قبل وأثناء الحرب.. إستعصاء الوسائل الدبلوماسية لحل الأزمة الأوكرانية

إعداد : بسمة أنور

دخل الغزو الروسي عامه الثاني, الذي إجتاح الأراضي الأوكرانية في الرابع والعشرين من فبراير 2022م,  حيث أستطاعت موسكو من خلاله السيطرة على 4 مقاطعات اوكرانية وضمهم تحت سيادتها, فقد شهد العام المنصرم معارك طاحنة بين طرفي الصراع – موسكو وكييف- أدت لمقتل مئات الألف قبل الغزو على الحدود المشتركة بينهم, وبعده داخل الأراضي الأوكرانية والذى تجاوز 100 ألف من القوات الاوكرانية, إضافة إلى مقتل 30 ألف مدني، 180 ألف ما بين قتيل و جريح في صفوف الجيش الروسي وفق تقديرات نشرها رئيس الأركان النرويجي وتم تدمير أعداد هائلة من الأسلحة والمعدات العسكرية حيث نشرت هيئة الاركان للقوات المسلحة الاوكرانية بيان أشارت فيه إلى خسائر العسكرية  الروسية ” 3098دبابات و 6167مركبات قتال مدرعة و2086منظومة مدفعية و 437 راجمة صواريخ متعددة الاطلاق, و218 من أنظمة الدفاع الجوي”,وفي الداخل الاوكراني تم تدمير البنية التحتية للكثير من المقاطعات, مما كبد الأخيرة خسائر كبرى تصل لأكثر من 130 مليار دولار خلال عام الحرب 2022م, وكم الخسائر للطرفين في طريقه نحو الصعود.

وفي الذكرى الأولى للحرب, ألقى الرئيس ” بوتين” خطاب امام البرلمان الروسي,  والذى كان يترقبه العالم أجمع نظرا لأهميته في توقيته و مضامينه, فقد أكد  من خلاله إن أوكرانيا والغرب لم يتركوا لروسيا خيار سوى القيام بالعملية العسكرية وسعي الغرب من أجل الهيمنة, وأنهم من قاموا بشن هذه  الحرب منذ البداية, وأشار  الى ان العملية العسكرية الخاصة – كما أسماها – استهدفت التصدى لما وصفهم بالنازيين الجدد بأوكرانيا , والتي تحولت لحرب بسبب دعم الغرب لاوكرانيا بالسلاح, وأشار إلى “دونباس” بانها كانت في انتظار مساعدة روسيا لشعبها, وشدد على أن موسكو تدافع بقوة ليس عن مصالحها فقط وانما عن عالم متعدد الاقطاب,  ونبرة شديدة اللهجة وجه ” بوتين” عدة رسائل للغرب وبصفه خاصة الولايات المتحدة الأمريكية, بأنه على إستعداد كامل للدخول في حرب إستنزاف, وبالنظر إلى إعلانه أن “بحر أزوف” أصبح بحر روسيا داخليا يحمل رسالة هامة مفادها “إنتهاء الأمر بشكل قطعي” في شأن المقاطعات الأربع التي ضمتهم تحت سيادتها والتي بدأ بالفعل الأستثمار فيهم, وبالتالي فهذه المناطق لن تعود, ويكمن مضمونها أنه لا يمكن التفاوض على عودة روسيا إلى ما يسمى بخطوط 24 شباط 2022, وهذا يعني أن بوتين أغلق الأبواب أمام الغرب في هذا الإتجاه.

وقد سبق وأطلقت المستشارة الألمانية السابقة ” أنجيلا ميركل” في مطلع العام الجاري عدة تصريحات أثارت الكثير من الجدل بين خصوم أوكرانيا وأيضا حلفائها الغربيين على حد سواء, حين قالت أن “إتفاقيات مينسك لعام 2014 و 2015” كان هدفها منح “كييف” المزيد من الوقت لتعزيز قدراتها العسكرية واوكرانيا أستغلت هذه الفرصة جيدا وأصبحت اليوم أقوى مما كانت عليه أنذاك, وأن هذه الاتفاقيات كان من أهم أهدافها كسب الوقت لتسليح اوكرانيا, أى أن هدفها الأساسي لم يكن لإيجاد سبل سياسية لحل الأزمة حينذاك, مما أثار إستغراب موسكو على الرغم من أنها متوقعة ذلك من الغرب ولكنها كانت تفترض دائما أن القيادة الألمانية تتصرف “بصدق” رغم علمها أن ألمانيا داعمة لأوكرانيا مع ذلك كان يبدو لموسكو أنها كانت دائما مخلصة في جهودها لإيجاد حل قائم على المبادئ التي تم الاتفاق عليها  فى اطار عملية ” مينسك”, ولذلك فقد أشار  الرئيس بوتن فى خطابة أمام البرلمان بان ألمانيا والغرب لم يكونوا صادقين في مساعيهم للسلام ,  وهم لا يخفون أهدافهم بإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا, ووصف هذه المحادثات بأنها “مخادعة”,  ووعود القادة الغربيين كانت مجرد ذرائع لكسب الوقت لإعداد أوكرانيا للمواجهة”, رغم ان موسكو كانت منفتحة ومستعدة للحوار، وتسعى دائما للضمانات الأمنية للجميع بمساواة وعدل.ووصفها أيضا”بالمسرحية هزلية”, وأكدا أن الغرب هو من بدأ الحرب، وأن روسيا حاولت و مازالت تحاول إيقافها، وأنهم من قاموا باشعال فتيل النزاع مع أوكرانيا واستخدامها كمحاولة للقضاء على روسيا للأبد،  وأن الغرب هو المسئول الأول عن تأجيج النزاع الأوكراني وتصعيده وعن عدد الضحايا.

وبتحليل المشهد وردود الأفعال فإن حالة “غياب المصداقية” باتت هي المسيطرة على ساحة الصراع بين الأطراف والحلفاء, وعلى الرغم من تصاعد الأوضاع فإن العالم يأمل بإيجاد حل سلمي يقبله الأطراف و يتمكن من إخماد لهيب الصراع والذي قد يلتهم في طريقه الاخضر واليابس, وفي هذه الورقة البحثية سوف نستعرض, الاتفاقيات والمحادثات الدبلوماسية بين روسيا والمعسكر الغربي قبل الحرب  كمحاولات دبلوماسية لحلحلة الأزمة, و أهم المقترحات التي طرحت خلال الحرب لإحياء المفوضات الروسية الأوكرانية ولنزع فتيل الأزمة المشتعلة, وما ألت أليه الاوضاع على ساحة الصراع:

أولًا: الإتفاقيات والمحادثات الدولية قبل الغزو:

كانت الحدود الروسية الأوكرانية – قبل وقوع العملية العسكرية – حلبة صراع دموي بين الجانبين, مما أسفر عنها مقتل الألأف من الجانبين, ولذلك حاول الغرب التدخل لتهدئة التوترات الحدودية وحقن الدماء التي تراق طوال الوقت:

مينسك الأولى: تم صياغة الإتفاقية فى الخامس من سبتمبر 2014,  من قبل مجموعة الإتصال الثلاثية ” أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا”  والتى تأسست فى حزيران/ يونيو من ذات العام كوسيلة لتسهيل الحوار وحل النزاع في شرق وجنوب أوكرانيا, وقد بدأت المفاوضات فى “مينسك” عاصمة بيلاروسيا, تحت رعاية “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” , والتى تهدف إلى إحلال السلام فى شرق أوكرانيا وذلك بالتزامن مع الأحداث التي وقعت بالقرب من مدينة “إيلوفايسك” شرق أوكرانيا, وخلال المفاوضات تحدثت “إيرينا هيراشينكو” ممثلة أوكرانيا فى المجموعة الاتصال الثلاثية – التى تضم “أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي” – عن ظروف المفاوضات بعد المعركة, وقالت: ” معركة إيلوفايسك مأساة كبيرة وواحدة من أسوأ المآسي التى وقعت خلال هذه السنوات , فقد قتل نحو 300 من جنودنا, كان من المخيف جدا أثناء المفاوضات سماع أنهم يقتلون, ووجوب إتخاذ القرارات تحت هذا الضغط, كان هذا تكتيك بوتين يومها, الذي أستخدمه أكثر من مرة خلال المفاوضات اللاحقة “, وقد  نقلت وكالة ” انترفاكس أكرانيا ” عن مسئول عسكرى محلي أنه ميدانيا قتل 87 جنديا أوكرانيا فى معركة إيلوفايسك, حيث بقوا محاصرين من قبل إنفصاليين موالين لروسيا طيلة أسبوع, وعلى الجانب الآخر أعلنت موسكو مقتل مصور صحفى روسي فى شرق أوكرانيا خلال هجوم جنود أوكرانيين على قافلة من المركبات خلال قيامه بنقل الأحداث.

