دفعة أمريكية حاشدة لمساعدة تايوان.. وبكين تشعر بالخطر

إعداد: دينا لملوم

شهدت العلاقات الصينية الأمريكية سلسلة من التوترات، التى تتفاقم بشكل مستمر، وتعد قضية تايوان الشاغل الأكبر ولب الصراع بين البلدين، فقيام “واشنطن” بدعم “تايبيه” التى تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها، وتخلى الولايات المتحدة جزئيًا، إن لم يكن كليًا عن سياسة الغموض الإستراتيجى، التى ظلت تتبعها لفترات طويلة، وقيامها بإعلان إرسال جنود إلى تايوان ودعمها عسكريًا، أثار استياء “بكين” وزاد من حدة التوترات بين البلدين، وقد توالت الأحداث التى أخذت تزُج بالعلاقات الصينية الأمريكية إلى نفق مظلم، فتلك زيارة “نانسى بيلوسى” إلى تايوان، التى أعقبها قيام “بكين” بمناورات عسكرية فى “تايبيه”، وقد جاءت أزمة المنطاد الأخيرة لتحط أوزارها، وتُشعل الغضب الأمريكى؛ مما جعل العلاقات تتدهور أكثر وأكثر.

الجذور التاريخية للعلاقات الأمريكية التايوانية:

تتمتع جزيرة تايوان بحكم ذاتى مستقل عن جمهورية الصين الشعبية منذ عام ١٩٤٩، ولكن لا يعترف باستقلالها سوى عدد قليل من الدول، ومؤخرًا أصبحت تايوان سببًا فى وقوع خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين؛ وذلك فى الوقت الذى سعت فيه “تايوان” إلى تأكيد استقلاليتها عن “بكين”، التى تسعى للسيطرة على الجزيرة وتعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الصين، واستعانت تايوان بالدعم الأمريكى؛ مما أدى إلى تدهور العلاقات بين “واشنطن وبكين” من جهة، وبين “تايوان والصين” من جهة أخرى، وبشكل خاص بعدما قامت أمريكا بفرض عقوبات على الجيش الصينى، ناهيك عن الحرب التجارية التى دارت بين البلدين.

وتحظى الولايات المتحدة بعلاقات غير رسمية راسخة مع تايوان منذ أكثر من ٤٠ عامًا، معتمدةً على ٣ قوانين واتفاقيات اعتمدتها واشنطن، ففى عام ١٩٧٩ أقر الكونجرس الأمريكى قانون العلاقات مع تايوان “تى آر إيه”، والذى يعد أساس هذه العلاقات، ويؤيد تسليح تايوان للدفاع عن نفسها، وتنبع أهمية تايوان بالنسبة للولايات المتحدة من كونها واحدة من أكبر ١٠ شركاء تجاريين، حيث يزداد الاستثمار الأمريكى المباشر فى تايوان كل عام.

وعلى الرغم من ذلك فواشنطن تعترف بكون تايوان دولة غير مستقلة، وترفض استقلالها عن الصين بشكل مطلق، كما أنها تؤيد الحل السلمى للخلافات بين الطرفين، وقد اتبعت منذ نهاية السبعينيات ما يعرف بسياسة “صين واحدة”، وبموجبها تعترف الولايات المتحدة بأن تايوان جزء من الأراضى الصينية، وتلك السياسة ظلت مبدأً حاكمًا للعلاقات الأمريكية التايوانية على مدى أربعين عامًا.

وقطعت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع تايوان، واستبدلت السفارة الأمريكية فى العاصمة التايوانية “تايبيه” بكيان غير حكومى يطلق عليه “المعهد الأمريكى فى تايوان”، أيضًا فقد تبنت سياسة “الغموض الإستراتيجى”، أى أنها لن تقوم بدعم تايوان عسكريًا حال تعرضها لغزو صينى، وهو ما يوضح مدى التناقض فى السياسات الأمريكية التى أعلنت دعمها لـ “تايبيه” عسكريًا، وفعليًا قامت بإرسال قوات أمريكية إليها.

