إعداد: شيماء عبد الحميد
في سياق مجموعةٍ من التحولات الجيوسياسية، سواء على صعيد منطقة الشرق الأوسط أو على الصعيد الدولي، وفي مؤشرٍ جديدٍ إلى تسارع وتيرة إصلاح العلاقات بين مصر وسوريا؛ وصل وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى القاهرة، في الأول من أبريل الجاري؛ ليلتقي بنظيره المصري، سامح شكري، وهي الزيارة الأولى من نوعها، منذ أكثر من عقْد؛ حيث عقد الوزيران لقاءً ثنائيًّا مُغْلقًا، أعقبته جلسة محادثات مُوسَّعة، شملت وفديْ البلديْن، ركَّزت على مسار استئناف العلاقات بين الدولتيْن، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، فضلًا عن مناقشة الملف الإيراني، ما بعد اتفاق عودة العلاقات بين طهران والرياض.
وخلال اللقاء، أكد الطرفان على استمرار التنسيق والحوار بين البلديْن، في مختلف الأصعدة، خلال المرحلة القادمة؛ بهدف تناول القضايا والموضوعات التي تمسُّ مصالحهما، فيما جدَّد «شكري» دعْم مصر لجهود التوصُّل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية في أقرب وقتٍ، ودعم الجهود الأُممية في هذا الصدد، وأهمية استيفاء الإجراءات المرتبطة بتحقيق التوافق الوطني بين السوريين، وبناء الثقة، ومواصلة اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، وقد أثارت هذه التصريحات والتعهدات، تساؤلات عدة، خاصةً فيما يخص مصير التقارب «المصري – السوري»، وإمكانية عودة سوريا قريبًا إلى الجامعة العربية مرةً أُخرى.
سياق الزيارة ودلالات التوقيت
تأتي زيارة وزير الخارجية السوري في ضوْء عدة مُعْطيات إقليمية مهمة، والتي قد أعطت دفعة قوية لاحتمالية عودة العلاقات «المصرية – السورية» إلى مسارها الطبيعي، بعد سنوات عديدة من التراجُع؛ منها:
– الزَّخَم الناتج عن دبلوماسية الزلزال؛ ساعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، في 6 فبراير 2023، على تخفيف العُزْلة الدبلوماسية التي واجهها «بشار الأسد»؛ بسبب أزمة بلاده، التي بدأت عام 2011، وعلى إثْرها عُلِّقت عضوية سوريا بجامعة الدول العربية؛ إذ سارع عددٌ من الدول العربية، بتقديم الدعم والمساعدات والتواصل مع النظام السوري؛ ما خلق زخمًا سياسيًّا قد يُمكِّن «الأسد» من إصلاح علاقاته العربية، ومن ثم؛ رد الفعل العربي والتضامن مع سوريا بعد أحداث الزلازل، تُعدُّ نواةً لحلحلة الأزمة السياسية بشكلٍ كبيرٍ، وبمثابة نقطة تقارُب بين الدول العربية وسوريا، وعلى رأسهم مصر؛ التي بادر رئيسها، عبد الفتاح السيسي، بالاتصال هاتفيًّا بـ«الأسد» للمرة الأولى، وأعقب الاتصال زيارة لوزير خارجيتها، سامح شكري، إلى دمشق، في 26 فبراير الماضي.
– علاقات مصرية متوازنة مع سوريا؛ ترتبط مصر وسوريا بعلاقات سياسية متميزة على كافة الأصعدة؛ حيث كانت مصر دائمًا حريصة على التوازن في علاقاتها الخارجية بما في ذلك العلاقات مع سوريا، وحتى في ظل القطيعة العربية، كانت القاهرة حريصة على الاتصال مع دمشق، والتنسيق معها، خاصةً على المستويات الأمنية، ولهذا أخذت العلاقات بين القاهرة ودمشق بُعْدًا مختلفًا، مقارنةً ببقية الدول العربية؛ إذ لم تشهد العلاقات بينهما انقطاعًا بشكلٍ كاملٍ، بل أبقت مصر سفارتها مفتوحة في دمشق طوال سنوات الأزمة السورية، لكنها خفَّضت فقط مستوى التمثيل الدبلوماسي وعدد أفراد بعثتها.
