الدور المتنامى للظاهرة الإرهابية فى غرب إفريقيا

إعداد/ جميلة حسين محمد

لا يزال العمل الإرهابى فى مختلف أنحاء العالم يمر بفترات هبوط وصعود طبقًا لمجموعة من المحفزات والعوامل التى تؤثر على الظاهرة، وقد شهدت إفريقيا وخاصة منطقة غرب إفريقيا هذه الفترة حالة تنامى للتهديدات الإرهابية، فقد أشار مؤشر الإرهاب العالمى لعام 2022 الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام إلى منطقة غرب إفريقيا باعتبارها بؤرة رئيسية للإرهاب، حيث تضم 4 دول من ضمن أكثر 10 دول فى العالم تضررًا من الإرهاب، نتجت عنه عدة نزاعات مسلحة على المستوى المحلى والإقليمى، وتراجعت القوى السياسية الحاكمة، ومستويات التنمية الاقتصادية، والزيادة السكانية فى المنطقة، وارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائى وكذلك التدخلات الخارجية والتاريخ الاستعمارى فى الدول الإفريقية؛ فما هى أهم دوافع انتشار الجماعات الإرهابية فى غرب إفريقيا؟ وما أبرز الجماعات الإرهابية النشطة فى المنطقة؟ وكذلك ما هى أبرز العمليات الإرهابية فى الفترة الأخيرة؟ وماذا عن التداعيات المحتملة لهذا الدور؟ وأخيرًا ما هى محاولات مكافحة ذلك التواجد؟

الدوافع

  • الوضع الداخلى المتدهور

بالنظر إلى حالة بعض الدول الإفريقية نجدها غارقة فى حالة من التراجع والتدهور على عدة مستويات، فعلى المستوى السياسى توجد عدد من الدول فى الآونة الأخيرة شهدت حالة من عدم الاستقرار والانقلابات العسكرية مثل “مالى، بوركينا فاسو، وتشاد”، وكذلك ارتفاع وتيرة النزاعات القبلية والإثنية وعجز الحكومات عن مواجهتها أو التقليل منها، فضلًا عن تراجع دور بعض المؤسسات فى الدولة، وعلى المستوى الأمنى هناك هشاشة وضعف فى الحالة الأمنية ورقابة الحدود بين الدول، أما بالنسبة للمستوى الاقتصادى هناك حالة من تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات الفقر، والافتقار إلى الاستثمار الحقيقى من موارد تلك الدول الغنية، بينما يتمثل المستوى الاجتماعى فى انعدام المساواة، وتدنى مستويات التعليم، فتلك العوامل من شأنها أن تكون بمثابة مدخل قوى للجماعات الإرهابية للانتشار والتوغل وزيادة هجماتها.

  • إستراتيجية التنظيمات الإرهابية

اعتمد فكر التنظيمات الإرهابية فى الآونة الأخيرة وخاصة بعد فقدان آخر معاقلهم فى الشرق الأوسط على إيجاد مكان بديل، وتعتبر القارة ملاذًا مناسبًا لتنفيذ إستراتيجية تلك الجماعات، خاصة مع ما تتميز به من الفراغ الأمنى والصراعات الدموية داخل الدول وفيما بينهم على الحدود، وانتشار الجماعات المسلحة التى تميل تلك التنظيمات إلى التحالف معهم، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة فيما بينهم خاصة فيما يتعلق بالثروات المعدنية مثل: الذهب والحديد واليورانيوم، والموارد الطبيعية الهائلة كالاحتياطى من النفط والغاز التى تتمتع بها تلك الدول من ناحية، ومن ناحية أخرى الطبيعة الجغرافية لبعض دول إفريقيا وخاصة غرب إفريقيا حيث المناطق الحدودية غير المراقبة التى تسمح لتلك التنظيمات العمل والتنقل بحرية، وتسهيل عمليات التهريب كالأسلحة والمعدات الضرورية لتلك الجماعات.

من ناحية أخرى، يساعد اعتماد التنظيمات الإرهابية على الفضاء السيبرانى فى تزايد وتيرة تواجدهم، وفى هذا الإطار أوضح رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب قائلًا ” إن تنظيم داعش يستمر فى استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى وألعاب الفيديو والمنصات المجاورة للألعاب لتوسيع نطاق دعايته لنشر التطرف وتجنيد مؤيدين جدد، استخدام داعش للتقنيات الجديدة والناشئة لا يزال يشكل مصدر قلق رئيسى، وتواصل المجموعة استخدام أنظمة جوية دون طيار للمراقبة والاستطلاع، فضلًا عن الأصول الافتراضية لجمع الأموال”.