السبب وراء الصراع بين الصين وتايوان:

يكمن جوهر الصراع بين الطرفين فى أن بكين ترى تايوان جزءًا من أراضيها، وفقًا لمبدأ “دولة واحدة ونظامان”، وبموجبه تمنح تايوان استقلالية كبيرة، مقابل إعادة توحيد الصين وعودة التايوانيين إلى الأراضى الصينية، ولكن هذا العرض رفضته تايوان، وفى عام ٢٠٠٤ أصدرت الصين قانون “مناهضة الانفصال”، والذى أعطى الحق للصين فى استخدام الوسائل غير السلمية ضد تايوان إذا ما حاولت الانفصال، وبعد تولى “تساى إنغ ون” ذات النزعة الانفصالية الرئاسة فى تايبيه، عملت على توطيد العلاقات مع دونالد ترامب، وعلى الرغم من عدم رسمية العلاقات آنذاك، إلا أن الولايات المتحدة تعهدت بإمداد تايوان بأسلحة دفاعية، وظلت واشنطن تعزز علاقاتها مع تايبيه؛ مما أثار حفيظة بكين، ودفعها إلى التحذير بعدم اتخاذ أى خطوات من شأنها دعم استقلال تايوان؛ حتى لا تتأذى العلاقات الصينية الأمريكية، ومن ضمن العوامل التى أججت من حدة التوترات بين الصين ونظيرتها تايوان، قيام بكين ببسط سيطرتها على “هونغ كونغ”، وتقليص استقلاليتها الذاتية، وإقرار قانون الأمن القومى الذى آثار جدلًا واسعًا، بجانب زيادة عمليات القمع ضد المعارضة فى “هونغ كونغ”، مما دفع تايوان إلى الحديث على أن الصين تسعى نحو تحويل جزيرة تايوان إلى “هونغ كونغ ثانية”.

زيارة بيلوسي لتايوان:

تعد هذه الزيارة الأولى من نوعها منذ ٢٥ عامًا، وتكمن أهداف هذه الزيارة فى رغبة واشنطن لتأكيد دعمها والتزامها تجاه تايوان، فضلًا عن تعزيز الديمقراطية فيها، ولكن الزيارة كانت لها أهداف خفية بخلاف المعلنة، فربما سعت من وراء ذلك إلى تشتيت الصين وإشغالها حتى تتوقف عن دعم روسيا فى حربها ضد أوكرانيا، أيضًا قد تكون هذه الزيارة بمثابة اختبار لمدى القوة العسكرية التى وصلت إليها الصين.

علاوة على ذلك، السعى إلى تعطيل مبادرة “الحزام والطريق” الصينية ، من خلال انهاكها داخليًا وخلق شكوك دولية لدى الدول التى ترتبط بها فى إطار المبادرة، حتى تتأكد زعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها ما زالت تتحكم فى موازين اللعبة الدولية، وقد كان ذلك سببًا فى زيادة حدة التوترات ثانية مع الصين، لما تزعمه أنه يمثل دعمًا للقوى الانفصالية الساعية لاستقلال تايوان، ومخالفة لمبدأ الصين الواحدة، وانتهاكًا لسيادة الصين، فضلًا عن زعزعة السلام والاستقرار فى مياه مضيق تايوان، واتخذتها بكين ذريعة لإجراء المناورات العسكرية، وتسيير الطائرات والسفن الحربية نحو مضيق تايوان، فضلًا عن وقف عمليات استيراد وتصدير بعض السلع من وإلى تايوان، ونددت بهذه الزيارة واعتبرتها اختراقًا لسيادتها على تايوان.