وكذلك ظلت الزيارات واللقاءات المتبادلة بين الدولتيْن؛ حيث استقبل البرلمان المصري السفير السوريّ لدى القاهرة، بسام درويش، في نوفمبر 2019، كما رحّبت القاهرة بمدير إدارة الاستخبارات العامة السورية، علي مملوك، عام 2016، كأول زيارةٍ معلن عنها، أجراها إلى الخارج، منذ اندلاع الأزمة في 2011، وكانت في حينها رسالة من مصر، بأنها تدعم سوريا تحديدًا في وجه التدخلات التركية، بالإضافة إلى أنه سبق والتقى «شكري» و«المقداد» على هامش أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24 سبتمبر 2021؛ حيث تركز النقاش بينهما، حول سُبُل إنهاء الأزمة في سوريا.
وقد أعلنت مصر في العديد من المحافل والمنابر الدولية، أنها تدعم تسوية الأزمة السورية المستمرة، منذ العام 2011، على أساس مفاوضات تشمل جميع الأطراف بما في ذلك حكومة البلاد، وأن الحلَّ العسكريَّ لا يؤدي إلى إعادة الاستقرار في سوريا؛ الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق حوار ومفاوضات وعملية سياسية شاملة، وبما يتوافق مع القرارات الدولية ذات الصلة، وعلى رأسها؛ قرار مجلس الأمن «رقم 2254»؛ من أجل الحفاظ على سلامة ووحدة الدولة السورية، وإنهاء كافة صور الإرهاب والتدخُّل الأجنبي بها، ووضع حدٍّ لمعاناة الشعب السوري.
وعليه؛ تؤكد مباحثات الوزير السوري في القاهرة، بشكلٍ لا لبْس فيه، أن مصر من الدول المؤيدة لعودة العلاقات «السورية – العربية» إلى ما كانت عليه، قبل عام 2011، وكذلك عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، في أقرب وقت، فضلًا عن إيجاد آلية تنسيق مشتركة «مصرية – سورية»؛ لحلحلة المشهد وترسيخ وتسهيل التهدئة في الإقليم، ومن ثم؛ تسهم زيارة «المقداد» في مزيدٍ من التقارُب «المصري – السوري»، خاصةً في ضوء التقارير المعلوماتية التي تفيد بعقْد قمة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ونظيره السوري بشار الأسد، في القاهرة، في نهاية أبريل الجاري.
– التوصُّل للاتفاق «السعودي – الإيراني»؛ تأتي المباحثات «المصرية – السورية» متناغمة مع حالة من التهدئة والتصالح تسود المنطقة، والتي من أبرز ملامحها؛ اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية تحت رعاية صينية، والذي من شأنه، أن يؤثر بشكلٍ واضحٍ على ملف الأزمة السورية؛ لأن طهران هي الحليف الرئيسي لـ«بشار الأسد»، كما أن لها نفوذًا مهمًا في البلاد.
– انفتاح عربي على عودة العلاقات مع النظام السوري؛ يأتي التقارب «المصري – السوري» في سياق حراك دبلوماسي عربي باتجاه إنهاء سنوات من القطيعة مع النظام السوري وفكّ عُزْلة سوريا، وذلك في وقتٍ بدأ يتشكل إجماع عربي وإقليمي حول أهمية عودة العلاقات والحوار مع النظام السوري؛ لمعالجة بعض التحديات العالقة في العلاقات «العربية – العربية»؛ إدراكًا بأن إقصاء سوريا من منظومة العمل العربي المشترك بتعليق عضويتها، في نوفمبر 2011، في جامعة الدول العربية لم يُجْدِ نفْعًا، وأن إدماجها في المنظومة العربية أصبح ضرورةً حتميةً بما يُسْهم في تلافِي الآثار السلبية التي تخلفها الحرب في سوريا، مثل النشاط الإرهابي من جانب، وبما يدفع نحو تصويب مسار عمل صيانة الأمن القومي العربي بالاستفادة من كل المتغيرات الدولية والإقليمية من جانب آخر.
