أكثر من مئة عام من الدبلوماسية.. مصر تتجه نحو آفاق دولية أوسع

إعداد/ دينا لملوم

فى ذكرى تخطى الدبلوماسية المصرية حاجز المائة عام، يأتى عام ٢٠٢٣ محملًا بالإنجازات والنجاحات التى تمكنت مصر من تحقيقها، حيث دفعت حالة الاستقرار السياسى، التى شهدتها البلاد خلال الأعوام الماضية، بعد فترة مخاض عسير عاشتها منذ 2011 حتى 2014، نحو حشد الجهود لتدعيم ركائز السياسات الخارجية على المستوى الإقليمى والدولى فى مختلف المجالات، ويأتى عام ٢٠٢٣ ليشير لمدى التحول فى الدبلوماسية المصرية، وانتقال السياسة الخارجية لمصر من مرحلة النشاط المتنامى لمرحلة التأثير النوعى فى العديد من القضايا؛ ليعزز من مكانة مصر فى الشرق الأوسط، وعلى الساحة الدولية أيضًا، خاصة بعد التأكيد على ضرورة تجاوز الصراع الروسى الأوكرانى مع تبنى دور الحياد فى القضية.

هذا بالإضافة إلى ثقة المجتمع الدولى فى مصر، والدليل على ذلك اختيارها لاستضافة مفاوضات معاهدة “نيو ستارت”؛ لذا فقد باتت أذرع السياسة الخارجية المصرية تمتد لأفق أوسع، حيث دعمها للعديد من القضايا القومية والإقليمية كقضايا فلسطين، ليبيا، اليمن، السودان، وغيرها، فقد خرجت من حلقة الضيق إلى أوسع الطريق، وحققت نجاحات باهرة على مختلف الأصعدة، وسنتناول خلال السطور التالية المشاهد الدبلوماسية بين عامى ٢٠٢٢-٢٠٢٣، وكيف تنامت قوة السياسة المصرية الخارجية، فى تعاملها مع العديد من القضايا.

إعادة العمل بوزارة الخارجية:

يأتى يوم ١٥ مارس من كل عام كذكرى خالدة فى تاريخ الدبلوماسية المصرية التى تمكنت من العودة إلى أحضان وزارة الخارجية، حينما عاودت العمل عام ١٩٢٢، بعد إعلان استقلالها عن بريطانيا فى ٢٢ فبراير ١٩٢٢، وذلك إثر إلغاء الوزارة لمدة سبع سنوات، بعدما أُعلنت الحماية البريطانية على مصر عام ١٩١٤، فعادت لمصر أحد أهم مظاهر سيادتها واستقلاليتها، حينما أقرت حكومة بريطانيا فى يوم ١٥ مارس ١٩٢٢، بأن الحكومة المصرية لها مطلق الحرية فى إعادة العمل بوزارة الخارجية بعد هذا الانقطاع، ومن ثم إقرار أحقيتها فى إقامة تمثيل دبلوماسى وقنصلى فى الخارج.

حصاد عمل الدبلوماسية المصرية خلال عام ٢٠٢٢:

انتعشت الدبلوماسية المصرية فى عام ٢٠٢٢، حيث قامت مصر بالعديد من الأنشطة التى ركزت على مختلف المحاور، كما أنها عملت على تعزيز العلاقات مع عدة أطراف دولية وإقليمية، فنجد أن وزير الخارجية قام خلال هذا العام باستقبال ٣٢ وزيرًا ومسؤولًا على المستويين العربى والأوروبى، وقد كثفت الدبلوماسية جهودها نحو توطيد علاقات مصر العربية والإفريقية والأسيوية، فضلًا عن الأوروبية والأمريكية، إذن فالدبلوماسية المصرية تمتلك عدة أدوات أو أبعاد، تعد بمثابة أذرع خارجية تتمكن من خلالها من ضبط وتحسين وترسيخ العلاقات على كافة الأصعدة.