وقد عقدت هذه الإتفاقية  لإنهاء النزاع المدمر الذى أدى إلى تدهور العلاقات بين الشرق والغرب, ويتكون نص البروتوكول من أثنتي عشرة نقطة,  تدور حول إرساء هدنة وإحلال السلام بالمنطقة, على النحوالتالي:

  • ضمان وقف فوري لإطلاق النار الثنائي.
  • ضمان المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
  • لا مركزية السلطة، من خلال اعتماد القانون الأوكراني “بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من ولايات دونيتسك ولوهانسك”.
  • ضمان المراقبة الدائمة للحدود الأوكرانية الروسية والتحقق من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا مع إنشاء مناطق أمنية في المناطق الحدودية لأوكرانيا والاتحاد الروسي.
  • الإفراج الفوري عن جميع الرهائن والمحتجزين بشكل غير قانوني.
  • وضع قانون يمنع مقاضاة ومعاقبة الأشخاص فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في بعض مناطق دونيتسك ولوهانسك أوبلاستس.
  • مواصلة الحوار الوطني الشامل.
  • اتخاذ تدابير لتحسين الوضع الإنساني في دونباس.
  • ضمان إجراء انتخابات محلية مبكرة وفقًا للقانون الأوكراني “بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في مناطق معينة من دونيتسك ولوهانسك أوبلاست”.
  • سحب الجماعات المسلحة غير الشرعية والمعدات العسكرية وكذلك المقاتلين والمرتزقة من أراضي أوكرانيا.
  • تبني برنامج الإنعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار لمنطقة دونباس.

وخلال هذه المفاوضات فقد تمكن كل من  “روسيا وأوكرانيا” من توقيع إتفاقية هدنة وإحلال السلام فى المنطقة الحدودية , إلا أن مسلحون انتهكوا وقف إطلاق النار على الفور والنقاط الأخرى من هذه الإتفاقية فلم تتوقف الحرب فى إقليم ” دونباس ” , وقبل عقد الإتفاقية بيومين صدرت دعوات من الرئيس ” بوتن”  في 3 سبتمر 2014 , إلى خطة سلام فى أوكرانيا يمكن أن يتم الإتفاق عليها فى المفاوضات التى ستجرى بين كييف و الإنفصاليين فى المجموعة الثلاثية, حيث  وجه دعوات إلى القوات الحكومية الأوكرانية والإنفصاليين الأوكرانيين إلى وقف إطلاق النار والإتفاق على خطوط عريضة لهدنة تنهي الحرب المستمرة منذ اربعة أشهر والتي أدت إلى مقتل أكثر من  2600 شخص, وجاءت دعوته قبل إنعقاد قمة حلف شمال الأطلسى بيوم والتى أعتزم خلالها الزعماء الغربيون وعلى رأسهم الرئيس الامريكى “باراك أوباما” آنذاك تعزيز دفاعهم عن شرق أوروبا فى مواجهة العدوان الروسي, إلا ان دعوات ” بوتين” لم تحظى بدعم شامل, فقد رفض رئيس الوزراء الاوكرانى “ارسيني ياتسينيوك” خطة بوتين معتبرا أنها محاولة لخداع الغرب لتفادي العقوبات, ولتجنب قرارات لا مفر منها للإتحاد الأوروبي بهدف فرض عقوات جديدة على روسيا.

ولم يصمد الإلتزام بالإتفاقية سوى شهرين حتى بدأت الخروقات فيها فى مطلع يناير/ كانون الثاني 2015،  بعدما إندلعت إشتباكات موسعة مرة أخرى بين القوات الانفصالية والقوات النظامية الأوكرانية, وبالإضافة  لتجاهل موسكو إتفاقية ” مينسك” فلم يطبق أى بند منها, فهى لم تفرج عن الرهائن ولم تسحب قواتها وهكذا تبقى العقوبات سارية عليها , ويعتبرالممثل السابق لأوكرانيا فى مجموعة الإتصال الثلاثية “رومان بيسمريتني”  أنه يجب على أوكرانيا أن تغيرشكل المفاوضات وإلا لن يتحقق أى تقدم.

مينسك الثانية: وعلى إثر صاعد الأوضاع من جديد, نتيجة لفشل “مينسك الأولى”, تدخلت ألمانيا وفرنسا كطرف وسيط لوقف القتال وإحتواء الموقف المتأزم الذى يمكن أن يتحول إلى حرب حقيقية مع روسيا,  وهو سيناريو كارثي بذلت الدبلوماسية الأوروبية كل ما فى وسعها لتجنبه وتم  إجراء عدة مفاوضات جديدة نتج عنها حزمة إجراءات سميت ” مينسك الثانية ” في 12 فبراير 2015 , والتى تعد خارطة طريق مفصلة لحل النزاع فى أوكرانيا، عبر خطة تحتوى على 13  بند,  تبدء  بوقف اطلاق النار فى مقاطعات شرق أوكرانيا وإجراء مراقبة فعالة لسير تنفيذ وقف إطلاق النار وضرورة التقييد به بشكل صارم وتسليم الإنفصاليين الأسلحة الثقيلة من الخطوط الامامية، تحت إشراف منظمة الامن والتعاون الآوروبية, فقد  بدء الحوار حول شكل إجراء الانتخابات المحلية وفقاً للدستور الأوكراني بقانون «الحكم الذاتي المؤقت في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك», وتنفيذ عفو عام وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى جميعهم بناءعلى مبدأ «الجميع مقابل الجميع», و إستعادة الحكومة الأوكرانية السيطرة على حدود الدولة الشرقية بعد إجراء الانتخابات والتسوية السياسية الشاملة, وإجراء إصلاح دستوري يفترض اللامركزية فيه،  وتبادل الأسرى بين الانفصاليين والقوات النظامية فى أوكرانيا، والتمهيد لإنتخابات محلية مع العفو عن العسكريين، والمقاتلين الانفصاليين, كما تتضمن الخارطة بند ضمان تسليم المساعدات الانسانية بشكل آمن، والعمل على إعادة الإندماج الوطنى والاجتماعى والاقتصادى بين جميع الفئات فى البلاد، خاصة فى البقاع التى سيطر عليها الإنفاصليين، الذين تزعم آوروبا أنهم يحصلون على دعم كامل من روسيا.

وتعهدت أوكرانيا بتنفيذ تغييرات دستورية تنص على “اللامركزية”, فى مقابل سحب جميع “التشكيلات المسلحة الأجنبية”، فى إشارة إلى الدعم الروسى، وإستعادة النظام الاوكرانى  السيطرة على الحدود, ولكن  الاتفاق كان فضفاض ولا يملى على أى طرف خطوات إلزامية بعينها، وعلى الرغم من التزام المسئوليين من الطرفين بالاتفاق ظاهرياً، وقولهم إن “لا بديل عن اتفاق مينسك”، إلا أنه لا يوجد فرص حقيقية لتنفيذ الاتفاقية بالكامل على آرض الواقع، حتى بعد فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا, وقد أصر كلا من الاتحاد الآوروبى وأوكرانيا على وقف كامل لإطلاق النار قبل المضى قدماً فى تنفيذ الاتفاقية، وتمسك روسيا بمصالحها الاستراتيجية فى القرم، وأتهمت روسيا الجانب الأوكراني بعدم الوفاء بوعوده السياسية, وعلى الرغم من تراجع أعمال العنف بشكل كبير، إلا ان لازالت القوات الانفصالية تفرض سيطرتها على الآراضى التى استحوذوا عليها عند اندلاع الأزمة حيث واجه الرئيس الاوكرانى السابق “بترو بوروشينكو”، مقاومة قوية منهم وضغط دافع لمنحهم ما يكفى من الحكم الذاتى,فقد أصبح المشهد على الساحة الأوكرانية فى الصالح الروسى، حيث أن الحركة الانفصالية بأوكرانيا موالية لروسيا، ولها سيطرة على الآراضى الأوكرانية تضمن لروسيا تواجد منطقة عازلة بينها وبين آوروبا, وعلى الرغم من اتفاق الهدنة على وقف إطلاق النار، إلا  أن وقف اطلاق النار في أوكرانيا ما يزال هشاً.