ويعكس هذا التوجُّه؛ تصريح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بأن إجماعًا بدأ يتشكل في العالم العربي، على أنه لا جدوى من عزْل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقتٍ ما؛ حتى يتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين، هذا فضلًا عن المبادرة الأردنية التي أطلقها وزير الخارجية، أيمن الصفدي، والتي تمثل خارطة طريق عربية لحل الأزمة السورية، وكل هذه التطورات تساعد مصر على لعب دوْر الوساطة؛ لتقريب وجهات النظر بين سوريا والدول العربية.
-الاجتماع الرباعي في موسكو لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة؛ يحمل توقيت زيارة «المقداد» إلى مصر دلالات كبرى، باعتبارها سبقت الاجتماع الرباعي الذي عُقد في موسكو لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، برعاية «إيرانية – روسية»؛ ما يجعل هذه الزيارة بمثابة رسالة دعم مصرية لسوريا في تلك المفاوضات، خاصةً وأن مصر ظلت لفترة طويلة تشارك سوريا الهواجس نفسها من السياسة التركية وتدخلها في الشأن الداخلي في كلا البلديْن، وبالتالي؛ فإن القاهرة تجد في تقوية الموقف التفاوضي السوري قُبَيْل الاجتماع الرباعي تقوية لموقفها وعامل ضغط قوي على أنقره لتغيير سياستها.
وقد أعرب الجانب المصري في هذا الصدد، عن ثوابت القاهرة تجاه الوضع في سوريا، وتحديدًا الشمال؛ إذ جرى خلال اللقاء، التأكيد على ضرورة خروج القوات التركية من شمال سوريا، وتحديدًا المناطق الكردية، والتمسُّك بسيادة سوريا، وبالتالي؛ التقارب «السوري – التركي» من شأنه أن يكون له انعكاسات كبيرة على مسار العملية السياسية في سوريا، والتي تتمسك مصر كذلك، بضرورة المضي قدمًا نحو حلٍّ سلميٍّ.
-الاستعداد لعقد القمة العربية بالسعودية في مايو المقبل؛ كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت عودة دمشق إلى الجامعة العربية، ويحمل توقيت الزيارة قُبَيْل انعقاد القمة العربية في السعودية، عدة دلالات، أبرزها؛ أن مصر تسعى إلى استكمال خطوات عودة سوريا لموقعها الطبيعي في مؤسسات العمل العربي المشترك؛ لذلك تعمل القاهرة على التنسيق مع مختلف الأطراف العربية؛ من أجل تحقيق هذا الهدف.
مصالح متبادلة في عودة العلاقات
جاء انفتاح مصر وسوريا على عودة العلاقات وتسريع وتيرة التقارب، مدفوعًا بعدة مصالح مشتركة؛ فالتقارُب يصُبُّ في مصلحتهما، ولن يعود بأي ضرر، بل سيفتح مجالات أرحب في التعاون الثنائي، خاصةً في الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري والتنسيق الأمني والسياسي في ملفات مشتركة بالمنطقة، وفيما يلي أبرز مكاسب الدولتيْن من التقارُب:
– بالنسبة لمصر؛ فإن تقاربها مع سوريا يعود عليها بالنفع في العديد من الملفات، منها:
أولًا: تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وإعادة صياغة العلاقات مع طهران؛ فمن خلال السعي للتطبيع مع دمشق، ترغب مصر في تقويض وجود الوكيل الإيراني بالمنطقة، فالقاهرة تريد من سوريا مراجعة نمط علاقتها مع طهران؛ كي لا تكون وكيلًا لإيران في الجامعة العربية، وكي لا يكون «بشار الأسد» جسرًا تعبر عليه إيران؛ لكي تتلاعب بالأمن القومي العربي، وتهدد المصالح الحيوية العربية.