أولًا: البعد الجغرافى:

تمكنت مصر مؤخرًا من تركيز الجهود على استكشاف عناصر القوة الداخلية لديها، ولعل أبرزها البعد الجغرافى ذو النطاق المتعدد، فمصر تلك الدولة التى تحمل عمقًا إفريقيًا، وهوية عربية، وطيدة الصلة بالقارة الآسيوية، وتتمتع بموقع متميز يطل على البحر المتوسط، ومن ثم ربطها بالقارة الأوروبية، لم تكتفِ بالتمركز الإقليمى، بل سعت لتصبح من ضمن الفواعل الدولية، ويمكن إجمال أبرز التفاعلات بين مصر والقوى الأخرى فى الآتى:

العلاقات (المصرية – العربية): قام وزير الخارجية “سامح شكرى” بثمان زيارات لدول عربية، كما استقبل ١٢ وزيرًا ومسؤولًا رفيعى المستوى، وأجرى ثلاثة اتصالات هاتفية، إضافة إلى عقد ست جولات مشاورات سياسية، و١٠ لجان مشتركة ونوعية ومجلس أعمال.

العلاقات (المصرية – الإفريقية): استقبل “شكري” أربعة وزراء ومسؤولين رفيعى المستوى، ودعا إلى عقد لجنة مشتركة وجولة مشاورات سياسية ومجلس للأعمال مع الدول الإفريقية، وكذا قيامه بأربع زيارات خارجية.

أما فيما يتعلق بعلاقات مصر مع آسيا وأوروبا وأمريكا، فقد شهدت البلاد العديد من الزيارات المتبادلة بين مصر وهذه الأطراف الدولية، وإجراء المشاورات السياسية، فى محاولة لتقوية الروابط بين تلك الأطراف، فى ظل تنامى الأذرع الدبلوماسية المصرية فى الخارج، أيضًا فقد كثفت مصر من جهودها مع المنظمات الدولية، حيث الزيارات المتبادلة وإجراء الاتصالات الهاتفية، ناهيك عن مشاركة وزير الخارجية المصرى فى ٢٢ اجتماعًا افتراضيًا فى هذا السياق الذى يغذى العلاقات بين مصر وهذه المنظمات.

البعد العسكرى:

 استعرضت الدبلوماسية المصرية قواها التى انتشرت على مختلف الأصعدة، وباتت مؤثرة بشكل ملحوظ فى نواحى عدة، كحرص مصر على مواصلة الدفع بقوات حفظ السلام، فيشير تقرير الأمم المتحدة الصادر أكتوبر ٢٠٢٢ إلى نجاح مصر البارز، والذى أوضح تقدمها من المركز السابع إلى المركز السادس على مستوى الدول التى شاركت بقواتها لتبلغ ألفين و٧٩٨ فردًا، من بينهم ٩٦ امرأة فى عمليات حفظ السلام الأممية، وتنتشر هذه القوات فى كل من الكونغو الديمقراطية، وبعثة الأمم المتحدة فى جنوب السودان، بالإضافة إلى قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي.

البعد البيئى:

WhatsApp Image 2023 03 15 at 15.48.42 أكثر من مئة عام من الدبلوماسية.. مصر تتجه نحو آفاق دولية أوسع

احتلت مصر الصدارة بين الدول التى تقوم بالعديد من المشاريع الاقتصادية الخلاّقة، والتى تركز على أبعاد التنمية المستدامة، من بينها الجانب البيئى، كتغير المناخ، حيث شهد نوفمبر الماضى حدثًا عالميًا مهمًا، تمثل فى ترأس مصر قمة مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ “كوب ٢٧”، والتى شهدتها مدينة شرم الشيخ برئاسة وزير الخارجية المصرى؛ وذلك الحدث يشير إلى مدى الأهمية والمكانة الدولية التى حظيت بها مصر مؤخرًا، ناهيك عن الثمار التى جنتها مصر جراء هذا الحدث العالمى، وتمكن المؤتمر من الخروج بنتائج مثمرة فيما يتعلق بالأنشطة المناخية، وتعزيز بيئة العمل الدولية؛ للتصدى لمحاولات اختراق الأمن البيئى العالمى، ونص الاتفاق على إنشاء صندوق لتمويل الجهود الرامية إلى معالجة الأضرار والتصدى للخسائر الناجمة عن ظاهرة التغير المناخى، هذا بالإضافة إلى دعم دور مؤسسات التمويل الدولية فى حشد عمليات تمويل المناخ.

