إعداد : أكرم السيد
شهد مارس الماضى عدة تطورات متعلقة بقرب المكونات السياسية للتوقيع على الاتفاق النهائى، حيث أعلن المتحدث الرسمى باسم العملية السياسية فى السودان أن التوقيع على الاتفاق السياسى النهائى سيكون فى الأول من أبريل الجارى، هذا الاتفاق الذى بدأ التشاور بشأنه منذ أن تم التوقيع على الاتفاق الإطارى الممهد له فى الخامس من ديسمبر الماضى، لتدخل القوى السياسية المدنية والعسكرية فى مشاورات بدعم من قوى إقليمية ودولية هادفة للتوصل لاتفاق نهائى يدشن لفترة انتقالية جديدة.
لكن ثمة خلافات بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع قد حالت دون توقيع الاتفاق النهائى فى الأول من أبريل كما كان مخطط له، ليتم إرجاء التوقيع على الاتفاق النهائى إلى السادس من الشهر الجارى حتى يتم حل هذه الخلافات، لتثار بذلك مجموعة من المخاوف بشأن مدى تأثير هذه الخلافات على التوقيع على الاتفاق النهائى من عدمه.
من وثيقة دستورية إلى اتفاق نهائى
تجدر الإشارة إلى أن التطورات السياسية الحالية فى السودان، والتى قادت بدورها إلى توقيع الاتفاق الإطارى فى الخامس من ديسمبر الماضى، كان نواتها وثيقة دستورية قد أعدتها نقابة المحامين العام الماضى، والتى مهدت إلى وصول المكونين المدنى والعسكرى إلى الاتفاق الإطارى، والذى جاء متطابقًا مع ما احتوت عليه الوثيقة الدستورية، ثم التشاور بشأن اتفاق نهائى ينهى الاضطراب الذى أصاب المشهد السياسى السودانى على مدار السنوات الماضية، ويدشن لمرحلة انتقالية جديدة، وتتخلص أبرز بنود هذه الوثيقة فيما يلى:
- إقامة دولة مدنية تتبع نظام الحكم الفيدرالى وتتشكل من مجلس سيادة مدنى ومجلس وزراء مدنى ومجلس تشريعى.
- دمج القوات العسكرية فى جيش مهنى واحد والنأى به عن العمل السياسى وحصر مهامه فى الدفاع عن سيادة وحماية حدود البلاد وحماية الدستور الانتقالى، وتنفيذ السياسات المتعلقة بالإصلاح الأمنى والعسكرى.
- تبعية جهازى الشرطة والأمن إلى السلطة التنفيذية على أن يكون رئيس الوزراء هو القائد الأعلى لها.
- مراجعة اتفاق جوبا للسلام الموقع فى أكتوبر ٢٠٢٠ وصولًا إلى سلام عادل يشمل جميع الحركات غير الموقعة.
- إصلاح الأجهزة العدلية وتحقيق العدالة الانتقالية مع ضمان عدم الإفلات من العقاب.
- تفكيك نظام الإخوان واسترداد الأموال العامة المنهوبة خلال فترة حكمهم التى استمرت إلى ثلاثين عامًا.
وفى أعقاب هذه الوثيقة التى أشرنا إلى بعض من أبرز بنودها، انخرطت القوى المدنية والعسكرية فى مفاوضات بدعم من الآلية الثلاثية والرباعية الدولية، فضلًا عن دور ملحوظ لبعض دول الجوار السودانى، كمصر التى دعت إلى ورشة حوار فى القاهرة انعقدت فى فبراير الماضى والتى جاءت تحت عنوان “آفاق التحول الديمقراطى نحو سودان يسع الجميع”، والتى تجاوبت معها بعض القوى السودانية كالكتلة الديمقراطية، ورفضتها بعض القوى الأخرى كقوى الحرية والتغيير والمجلس المركزى.
وبشكل عام، فإن الاتفاق الإطارى الذى دشن فى الخامس من ديسمبر الماضى، قد أدى فى نهاية المطاف إلى دخول القوى السياسية السودانية – باستثناء القوى السياسية الرافضة للاتفاق الإطارى والتى لم تنخرط فيه – إلى مرحلة تشاورات نهائية بهدف التوصل لاتفاق نهائى.
وشملت هذه المرحلة النقاش حول خمس قضايا، تمت المناقشة بشأنها على مدار عدة جلسات وورش عمل، وهى قضايا تفكيك النظام البائد، والعدالة والعدالة الانتقالية، واتفاق جوبا، وشرق السودان، لكن قضية وحيدة من بين هذه القضايا، وهى قضية توحيد المؤسسة العسكرية السودانية فى جيش مهنى واحد لم تحسم بعد إلى الآن، وقد أدى عدم حسمها إلى تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائى، وذلك نتيجة لعدة خلافات بين مكونى هذه القضية، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، حيث كان من المخطط أن يتم توقيع الاتفاق النهائى فى الأول من أبريل، يلى ذلك توقيع الدستور الانتقالى فى السادس من الشهر ذاته، لتتولى بعد ذلك حكومة مدنية قيادة المرحلة الانتقالية التى ستمتد لعامين، لكن الأمور لم تمضِ كما كان مخطط لها.
