هل ستعكس زيارة الوفود العربية لدمشق موقفًا عربيًا موحدًا لعودة سوريا إلى الجامعة العربية؟

إعداد : دينا لملوم 

فى ظل العزلة الدبلوماسية المفروضة على “بشار الأسد” على الساحة الدولية، وتعليق عضوية سوريا فى جامعة الدول العربية، منذ انطلاق الثورة السورية عام ٢٠١١، واشتعالها حتى تحولت إلى حرب أهلية عارمة، أتت زيارة وزير الخارجية المصرى “سامح شكرى”؛ تضامنًا مع الشعب السورى المنكوب.

وتشير باكورة الزيارات العربية، إلى مدى انفتاح الدول العربية بعد عزلة دامت لسنوات، وجاءت زيارة الوفد البرلمانى العربى؛ لترسّخ موقفها تجاه القضية السورية، والجهود المبذولة لإعادة سوريا إلى أحضان الجامعة العربية، وكسر الحصار عن البلاد، فضلًا عن معالجة الشرخ السياسى الذى انغمست فيه الدولة السورية منذ سنوات، ولكن سرعان ما قوبلت هذه المحاولات بالرفض من قبل بعض الأطراف الدولية والعربية، وإتاحة الفرصة لموسكو لكى تلعب دور الوسيط، وتعزز من مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، أيضًا اتباع  إيران سياسة فرض الذات على عمليات المصالحة والتضامن العربى مع سوريا.

زيارة سامح شكرى لدمشق:

جرت مباحثات ثنائية بين الجانب المصرى ونظيره السورى، فى إطار المساعى المصرية الحثيثة، الراغبة فى مد يد العون للشعب السورى، وإخراجه من محنته التى دامت سنوات طوال، والمساعى الدائمة الهادفة لترسيخ الجهود الإنسانية، فضلًا عن تضامن ومؤازرة حكومة مصر وشعبها لشعب سوريا الشقيق، خاصة بعد فاجعة الزلزال، الذى خلَّف خسائر فادحة.

وتأتى هذه الزيارة بعد الاتصال الهاتفى الذى أجراه الرئيس المصرى مع نظيره السورى، فباتت الأبواب المغلقة بين الجانبين تفتح بشكل تدريجى وملحوظ؛ مما يدل على مؤشرات عودة العلاقات كاملة بين البلدين فى المجالات كافة، وبصفة خاصة بعد الدعم المصرى وتقديم المساعدات الإنسانية فى صدد محنة الزلزال، حيث توجهت العديد من السفن المُحمّلة بمئات الأطنان من المواد الإغاثية، وجاءت تصريحات “سامح شكرى”، بأن مصر قدمت ١٥٠٠ طن من المساعدات، وما زالت مصر على أتم الاستعداد للوقوف جنبًا إلى جنب الشعب السورى، ومؤازرته حتى يتخطى هذه المحنة.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الزيارة تعد أول زيارة رسمية لـ “شكرى”، منذ بدء الحرب الأهلية السورية، وتزامنت مع زيارة وفد حكومى برئاسة رئيس مجلس الوزراء “مصطفى مدبولى” إلى قطر، ضمن المساعى المصرية لإصلاح علاقاتها مع خصومها السابقين فى المنطقة.

وعلى هامش تلك الزيارة، توجّه “شكرى” إلى أنقرة؛ تضامنًا مع الشعب التركى فى محنته، ورغبة فى إزالة الجليد المتراكم على العلاقات الثنائية بين البلدين، والتى ترجع لعام ٢٠١٣، ومن ثم فتح مجالات أرحب للتعاون الثنائى، والتبادل التجارى، فضلًا عن التنسيق الأمنى والسياسى فى ملفات مشتركة فى المنطقة.

زيارة الوفود البرلمانية العربية إلى سوريا:

فى إطار الجهود العربية التى تسعى لدعم سوريا، وإخراجها من محنتها، جاءت زيارة وفد برلمانى يضم ٨ دول عربية إلى سوريا، وتعد تلك الزيارة هى الأولى من نوعها منذ تجميد عضوية سوريا فى الجامعة العربية عام ٢٠١١، ويتكون الوفد من الأمين العام للاتحاد البرلمانى العربى، ورؤساء مجلس النواب فى كل من: الإمارات، الأردن، فلسطين، ليبيا، مصر، سلطنة عمان، ولبنان.

وقد ثمّن رئيس مجلس النواب المصرى “حنفى الجبالى” الجهود الرامية إلى إعادة سوريا للمظلة العربية، كما أن هناك سعيًا مستمرًا نحو دعم سوريا إنسانيًا وسياسيًا ودبلوماسيًا؛ حتى تتمكن من الخروج من هذا المنزلق الدامى، وتعد هذه الزيارة مؤشرًا جيدًا نحو إعادة العلاقات العربية مع سوريا، وفك الحصار عن عضويتها فى جامعة الدول العربية، علاوة على ذلك محاولة إيجاد مخرج سياسى للأزمة السورية.