البعد الاقتصادى:

فى صدد الدبلوماسية المصرية وتفرعها، جاء البعد الاقتصادى ليسلط الضوء على مدى التأثير الذى حظيت به مصر، حيث دُعيت للمشاركة كضيف على هامش اجتماعات مجموعة العشرين خلال فترة ترأس الهند لهذه المجموعة، والتى بدأت فى ديسمبر ٢٠٢٢، أيضًا تمكن وزير الخارجية المصرى من المشاركة فى الاجتماع الوزارى الأول لتكتل “بريكس بلس”، بعدما تلقى الدعوة من وزير الخارجية الصينى، بصفة أن بلاده هى رئيس التجمع، كما شارك “شكرى” فى الاجتماع السنوى لمنتدى الاقتصاد العالمى فى سويسرا، فضلًا عن مشاركته فى الاجتماع الوزارى لمجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية.

الدور التوعوى لمصر فيما يخص الإرهاب:

لعبت مصر دورًا غير مسبوقًا فى مجال مكافحة الإرهاب وحققت نجاحات ساحقة، حيث تمكنت من احتواء الخطر الداهم الذى يشكله الإرهاب على الأمن القومى للدولة، وتراجعت مجمل الأحداث الإرهابية بشكل كبير فى السنوات الأخيرة؛ لذا فقد تم اعتماد ترشيح مصر بالاشتراك مع  الاتحاد الأوروبى لرئاسة المنتدى العالمى لمكافحة الإرهاب أبريل ٢٠٢٢، وتولت مصر رئاسة هذا المنتدى وستظل منوطة به حتى مارس ٢٠٢٥، وفى سبتمبر ٢٠٢٢ قامت وزارة الخارجية بإطلاق التقرير الوطنى لمكافحة الإرهاب، ويشتمل هذا التقرير على جهود مصر فى مجابهة التهديدات الإرهابية والأفكار المتطرفة، وتعتبر جهود التصدى للإرهاب وتجفيف منابعه، ومحاربة التطرف، إحدى أهم أولويات الدبلوماسية المصرية، وتطلع بدور بارز على صعيد تعزيز المنظومة الدولية المتعلقة بمجابهة الإرهاب.

التحركات المصرية نحو دعم العديد من القضايا الخارجية:

لقد تمكنت السياسة الخارجية المصرية من لعب دور الوسيط فى عدة قضايا، ودعم عمليات السلام فى الشرق الأوسط، فقد جاءت القضية الفلسطينية على رأس أولويات الدولة المصرية، التى تقوم بدعم العديد من الملفات الفلسطينية، منها عمليات المصالحة، وملف تبادل الأسرى، وجهود الوساطة للحفاظ على الأوضاع فى قطاع غزة، مع السعى الدائم والتعاون مع القوى الدولية والإقليمية؛ من أجل الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، ودعم عمليات السلام بين فلسطين وإسرائيل، والتأكيد على مبدأ حل الدولتين، ومازالت مصر تسعى لكى تنعم فلسطين بالسلام والاستقرار، وتشارك فى العديد من الفعاليات، الرامية إلى دعم مسار السلام وحماية الحقوق المشروعة للفلسطينيين، من بينها مؤتمر القدس الذى احتضنته جامعة الدول العربية فبراير الماضى، فمصر لن تدخر جهدًا نحو تعزيز صمود الشعب الفلسطيني.