هذا بجانب استغلال حالة الفقر وارتفاع معدلات الأمية وتزايد حالة السخط الشعبى من الأوضاع الهشة على المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية فى استقطاب العناصر المحلية، للانضمام إلى تلك الجماعات عن طريق تقديم حلول لتلك الأزمات والمشاكل التى يعانون منها، وفى هذا الإطار صرح المركز الأوروبى لمكافحة الإرهاب والدراسات الاستخباراتية فى تقرير له ما يلى “إن الغالبية العظمى من الدول الإفريقية تعانى من تدهور الأوضاع الاقتصادية، مما دفع الكثير من الشباب إلى خيارين؛ الهجرة غير الشرعية أو الانضمام إلى المنظمات الإرهابية”.

  • انتشار الجريمة المنظمة

ساعد تفشى الجرائم المنظمة العابرة للحدود من ظاهرة الإرهاب فى غرب إفريقيا ، وتقترن تلك الجرائم بتجارة المخدرات، والأسلحة، والاتجار بالبشر، والاختطاف، وتعتمد عليها التنظيمات المسحلة والإرهابية بشكل أساسى فقد طورته وحولته إلى مصدر كبير للتمويل، خاصة فى عملياتها واعداد عناصرها، وهيأت الظروف المناسبة لانتشار هذه الجرائم.

 وواقع الأمر أن غياب الرقابة الحدودية يساعد الجماعات الإرهابية على عمليات التهريب دون عرقلة عبورها عبر دول غرب إفريقيا ودول إفريقيا بشكل عام.

  • الخروج الفرنسى

ارتبط تراجع الدول الإفريقية بتاريخ الأرث الاستعمارى وما فعله فى إنهاك تلك الدول والاستحواذ على ثرواتها، مما سبب سخط شعبى واسع طالب على إثره بعض الشعوب بمناهضة الوجود الاستعمارى، ومن تلك الدول التى أثرت بشكل كبير فى الدول الإفريقية “فرنسا”، ومع هذا الضغط انسحبت العملية العسكرية الفرنسية “برخان” من “مالى” العام الماضى، وفى الشهر الماضى انسحبت من “بوركينا فاسو”، وعلى الرغم من استمرارية القوات الفرنسية فى بعض الدول الإفريقية على سبيل المثال: ساحل العاج (900 جندى)، والنيجر (2000 جندى) والسنغال (500 جندى)، ولكن نجد أن النفوذ الفرنسى فى طريقه للتراجع فى بعض الدول الإفريقية خاصة غرب إفريقيا ، حيث تسعى فرنسا إلى تغيير إستراتيجيتها فى منطقة غرب إفريقيا من التواجد العسكرى المباشر إلى صياغة شراكات عسكرية مع الجيوش الوطنية للدول الأخيرة لدعم تلك الجيوش وتطوير قدراتها.

ومن ثم يمكن القول إنه يتراجع نفوذ بعض الدول لصالح دول أخرى مثل ورسيا والصين فهذا الاستقطاب وصراع الهيمنة يتيح المجال لتمدد التنظيمات الإرهابية، فالانسحاب وتغيير الإستراتيجيات يزيد لوقت يسمح للثغرات الأمنية لتلك الجماعات بالعبور والتمدد.

  • التحديات الدولية

يمر العالم بعدد من التحديات التى تزيد من الظاهرة الإرهابية يأتى أولها فى تراجع الدعم الدولى لدول غرب إفريقيا مثلما سبق الذكر التراجع الفرنسى، بالإضافة إلى إعلان عدد من الدول الغربية سحب قواتها الأممية لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة “مينوسما” من دولة مالى، والتى يتمثل عملها فى مكافحة انتشار أعمال العنف والتطرف، حيث قامت بريطانيا بسحب قواتها البالغ عددهم 249 جنديًا، ومن المفترض كذلك سحب ألمانيا قواتها البالغ عددهم 595 جنديًا فى مايو 2024 المقبل؛ بينما يتمثل التحدى الثانى فى الحرب الروسية الأوكرانية وانشغال المجتمع الدولى به والآثار المترتبة عليه سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، حيث تسببت الحرب بمعاناة حوالى 30% من السكان من انعدام الأمن الغذائى، فى حين يتمحور التحدى الثالث فى جائحة كوفيد19 التى أحدثت تغييرًا فى إستراتيجيات مكافحة الإرهاب فى إفريقيا، وما نتج عنه من ضعف قدرة الدول فى مواجهة الخطر الإرهابى، وهذا فى نهاية الأمر يساعد التنظيمات الإرهابية فى توسيع نفوذها ونشاطها عبر فرض سيطرتها على إدارة المناطق المنتشرة فيها وارتفاع مؤاشرت العنف والإرهاب.