وقد بات واضحًا أن هناك رغبة عربية مُلحة، ليست وليدة اللحظة فى إعادة العلاقات مع سوريا، ولعل الإمارات هى من بادرت بإظهار هذه الرغبة، وذلك بعد سنوات من الصراع الدامى، بعد أن حالت الحماية الروسية والتدخل الإيرانى دون سقوط النظام، فلم تجد الدول العربية مخرجًا أمامها لإنهاء هذه الأزمة، ولم شمل ما تبقى من سوريا، سوى إعادتها ثانيةً إلى الحصن العربى، وتعد المصالح السياسية والاقتصادية المحرك الأساسى وراء تحركات الدول العربية نحو دمشق، كما أن النظام السورى يسعى من خلال هذه التحركات إلى استخدام النفوذ العربى لرفع العقوبات الاقتصادية التى فُرضت عليها خلال سنوات الحرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب.

مؤتمر الاتحاد البرلمانى ببغداد:

جاء مؤتمر الاتحاد البرلمانى العربى الـ ٣٤ المنعقد يوم ٢٥ فبراير ٢٠٢٣ فى بغداد، ليسلط العدسة العربية نحو سوريا، بعدما قرر تشكيل وفدًا لزيارة سوريا؛ من منطلق الدعم العربى للبلاد والوقوف بجانبها، وتقديم الإمكانات اللازمة لمساندتها فى تخطى نكبة الزلازل، وأكد الموقف الموحد من قبل الدول العربية ضرورة عودة سوريا إلى حصنها العربى.

مخاطر عودة سوريا إلى حصن الجامعة العربية:

ربما يشكل التضامن العربى مع القضية السورية، والرغبة فى حلحلة الأمور وإعادة الأوضاع إلى مسارها الصحيح، فضلًا عن إعادة العلاقات العربية مع سوريا بشكل كامل، محاولة إثارة غضب الولايات المتحدة الأمريكية، ودفعها إلى التحذير من عواقب إعادة العلاقات مع سوريا، خاصة فى ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها بموجب “قانون قيصر”[i] الذى نفذته الولايات المتحدة، وقد سبق وأنذرت بمعاقبة كافة الكيانات والمنظمات حال تعاملها اقتصاديًا مع الحكومة السورية، ولكن نجد أن الدول العربية التى بادرت بالحلول الدبلوماسية، ومحاولات إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، هى دول إقليمية مهمة وذات نفوذ، ومن المتوقع بشكل كبير أن يسهم هذا التكاتف العربى فى إيجاد حلًا للقضية السورية، وعدم الالتفات إلى أى تحذيرات أدلى بها الجانب الأمريكى، لما لهذا التعاون والتكاتف الوطيد من دلالات واضحة تُثمّن الجهود العربية، وتُرسخ موقفها تجاه أى محاولات اعتراضية، وسياسة بسط اليد التى ترغب فى استدامة أمد الأزمة السورية.

ونجد أنه فى ظل التخبطات والتضاربات فى المواقف العربية ما بين مؤيد ومعارض لعودة سوريا لمقعدها فى الجامعة العربية، تكون المحصلة النهائية لاحتضان سوريا مرهونة بقرار مجلس الجامعة، وما ستسفر عنه اجتماعات القمة العربية المقبلة.

ردود فعل دولية وعربية تجاه محاولات غير مُرحب بها:

أثارت محاولات العديد من الدول العربية للتطبيع مع سوريا، وإعادتها إلى مقعدها فى جامعة الدول العربية، حالة من الجدل والرفض، حيث أثارت هذه المحاولات حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، بل وانتقدت زيارة “سامح شكرى” إلى دمشق، مشيرة إلى أن موجة التواصل الأخيرة مع نظام الأسد، قد تدفع إلى فتح الباب لعقوبات أمريكية محتملة، أيضًا أكدت عدة دول غربية من بينها بريطانيا، رفضها التطبيع مع النظام السورى، إذ لابد من البدء بالحل السياسى أولًا؛ لاحتواء حالة التشرذم التى عانت منها البلاد لسنوات.

أما على الصعيد العربى، فقد عبّرت قطر الداعمة للمعارضة السورية، عن موقفها الصامد الذى لم يتغير تجاه رفض عودة سوريا لشغل مقاعدها فى جامعة الدول العربية، كما أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة فى ليبيا، رفض بلاده التام لتطبيع العلاقات مع دمشق.

مساعى روسية لتعزيز مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة:

فى ظل عمليات التضامن الإقليمى والدولى لسوريا وتركيا فى مواجهة تداعيات حادثة الزلازل الأخيرة، سعت موسكو لتسريع وتيرة مسار التطبيع مع دمشق وأنقرة، بعد وصول المباحثات بينهما بشأن خلافاتهما العالقة إلى طريق مسدود قبل وقوع كارثة الزلزال، ويعمل وزراء خارجية روسيا وسوريا، بالإضافة إلى تركيا وإيران على ترتيب اجتماع رباعى؛ لمناقشة الخلافات بين دمشق وأنقرة، ومساعدتهما فى إيجاد حلول مُرضية للطرفين، ومن ثم استعادة العلاقات الدبلوماسية لكى تتم عملية التطبيع بينهما، وإعادة علاقات حسن الجوار بين سوريا وتركيا إلى مسارها الطبيعى.