وردًا على هذه المناورات، حملت عناصر من سلاح الجو التايوانى صواريخ أمريكية الصنع مضادة للسفن من طراز “هاربون إيه جى ام ٨٤”، وقد أقلعت من القاعدة الجوية ليلًا فى ٦ طائرات من طراز “إف ١٦ فى”، من بينها اثنتان مسلحتان بصواريخ، وذلك فى صدد مهمة استطلاع وفقًا لما صرح به سلاح الجو التايواني[1].

أزمة الرقائق الإلكترونية:

تقود شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة قطاع الصناعة فى تايوان، باعتبارها أكبر شركة متخصصة فى هذا الشأن على مستوى العالم، ونظرًا لأهمية هذه الصناعة فإن الصين والولايات المتحدة الأمريكية أصبحا يتنافسان؛ لإحراز تقدم عالمى فيها، وتسعى واشنطن لتعزيز تنافسية دعم إنتاج أشباه الموصلات فى مواجهة الصين، وذلك عبر قيام “جو بايدن” بتوقيع قانون لدعم هذه الصناعة فى أغسطس الماضى.

وقد بدأت واشنطن فى المضى قدمًا نحو تكوين شركات وتحالفات مع تايوان واليابان وكوريا الجنوبية، فى مجال الرقائق الإلكترونية، مما أثار حفيظة بكين، ووصفته بالتآمر ضدها، وهذه الأمور تعمق من حدة التوترات بين الصين والولايات المتحدة.

وعلى الصعيد الصينى، ووفقًا للقيود التى فرضتها بكين على حركة الاستيراد والتصدير من وإلى تايوان، فقد قامت باستبعاد الرقائق الإلكترونية من السلع التى علقت حركة استيرادها من تايوان، ونجد أنه فى ظل المشاحنات وعمليات التصعيد المستمرة بين بكين وواشنطن فيما يتعلق بقضية تايوان، قد يؤدى ذلك إلى تعطيل الإمدادات العالمية من الرقائق الإلكترونية، ومن ثم إلحاق خسائر فادحة لكلا الطرفين[2].

أزمة المنطاد الصينى:

لقد انزلقت العلاقات الصينية الأمريكية إلى دائرة من الشد والجذب والتوترات التى تتفاقم بشكل مستمر، فتلك الحرب التجارية بين البلدين، ودعم واشنطن لتايوان، علاوة على ذلك فقد تدهورت العلاقة أكثر بسبب رفض الصين إدانة الغزو الروسى لأوكرانيا، وأخيرًا أزمة المنطاد الصينى الذى رصدته قوات الجيش الأمريكى، واعتبرته مخصصًا لأغراض التجسس وجمع معلومات حساسة، وذكرت أنها لم تكن المرة الأولى التى يُرصد فيها منطاد صينى فى المنطقة.

ولكن هذا المنطاد يتصرف بشكل مثير للقلق عما سبقه من المناطيد الأخرى، ولكن بكين ردت بأن هذا المنطاد مدنى يستخدم لأغراض بحثية، وبصفة خاصة فى مجال الأرصاد الجوية، وأنه انحرف عن مساره بسبب حركة الرياح[3]، وقام الجيش الأمريكى بإسقاطه فى منطقة آمنة فوق المحيط الأطلسى، وذلك بعد عدة مشاورات حتى يتم إسقاطه فى مناطق غير مأهولة بالسكان، كى لا يتسبب فى أضرار بشرية ومادية، وفى تلك الفترة كان من المقرر أن يتوجه وزير الخارجية الأمريكى “أنتونى بلينكن” إلى بكين، ولكن بعد حادث المنطاد تم تأجيل الزيارة إلى أن تهدأ الأوضاع.

وكل هذه الأمور أدت إلى حدوث أزمة دبلوماسية حادة أثرت على جهود الطرفين لتحقيق الاستقرار فى العلاقات الصينية الأمريكية.