وقد جاء الاتفاق «السعودي – الإيراني»؛ ليدعم هذا المسعى؛ حيث تراقب مصر تطورات الاتفاق بين البلديْن، وما إذا كان سيقود إلى نتائج إيجابية ملموسة، يمكن البناء عليها نحو بلْورة رُؤْية أكثر واقعية لشكل العلاقة المستقبلية مع إيران؛ ما قد يفتح الباب أمام احتمالات خطوةٍ مماثلةٍ، قد تُفْضِي إلى عودة العلاقات بين مصر وإيران، خاصةً وأن التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، تفرض معالجةً أُخرى، أو تناولًا مغايرًا للعلاقات «المصرية – الإيرانية»، تكون أكثر واقعية.
ثانيًا: حماية الأمن القومي المصري؛ تمثل سوريا بموقعها الجغرافي أهميةً بالغةً بالنسبة إلى الأمن القومي المصري؛ لذلك تسعى مصر منذ بداية الأزمة السورية، في عام 2011؛ للحفاظ على الدولة الوطنية السورية والدولة المركزية؛ حتى لا يتم تقسيم سوريا تحت أي ظرف؛ خشيةً من نمو الجماعات الإسلامية في البلاد، ودائمًا ما تمسَّكت مصر بالتسوية السياسة الشاملة للأزمة السورية، والتي من شأنها، أن تضع حدًّا للتدخلات الخارجية، وتضمن استعادة سوريا لأمنها واستقرارها الكامليْن، وتحفظ وِحْدَةَ أراضيها وسيادتها، وتقضي على جميع صور الإرهاب والتنظيمات الإرهابية دون استثناء، وتتيح العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين؛ الأمر الذي سيُعزِّزُ من استقرار وتنمية المنطقة.
ثالثًا: لعب دور مركزي في قضايا الإقليم؛ تحاول القاهرة تقوية حضورها الإقليمي، وربما يكون الملف السوري أحد الجسور القوية التي يمكن للدولة المصرية استعادة حضورها من خلاله مُجدَّدًا؛ فبروز الحضور المصري في الساحة السورية، يمنح القاهرة فرصةً للدخول في مقاربات سياسية عدة، ولعب دور حيوي في الملف السوري واليمني وانخراطها بالملف الليبي بصورة كبيرة.
رابعًا: تعزيز الفُرَص الاقتصادية بين الدولتيْن؛ فالتقارُب «السوري – المصري» له انعكاسات اقتصادية إيجابية بين البلديْن؛ إذ تأمل الشركات المصرية، أن تحظى بعقود لإعادة الإعمار في سوريا، قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات، في حال عودة العلاقات، إلى جانب عودة المستثمرين السوريين من مصر إلى سوريا؛ للمساهمة في مرحلة إعادة الإعمار، فضلًا عن الاستفادة العائدة على الدولتيْن، في حال انضمام سوريا إلى منتدى غاز شرق المتوسط، وتنفيذ اتفاقية إمداد لبنان بالغاز المصري عبر سوريا، الموقعة عام 2022.
– بالنسبة لسوريا؛ فإن التقارُب مع القاهرة يخدم أهدافًا سياسيةً وإستراتيجيةً مختلفةً لـ«بشار الأسد»؛ منها:
أولًا: الاستفادة من الدعم المصري بالعودة إلى المحيط العربي؛ تدرك دمشق حاجتها لمصر، سواء من أجل العودة إلى الجامعة العربية، أو للحصول على دعم مهم في المحافل الدولية؛ فالقاهرة لها دوْرٌ محوريٌّ، في إطار عودة العلاقات «العربية – السورية»، ويُعتبر التواصل المباشر معها هو المدخل المناسب لعودة العلاقات السورية مع جميع الأطراف.
