليات التصعيد من قبل الطرفين، ومطالبة الجيش الإسرائيلي بوقف عمليات اقتحام مناطق تابعة للنفوذ الفلسطيني، في ظل مشاحنات وتوترات بلغت ذروتها.

ردود الأفعال العربية تجاه واقعة نابلس:

أولاً- موقف الجامعة العربية:

وجهت جامعة الدول العربية الإدانة الكاملة لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وأن ذلك يعمق من الأزمة والتصعيد ضد المواطنين الفلسطينيين، واستمراراً لمشهد القتل وهدم البيوت المتكرر، وحمّلت الأمانة العامة سلطات الاحتلال المسئولية الكاملة فيما يتعلق بتفاقم الأوضاع المزرية في الداخل الفلسطيني، ومدى تداعيات ذلك على أمن واستقرار المنطقة، وأضافت بأن إسرائيل مسئولة عن إحباط محاولات التسوية والجهود المبذولة لتفادي عمليات الاعتداءات المتكررة من قبل الكيان.

ثانيًا- موقف الدول العربية:

تضامناً مع القضية الفلسطينية، وحق الشعوب في عدم إراقة دمائهم وتهديد استقرارهم وأمنهم بشكل مستمر، أدانت بعض الدول العربية اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة نابلس، ومن بين هذه الدول:

الإمارات: عبّرت عن مدى استيائها، وطالبت قوات الاحتلال بخفض وتيرة عمليات التصعيد، والبعد عن اتخاذ أية إجراءات من شأنها مفاقمة الأوضاع وتهديد استقرار المنطقة، لذا فقد طالبت الإمارات بضرورة التكاتف الإقليمي والدولي؛ من أجل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط.

السعودية: نددت بهذا الهجوم الدامي، وأشادت برفضها التام لأية سياسات يتبعها الكيان الإسرائيلي، من شأنها المساس بقواعد القانون الدولي، وحمّلت المجتمع الدولي مسئولية وقف عمليات التصعيد ضد الفلسطينيين وتوفير كافة أوجه الأمن والحماية لهم.

الأردن: واصلت استنكارها لما قام به الاحتلال الإسرائيلي نحو مدينة نابلس، والشعب الفلسطيني بشكل عام، وأن ذلك يحول دون الوصول لعمليات تسوية، ومن ثم دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية وشئون المغتربين الأردنية، إلى ضرورة التوصل إلى أفق سياسي، يُوقف عمليات العنف المستمر ويدفع إلى استئناف المفاوضات، ومن ثم حل الصراع.

قطر: أدانت الاقتحام الإسرائيلي لنابلس، ودعت لوقف الاعتداءات الإسرائيلية الموجهة ضد الشعب الفلسطيني، وأعربت عن جاهزيتها وموقفها الثابت الذي يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وحقه في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس، وكذلك الجزائر التي أكدت على مدى تضامنها مع الفلسطينيين.

الكويت: عبّرت وزارة الخارجية الكويتية عن إدانتها لما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأن ذلك يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل لدعم الشعب الفلسطيني وضرورة التحرك لوقف الانتهاكات الموجهة ضد المدنيين في فلسطين، وقد اتخذت عمان نفس المسار ونددت بما فعلته إسرائيل.

مصر: استنكرت عمليات الاقتحام التي وصلت إلى مدينة نابلس وأدت إلى إراقة الدماء ووقوع مصابين فلسطينيين، وأشارت إلى أن عمليات التصعيد المستمرة من شأنها تقويض جهود الوساطة والتهدئة بين الطرفين، وأن ذلك يؤثر على فرص إعادة إحياء عملية السلام وفق معايير الشرعية الدولية، ومبدأ حل الدولتين، ووجه الأزهر الشريف دعوته لكافة جموع العرب والمسلمين، بتوحيد صفوفهم والتصدي للمحاولات الإسرائيلية التي تجور على  حقوق الفلسطينيين، كما أن الجمهورية اليمنية، وغيرها من الدول العربية أدانت الغزو الإسرائيلي لنابلس، وطالبت بوقف الاعتداءات ضد الشعب الفلسطيني، وحذرت من تبعات استمرار هذا التصعيد، وأكدت على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.

ردود الفعل الدولية تجاه مجزرة نابلس:

1- مجلس الأمن الدولي: دعا المجلس من خلال مشروع قرار مُقدم له من قبل الإمارات العربية يطالب بوقف عمليات الاستيطان الإسرائيلي، وهو ما وصفه مجلس الأمن بعدم الشرعية القانونية، كما أنه يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وأدان المشروع كافة محاولات الضم الإسرائيلية، وقد جاءت ردود فعل الولايات المتحدة الأمريكية التي تتمتع باستخدام حق الفيتو باستنكار هذا المشروع، وهو ما يؤول إلى رغبتها في منع التصويت في الأمم المتحدة؛ حتى لا تضطر استخدام الفيتو ضد مشروع القرار، الذي سيُظهر للعالم موقفها المتخاذل تجاه القضية الفلسطينية، وثمة ضغوط أمريكية من أجل سحب قرار إدانة الاستيطان الاستعماري من مجلس الأمن.