التداعيات

تتمثل أبرز النتائج المترتبة على تصاعد التواجد الإرهابى فى منطقة غرب إفريقيا على المستوى السياسى تقويض الديمقراطية والضغط على حكومات تلك الدول من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك قدر من الاستقطابات بين القوى الدولية  داخل المنطقة خاصة مع الخروج الفرنسى المتصاعد من غرب إفريقيا، والذى فتح المجال لعدد من الدول لإعادة تموضع نفوذها داخل القارة، ويتمثل المستوى الأمنى فى انعدام الأمن والاستقرار، وكذلك  التهديدات التى تمثلها تلك الجماعات فى المنطقة للدول المجاورة.

بينما يتأثر المستوى الاقتصادى من خلال التأثير على مستويات التنمية الاقتصادية وتراجع معدلات الاستثمار، وكذلك الخسائر المالية التى تتكبدها دول المنطقة فى سبيل مكافحة الإرهاب، فى حين يتمثل المستوى الاجتماعى فى الخسائر البشرية الناتجة عن العمليات والتفجيرات الإرهابية، وكذلك حلقة العنف التى أدت إلى نزوح الآلاف من المواطنين للنجاة بأنفسهم، بالإضافة إلى التأثير على قطاعات التعليم والصحة.

الجماعات الإرهابية النشطة

تشهد القارة الإفريقية تصاعدًا فى مؤشرات العنف والتطرف لتوسع العديد من التنظيمات الإرهابية الذين أسسوا دولة داخل الدولة الأصلية بعناصرهم وعتادهم، وأبرزهم يتمثل فى تنظيمات كداعش والقاعدة والجماعات الموالية لهم، وينتشرون فى شمال مالى ووسطها وعلى الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر حيث مثلث الرعب الحدودى، وخليج غينيا، ونيجريا، وتشاد، وفى هذا الإطار صرحت “أمينة محمد” نائبة الأمين العام للأمم المتحدة قائلة: “الوضع فى منطقة الساحل وغرب إفريقيا ملح بشكل خاص، حيث تنشط بعض الجماعات التابعة لداعش الأكثر عنفًا فى المنطقة، خلال العامين الماضيين، وتوسعت هذه الجماعات عبر مناطق واسعة من الساحل، مما زاد من وجودها فى مالى، بينما توغلت أكثر فى بوركينا فاسو والنيجر”؛ ومن أبرز تلك التنظيمات ما يلى:

  • تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا

تشكل التنظيم من إحدى فصائل جماعة “بوكو حرام” فى نيجيريا بعد مبايعتها للتنظيم المركزى لداعش فى مارس عام 2015، وأطلقت على نفسها ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم داعش، واتخذت “شمال شرق نيجيريا” و”المنطقة الكبرى لبحيرة تشاد” قاعدة رئيسية لها، وقامت بشن أولى هجماتها الإرهابية فى عام 2016، وذلك فى إطار فرض سيطرته على المناطق التلقيدية التى مثلت مناطق نفوذ لجماعة “بوكو حرام” بعد الخلافات والتنافس بين الجماعتين خاصة فى ولايتى “برنو ويوبى”، ومع مطلع هذا العام بدأ التنظيم بتوسيع إستراتيجيته معتمدًا على توظيف الأبعاد الطائفية والعرقية، وقيامه بتشكيل ضغوط على أجهزة الدولة المختلفة، حيث طور نشاطه العملياتى ليشمل ما يعرف بمنطقة الحزام الأوسط التى تفصل بين الشمال والجنوب، إضافة إلى توسيع أنشطته على الحدود مع النيجر وتشاد والكاميرون؛ ووفقًا لما جاء به مؤشر الإرهاب العالمى بتقدم تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا على جماعة “بوكو حرام” فى أنه التنظيم الأكثر دموية فى نيجيريا فى عام 2021، مع زيادة حضوره ونشاطه فى البلدان المجاورة مثل: مالى والكاميرون والنيجر، مما شكل بدوره تهديدًا كبيرًا لمنطقة الساحل وغرب إفريقيا.