ما سبب الخلاف؟
كانت قضية توحيد المؤسسة العسكرية ودمج الحركات المسلحة فى جيش مهنى واحد ينأى بنفسه عن المشهد السياسى، هى القضية التى أدت بدورها إلى تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائى والذى كان من المفترض أن يتم توقيعه فى الأول من أبريل، حيث أعلنت القوى المدنية والعسكرية تحديد يوم السادس من أبريل موعدًا جديدًا لتوقيع الاتفاق النهائى كفرصة بديلة أمام الأطراف السياسية لحل هذا الخلاف.
وبنظرة أكثر عمقًا، فإن ثمة انقسامًا واضحًا خاصةً بين الأطراف العسكرية يمكن ملاحظته بوضوح فى أعقاب تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائى، بل إن هذه الحالة الانقسامية هى التى أدت فى الأساس إلى تأجيل التوقيع، وتكمن هذه الخلافات تحديدًا بين الطرفين الأبرز فى المؤسسة العسكرية السودانية بين الجيش السودانى من جهة والذى يتزعمه “عبد الفتاح البرهان”، وبين قوات الدعم السريع من جهة أخرى والتى يتزعمها “محمد حمدان دقلو”.
وعلى الرغم من اشتراط “البرهان” بصفته قائدًا للجيش السودانى ضرورة انضمام قوات الدعم السريع لتعمل تحت مظلة ولواء الجيش السودانى، وترحيب “دقلو” بهذا الأمر معلنًا استعداده لبذل كافة المساعى لانضمام قوات الدعم السريع إلى الجيش، إلا أن ثمة معوقات تحول دون انضمام قوات الدعم إلى الجيش، وتتمثل هذه المعوقات فى أن لكل من الجيش وقوات الدعم السريع اشتراطات حول آلية تنفيذ انضمام قوات الدعم إلى الجيش.
ويمكن حصر اشتراطات الجيش فى رغبته فى إخضاع ضباط قوات الدعم السريع للشروط المنصوص عليها فى الكلية الحربية، ووقف التعاقدات الخارجية والتجنيد، والابتعاد تمامًا عن أى عمل سياسى، فيما تنحصر اشتراطات قوات الدعم السريع فى ضرورة إعادة هيكلة القوات المسلحة السودانية، وذلك كشرط مسبق لكى تقبل قوات الدعم الانضمام إلى الجيش، وهو ما سيطيل بدوره مسألة انضمام قوات الدعم إلى الجيش، نظرًا لأن هذه المسألة تحتاج إلى وقت طويل نسبيًا لتنفيذ هذه الهيكلة، وهو ما قد يؤدى إلى ضرب فكرة التوصل إلى اتفاق نهائى قريب فى مقتل، نظرًا لأن الخلافات لم تحسم بعد بين الأطراف العسكرية.
وعلى صعيد آخر، فإن قضية توحيد المؤسسة العسكرية السودانية أكبر من أن يتم حصرها فى الخلافات الدائرة بين القوات المسلحة وقوات الدعم باعتبارهما مؤسسات عسكرية رسمية، فعلى المستوى العسكرى الرسمى، تعانى المؤسسة العسكرية فى السودان من اختراق واضح من قوى الإسلام السياسى المحسوبة على نظام الرئيس السابق “عمر البشير”، وما لهذه القوى من تفاعلات سلبية مع المشهد السياسى الحالى، هذا من ناحية أخرى، فإن ثمة تشتت فى بنية المؤسسة العسكرية الرسمية فى السودان، تمثل فى تعدد النزعات العرقية والقبلية وبروزها بين المنتمين لهذه المؤسسة، وهو ما يجعل من إعطاء الأولوية للقضايا الوطنية منزلة أدنى.
أما على المستوى العسكرى غير الرسمى، فإنه ثمة تعدد للجيوش والحركات المسلحة السودانية تهدد بالضرورة سيادة الدولة وإحكام قبضتها على كامل ترابها الوطنى، وينال ذلك بالطبع من تماسك المؤسسة العسكرية الرسمية فى البلاد، نضف إلى ذلك انتشار العناصر الميليشياوية، والتى ساهم نظام البشير فى تنميتها وتثبيت جذورها، وما لذلك من نشوب للصراعات وعدم استقرار الأوضاع.
لذا، فإنه بشكل عام إذا نجح الجيش السودانى وقوات الدعم السريع فى التوصل إلى اتفاق توحيدى بينهما، فإنه يمكن اعتبار ذلك خطوة فى مسار التوحيد العسكرى والأمنى، بل سيتطلب الأمر بعد هذا الاتفاق المنتظر الكثير من العمل لوضع نهاية لتعدد الجيوش والحركات المسلحة وانتشار الميليشيات.
إجمالًا
بعد مرحلة كان يتمحور الخلاف فيها بين المكون المدني من جهة والمكون العسكري من جهة، فإن ثمة خلاف حادث الآن بين المكون العسكري ذاته وهو ما يهدد بالضرورة التوصل إلى اتفاق نهائي. وأمام هذه الحالة، فإننا أمام احتمالين، الأول هو أن تنجح الجهود الحالية فى إحداث تقارب فى وجهات النظر بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، وهو إن حدث سيترتب عليه إقرار الاتفاق النهائى، ومن ثم تهدئة الأمور نسبيًا.
والثانى هى أن تفشل الجهود الجارية فى أن تحدث تقاربًا بين الجيش والدعم، وإن حدث ذلك فسوف يهدد بشأنه جهود إقرار الاتفاق النهائى بأكمله، نظرًا لاشتراط البرهان – وهو طرف أساسى فى المعادلة السياسية – ضرورة انضمام قوات الدعم إلى الجيش قبل أن يوقع على الاتفاق النهائى المرتقب.