تجدُر الإشارة إلى أن إسرائيل لها تاريخ مروّع من الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني، أيضاً دائماً ما تتصدر الولايات المتحدة المشهد وتستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن؛ لإحباط مشاريع قرارات تدين الممارسات الإسرائيلية في فلسطين، أو تطالبها بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، فمنذ السبعينيات وهي تستخدم هذه الآلية، إذن فلا سبيل للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وحل القضية الفلسطينية طالما أحكمت الولايات المتحدة قبضتها على حق الفيتو.

2-الاتحاد الأوروبي: أدان ما قامت به القوات الإسرائيلية في نابلس، وشدد على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، ولكن من ناحية أخرى نجد أن دول الاتحاد الأوروبي مازالت تمتثل لسياسة ازدواجية المعايير التي تعد بمثابة قوة دافعة لإسرائيل تشجعها على التمادي في عدوانها على الشعب الفلسطيني، وهو ما أكده رئيس الوزراء الفلسطيني.

3- الجمعية للأمم المتحدة: اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة ٣١٠ قرار، بشأن تصفية الخلافات بين إسرائيل وفلسطين، وبعض هذه القرارات أدان إسرائيل، وطالبها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، كما أن مجلس الأمن أطلق ١٣١ قرار يتعلق بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن هذه القرارات كانت مجرد حبراً على ورق، فلم يطبق أي منهما على أرض الواقع.

مخططات الحكومة الإسرائيلية:

تعاقبت حكومة نتنياهو حتى وصلت للمرة السادسة إلى رئاسة الوزراء، وعادت أكثر يمينية وتطرفاً، وسعت لتعزيز عمليات الاستيطان، وإحكام الحصار على القدس، وتبرير قتل الفلسطينيين، واستخدام العنف والجريمة، فضلاً عن ملاحقة أي توجهات معارضة لمبدأ يهودية الدولة، الذي ينص على أن إسرائيل هي الحق التاريخي للشعب اليهودي، وأن حق تقرير المصير لا يخص سوى اليهود، وقد أقر البرلمان الإسرائيلي قانوناً يقضي بمنع من ينكر حق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية، أو التحريض على الكراهية أو دعم الأنشطة المسلحة من خوض الانتخابات البرلمانية، وذلك القانون من شأنه إثارة البلبلة في البلاد، وبالفعل فقد قام نتنياهو باستخدام العنف ضد أي أفكار رافضة لهذا المبدأ.

ويمكن إجمال بعض الانتهاكات التي ارتكبتها حكومة نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني في الآتي:

1- قيام وزير الأمن الوطني الإسرائيلي باقتحام المسجد الأقصى، بعد ساعات من توليه منصبه في الحكومة الجديدة التي تعد أكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.

2- قيام قوات الاحتلال بالإغارة على مدينة ومخيم جنين؛ مما أسفر عن وقوع اشتباكات، أُطلق الجنود خلالها الرصاص وقنابل الغاز، فضلاً عن قيامهم بهدم نادي مخيم جنين، ووقوع مجزرة نجم عنها استشهاد ٩ فلسطينيين، وإصابة ٢٠ آخرون.

3- استشهاد طفل فلسطيني خلال اقتحام قوات الاحتلال لمخيم الدهيشة في بيت لحم إثر إصابته برصاصة في صدره.

واستمراراً لسياسات نتنياهو العدائية، خرجت المظاهرات وتم حشد عشرات الآلاف في تل أبيب يناير الماضي؛ احتجاجاً على خطط حكومة نتنياهو المتعلقة بإصلاح النظام القضائي، والتي تتضمن الحد من سلطات المحكمة العليا وتعزيز السيطرة السياسية على تعيين القضاة.

تداعيات الغزو الإسرائيلي لنابلس:

رداً على اقتحام مدينة نابلس، أو ما وصفته منظمة التحرير الفلسطينية ب “المجزرة”[1]، ووقوع العديد من الضحايا، من قتلى وجرحى، قامت حركة الجهاد الإسلامي بإطلاق صواريخ مستهدفةً غلاف غزة، بعدما قامت قوات الاحتلال باقتحام نابلس شمال الضفة الغربية، وأعقب ذلك قيام الطيران الحربي الإسرائيلي بشن غارات جوية وإطلاق الصواريخ على قطاع غزة فجر الخميس ٢٣ فبراير ٢٠٢٣، وذلك رداً على الرشقات الجوية التي قام قطاع غزة بإطلاقها على مناطق إسرائيلية بمحاذاة القطاع، ليلاً، وقام الطيران باستهداف موقع بدر التابع لكتائب عز الدين القسام، تلك الوجهة العسكرية لحماس، أيضاً قام بقصف موقع آخر وسط القطاع، وأعلن الجيش الإسرائيلي عن رصده إطلاق ستة صواريخ من قطاع غزة، وقد اعترضت “منظومة القبة الحديدية”[i] خمسة منها، وسقط الصاروخ السادس في منطقة غير مأهولة بالسكان، ويمكن وصف هذا العدوان على أنه سلسلة من الحروب التي تشنها قوات الاحتلال على الضفة الغربية والقدس