  • تنظيم داعش ولاية الصحراء الكبرى

ظهر هذا التنظيم نتيجة لحدوث انشقاق داخل جماعة المرابطون فى مايو عام 2015 وقيام أحد زعمائه المدعو بـ”عدنان أبو وليد الصحراوى” بمبايعة “أبو بكر البغدادى” زعيم داعش حينذاك، ويعتبر ثانى تنظيم تابع لداعش فى غرب إفريقيا، واستقر فعليًا فى عام 2016 فى شمال شرق مالى، وامتد إلى الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر، ويستند التنظيم على إستراتيجية التنظيم الأم حيث استعادة الدولة الإسلامية وخلخلة النظم السياسية ونشر العنف والفوضى للتحكم فى مجريات الأمور فى المناطق الخاضعة تحت حكمها والتمدد لمزيد من السيطرة، واستقطاب مزيد من الشباب.

 واعتمدت مؤخرًا زيادة الهجوم على المنشأت الدفاعية ومراكز الشرطة والقوات الأمنية مثل الهجمات التى تمت على مناطق فى النيجر ومالى، وكذلك استهداف القواعد المرتبطة بالقوات الفرنسية والأمريكية وبعثة الأمم المتحدة، ويواجه ولاية الصحراء الكبرى منافسة حادة مع التنظيمات التابعة لتنظيم القاعدة حيث جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتحالفاتها المختلفة، فى إطار تحقيق دولة الخلافة عن طريق إحكام السيطرة على المناطق المالية.

  • جماعة نصرة الإسلام والمسلمين

نشأت الجماعة تحت لواء تنظيم القاعدة فى مارس عام 2017، على يد الراحل “إياد آغ غالى” وهو أحد قادة الطوارق فى مالى، وانطلقت من شمال مالى إلى دول الجوار حيث بوركينا فاسو والنيجر وامتدت إلى جمهورية توغو، وتمثل تهديد رئيسى لكل من “مالى، النيجر، موريتانيا، بوركينافاسو، وتشاد”، وتتبنى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فكر تنظيم القاعدة العابر للحدود الهادف إلى دمج القضايا المحلية مع الفكر السلفى الجهادى، وإستراتيجية التنظيم الأم المبنية على أن الشريعة لا يمكن تنفيذها فى المناطق التى يمتلك فيها الجهاديون سيطرة كاملة.

حيث تهدف إلى إضعاف الحكومات المحلية عبر نشاطها الإرهابى واستغلال الانقسامات العرقية، من أجل توسيع وجودها على مساحة أكبر وتدريب المسلحين ضد أعداء الجماعة، فضلًا عن محاولاته فى استهداف المصالح الأمريكية والأوروبية فى هذه المنطقة، وكسب غضب المواطنين لصالحهم ولترسيخ عقيدتهم ولتجنيد أعضاء جدد للجماعة، وتضم فى داخلها 4 تنظيمات إرهابية وهم جبهة تحرير “ماسينا”، وجماعة أنصار الدين، والمرابطون، وإمارة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة.

  • جماعة بوكو حرام

تم تأسيس الجماعة فى ولاية “بورنو” شمال شرق نيجيريا على يد الراحل “محمد يوسف” فى عام 2002، من أجل الدعوة إلى الشريعة الإسلامية ورفض التعليم الغربى وتغير نظام التعليم، بدأ باستهداف مناطق محددة داخل نيجيريا وامتد إلى حوض بحيرة تشاد، من خلال القتل والاختطاف والتفجيرات الانتحارية فى المساجد والمدارس والأسواق.

ووصل إلى الحد الذى صنف بالمرتبة الرابعة بين أكثر الجماعات الإرهابية دموية فى العالم طبقًا لمؤشر الإرهاب العالمى لعام 2022، وقد شهد التنظيم حالة من عدم الاستقرار منذ إعلان زعيمة الراحل “أبو بكر شيكاو” مبايعته لتنظيم داعش فى 2015 وانخراطه فيما يسمى تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا، ولكن فى 2016 عاد فصيل من التنظيم باسمه بوكو حرام بقيادة “شيكاو” إثر انشقاقات داخلية، وصرح عن طريق تسجيل صوتى قائلًا “يجب أن يعرف الناس أننا ما زلنا موجودين، لن نوقع فتنة بين الناس، وسنسير وفق أحكام سنة النبى، صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم، هذا هو موقفنا، وما نزال نحن جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”.