وفشل ايضا, هذا الاتفاق في وقف القتال، لكن ظلت اتفاقيات ” مينسك ” الأساس لأي حلول مستقبلية للأزمة، ومازال تقييم اتفاقية مينسك مشوشاً.

لكن ومع تغيّرات الأوضاع الدولية عموماً وبتأثير هذه التغيرات على الاتحاد الأوروبي، ثم على أوكرانيا سياسياً واقتصادياً، والذي سبّب بالتوازي مع الأزمة الداخلية  في تردى الأوضاع وإنخفاض في المستوى المعيشي، تصاعدت الأصوات المطالبة للحكومة الأوكرانية بتنفيذ اتفاق مينسك، وحلّ النزاع سياسياً، مما أدى إلى سقوط الرئيس الأوكراني السابق ” بترو بوروشينكي” وتياره الذي كان معارضاً تماماً لفكرة [ الحكم الذاتي ]،  وتفوق “فلاديمير زيلينسكي”  وإستلامه مقاليد البلاد بعد الانتخابات في أيار 2019.

على الرغم من عدم الإلتزام بإتفاقية مينسك وإستمرار الإنتهاكات بشكل متصاعد ، ما تزالت هي الإطار الأساسي لجميع الأطراف المشاركة في وقف إطلاق النار، ولا يوجد منصة أخرى بديلة عنها, فيقول ” الكسندر هوغ ”  نائب رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوكرانيا: “إذا لم يتحدث الطرفان، فالبديل الوحيد هو العسكري”, وكما أكد ان الحوار بين الجانبين ما يزال مستمراً حيث تم الاتفاق على إزالة  الألغام من  12 منطقة فهذه خطوة إلى الأمام ينبغي الترحيب بها، لأن الألغام تشكل عقبة حقيقية في تحقيق المهمات الأساسية الأخرى، على الأقل، من وجهة النظر الإنسانية”, وهذا ما أكدت عليه أيضا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال كلمتها بروباعية نورماندى _ وسوف نعرضها لاحقا –   حول بحث الحلول اللازمة لتهدئة التناحر الدموي, لذا فإن الإتفاقية هى السبيل الوحيد للمضي قدما“

وجاءت بنود ال 13 أتفاقية “مينسك 2” حول الأهداف المقترحات المقترحة في الولى منها:

  • وأولها وقف إطلاق النار في دانيتسك ولوغانسك، والتقيد بذلك بشكل صارم.
  • كما نص الاتفاق على سحب الجانبين لجميع الأسلحة الثقيلة مسافة متساوية بهدف إنشاء منطقة أمنية عازلة من خط الفصل الحالي بالنسبة إلى القوات الأوكرانية ومن خط الفصل الذي حدد في أيلول بالنسبة لقوات دونباس.
  • بالإضافة إلى تأمين مراقبة فعالة لسير تنفيذ وقف إطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة من جهة منظمة الأمن: والتعاون في أوروبا من اليوم الأول للانسحاب.
  • نصّ الاتفاق أيضاً على إطلاق حوار بعد اليوم الأول من الانسحاب، حول شكل إجراء الانتخابات المحلية وفق الدستور الأوكراني وقانون نظام الحكم الذاتي المؤقت في مناطق محددة من مقاطعتي دونيستك ولوغانسك الأوكراني، وكذلك حول النظام المستقبلي لهذه المناطق وفق القانون المذكور.
  • الاتفاقية نصت على تأمين تنفيذ العفو العام، عبر بدء العمل بقانون منع ملاحقة ومعاقبة الأشخاص المرتبطين بالأحداث في دانيتسك ولوغانسك، وإطلاق سراح وتبادل كافة الأسرى والموقوفين وفق مبدأ “الجميع مقابل الجميع” على أن تنتهي هذه العملية خلال 5 أيام على الأكثر بعد سحب القوات.
  • البند السابع نص على تأمين وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين وفق الأنظمة الدولية، بالإضافة إلى تحديد أشكال الاستئناف الكامل للاتصالات الاجتماعية والاقتصادية، بما فيها التحويلات الاجتماعية مثل رواتب التقاعد وغيرها.
  • رباعية النورماندي اتفقت كذلك على استعادة الحكومة الأوكرانية سيطرتها الكاملة على حدود الدولة في جميع مناطق النزاع، على أن تبدأ هذه العملية في اليوم الأول من الانتخابات المحلية وتنتهي بعد تسوية سياسية شاملة.
  • البند العاشر نصّ على سحب جميع التشكيلات الأجنبية المسلحة والأسلحة الثقيلة والمرتزقة من الأراضي الأوكرانية تحت مراقبة منظمة الأمن والتعاون في اوروبا، ونزع تسليح جميع المجموعات غير القانونية، أما البند الحادي عشر فنصّ على إجراء اصلاح دستوري في أوكرانيا مع بدء سريان الدستور الجديد حتى نهاية العام 2015 الذي يفترض اللامركزية، بالإضافة إلى سنّ تشريعات دائمة حول الصفة الخاصة لمناطق محددة في مقاطعتي دانيتسك ولوغانسك حتى نهاية العام 2015.
  • الاتفاق على المسائل الخاصة بالانتخابات المحلية مع ممثلي المناطق المحددة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في إطار مجموعة الاتصال الثلاثية وإجراء انتخابات مع التقيد بمعايير منظمة الأمن والتعاون في اوروبا.
  • أما البند الأخير فقد نصّ على تكثيف عمل مجموعة الاتصال الثلاثية من خلال انشاء مجموعات عمل لتنفيذ البنود الخاصة باتفاقية مينسك التي من المفترض أنها تضع حداً للأزمة الأوكرانية.

لكن هذه الخطة جمدت وباءت بالفشل ، وتتهم موسكو كييف على نحو متكرر بإعاقة تنفيذها, وأشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الاشتباكات التي وقعت بين القوات الحكومية الأوكرانية وانفصاليين مدعومين من روسيا أودت بحياة أكثر من 13 ألف شخص.

رباعية نورماندي: وفى ديسمبر 2019  إنطلقت ” رباعية نورماندي “, في العاصمة الفرنسية ” باريس “, لتسوية النزاع في منطقة ” دونباس ” جنوب  شرقي أوكرانيا,  فقد عقدت القمة بين  ” ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا, حول آفاق التسوية, , وقد عقدت أول قمة فى إطار رباعية نورماندي فى 6 يونيو 2014 ,  وكان يتم النقاش بينهم حول أتفاقية “مينسك الثانية” وإلزام أطراف النزاع  ببنودها, لكن سرعان ما  يتم خرقها وتعود سلسلة اللجوء لمفاوضات جديدة لتهدئة الأوضاع وحقن الدماء على الحدود الأوكرانية.