واشنطن تحشد قواتها فى تايوان:

خططت الولايات المتحدة الأمريكية لحشد ما يقرب من ١٠٠إلى ٢٠٠ جندى فى تايوان خلال الأشهر المقبلة، بعدما قامت بنشر نحو ٣٠ جنديًا قبل عام، وتعد الزيادة التى تعتزم تزويد تايوان بها أربعة أضعاف الأعداد الحالية، كما أنها تعمل على إمداد “تايبيه” بالقدرات والإمكانات اللازمة التى تمكنها من الدفاع عن نفسها، دون استفزاز بكين، ووفقًا لتصريحات أمريكية، فإن القوات الإضافية لن تقوم بتدريب القوات التايوانية على أنظمة الأسلحة الأمريكية فحسب، بل أيضًا ستدربهم على المناورات العسكرية للتصدى لأى هجوم صينى محتمل، وتُجرى تجهيزات تايوان بمخزون لا بأس به من الأسلحة، لمواجهة أى غزو محتمل من قبل الصين، لاسيما بعد التدريبات الجوية والبحرية التى قام بها الجيش الصينى مؤخرًا حول الجزيرة[4].

وختامًا:

لقد انكشف الستار عن سياسة الغموض الإستراتيجى الأمريكى، التى انتهجتها واشنطن لسنوات، واتضح ذلك جليًا فى قيام واشنطن بإمداد “تايبيه” بالجنود، وعزمها على مضاعفة أعداد هذه القوات؛ لذا فقد باتت الشواهد تُنذر بتنافس مُحتدم ينتقل من دائرة الفعل السياسى والاقتصادى إلى دائرة العمل العسكرى، ودخلت العلاقات الصينية الأمريكية إلى منزلق من الاضطرابات والتوترات التى تزداد يومًا بعد الآخر، خاصة فى ظل تدخل أمريكا فى مناطق السيادة الصينية كما زعمت، ومن ثم قد تصبح تايوان مسرحًا لتصفية الحسابات بين الجانبين الصينى ونظيره الأمريكى، وخوض حربًا جديدة ربما الخاسر فيها هو الصين وتايوان.

والولايات المتحدة دائمًا ما تسعى للحفاظ على هيمنتها وتحكمها فى مفاتيح اللعبة الدولية، حتى لو كلفها ذلك خسارة مادية أو بشرية، واستنزاف مقدرات جيوشها، فالهدف النهائى يكمن فى السيطرة وترسيخ العقيدة الأمريكية.

ولكن ماذا يحدث فى ظل الإشارات التى تُنذر بالاختراق النووى، وعودة سباق التسلح، وبروز بعض القوى التى تسعى لزيادة الانتشار النووى، من بينها الصين؟، إلا أنها لن تلجأ لهذا الخيار، ومن غير المعقول أن تقوم أى دولة حاليًا باستخدام الأداة النووية ضد أى دولة أخرى؛ نظرًا لما سيعقبه من دمار شامل للعالم الذى أصبح يمتلك القدرة النووية.

المصادر:

[1]تايوان ترد على مناورات الصين ب”مقاتلتها الأكثر تطوراً”، سكاي نيوز عربية، ٢٥/٢/٢٠٢٣، https://bit.ly/3m5iAup

[2]تأثير أزمة تايوان على العلاقات الاقتصادية الأمريكية الصينية”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة،

30 أغسطس، 2022، https://bit.ly/3KAPE7B

[3] “المنطاد الصيني: بكين تدعو إلى التعامل بهدوء وتندد بمحاولات بعض الساسة الأمريكيين “تشويه صورة الصين“، BBC news ٢٥/٢/٢٠٢٣، https://www.bbc.com/arabic/world-64510709

Liz Friden, Greg Norma, “US sending up to 200 more troops to Taiwan as China tensions grow”, 23 February 2023, URL: https://www.foxnews.com/politics/us-sending-more-troops-taiwan-china-tensions-grow

[4]

كلمات مفتاحية