وقد تعرضت الجماعة إلى العديد من الضربات خاصة بعد إعلان مقتل شيكاو عام 2021 على يد داعش ولاية غرب إفريقيا بقيادة الراحل “أبو مصعب البرناوى” خلال مواجهات بين التنظيمين.

العمليات الإرهابية

تتركز العمليات الإرهابية فى حوض بحيرة تشاد حيث الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا ومنطقة الساحل الوسطى على طول حدود بوركينا فاسو ومالى والنيجر، وقالت الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب إفريقيا ومنطقة الساحل “جيوفانى بيها” خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الدولى “إن الأمن تدهور مرة أخرى فى أجزاء واسعة من المنطقة على الرغم من جهود قوات الأمن الوطنية والشركاء الدوليين، وعواقب ذلك تمثلت فى اضطرار أكثر من عشرة آلاف مدرسة بأنحاء منطقة الساحل إلى غلق أبوابها، ونحو سبعة آلاف مركز طبى اضطروا إلى الإغلاق بسبب أنشطة الجماعات المسلحة والمتطرفين من مرتكبى أعمال العنف والشبكات الإجرامية”.

وبالرجوع إلى عام 2022 نجد أن منطقة غرب إفريقيا خاصة مالى ونيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو شهدت توسعًا فى العمليات الإرهابية، حيث أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إحصائية للعمليات الإرهابية فى إفريقيا لعام2022، وقد تصدرت نيجيريا المركز الثانى بواقع 67 عملية أسفرت عن 1043 ضحية، وحصلت بوريكنا فاسو على المركز الثالث 70 عملية بسبب سقوط  594 ضحية، بينما حصلت مالى على المركز الخامس بعد أن وقعت بها 53 عملية حيث سجلت 474 ضحية، تليها النيجر فى المركز السادس بـ27 عملية أوقعت بـ 245 ضحية، فى حين حصلت تشاد على المركز الحادى عشر بـ 4 عمليات أسفرت عن 37 ضحية.

وقد أشار المرصد إلى ارتفاع عدد الدول التى تضررت من الإرهاب إلى 16 دولة فى العام المنصرم مقارنة بالأعوام الثلاثة السابقة، وعليه فهذا يؤشر على احتمالية التوسع العملياتى فى عام 2023.

وفى مطلع هذا العام اتجهت غالبية المؤشرات نحو تنامى الهجمات خاصة من جانب تنظيمى داعش وبوكو حرام حيث بلغت عدد العمليات 24 عملية راح ضحيتها 188 شخصًا وفقًا لمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان من خلال تقريرها الشهرى “عدسة العمليات الإرهابية وأعمال العنف فى إفريقيا ” لشهر يناير 2023.

مكافحة الإرهاب فى غرب إفريقيا

الإيكواس “مجموعة دول غرب إفريقيا”: أعلنوا تشكيل قوة عسكرية مشتركة فى نهاية العام المنصرم لمكافحة خطر الجماعات الإرهابية وتمددها، ومكافحة عدوى الانقلابات التى تشهدها، خاصة مع الانسحاب الفرنسى، ويتعلق تشكيل تلك القوة الإقليمية على مدى قابليته على التنفيذ من ناحية، ومن ناحية أخرى مدى قدرة تلك القوة على التعامل مع القوى العظمى فى المنطقة؛ هذا بالإضافة إلى عزم المجموعة الاقتصادية للإيكواس بتخصيص جزء كبير من ميزانية عام 2023 لمكافحة الإرهاب وعدم الاستقرار السياسى فى غرب إفريقيا، فكما أشار رئيس مفوضية إيكواس “عمر على توراى” إن المجموعة تعتزم التركيز على تعزيز السلام والأمن، وتحقيق النتائج المتعلقة بـالخطة التنفيذية لمكافحة الإرهاب.

المركز الأوروبى: يرى أن النمو السكانى الآخذ فى الارتفاع فى منطقة غرب إفريقيا، وزيادة انعدام الأمن الغذائى والصراعات الأهلية، ومدى الاستجابات الإقليمية والدولية للعنف، وأخيرًا عدم وجود إستراتيجيات فعالة لمكافحة الإرهاب هما الأسباب الرئيسية لتزايد الأنشطة الإرهابية فى المنطقة، وعليه اقترح المركز ضرورة وضع سياسات واضحة مناهضة لانتشار تلك التنظيمات، وكذلك توفير أطر تعمل على تزويد الأجهزة الأمنية بالمعلومات الاستخباراتية كطبيعة تلك الجماعات ومصادر تمويلها الرئيسية، بالإضافة إلى توفير الدعم والموارد اللازمة للمنظمات الإقليمية.