أحداث دموية:

شهد عام ٢٠٢٢ أعمال عنف في الضفة الغربية، منذ أن بدأت الأمم المتحدة عام ٢٠٠٥ في إحصاء القتلى على الأراضي الفلسطينية، ففي غضون هذا العام شهدت فلسطين أعمال عنف واشتباكات نجم عنها العديد من القتلى والجرحى، كما أن التوترات التي حدثت على إثر مجزرة نابلس، تعد الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ عام ٢٠٠٥.[2]

قمة أمنية مهددة بالإلغاء:

أدت المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في نابلس إلى قيام السلطة الفلسطينية بالتلويح بإلغاء قمة أمنية، مع كل من: الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فضلاً عن مصر والأردن، والتي كان من المزمع عقدها في العقبة بالأردن، الأحد القادم، وتهدف هذه القمة إلى إنهاء التفاهمات بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال، التي أجريت منذ أيام، والتي بموجبها ستقوم السلطة بتأجيل التصويت في مجلس الأمن على قرار إدانة البناء في المستوطنات، كما أن هذه التفاهمات كانت قد ألقت بظلالها على الحد من عمليات الاقتحام التي يقوم بها الاحتلال في المدن الفلسطينية، ويتوقع محللون أن السلطة لن تُقدم على هذه الخطوة وتقوم بإلغاء القمة؛ نظراً لتدهور الأوضاع التي تمر بها البلاد، والرغبة الجادة في وضع القضية على مسار صحيح، يساعد على تخفيف وطأة الضغوط التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، والتوقف عن الانتهاكات المتكررة من قبل قوات الاحتلال. [3]

اضرابات وعمليات انتقامية محتملة:

وفي ظل هذه الأجواء الضبابية، قام الفلسطينيون بالإضراب، وإغلاق المحال التجارية، فضلاً عن المدارس وخروج الطلاب والمدرسين للاشتباك مع القوات الإسرائيلية، وتوقع مسئولون احتمالية قيام الفلسطينيين بعمليات انتقامية، ووجهت القوى الوطنية والإسلامية الدعوة لكافة جموع الشعب للخروج في الشوارع؛ احتجاجاً على الجرائم التي ترتكب ضدهم يوماً تلو الآخر.[4]

وختامًا:

لقد خيّمت حالة من الصمت الدولي، في ظل ازدواجية في المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة مع القضية الفلسطينية، حيث تغض طرفها عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ولم تفرض أية عقوبات عليها، في حين تعاملات بانتقائية وتسابقت على فرض عقوبات على روسيا جراء غزوها لأوكرانيا، فكيف للقضية الفلسطينية أن تحيا ثانية في ظل هذه الازدواجية والانتقائية العنصرية؟، حيث قرارات تنديد مستمرة، ولكن لا توجد خطوة فعلية لدحر العدوان الإسرائيلي، فتلك الحرب الروسية الأوكرانية لن يمر عليها سوى عام، وبالرغم من ذلك انهالت العقوبات على روسيا، فهل لفلسطين التي يستوطنها الإسرائيليون منذ سنوات أن يُقدم فيها المجتمع الدولي بشكل جدي على فرض عقوبات على إسرائيل للتوقف عن السياسات العدائية، خاصة في ظل حكومة نتنياهو التي تتضخم يوماً بعد الآخر؟

المصادر:

[1] كفاح زبون، “إسرائيل ترفع التأهب تحسباً لردود على مجزرة نابلس”، الشرق الأوسط، ٢٣/٢/٢٠٢٣،   https://bit.ly/3Zdkl75

[2] زياد حلبي، “غارات جوية إسرائيلية على غزة.. بعد إطلاق صواريخ من القطاع باتجاه المستوطنات”، العربية، ٢٣/٢/٢٠٢٣، https://bit.ly/3SodKEt

[3] شبكة قدس الإخبارية، ” تهدد بعدم المشاركة في قمة أمنية مع الاحتلال رداً على أحداث نابلس”، ٢٣/٢/٢٠٢٣، https://bit.ly/3Ewf56B

[4] وكالة قدس نت للأنباء، “السلطة الفلسطينية تهدد بإلغاء قمة أمنية مع الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن ومصر”، ٢٣/٢/٢٠٢٣، http://nabd.cc/t/115771000

[i] هو نظام دفاع أرضي متحرك، قامت شركة رفائيل للأنظمة الدفاعية المتطورة بإطلاقه عام ٢٠١١، وقد صمم النظام لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية، واستخدامه في التصدي للصواريخ التي تطلق على الحدود الشمالية والجنوبية لإسرائيل من المقاومة الفلسطينية.

كلمات مفتاحية