الدور المصرى فى ليبيا ٢٠٢٢ – ٢٠٢٣:

WhatsApp Image 2023 03 15 at 15.48.30 أكثر من مئة عام من الدبلوماسية.. مصر تتجه نحو آفاق دولية أوسع

لم يكن الدعم المصرى للقضية الليبية حديث العهد، بل حرصت مصر منذ اندلاع الأزمة عام ٢٠١١ على الحضور بشكل قوى فى المشهد الليبى، والانخراط فى مسارات الحل والتهدئة، وحشد الجهود الدولية لمجابهة خطر التنظيمات الإرهابية، وفى عام ٢٠٢٢، استكملت مصر ميسرتها نحو دعم القضية الليبية والحفاظ على أمنها القومى الذى تعد ليبيا امتدادًا له، وفى ظل الخلاف الدائر فى ليبيا حول السلطة التنفيذية، والجدل بين مجلسى النواب والدولة فيما يخص القوانين الانتخابية، ومن ثم تعقد المشهد، قامت مصر أبريل ٢٠٢٢ بالدعوة إلى اجتماع لممثلى مجلسى النواب والدولة؛ من أجل لم الشمل وتوحيد المؤسسات الليبية، فضلًا عن التشاور حول وضع أسس تضمن استقلال مصرف ليبيا المركزى والمؤسسة الوطنية للنفط، وعدم تعطيل عملهم، وإهدار ثروات البلاد على الميليشيات، والحد من التدخلات الخارجية، مع وضع خطة تدريجية لعقد الانتخابات، وقد تطرقت هذه الاجتماعات إلى بحث سبل الإطار الدستورى، اللازم لإجراء الانتخابات العامة فى ليبيا، وتم التوافق على بعض القضايا، منها الاتفاق على اللائحة الداخلية المنظمة لعمل لجنة المسار الدستورى المشتركة بين المجلسين.

وهكذا فقد استضافت مصر الجولة الثانية والثالثة، من مفاوضات هذه اللجنة، وقد أنجزت العديد من التوافقات حول المواد الخلافية فى الدستور الليبى، كل هذه الأمور فى ظل احترام مصر لشرعية مجلس النواب الليبى والمجلس الرئاسى.

وفى أغسطس ٢٠٢٢، صدرت مصر آلاف الأطنان من الزيوت والأرز و الخضراوات والفواكه إلى ليبيا، على الرغم من قرار وزارة التجارة والصناعة المصرية، بحظر تصدير المواد الغذائية المصرية لأى دولة، بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، وقد تم استثناء ليبيا من هذا القرار، ناهيك عن وصول الوفد الليبى إلى مصر فى نفس الشهر، للاتفاق مع شركات مصرية على تصدير الأدوية وتجهيز المستشفيات فى ليبيا؛ دعمًا لخطة إعادة الإعمار، أيضًا فقد دعت مصر كافة الأطراف والقوى الوطنية والاجتماعية الليبية لوقف عمليات العنف والتصعيد، وحماية المدنيين فى محاولة للحفاظ على أمن واستقرار البلاد، وفيما يتعلق بمستجدات الملف الليبى، فقد استضاف مجلس النواب المصرى يناير الماضى، اجتماعًا مهمًا بين رئيسى مجلس النواب الليبى والمجلس الأعلى للدولة، للوقوف على آخر تطورات القضايا العالقة بين الجانبين، وبصفة خاصة ما يتعلق بالقاعدة الدستورية، وقانون الانتخابات، وخلصت نتائج هذا اللقاء إلى التوافق حول بيان مشترك بشأن الوثيقة الدستورية، يشمل التوافق الدستورى حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما تم الاتفاق على قيام اللجنة المشتركة بين المجلسين بإحالة الوثيقة الدستورية لهاتين المجلسين لإقرارها، وفقًا لنظام كل مجلس، وكذا وضع خارطة طريق تشمل استكمال كافة الإجراءات المطلوبة لإتمام العملية الانتخابية، هذا وقد بذلت مصر جهودًا حثيثة على مدار عام ونصف ماضيين من أجل التوصل لوثيقة دستورية واضحة المعالم، ولم تكن تلك الخطوات كانت ستصل إلى هذه المرحلة فى ظل حالة الانقسام الشديد والتشرذم الذى تشهده ليبيا.