الاتحاد الإفريقى: فى إطار قمة الاتحاد الـ36 والتى انطلقت يوم التاسع عشر من الشهر المنصرم بالعاصمة الأثيوبية “أديس أبابا” تم طرح ملف الإرهاب على جدول أعمال القمة، وتمت الإشارة إلى التهديد والتمدد الإرهابى لدول القارة الإفريقية وارتفاع عدد القتلى فى غرب القارة خاصة فى منطقة حوض بحيرة تشاد، والتى وصلت منذ بداية هذا العام إلى 100 شخص وتشريد الآلاف من مناطقهم الأصلية.

مبادرة أكرا: انطلقت فى شهر نوفمبر الماضى فى مدينة “أكرا” عاصمة غانا وحضرها قادة ورؤساء دول غرب إفريقيا، وممثلون من الاتحاد الأوروبى، وبريطانيا، وفرنسا، والتى جاءت تحت عنوان “نحو استجابة ذات مصداقية ووقائية ومنسقة للتحديات التى تواجهها الدول الساحلية فى خليج غينيا ودول الساحل الإفريقى”، وتأسست المبادرة من أجل مناقشة بعض القضايا الأمنية والتحدث حول الحرب ضد الإرهاب والحد من تهديداته، وقد استطاعت المبادرة أن تستنتج عددًا من المخرجات يتمثل أهمهم فى تعزيز الإدارة المتكاملة للحدود، وترتيب الأولويات والدعم المشترك وذلك من أجل حل مشاكل التنمية، وتفعيل القوة المشتركة من خلال نشر 2000 جندى لتعزيز مكافحة الإرهاب.

إيطاليا: فى اطار التراجع الفرنسى فى منطقة غرب إفريقيا ، ظهرت إيطاليا فى المشهد لإمكانية قيادتها الجهود الأوروبية لمكافحة الإرهاب فى إفريقيا، وتلك الفكرة تم طرحها الأعوام الماضية ولكن دون اتخاذ خطوات فعلية وواضحة تجاه هذا الأمر، ويشكك بعض الخبراء من قدرة إيطاليا على إدارة المشهد عسكريًا مثل فرنسا ولكن يمكنها تحقيق نجاح محتمل على المستوى الاقتصادى والتنموى.

وقد صرحت رئيسة الوزراء الإيطالية “جورجيا ميلونى” من قبل قائلة: “إن بلادها تستطيع قيادة مكافحة الإرهاب فى إفريقيا وتعزيز التعاون والنمو الاقتصادى والتجارى بين الاتحاد الأوروبى ودول القارة”.

السعودية: قامت فى نهاية السنة الماضية بإعلان استضافتها للاجتماع الوزارى للتحالف الدولى من أجل محاربة داعش خلال هذا العام، وذلك بالتوازى مع الجهود الدولية لمكافحة التنظيمات الإرهابية بجميع أشكالها خاصة فى إفريقيا والتى تمثل بيئة جيدة لانتشار وتواجد الجماعات الإرهابية والعنيفة.

الخاتمة

مما سبق؛ نجد أن تصاعد العمليات الإرهابية فى إفريقيا وخاصة غربها ليس وليد اللحظة وإنما يتصاعد بوتيرة سريعة فى الأونة الأخيرة مرتبطًا بعدد من الدوافع التى ساعدته على التوغل والانتشار وترسيخ التواجد الإرهابى فى المنطقة كتراجع نفوذ الدولة وسيطرتها، وغياب الرقابة الأمنية على الحدود، وانتشار الجريمة المنظمة، وتصاعد النزاعات القبلية، فضلًا عن مجموعة من التحديات التى شهدها المجتمع الدولى، والتى جعلت المنطقة تشاهد عددًا من التداعيات الخطرة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية.

ويعتبر تنظيم داعش والقاعدة والتحالفات المؤيدة لهم هم المسيطرين على منطقة غرب إفريقيا خاصة دول “مالى، النيجر، بوركينا فاسو، نيجريا، تشاد” ويقوموا بشن العديد من الهجمات والتفجيرات العنيفة التى راح ضحيتها الآلاف العام الماضى ومطلع هذا العام، ومن ثم يجب النظر فى الدوافع التى جعلت أجزاء من القارة بيئة خصبة للإرهاب ومعالجتها، وتطوير استجابات فعالة لتحديات مكافحة الإرهاب فى المنطقة.

كلمات مفتاحية