وبدأت القمة بإجتماعات ثنائية بينهم, ثم لحقها إجتماعات القمة الرباعية التي طال إنتظارها منذ ثلاث سنوات على القمة السابقة لها, وخلالها عرضت تفاصيل النازع وطرحت الحلول على طاولة التفاوض, وبالفعل نجحت القمة فى جمع أطراف الصراع  – روسيا وأوكرانيا – لأول مرة منذ سنوات لم يلتقيا وجها لوجه, حيث كانت المهمة الرئيسية لبرلين وباريس هى تحقيق أى خطوة إيجابية كبيرة كانت أم صغيرة تتعلق بأنهاء الأزمة أو وقف إطلاق النار أو حتى تقارب الطرفين أو الحصول على وعود جديدة, ونجحا أيضا  نسبيا فى توفير أجواء وصفت ” بالواعدة ” على أساس أن تعزز نتائج هذه القمة بأخرى جديدة بعد أربعة أشهر, وحتى ذلك الوقت ينبغى على وزراء الخارجية العمل على إيجاد صيغة لتنظيم الأنتخابات المحلية فى دونباس التى تتصدر جدول أعمال القمة فى ربيع  2020 , بالإضافة إلى  موافقة القادة خلال رباعية نورماندى على تبادل الأسرى بحلول نهاية العام2019  ,  كما تم الإتفاق على  إجراء عملية فصل للقوات فى ثلاث مناطق جديدة إلى جانب قيام منظمة الأمن والتعاون الأوروبى بمهام المراقبة فى دونباس على مدار الساعة, على أن تبقى إتفاقية ” مينسك “, أساس لتسوية الصراع, مع الإلتزام الكامل بشروط وقف اطلاق النار.

وعلى النقيص, بقى الموقف الروسى ثابتا,  فقد ذكرت موسكو أنها لم تتوصل إلى إتفاق نهائيا مع أوكرانيا بشأن تمديد نقل الغاز الروسي عبرها مع تأكيد مواصلة الوزارة المعنية والمسئولين مباحثتهم بهذا الشأن, ولم يتم الإتفاق على كيفية تطبيق بنود إتفاقية مينسك”, هذا إلى جانب محدودية إمكانيات  الرئيس الأوكراني التي أخفقت عملية إثمار القمة, ذلك لأنه كان تحت ضغوط المعارضة الداخلية التى طالبت الرئيس فى إحتجاجت عارمة بعدم تقديم تنازلات, وأعلن المحتجون أن هدف  ممارسه الضغط على الرئيس لتثنيه عن إبرام إتفاقيات تناقض المصالح القومية الأوكرانية على غرار موافقة كييف على تغيير الدستور وإجراء إنتخابات في ظل الوضع القائم في دونباس دون خطوات مقابلة من الجانب الروسي, وهدد المحتجون بأن فعاليتهم قد تصبح مفتوحة إذا تجاوز “زيلينسكى ” الخطوط الحمراء ورضخ لشروط “بوتين “حسب تعبيرهم, وفى المقابل نصت إتفاقية ” مينسك الثانية ” على أن يحصل  دونباس على وضع خاص ويتغيير الدستور الأوكراني ويحصل الإقليم على إستقلالية ذاتية جديدة, ويرفع الحصار الاقتصادي وينفذ العفو العام وبعدها فقط تحصل  أوكرانيا على السيطرة على الحدود, وارادا “زيلينسكى” الترتيب فى الاتجاه المعاكس, فهو كان غير قادر على تطبيق وقف إطلاق النار فى كل المناطق فكيف سيسيطر على الحدود.

ويزيد من القلق الروسي, عدم إستقرار الأوضاع الداخلية الأوكرانية لإنها تشكل أهمية قصوى بالنسبة لها نظرا لأنها تقع على حدودها مباشرا , حيث أنها لا تريد أن يكون على حدودها خطر عصابات بعضه لا يخفى ولائه للفكر الفاشي وأخر متطرف يخدم مصالح غربية معادية لروسيا, خاصة وأن الرئيس الاوكرانى لازال على ما يبدو غير قادر على السيطرة على  الأوضاع الداخلية بالبلاد بشكل كامل ما يدفع روسيا بالقلق على أمن وجهتها الغربية.

ونتيجة لإستمرار الخلاف وعدم إستقرار العلاقات بين البلدين – موسكو وكييف – إلى جانب تأجج الأوضاع الداخلية الأوكرانية فشل تنظيم القمة  الجديدة  للمجموعة  التي كانت منتظرة لإقامتها بالعاصمة الألمانية ” برلين ” في. 2020

التهديدات الأوروبية: وخلال السنوات الأخيرة للصراع وقبل الغزو ، كثيرا ما حذرت أوكرانيا الاتحاد الأوروبي والغرب من وجود عسكري روسي كبير على حدودها الشرقية، ومن تحويل أراضي القرم إلى قاعدة عسكرية روسية ضخمة تهدد أمنها وأمن القارة والعالم, ما زاد من إحتماية حدوث حرب شاملة بين روسيا واوكرانيا, خاصة بمضاعفة موسكو لحشودها العسكرية على الحدود الأوكرانية, هذا إلى جانب زيادة تواجد حلف الناتو على الاراضى الاوكرانية  مما أجج الصراع وطال أمده الأزمة بدلا من حله.

فقد اجتمع راى اغلب الدول الاوروبية على ادانه روسيا وفرض المزيد من العقوبات عليها في حال عدم تراجعها عن التدخل في الشئون الأوكرانية واستخدام ” سياسة الوصاية”  عليها مما قد يتصاعد  الامر الى غزوها عسكريا لذا فقد اعلنت المفوضية الأوروبية على استعدادها لفرض عقوبات على روسيا فى حال التصعيد حول اوكرانيا, ووجهت كلا من المانيا وبريطانيا لموسكو عدة تحذيرات من توسعها والذى بدوره يصعد الموقف والذي يتبعه عواقب وخيمة في حال شنها هجوما عسكريا على  الأراضى الاوكرانية و انها ستدفع ” الثمن باهظا ” ولان التوغل داخل اوكرانيا سيكون من ” الأخطاء الاستراتيجية”.

وفى المواجهة, وجهت بيلاروسيا الحليفة المقربة لروسيا عدة تهديدات لاوروبا بارسال موجات وحشود من اللاجئيين والمهاجرين الغير شرعيين واعلنت عن استعدادها لنشر اسلحة نووية روسية على اراضيها ردا على خطوة مماثلة محتملة  من الناتو لنشر اسلحة نووية فى بولندا,  وكشف مسئول السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبى ” جوزيف بوريل ” بان الاتحاد الاوروبى يبحث مع الولايات المتحدة وبريطانيا امكانية فرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على روسيا إلا انه لن يتم اتخاذ اى قرارات مصيرية حينذاك.

فقد سبق, وفرضا كلا من امريكا والاتحاد الاوروبى فى يوليو 2014  عقوبات اقتصادية على روسيا استهدفت قطاعاتها فى مجال الطاقة والاعمال المصرفية والدفاع , في 2021 بحثوا امكانية اتخاذ المزيد من الاجراءات في حال غزو أوكرانيا وانهم يتاهبون للردع ودعت كييف  حلفائها الغربيين الى التحرك لمنع اى غزو روسي لها مشددة على انه من المحتمل ان يبدا الهجوم فى غمضة عين وقدرت الحشود الروسية على حدودها بنحو 115 الف عسكرى وأن حدودها تشهد حربا فعلية ومناوشات بين اوكرانيا والانفصاليين المواليين لروسيا,  وما اذا قررت روسيا غزو اوكرانيا فقد يمتد الصراع الى اوروبا , وانه اذا بدات روسيا سيناريو من اى نوع فانها ستبدا ايضا فى اتخاذ اجراءات ضد اعضاء الناتو, وفي المقابل فقد حذرت روسيا  من التوسع فى البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو في اوكرانيا وقالت انه فى حال ظهور منظومة صواريخ يمكنها الوصول الى موسكو فان الرد  الروسي سيكون بالمثل ويتسالت – موسكو –  لماذا الحاجة الى توسع الناتو قرب حدودها؟ ورفضت كل الاتهامات التى وجهت اليها بنشر قواتها على الحدود الاوكرانية لغرض عسكرى ضد أوكرانيا,  وقالت انها يستطيع نقل القوات على اراضيها كما تشاء ولا يوجد لدى بلادها اى خطط عسكرية لغزو اوكرانيا, وابدت قلقها ازاء التدريبات العسكرية الكبرى التى اجريت قرب حدودها مشيرا الى انها ستشكل تهديدا على موسكو.