وبعد زيارة «المقداد» لمصر، فإنه من المتوقع، أن تُطرح مسألة عودة دمشق للجامعة العربية بقوة على طاولة البحث والنقاش خلال القمة العربية المقبلة بالرياض، في مايو المقبل، بل إن احتمالات العودة لمقعدها كبيرة؛ حيث يُتوقع أن تلعب مصر إلى جانب الإمارات والسعودية دورًا مهمًا في استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، وترتيب عودتها لمحيطها العربي، وإنهاء عُزْلتها عربيًّا وإقليميًّا.
ثانيًا: دعم الموقف السوري في ملف التطبيع مع تركيا؛ ففي ضوء مُعْطيات التقارُب «المصري – التركي»، وتشابُه موقف سوريا ومصر من الوجود التركي في الأراضي السورية؛ حيث تطالبان بانسحاب أنقرة كليًّا، وإنهاء وجودها العسكري، فضلًا عن قوة علاقات القاهرة مع موسكو، فإن مصر يمكنها أن تلعب دورًا مهمًا في تقريب وجهات النظر بين تركيا وسوريا.
ثالثًا: الحصول على دعم سياسي عربي؛ فمع تدهور أوضاع الحليف الإيراني؛ نظرًا لصعوبة أوضاعه الداخلية، وخلافه المشتعل مع الدول الغربية، خاصةً مع عودة التوتُّر، وفرض العقوبات؛ نتيجةً لفشل إحياء الاتفاق النووي، المُبْرَم عام 2015، وانشغال الحليف الروسي بالحرب الأوكرانية، يسعى «بشار الأسد» إلى إيجاد بدائل عربية تدعمه ضد المواقف الأمريكية والأوروبية، المُطالِبة بمحاكمته، ورفض أي تقارب معه.
مُعوِّقات في مسار عودة العلاقات
بالرغم من تسارُع وتيرة التقارب «المصري – السوري»، و«العربي – السوري»، إلا أن هناك عدة مُعوِّقات قد تعرقل مسار عودة العلاقات «السورية – المصرية»، منها:
– وجود انقسام عربي بشأن عودة سوريا للجامعة العربية؛ بينما تُعدُّ القاهرة من أبرز الداعمين لنظام «الأسد»؛ فإن مواقف الدول العربية لا تزال متباينة، بشأن رفع التجميد وعودة العلاقات مع «الأسد»، ففي حين استأنفت البحرين والإمارات وسلطنة عُمان بعثاتها الدبلوماسية في دمشق، لا تزال قطر متحفظة ومترددة، وتطالب بحلٍّ سياسيٍّ للأزمة السورية قبل أيِّ تطبيع مع النظام السوري، وقد صرَّح المتحدث باسم خارجيتها، ماجد الأنصاري، أنه لا يوجد حتى الآن إجماعٌ عربيٌّ حول عودة سوريا للجامعة العربية.
وبما أن عودة دمشق إلى مقعدها يتطلب إجماعًا عربيًّا شاملًا، وليس فقط مجرد تأمين أغلبية أصوات الدول الأعضاء، مثلما حدث في قرار تعليق العضوية، فإنه من المبكر، الحديث عن تحقُّق ذلك في القمة العربية المقبلة، التي تستضيفها الرياض، في مايو 2023؛ إذ يستلزم الأمر المزيدَ من التحرُّكات لتحقيق الإجماع العربي، والتي سيتحدد بناء عليها الموقف من هذا الملف.