الجهود المصرية بين سوريا واليمن:

أولاً- سوريا:

WhatsApp Image 2023 03 15 at 15.49.08 أكثر من مئة عام من الدبلوماسية.. مصر تتجه نحو آفاق دولية أوسع

ترفض مصر محاولات الاستغلال الموجهة نحو أزمات الأشقاء فى سوريا واليمن كوسيلة لتحقيق أطماع وتدخلات إقليمية، أو كبيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والطائفية، ففى سوريا قامت مصر بعلب دور الوسيط بين الفواعل الدولية، والجيش السورى والمعارضة، عندما ظهرت بوادر الرغبة فى التهدئة التى اتخذتها الأزمة، وتسعى مصر لتأييد الحل السياسى السلمى للأزمة، وانطلاقًا من المساعى الدبلوماسية المصرية، سعت مصر إلى المطالبة بإعادة سوريا إلى أحضان جامعة الدول العربية، وظهرت مؤشرات توحى بعودة العلاقات بين البلدين بعد انقطاع دام عقدًا من الزمان، أى منذ بدء الأزمة السورية، ولا يمكن التغافل عن دور مصر الحافل بالإنسانية ومساندة الأشقاء العرب، فقد قام وزير الخارجية المصرى بزيارة سوريا فبراير الماضي؛ تضامنًا من الشعب السورى إثر حادثة الزلازل، ناهيك عن التأكيد على دعم سبل التعاون ورعاية المصالح المشتركة بين البلدين.

ثانيا- اليمن:

WhatsApp Image 2023 03 15 at 15.49.14 أكثر من مئة عام من الدبلوماسية.. مصر تتجه نحو آفاق دولية أوسع

أما فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، فقد اتسم الموقف المصرى بالثبات منذ اندلاع الصراع، حيث تدعم مصر المؤسسات الشرعية ورموز الدولة فى اليمن، وتشدد على ضرورة التزام أطراف الصراع فى اليمن بالحل السياسى المبنى على أساس المبادرة الخليجية وآلياتها وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، باعتبار أن أمن الخليج العربى جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى، ولتأمين المصالح المصرية فى مضيق باب المندب، وقد جرت مناقشات حول سبل التعاون المشترك بين مصر واليمن العام المنصرم، وذلك فى إطار تعزيز الأمن فى البحر الأحمر، وأكدت مصر جاهزيتها لتعزيز التأهيل والدعم المقدم لإعداد الكوادر اليمنية فى مختلف المجالات، فضلًا عن استمرار الدعم المصرى للجهود الدولية للتغلب على الأزمة الإنسانية والمعيشية فى اليمن، وكذا تطوير البنية التحتية بها.

التوجه المصرى نحو السودان:

WhatsApp Image 2023 03 15 at 15.48.52 أكثر من مئة عام من الدبلوماسية.. مصر تتجه نحو آفاق دولية أوسع

استكمالًا لتطلعات الدبلوماسية المصرية، يأتى موقف مصر الداعم للسودان، واحترامها لإرادة الشعب السودانى، والمساعى المصرية الدائمة نحو دعم الاستقرار فى السودان والجنوب السودانى، وتربط مصر بالسودان العديد من المشروعات، كمشروع الربط الكهربائى بين البلدين، وكذا الربط فى مجال السكك الحديدية، وتقديم المساعدات الإنسانية والغذائية والدوائية، لشعب السودان الشقيق، ويأتى الاهتمام المشترك بين مصر والولايات المتحدة، فى إطار إعادة الاستقرار، والحفاظ على التوازن السياسى والاقتصادى فى السودان، والتوصل إلى أرضية مشتركة للتوافق حول المبادرات السياسية المطروحة للتسوية.

وفى ظل التخوفات الحالية من احتمالية التأثير السلبى لسد النهضة على حصة مصر التاريخية من مائية نهر النيل، قامت مصر بتنفيذ مشروع تنبؤ بإيراد نهر النيل فى الخرطوم، فى ظل المساعى المشتركة بين البلدين، ويضم هذا المركز قاعدة بيانات هيدرولوجية موحدة ونموذجًا للتنبؤ بإيراد نهر النيل.