فلم تنجح إستراتيجية ” العقوبات الدولية ” فى ” ردع ” روسيا فى ظل عدم مبالتها بالعقوبات  وتمسكها بالخطوط الحمراء وتشديد بوتين على أن روسيا وحدها هى من تحدد  إلى أين تصل هذه “الخطوط الحمراء” وقال أن أحد أمثلة  الخطوط الحمراء بالنسبة لروسيا هو “خلق التهديدات العسكرية من قبل الدول الغربية بالقرب من حدودها”, وجاء رد الرئيس الأمريكي “بايدن” أنه لا يحترم الخطوط الحمراء لأى طرف بشأن أوكرانيا, خاصة بعد أن تم رصد حشود عسكرية روسية هائلة فى 4  مواقع قرب أوكرانيا رصدتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA بالأقمار الصناعية كتخطيط روسي لإحداث هجمات متعددة ضد أوكرانيا خلال الشهور الأولى من العام الجديد 2022 وعلى الجانب الأوكراني, فإنه لم يقدم أى تنازلات ولم تراجع عن أهدفه بالأنضمام لكتلة الناتو ؟

المباحثات الهاتفية بين ” بايدن و بوتين “: وقبل الغزو بأيام,  أبدت روسيا إستعدادتها لبدء المفاوضات على وجه السرعة حول مسودتي الوثيقتين الروسيتين بشأن الضمانات الأمنية القانونية التى تشمل بنود حول ضمانات أمنية متبادلة في أوروبا بما في ذلك عدم نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في مناطق  الوصول إلى أرض الخصم وتخلى الحلف عن مواصلة توسعه,  وبالفعل قام الرئيس بوتين بدعوة الناتو إلى بدء مفاوضات جوهرية تهدف إلى تزويد روسيا بضمانات أمنية موثوقة وطويلة الأجل وأوضح أن هذه الضمانات القانونية الموثقة هى أهم ما تريده موسكو, لأنه يرى أن نظرائه الغربين لم يفوا بإلتزامتهم الشفوية.

وظلت موسكو فى حالة إنتظار وشغف لأى رد من الولايات المتحدة والناتو على مقتراحاتها فى اسرع وقت ممكن,  لكن لم يحدد كلا من واشنطن والناتو مواعيد للرد عليها, وصرحت موسكو بأن إمتناع الناتو والولايات المتحدة عن الرد على مطالب روسيا  فى شأن الضمانات الأمنية ذلك يمكن أن يؤدى إلى دورة جديدة من المواجهة.

وعلى صعيد الولايات المتحدة الامريكية من جانبها رفضت دور الوصاية التي تمارسه روسيا على الدول المستقلة عن الإتحاد السوفيتي السابق  وخاصة اوكرانيا, وقيامها بإملاء مستقل هذه الدول.

وقام الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرج ” مع نظيره وزير الخارجية الأمريكي ” أنتوني بلينكن ” ببحث التطورات الأخيرة خاصة في مرحلة الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية وأبدوا قلقهم المشترك وتم مناقشة نهج  المسار المزدوج لحلف الناتو تجاه روسيا, وأشار إلى أن حلف الناتو لا يزال جاهزا لإجراء حوار هادف مع روسيا وإنه يقف موحدا للدفاع عن الحلفاء وحمايتهم, وأعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن هناك عزما قويا من جانب قوات الحكومة الاوكرانية والقوات قي شرق أوكرانيا على الالتزام الكامل باجراءات تعزيز اتفاق وقف اطلاق النار الصادر في 22 يوليو 2020.

وعلى صعيد أخر, تم التواصل الأول بين واشنطن وموسكو في مطلع ديسمبر 2022 عبر مكالمة هاتفية أجريت بينهم لبحث مستجدات الاوضاع على الحدود الأوكرانية لكن لم يقدم بايدن أى تنازلات لنظيره الروسي, ليخفف من الحشد العسكري على الحدود مع اوكرانيا, وأكدت أمريكا لحلفائها بأنها ملتزمة بالبند الخامس من معاهدة حلف الناتو والذى تنص على ان ” اى هجوم على احد اعضاء الحلف يعتبر هجوما على جميع اعضاءه”, وطمئنت أوكرانيا بانها ثابتة على التزامها بسيادتها وسلامة اراضيها, و انها بجانب الحلفاء سيردون باجراءات اقتصادية وغيرها من الاجراءات القوية فى حالة حدوث تدخل عسكري من الجانب الروسي.

وفى أواخر شهر ديسمبر أجريت مكالمة هاتفية ثانية, طلب اجرائها الرئيس بوتن حيث بداء الرئيسيين بالاشارة الى دعمهما مسار دبلوماسى لحل الازمة الاوكرانية بدعم الغرب  واكد خلالها الجانب الروسي على عدم تهديده لاوكرانيا بل انه يقوم بحماية نفسه من اى عداء محتمل من الغرب الذى يدعمون كييف ولا سيما في نزاعها مع الانفصاليين المواليين لروسيا في شرق البلاد, ولكن كرر الرئيس الامريكي تحذيره من رد  قوي للولايات المتحدة  اذا حدث اى غزو  عسكرى لاوكرانيا.

وكانت روسيا تتطلع الى نتائج ملموسة في محادثات كانون الثاني/يناير 2022 والتي تم الاتفاق على عقدها في مطلع العام المنصرم في جينيف ,وفي المقابل طالب البيت الابيض روسيا بخفض التصعيد على الحدود الاوكرانية لتهدئة الاوضاع ولوح لنظيره الروسي بفرض عقوبات لم يشهد مثلها من قبل في حال إجتياح اوكرانيا, وعقبت موسكو على تهديدات واشنطن خلال المكالمة أن هذا سيكون خطا جسيم وقد يؤدي الى نتائج خطيرة ان لم تكن الاخطر وتامل الا يحدث ذلك.

وإلى جانب حث بايدن نظيره الروسي على تهدئه التوترات مع اوكرانيا وضع مساريين:

احدهما : الدبلوماسية والتخفيف من التصعيد.

والاخر: للردع , بما في ذلك التكاليف والعواقب الخطيرة مثل العقوبات الاقتصادية وتعزيز موقف قوة الناتو والمساعدات العسكرية الاوكرانية وما لا يحمد عقباه.

وبتقييم هذه المكالمة الأخيرة , فانها لم تاتى بجديد في مسيرة الحلول الدبلوماسية بل تضمنت  اعادة تاكيد مواقف كلا الدولتين بما في ذلك تحذيرات واشنطن المتكررة  لموسكو من عواقب وخيمة تنتظر روسيا فى حال عدوانها على السيادة الاوكرانية, ولذا فان هذه المكالمات الهاتفية قد باءت بالفشل ولم تستطيع خفض درجات التوتر السياسي.

محادثات  يناير 2022: عقب المحادثات الهاتفية  السابقة بين ” بوتين وبايدن ” تم الإتفاق على إجراء محادثات أخرى بين البلدين فى 10  من يناير/ كانون الثاني 2022 بجينف لمناقشة الأزمة الأوكرانية, ومن ثم يليها إجتماعين أخرين فى 12  و  13 كانون الثاني/يناير 2022 مع موسكو, فقد تقرر عقد الإجتماع الأول مع ” حلف شمال الأطلسي ” والثاني مع ” منظمة التعاون في أوروبا ” والتي تضم فى عضويتها الولايات المتحدة الأمريكية, وسوف يعرض كلا الطرفين على الطاولة مخاوفة وإقتراحته  لحل الأزمة, وأكدت “واشنطن” على أن مصالح أوكرانيا ستكون حاضرة فى أى إتفاق  يتم التوصل إليه  ولن تتجاهلها, وخلال المحادثة بينهم سيتم النقاش حول الأوضاع على الحدود الأوكرانية وأنشطة روسيا العسكرية بالمنطقة الحدودية, وكانت موسكو تسعي إلى تركيز الحوار حول قائمة المطالب بالضمانات الأمنية التي سبق وقدمتها لحلف الناتو والولايات المتحدة الآمريكية, وكان من المتوقع عدم التوصل  إلى إتفاق في يوم واحد.