وأشار محللون إلى أن السعى وراء هذه الخطوة، ليس من منطلق قرب موعد الانتخابات فى تركيا؛ لأن ذلك مسألة ظرفية عارضة، بينما التوجه نحو التقارب السورى التركى يعد مصلحة طويلة الأمد لكلا البلدين.

تصريحات إيرانية استفزازية:

جاءت التصريحات الإيرانية عقب زيارة وزير الخارجية المصرى إلى دمشق، لتشكل استفزازًا للدول العربية، حيث أخذت تتحدث بلسان سوريا، الأمر الذى اعتبره مسؤولون تجاوزًا دبلوماسيًا، ومحاولات استفزازية من شأنها عرقلة مسارات المصالحة التى تسعى إليها الدول العربية مع سوريا، فمثل هذه العلاقات تختص بها الأمة العربية وحدها، ولا يجوز لإيران التدخل فى مثل هذا الشأن، بل إن تلك المحاولات تزيد الوضع تشابكًا وتعقيدًا، ويؤثر بشكل سلبى على مسار المحاولات الرامية إلى حل الأزمات التى تعانى منها المنطقة، ذلك الأمر الذى أدانته جامعة الدول العربية مرارًا وتكرارًا.

والأحرى بالذكر فى ظل هذه المساعى الإيرانية، أنه لا توجد خصومة مع طهران، ولكن المعضلة الرئيسية تكمن فى تدخلاتها فى شؤون المنطقة، وهو الأمر الذى يزيد المسألة تعقيدًا، ويعوق محاولات التقارب العربي.

دبلوماسية الزلازل:

قد تتحول المحنة إلى منحة، ففى ظل الصراعات والتوترات التى التهمت البلاد، وأدخلتها فى نفق مظلم دام سنوات طويلة، جاءت هذه النكبة لتحط بأوزارها، وخلّفت خسائر مادية وبشرية فادحة، جعلت الدول العربية تعيد أوراقها ثانية، وتساند الشعب السورى الشقيق، فانطلقت المساعدات الإنسانية المقدمة إلى سوريا، من قبل العديد من الدول، عربية كانت أم غربية، وتُظهر دبلوماسية الزلازل فى ذلك الصدد مدى تغاضى الدول ولو مؤقتًا عن الخلافات الدائرة بينها وبين الجانب السورى، فى سبيل تقديم الدعم الإنسانى للمنكوبين السوريين.

وربما تكون تلك المحنة هى السبب الذى سيُخرج البلاد من المعترك السياسى، ويمحو أثر الخلافات بين الدول، وقد تعمل على إذابة الجليد المتراكم على العلاقات الدبلوماسية التى تم تجميدها لسنوات، ومن ثم إعادة سوريا إلى أحضان جامعة الدول العربية مرة أخرى، وفتح الأبواب نحو حلحلة الأزمة السورية، وإعادة الأمن والاستقرار ثانية إلى البلاد.

وختامًا:

يبدو وكأن الدولة السورية بعد سلسلة الأمواج المتلاطمة من التحديات الجسام، التى اعترتها لسنوات، سوف تدخل مرحلة جديدة من التعاضد والتلاحم العربى الذى سيسهم فى حلحلة الأمور بشكل ملحوظ، وربما تشكيل ورقة ضغط على الجامعة العربية لإعادة سوريا إلى أحضانها مرة أخرى، ففى ظل هذا التعاون الجلى، قد لا يكون هناك ما يمنع عودتها.

ومؤخرًا نجد أن حادثة الزلازل قد أزالت الستار عن حالة الصمت العربى، وساعدت على كسر العزلة بين سوريا والعديد من الدول العربية بشكل تدريجى، وتسابقت تلك الدول على تقديم الإغاثة للسوريين، وربما تُنذر الأوضاع بإعادة ترتيب المشهد، وجلاء الظلام عن البلاد، إذا سعى النظام السورى بصورة جادة نحو إخراج البلاد من ذلك المنزلق الدامى، وقطع الأذرع الطويلة المتغلغلة فى الداخل السورى، والتى ما زالت تعبث بمقدرات البلاد وتجور على حقوق الشعب، لذا، فإذا سابق التعاون العربى المتدفق على سوريا، محاولة جادة وحثيثة من قبل بشار الأسد؛ لوقف أعمال العنف الموجه ضد الشعب السورى، وإخماد فتيل الحرب الأهلية التى تخطت عقدًا من الزمان، وقام بالتخلى عن الفواعل المختلفة المتمددة داخل سوريا، بل وإجلائها عن أراضيه، سوف تكون هناك نتائج مُبشّرة، وستنعم سوريا بالاستقرار عما قريب.

المصادر:

[i] قانون قيصر هو تشريع أمريكى يفرض عقوبات على نظام الحكم فى سوريا، بتهمة القيام بجرائم حرب ضد السكان السوريين.

كلمات مفتاحية