ملف سد النهضة:

ما زالت مصر تنتهج الحل الدبلوماسى والسياسى فى التعامل مع ملف سد النهضة، حيث سلكت على مدار الـ ١٠ سنوات الماضية، كافة الطرق السياسية والدبلوماسية؛ لإيجاد حلًا دبلوماسيًا لقضية سد النهضة، وفقًا للاتفاقيات الدولية ومبادئ القانون الدولى، خاصة فى ظل التعنت الإثيوبى، وقد جاءت تصريحات وزير الخارجية المصرى فى الاجتماع الوزارى الأخير لمجلس جامعة الدول العربية، بأن مصر تعول على الدور العربى فى الضغط على إثيوبيا، لمراجعة السياسات الأحادية التى تتخذها لتحقيق مصالحها، دون النظر لمصالح دولتى المصب، وعلى الرغم من المحاولات الاستفزازية من قبل الجانب الإثيوبى، إلا أن مصر استطاعت التعامل بدبلوماسية شديدة مع هذه القضية، وتدويلها؛ لإجبار أديس أبابا على التفاوض، حيث تدخلت فيها القوى الكبرى، كالولايات المتحدة، التى قدمت مشروع اتفاق وقعت عليه مصر والسودان فى عهد دونالد ترامب، واستمرارًا لسعى مصر نحو استخدام الضغط السياسى على إثيوبيا، فقد قامت باللجوء إلى مجلس الأمن لدفع الحشد الدولى نحو حلحلة هذه القضية، وواصلت مصر طرح قضيتها مجددًا فى أروقة الأمم المتحدة، خلال اجتماعات الجمعية العامة سبتمبر الماضى، والتأكيد على ضرورة التوصل لاتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.

واستكمالًا للتعويل المصرى على المجتمع الدولى، وضعت مصر قضية المياه ضمن الأجندة الدولية فى مؤتمر المناخ الذى استضافته فى شرم الشيخ نوفمبر الماضى، ومازالت مصر تعبر بقضية سد النهضة نفق المفاوضات والحلول الدبلوماسية، للحفاظ على الحق التاريخى للشعب المصرى فى نهر النيل، ومازال الحل العسكرى مطروح جانبًا، لما سيعقبه من تبعات قد تضر بمصر، وتتيح الفرصة لتكالب دولى يسعى لفرض عقوبات على مصر، إذا قامت باللجوء إلى الحل العسكرى، فهم مازالوا يترصدون لمصر، وينتظرون وقوعها، حتى ينالوا منها؛ لذا فلابد من تكاتف مصر والسودان، وحشد المجتمع الدولى لتشكيل ورقة ضغط على إثيوبيا، والتخلى عن سياسة التعنت التى تتبعها، ووضع مصالح هاتين الدولتين فى الحسبان، وعدم التصرف بشكل أحادى يعمق من الأزمة ويضر بمصالح مصر والسودان.

العلاقات المصرية الخليجية:

WhatsApp Image 2023 03 15 at 15.49.00 أكثر من مئة عام من الدبلوماسية.. مصر تتجه نحو آفاق دولية أوسع

لقد تعاظمت العلاقات بين مصر ودول الخليج، وشهدت زخمًا من تدفق الاستثمارات لتعويض مصر عن الاستثمارات الأجنبية التى خرجت من البلاد، فضلًا عن دعم الاقتصاد المصرى وتحقيق التوازن فى سوق الصرف، وزيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى، ومن ثم تحقيق الاستقرار المالى، وقد شهدت الفترة الماضية تحركات دبلوماسية من قبل القيادة السياسية المصرية إلى دول الخليج؛ للتأكيد على أصالة العلاقات بين مصر والأمة العربية، وحرصها الدائم على الحفاظ على مصالحها، وأمنها وأن أمن مصر من أمن الخليج، والسعى نحو تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين مصر والسعودية على سبيل المثال، وتحركاتها نحو بعض الدول الأخرى كالإمارات، والبحرين وعمان والكويت، وغيرهم، وقد وصل التنسيق المصرى مع دول مجلس التعاون الخليجى إلى درجة كبيرة من التناغم، خاصة مع إتمام المصالحة مع قطر وعودة المشاورات مع تركيا.