وواجهت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون عقبات خلال المحادثات مع موسكو في مقر حلف الناتو في بروكسل، سعيا لتجنب نزاع جديد في أوكرانيا, وقد عبر أمين عام الناتو عن رفض دول الحلف مطالب روسيا المتعلقة بنظام أمن جديد في أوروبا, وأنه سيكون من المستحيل لأعضاء الحلف، البالغ عددهم 30، الموافقة على المطالب الجوهرية لموسكو المتعلقة بنظام أمن جديد في أوروبا، خصوصا على أنه لن يكون لروسيا حق تعطيل انضمام أوكرانيا المحتمل للحلف في نهاية المطاف, ولذا كانت  جميعها صعبة ووصفت بأنها مخية للآمال, والذى لحقها وقوع الغزو الروسي الفعلي.

حراك دبلوماسي أثناء الحرب ” فرص السلام”:

منذ وقوع الغزو , كان هناك حراك دبلوماسي  في ظل التناقض والتباعد وزيادة حدة الإقتتال والتسليح كمحاولات للوساطة, وكلما ولدت فرصة للسلام وأدت في مهدها, وذلك لتمسك كل طرف بشروطه المتناقضه تماما مع شروط الطرف الاخر لقبول التفاوض, وفى وقت لاحق حذرت بريطانيا من استغلال روسيا مفاوضات السلام لإعادة بناء جيشها، وسط تصريحات ودعوات دولية لإيجاد حل سلمي للأزمة، ثم تقوم بالاعلان عن فشل المفاوضات مع الغرب, ولذا أخفقت جميع المقترحات التي عرضت على طرفي الصراع أثناء الحرب, , وكان أخر هذه المحاولات المقترح الصيني,  والذى وضع خطته للحل وأكد على دعم مساعي التسوية السلمية, وأبدت الصين أستعداها لمواصلة العمل مع المجتمع الدولي للقيام بدور بناء في حل الأزمة الأوكرانية سياسيا على أساس ” الورقة المقترحة”.

و حثت “بكين” طرفي الصراع إلى ضرورة إستئناف الحوار المباشر بينهم في أسرع وقت ممكن, وأكدت أن التفاوض هو الطريق الوحيد لحل الأزمة, وجاء الإقتراح مكون من 12 بندا, أعلنته الخارجية الصينية في الذكرى الأولى للحرب الأوكرانية, وأصدرت قبلها بأيام ورقة بعنوان”مفاهيم بشأن مبادرة الأمن العالمي” أدرجت 20 اتجاها رئيسيا للتعاون لإظهار خريطة طريق واضحة لتحقيق الأمن العالمي، وقدمت الورقة التي توضح الموقف الصيني من حل الأزمة الأوكرانية سياسيا 12 مبدأ , وهى كالتالي:

البند الأول : على ضرورة احترام سيادة كافة الدول، وأن “جميع الدول متساوية، بغض النظر عن حجمها أو قوتها أو ثروتها”، وأنه يجب تطبيق القانون الدولي بشكل موحد والتخلي عن المعايير المزدوجة.

البند الثاني : نبذ عقلية الحرب الباردة. أشارت الوثيقة إلى أنه “لا يمكن ضمان أمن دولة ما على حساب أمن الدول الأخرى، ولا يمكن ضمان الأمن الإقليمي من خلال تعزيز الكتل العسكرية بل وتوسيعها”، وأنه من الضروري “احترام المصالح المشروعة والهواجس الأمنية لجميع البلدان ومعالجتها بشكل مناسب”.

البند الثالث : وقف القتال والصراع. أوضحت بكين أنه “لا رابح في الصراعات والحروب”، وأنه يجب على جميع الأطراف التحلي بالعقلانية وضبط النفس، وعدم صب الزيت في النار، وعدم السماح بمزيد من التصعيد وخروج الأزمة الأوكرانية عن السيطرة، مؤكدة الحاجة إلى استئناف الحوار المباشر بين موسكو وكييف في أسرع وقت.

البند الرابع : إطلاق مفاوضات السلام. شددت الوثيقة الصينية على أن “الحوار والمفاوضات هما السبيل الحقيقي الوحيد للخروج من الأزمة الأوكرانية”، وأنه يجب تشجيع كل الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمي وتهيئة الظروف وتوفير منصة لاستئناف المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.

البند الخامس : حل الأزمة الإنسانية. دعت الوثيقة الصينية إلى دعم كل الإجراءات التي من شأنها تخفيف آثار الأزمة الإنسانية، مع التزام العمليات الإنسانية “بمبادئ الحياد والعدالة” وتفادي تسييس القضايا الإنسانية.

البند السادس : حماية المدنيين والأسرى. دعت بكين إلى الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي وعدم استهداف المدينيين والمواقع المدنية، وحماية حقوق الأسرى، معربة عن دعمها لتبادل أسرى الحرب بين موسكو وكييف.

البند السابع : الحفاظ على سلامة المحطات النووية. أشارت الوثيقة إلى الحاجة إلى مواجهة الهجمات المسلحة على المنشآت النووية السلمية مثل محطات الطاقة النووية، ودعت لدعم “الدور البناء” الذي تلعبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تعزيز أمن المنشآت النووية.

البند الثامن : التقليل من المخاطر الاستراتيجية. أكدت بكين عدم جواز استخدام الأسلحة النووية أو شن حرب نووية، ودعت بكين إلى مكافحة استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وضرورة منع الانتشار النووي.

البند التاسع : ضمان تصدير الحبوب. دعت الصين جميع الأطراف إلى الامتثال لاتفاقية نقل الحبوب عبر البحر الأسود، لافتة أيضا إلى مبادرة التعاون الدولي في مجال الأمن الغذائي التي اقترحتها الصين والتي “يمكن أن توفر حلا حقيقيا لمشكلة أزمة الغذاء العالمية”، حسب الوثيقة.

البند العاشر : التخلي عن فرض العقوبات أحادية الجانب. أكدت بكين أنها لا توافق على إساءة استخدام العقوبات الأحادية في سياق النزاع الأوكراني، لأن القيود لا تساعد في حل الأزمة، بل تحدث مشاكل جديدة.

البند الحادي عشر : ضمان استقرار سلاسل الصناعة والإمداد. دعت الصين إلى معارضة تسييس النظام الاقتصادي العالمي واستخدامه كأداة وسلاح.

البند الثاني عشر : إعادة الإعمار بعد النزاع. أكدت الصين استعدادها للمساعدة والقيام بدور بناء في إعادة الإعمار في منطقة الصراع في مرحلة ما بعد النزاع.

وجاءت ورقة “مفاهيم بشأن مبادرة الأمن العالمي” مركزة  على بعض المنصات المهمة، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لتعزيز تنفيذ مبادرة الأمن العالمي، وبالتالي تحويل المبادرة إلى إجراءات ملموسة, وناقشت سبل التعاون الرئيسية والآليات التي تحافظ على التعاون الأمني العالمي وتعززه، مما سيساعد البلدان الأخرى على التفكير بعمق في كيفية التعامل مع التحديات الأمنية المشتركة والعمل مع الصين للحفاظ على السلام العالمي وتعزيز الأمن العالمي.

فقد ركزت الورقتين على التسوية السياسية للقضايا الشائكة مثل الأزمة الأوكرانية من خلال الحوار والمفاوضات, والتي تفيد جميع الأطراف وستؤدي إلى السلام واستئناف الحوار المباشر في أقرب وقت ممكن، ومناقشة مخاوفهما المشروعة في المفاوضات، وتحديد الخيارات الممكنة، وإعطاء فرصة لإنهاء الأزمة في وقت مبكر، وإعادة بناء السلام, ولكن تباينت ردود الفعل الدولية, تجاهها:

ألمانيا: فجاء تعليق الرئيس الالماني ”  فرانك فالتر شتاينماير” بانه يتتضمن امور ايجابية, ولكنه شكك بامكانية ان تلعب الصين دورا بناء فى حل الازمة, إلا أن وزير  الدفاع الألماني قال ان بلاده ستحكم على الصين من خلال أفعالها وليس أقوالها في ظل تقارير دولية تشير الى عزم بكين بتزويد روسيا بطائرات مسيرة للقتال

اوكرانيا: والرئيس الاوكراني ”  فولوديمير زيلينسكي” بدوره رحب بالمبادرة الصينية واعلن اعتزامه عقد اجتماع مع نظيره الصيني وشدد على أنه يجب احترم وحد الاراضى ويجب ضمان مغادرة روسيا لكافة الأراضي الاوكرانية, وفي المقابل وأد مستشار “زيلنسكي”  الفكرة في وقت مبكر وقال أن أى خطة تقضي بوقف إطلاق النار فقط لا تتعلق بالسلام بل بتجميد الحرب’

أمريكا: أكد وزير خارجيتها ” أنتوني بلينكن” أن بلاده تدرس المبادرة وترحب بانهاء الحرب مع التشديد على السيادة الاوكرانية, غير ان الرئيس “بايدن” اعتبر فكره تفاوض الصين على نتائج الحرب فى اوكرانيا “غير عقلانية” خاصة وأن ترحيب بوتين بالمبادرة ليس مؤشرا جيدا.