اتجاه مصرى نحو دوائر غير تقليدية:

فى ظل سعى مصر نحو تحقيق أهداف الأجندة الوطنية للدبلوماسية، سعت القاهرة نحو تأسيس شراكة استراتيجية جديدة فى منطقتين أصبحتا محور الاهتمام العالمى، وهما جنوب ووسط آسيا، ومنطقة القوقاز، وذلك سوف يعود على مصر بمكاسب فى المجالات الاقتصادية، والأمن السيبرانى، والطاقة المتجددة والزراعة، فقد جاءت زيارة الرئيس المصرى، مؤخرًا إلى الهند وأرمينيا وأذربيجان؛ رغبةً فى فتح آفاق أوسع وتأسيس مرحلة جديدة من التعاون، وقد جاءت هذه الخطوات كردة فعل غير متوقعة، للسعى نحو آسيا، فى ضوء ما يعرف بـ “دبلوماسية التنمية” فى ظل الضغوطات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى والعالمي؛ لذا يمكن القول إن التحركات الدبلوماسية الأخيرة التى شهدتها مصر، تخطو خطى واسعة لتنشيط حركة السياسة الخارجية المصرية بالمحيط الآسيوى، ناهيك عن دفع عجلة التنمية القائمة على جذب الاستثمارات وترويج للفرص الاستثمارية، ومن ثم دعم الاقتصاد المصرى، وفيما يتعلق بالبعد الأمنى، فقد حرصت مصر على دعم جهود مكافحة الإرهاب، فى ظل وجود الإرهاب والتطرف فى منطقتى جنوب ووسط آسيا، وتشير توجهات السياسة الخارجية لمصر، الرامية إلى التعاون مع دولتين بينهما نزاعات كأرمينيا وأذربيجان إلى سعيها الدائم لتبنى الحيادية، فالقاهرة تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتتعامل مع كافة الدول من منطلق المصلحة المشتركة دون الالتفات إلى مثل هذه النزاعات.

التحرك المصرى نحو إفريقيا:

دائما ما تتطلع مصر نحو تعزيز الهوية الإفريقية والتوجه نحو هذه القارة، والمشاركة فى علميات التنمية المشتركة بين مصر ودول القارة السمراء، فمؤخرًا، شهدت العاصمة التنزانية تدشين حفل ملء بحيرة سد “جوليوس نيريرى”، الذى ينفذه التحالف المصرى لشركتى المقاولون العرب والسويدى إلكتريك على نهر روفيجى بتنزانيا، وتعد هذه المشروعات ضمن المشروعات التنموية العملاقة فى إفريقيا، والتى تجسد إمكانات وقدرات الشركات المصرية فى تنفيذ مشروعات البنية التحتية فى العديد من الدول الإفريقية، والخروج بنتائج مثمرة بشأن التعاون الإقليمى البناء، وحرص مصر المستمر على تحقيق التضامن الإفريقى.

وفى نوفمبر ٢٠٢٢ أعلنت مصر إطلاق نسخة إفريقية من مبادرة حياة كريمة فى العديد من الدول الإفريقية، من خلال مبادرة “حياة كريمة لإفريقيا صامدة أمام التغيرات المناخية”، وذلك يعد نجاحًا غير مسبوق، كشف عن تحول مصر للاعتماد على القطاع الخاص؛ لمواجهة تحديات محدودية الموارد الاقتصادية الحكومية، التى حالت لسنوات دون تبنى سياسات خارجية تنموية.

إعادة رسم خطوط السياسة الخارجية المصرية:

شهدت السياسة الخارجية المصرية مؤخرًا عدة تطورات، وأصبحت تلعب دورًا محوريًا فى العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وباتت تؤسس لنفسها مركزًا تنطلق منه نحو لعب دور الوسيط فى العديد من الأزمات، والتعامل بحذر وحيادية، مثلما فعلت مع أرمينيا وأذربيجان، وأيضًا الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث دعت مصر إلى وقف هذه الحرب، وأعربت عن مدى جاهزيتها للعب دور الوسيط فى ذلك، مع مواصلة موقفها المتوازن والحيادية نحو روسيا وأوكرانيا، وهو ما بدا واضحًا منذ بداية الحرب، والعزوف عن تأييد أى طرف من أطراف الصراع.