روسيا: رحبت بالوثيقة ووصفتها بالصادقة, وأكدت أنها تشاطر بكين طرحها للتسوية وتلتزم باحترام ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي الانساني والامن الشامل, بما لا يعزز أمن دولة على حساب دولة أخرى أو فريق من الدول على حساب أخر.

الناتو: يرى أن الصين لا تتمتع يكثير من المصداقية لانها لم تكن قادرة على ادانة الغزو غير المشروع لاوكرانيا.

مفوضية الاتحاد الاوروبي: وعدت بانها ستنظر الى المبدأ ولكن بخلفية ان الصين قد انحازت الى احد الجانبين.

وفى ظل هذه المواقف المتباينة, لم يرفض “المقترح الصيني “مباشرا من الغرب ولكنه ينظر اليه بانه  جاء عام  لا يعكس ما تطالب به البلدان الغربية, فبديهيا القوانين الدولية  تنص على احترام المدنيين وتحث على عدم استخدام الاسلحة النووية, هذه قضايا عامة ومنطقية.

فقد تكون الصين بتقديمها لهذا المقترح تريد أن تبدي عدم  استعدادها للتورط فى النزاع وأنها تفضل أن تكون وسيطا, ولكن نرى أنه نظرا لدعمها الكبير لموسكو  قد تريد تجميد الحرب – كما أشار مستشار زيلنسكي -لمنح روسيا مزيد من الوقت لإعادة تاهيل قواتها العسكرية لمواجة الدول الكبرى, هذا الى جانب  مساعدته  – المقترح الصيني – لروسيا في الحفاظ على الاقاليم الاربعة  واحكام  قبضتها الامنية عليهم,  وواشنطن لن تقبل ببقاء موسكو  فى هذه المناطق, لان الاخيرة قد تستخدمهم مستقبلا لشن هجمات جديدة على اوكرانيا ولذلك لا يمكن وثوق الولايات المتحدة فى المقترح الصيني, وقد طالبتها ألمانيا بتعديل موقفها لتكون أكثر اهلية للعب دور الوساطة للسلام.

وفي كل محاولة سياسية لحلحلة الأزمة نحو التهدئة والجلوس على طاولة المفاوضات, يقدم الطرفيين شروطهم الثابتة لإقرار السلام, فقدمت روسيا عدة شروط رئيسية لم تتنازل عنها مهما كلفها الأمر وهي: الإحتفاظ بالإماكن الأربع التي ضمته إليها بخلاف أيضا شبه جزيرة القرم, تعديل الدستور الأوكراني بحيث ينص على نبذ الانضمام لأي تكتل عسكري، في إشارة لحلف شمال الأطلسي والعودة لسياسة الحياد.

وجاءت شروط أوكرانيا متناقضة تماما مع الشروط الروسية, حيث  حددت شرطها الرئيسي بأن تسحب موسكو قواتها من كافة أنحاء أوكرانيا، مؤكدا أن السلام سينطلق من هذه النقطة, إلى جانب توفير ضمانات أمنية لها كشرط للسلام، وضرورة أن تتضافر الجهود الدولية لمنع موسكو من شن عدوان مسلح عليها في المستقبل, ولكن الدب الروسي يرى أنه يجب ألا يخسر الحرب كضرورة للسلام، ودعا اوكرانيا أن تستسلم، وإلا فإن الحرب ستستمر.

مؤشرات التصعيد:

فالجهود الدبلوماسية شبه مستحيلة من أطراف تقدم السلاح والسلام فى ان واحد, فالصين وايران يقدمان السلاح لروسيا اما امريكا والناتو يدعمان اوكرانيا, ولذلك تنتقد الصين لانها تقدم السلاح لروسيا وتلعب دور الوسيط, ونجد الولايات المتحدة متحمسة دائما للحرب أكثر من السلام فيما يتعلق بهذه الازمة, فقد قامت قبل الحرب  بتشجيع اوكرانيا ودعمها في التمسك برغبتها بالأنضمام للناتو وتمارس الضغط عليها لعدم قبول اى تسوية سلمية سواء قبل الحرب أو أثنائها.

وعلى ما يبدو لن يقبل الطرف  الروسي بأى وساطة من الغرب والولايات المتحدة لانه فقد الثقة فى دولا كانت  تعد وسيطا مقبولا لديه قبل الحرب وهم “بريطانيا وفرنسا والمانيا”, لكن تغيير الامور بعدها,   حيث انكشفت حقيقة نواياهم من المفاوضات التى لعبوا دور الوسيط بها, فالان روسيا تتطلع الى دول أكثر حيادا, ولن تقبل وساطة الغرب وخاصة الولايات المتحدة, لتورطهم في الحرب بدعم أوكرانيا بالسلاح, وذكرت أن أحد الأسباب الجوهرية لحربها هو التصدي لانتشار النازية الجديدة في أوكرانيا، داعيا إلى “ضرورة نزع السلاح واجتثاث النازية”.

وما زاد الأزمة تعقيدا وأرتفاع خطر التصعيد الميداني, إعلان وزير الدفاع الالمانى ” بوريس بيستوريوس” انه سيتم بحث اجراء مناورات عسكرية مشتركة قريبا فى بولندا مع واشنطن ووارسو وانها رسالة قوية لروسيا مفادها ان حلف الناتو بات أقوى واكثر اتحادا,  وجاء هذا الاعلان بعد ايام قليلة فقط من تصريحات لنائب مجلس الامن الروسي ” ديمتري ميدفيديف” , والتى قال فيها ان روسيا قد تضطر للوصول إلى بولندا لحماية حدودها من التهديدات الغربية تجاه بلاده, فمخاوف اى تطورات عسكرية على الجبهة الشرقية للناتو من قبل روسيا قد يزيد من احتمالية التحشيد العسكري للناتو فى دول شرق اوروبا.

فهذا الحراك العسكري, يبدو أنه جاء ردا على تصريحات موسكو بانها ستجقق النصر فى اوكرانيا ولوحت بالإستعداد للمضى قدما حتى حدود بولندا, وهو ما يبدو ردا منها على تسهيل بولندا عمليات تسليم الاسلحة الغربية الى الجيس الاوكراني,

وهذه التصريحات الروسية دفعت دول حلف الناتو وارسوا للاستعداد لاى خطر وشيك الوقوع على الجبهة الشرقية للناتو, وما تشهده اوروبا الشرقية الان من تعزيزات عسكرية يوضح ان الخطر يتصاعد وحجم التحديدات بات اكبر.

وعلى صعيد أخر, فقد تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وبعض دول حلف الناتو ومنهم “أستوانيا” حيث اتهمتها موسكو بانها تشيع “رهاب روسيا, ولمطالبتها مع جارتيها فى منطقة البلطيق “لاتفيا وليتوابيا”  لإلمانيا بإرسال دباباتها القتالية من طراز ] ليوبارد [ لدعم اوكرانيا فى مواجهة الغزو الروسي, وانضمامها – استوانيا- مع حلفاء  اخرين  بارسال المزيد من الاسلحة لاوكرانيا.