واستمرارًا للدور الحيادى المصرى، فقد وقع الاختيار الروسى الأمريكى على مصر، واختيارها لاستضافة المحادثات المتعلقة بمعاهدة “نيو ستارت”، الخاصة بضبط عمليات الانتشار النووى، وذلك الأمر قد يكون له أثره فى احتواء حالة الشد والجذب بين موسكو وواشنطن، والتى زادت حدتها منذ اندلاع الحرب فى أوكرانيا.

وقد عملت مصر على تعظيم سياساتها الداخلية؛ لمجابهة الادعاءات الخارجية فيما يتعلق بممارسة الضغوط والانتهاكات ضد حقوق الإنسان، فأعلنت وثيقة الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام ٢٠٢١، وإعطاء الأولوية لهذا الملف فى سياسات الدولة، وتتم متابعة هذه الإستراتيجية من قبل لجنة معنية، والتى أصدرت تقريرها الأول المتعلق بتنفيذ هذه الإستراتيجية فى ديسمبر ٢٠٢٢، أيضًا تم تفعيل لجنة العفو الرئاسى، وإطلاق سراح عدد من المعتقلين فى قضايا الرأى، وكذا تنظيم حوار وطنى، يشارك فيه مختلف القوى والأحزاب السياسية، من أجل تحديد أولويات العمل فى الدولة المرحلة المقبلة.

ومؤخرًا بدأت العلاقات مع قطر وتركيا تعود لمجراها الطبيعى بعد قطيعة دامت لسنوات، حيث جرت المباحثات حول تطبيع العلاقات بين الأطراف الثلاثة، وتخطى مرحلة الخلافات، التى صعدت من الأزمة الدبلوماسية بينهم، فقد شهدت تركيا فبراير الماضى قيام وزير الخارجية المصرى بزيارة أنقرة، فى صدد الدعم الإنسانى إثر أزمة الزلازل، وفتح آفاق جديدة نحو مستقبل علاقاتى أفضل.

وقد لعبت مصر دورًا مهمًا فى تحقيق الأمن البحرى فى الممرات الرئيسية فى الشرق الأوسط، وذلك بانضمامها لتحالف “القوات البحرية المشتركة “combined maritime forces فى ٢٠٢١، وعملت على تنفيذ التدريبات وإجراء المناورات والعمليات المتعلقة بالتصدى لمحاولات تهريب المخدرات والقرصنة، وفى ديسمبر ٢٠٢٢، أعلن التحالف عن تولى مصر قيادة قوات المهام المشتركة combined task force 153″”، وتعد تلك المرة الأولى لتولى مصر قيادة أى من قوات المهام المشتركة تحت مظلة التحالف.

ختامًا:

لقد تمكنت الدبلوماسية المصرية من تحقيق نجاحات براقة، استطاعت أن تنقل مصر من مرحلة استعادة التوازن إلى مرحلة التأثير، فباتت مؤثرة على المستويين الإقليمى والدولى، وسعت إلى تعظيم المصالح الوطنية مع الأطراف الدولية الفاعلة، واتباع الحيادية، ونسج خيوط بها قوة ردع تحفظ توازن المنطقة، وتحول دون انجرافها إلى هوة الفوضى، فضلًا عن الاحترام المتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية، وحرصها على مدى تماسك مؤسسات هذه الدول، للحيلولة دون سقوطها أو انتشار الفوضى فى ربوعها، أيضًا تمسك مصر بمبادئ القانون الدولى، واحترام العهود والمواثيق، فقد كانت السياسة المتبعة سياسة رشيدة، سعت لدعم جهود المصالحة مع بعض الدول، وقد استندت الدبلوماسية المصرية نجاحها أيضًا من قدرة صانع القرار السياسى على رسم الأهداف والمبادئ التى تحكم تحركات السياسة الخارجية.

 

كلمات مفتاحية