وجاء تصعيد روسي ردا على زيارة ” بايدن” لأوكرانيا وتوقيعه معها على حزمة مساعدات عسكرية جديدة , رغم المحاذير الكبيرة من خطورة هذه الزيارة إلى أنه – بايدن – أصر عليها لتكون رسالة قوية لموسكو مفادها أن أن واشنطن لن تتراجع عن الوقوف مع كييف, لقرب, وعقبها أعلنت موسكو تعليق مشاركتها في معاهدة “نيو ستار” النووية, وهى الإتفاقية التي فقد وقعت ا بين موسكو وواشنطن فى 2010 لخفض عدد الرؤوس النووية ومنصات الاطلاق, حيث أن طرفي الاتفاقية يملكان 90% من مجموع الاسلحة النووية فى العالم, وترجع اهمية هذه الاتفاقية فى انها الوحيدة المتبقية لمراقبة الاسلحة النووية بينهما بعد انسحابهما من معاهدة الاسلحة النووية متوسطة المدى عام 2019م, وهذه الأخيرة كانت موقعة بينهما عام 1978, أما الان بعد تعليق موسكو مشاركتها في معاهدة ” نيو ستارت”  فلم يعد هناك اى اتفاقية لمراقبة الاسلحة النووية بينهما.

ختامًا

جذور الصراع  بين روسيا وأوكرانيا عميقة، لكن أساسها هو  أن موسكو  لن تتقبل إستقلالية كييف بشكل كامل و فقدنها الولاء الأوكراني لها كحليفة مقربة, بتنازل كييف عن سياسة الحياد التي أٌسست عليه دستورها الإستقلالي,  ورغبتها الملحة – كييف – فى الأنضمام إلى حلف الناتو وهذا من شأنه سيجعل روسيا محاصرة سياسيا وإقتصاديا وعسكريا,  لذا قامت بإستعراض قدراتها العسكرية , كرسائل موجها إلى حلف شمال الأطلسي بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إلى أن يصل تمدده إلى عتبة دارها, , فلم تعطي روسيا أدنى إهتمام للتهديدات والعقوبات الدولية التى لوح بها المجتمع الدولى, وأقدمت على غزو الأراضي الأوكرانية وضمت 4 مقاطعات إلي سيادتها بالإضافة الى القرم التى أستولت عليها عام 2014,  و رفضت أى تفاوض فى مرور مسألة إنضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي ,  ولم تنجح ” الوسائل السياسية ” فى إيجاد حلول لهذه الأزمة, وبات الخيار العسكري هو الحل الوحيد أمام موسكو.

ولا يوجد تقيم دقيق وواضح المعالم حتى الآن, من المتقدم فى طريق الفوز بالحرب على الرغم من ان روسيا استطاعت السيطرة على اربع مقاطعات ولكنها خسرت معاركها فى الاستيلاء على العاصمة كييف و فشلت في تطويق خاركيف,  في حين أستطاعت أوكرانيا مواجهة العدوان الروسي بالأسلحة الغربية, ولكن موسكو  تقدمت في “باخموت ” من خلال قواتها إلى جانب قوات “فاغنر” وتقلصت فرص وإمدادات الجيش الأوكراني في هذه المنطقة, فتطورات الاوضاع في هذه المنطقة لصالح موسكو أدت لتحطيم معنويات الجيش الاوكراني, وقد تكون مرحلة خطيرة تضغط على الرئيس الأوكراني للخضوع للتفاوض مع روسيا, فهناك إستنزاف قوى للجيش الأوكراني كعتاد بشري, لذلك طالب ” زيلنسكي” من الولايات المتحدة أن يرسلوا جنودهم و أبنائهم وبناتهم للدفاع عن أوكرانيا, لأنها ليس في حاجة فقط إلى السلاح ولكنها في أشد الحاجة للعتاد البشري,

 فيصعب التكهن بأمد هذه الحرب وخاصة وأن روسيا تقول أنها ذاهبة حتى تحقيق أهدافها والغرب يدعم أوكرانيا عسكريا مما يساعدها في الصمود أمام العدوان الروسي,مما يمنعها من الإستسلام أو الجلوس إلى  طاولة المفاوضات, ونستنج من ذلك أن أمد هذه الحرب يعتمد على شقين, الأول: العمليات العسكرية التي تقرر روسيا القيام بها, والثاني: حجم الاسلحة المستخدمة, هذا إلى جانب ما ستأول إليه الأوضاع فى حال هجوم روسي واسع النطاق, وحجم الهجوم المضاد, فلا يمكن التكهن بدقة نتيجة الحراك العسكرى الذى وصل الى بولندا وهل سيتوسع مستقبلا إلى أماكن أخرى, هذا ما ستجيب عنه تتطور المشهد

ومن المرجح تمديد زمن الحرب وإستمرار حرب الإستنزاف بين طرفي الصراع,  خاصة بعد أن أغلق “بوتين” باب التفاوض على عودة الأراضي الأوكرانية التي قام بضمها إليه, وأكد على أنها أصبحت أراضي روسية تقع تحت سيادته ولن تعود, وهذا لن تقبله أوكرانيا  على الإطلاق, وفى خطاب بوتين – في ذكرى الحرب  – يلاحظ جليا حجم  الاصرار الروسي على المضى قدما فى المعركة, هذا الى جانب إعلان موسكو  استعدادها للدخول في حرب استنزاف, ولذا بالمؤشرات المتصاعدة تتجاه نحو الأمد الطويل للحرب ودخولها في نطاق أوسع, خاصة أن هذه الحرب يقف خلف ستارها أيديولوجيات ومصالح عدة وأهمها الولايات المتحدة والتي دفعت موسكو للوقوع في الفخ الأوكراني بمساعدة الناتو من خلال العبت بفنائها الإستراتيجي, وعلى الشق الأخر, فالمقاومة الأوكرانية ستتجدد وتستمر بالدعم الغربي, إلى جانب توسع موسكو لعملياتها العسكرية.

فالجمع خاسر في المعركة, موسكو ستزداد خسائرها العسكرية وتتصاعد فاتورة العقوبات الأقتصادية عليها, أوكرانيا بزيادة حجم الدمار الهائل الذى يتمدد بأرجائها ستتكبد خسائر طائلة على كافة الأصعدة,  هذا إلى جانب زيادة المعاناة الأقتصادية الاروبية من تداعيات الحرب طويلة الأمد, ومحاولات واشنطن تضيق سبل السلام لتشبثها بالأحادية القطبية, ففي ظل الحسابات وتشابك مصالح أطراف مختلفة تتصاعد نيران الحرب والتي قد تتحول في المستقبل من حرب بالوكالة على المسرح الأوكراني إلى حرب مباشرة مع الناتو.

مع إحتمالة ان تختلف موازين المعادلة , نظرا لأن بوتين قد يتخد خطوات غير متوقعه بأن يطلب العودة لطاولة المفاوضات بهدف إحراز أهداف جديدة في مرماه, لأنه إذا لم يحقق أهدافه من التفاوض لدية القدرة على إختراق المعاهدة, وبالنظر للخلف نجد روسيا لديها سجل حافل بإخترق المعاهدت الدولية, ومن بينهم انتهاكه ” معاهدة الحدود الدولية المعترف بها دوليا بين موسكو وكييف ومعاهدة هلنسكي واتفاقية بودابست”, وعلى صعيد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها العام المقبل, فكان للأزمة الأوكرانية إنعكاس كبير على هذا السباق, فهناك مؤشرات كبيرة تدل على عدم رضاء الشعب الأمريكي لسياسته الخارجية وخاصة الأنفاق اللامحدود لدعم أوكرانيا لمواجهة موسكو, مما ادى ألى تراجع شعبيته , وفي المقابل تعهد ترامب فى حال فوزه بالسباق بحل الأزمة والتي وصفها بالحرب الكارثية في غضون 24 ساعة وقبل أن يصل إلى البيت الأبيض, فهل سيتغير الدور الذى تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الأوكرانية بفوز “ترامب” من المؤجج للحرب إلي الوسيط الذي يسعي للسلام ؟ .. هذا ما ستجيب عنه الإدارة الأمريكية التي ستتولى الحكم في العام القادم.

كلمات مفتاحية