– رفض «أمريكي – أوروبي» للتطبيع مع «بشار الأسد»؛ عبَّرت واشنطن عن معارضتها لأيِّ تحرُّكاتٍ لإعادة تأهيل أو تطبيع العلاقات مع «الأسد»؛ حيث اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الرئيس السوري، بشار الأسد، بارتكاب فظائع لا حصر لها، وفي 24 مارس الماضي، أعادت واشنطن التأكيد على أن موقفها من التطبيع مع حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، لم يتغير، طالما لم يحدث تقدم حقيقي ودائم نحو حلٍّ سياسيٍّ، يتماشى مع قرار مجلس الأمن «رقم 2254».
وأوروبيًّا؛ أصدرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يوم 14 مارس، بيانًا مُوحَّدًا، طالبت فيه المجتمع الدولي، بالعمل معًا لمحاسبة نظام «بشار الأسد» على ما ارتكبه من انتهاكات وفظائع، وشدَّدت الدول الثلاث، على أنها لن تطبّع العلاقات مع حكومة «الأسد»، ولن تموّل إعادة الإعمار في البلاد، إلى أن يتم إحراز تقدّمٍ حقيقيٍّ ومُسْتَدَامٍ نحو حلٍّ سياسيٍّ، فيما وقَّع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، يوم 18 مارس، مرسومًا؛ لفرض عقوبات على 141 كيانًا رسميًا، و300 فرد، على رأسهم؛ الرئيس السوري، بشار الأسد، وعلى مسؤولين آخرين، من بينهم؛ رئيس الوزراء السوري، حسين عرنوس، ووزير الخارجية، فيصل المقداد، وتشمل العقوبات الأوكرانية، التي تستمر لمدة 10 سنوات، تجميد الأصول، والقيود على العمليات التجارية، وتعليق الالتزامات الاقتصادية والمالية.
– نفوذ إيراني قوي بسوريا؛ ليس مرجحًا أن تنجح مصر وباقي الدول العربية في فك الارتباط بين سوريا وإيران قريبًا؛ حيث بينما يُفترض أن يسعى النظام لتقليص نفوذ إيران عسكريًّا في مناطق سيطرته، فقد أتاح لها مزيدًا من التسهيلات؛ لنشر منظومة الدفاع الجوي الخاصة بها، جنوب العاصمة وجنوب البلاد، وباتت البنية التحتية للدفاع الجوي السوري مفتوحة أمام ميليشيات طهران أيضًا.
– وجود عوامل داخلية تقف حجر عثرة أمام إقامة علاقات طبيعية بين مصر وسوريا؛ وهي تتعلق بظروف سوريا السياسية والأمنية والاقتصادية؛ حيث لم تستطع سوريا الخروج من دائرة الحرب والصراع الداخلي بشكلٍ كاملٍ ونهائيٍّ بعْدُ، فضلًا عن التصعيد العسكري الإسرائيلي والأمريكي المتواصل ضد سوريا؛ ما يُصعِّبُ الأوضاع الداخلية أكثر.
– وجود قضايا عالقة بين الدولتيْن؛ فمصر لا تزال تنتظر من النظام السوري، تقديم بوادر حسن النية، التي تدفع بقبوله مرةً أُخرى في المحيط العربي، ومنها؛ اتخاذ الخطوات اللازمة لحلِّ أزمة اللاجئين السوريين، وإجراء تسويةٍ سياسيةٍ شاملةٍ تضُمُّ المعارضة؛ من أجل التوصُّل لتسويةٍ متوازنةٍ ومقبولةٍ من كافة الأطراف السورية، من شأنها حل الأزمة.
– ضغوط أمريكية وإسرائيلية؛ من أجل عرْقلة التقارب «العربي – السوري»؛ وذلك عن طريق محاولة تعظيم الخطر الإيراني في سوريا، وتعقيد الوضع الأمني في البلاد، وهذا ما يتضح في الهجمات الإسرائيلية المُكثَّفة التي تتزايد وتيرتها في الآونة الأخيرة، فضلًا عن التصعيد العسكري بين القوات الأمريكية والميليشيات الموالية لإيران في دمشق، هذا إلى جانب التحذيرات السياسية التي أطلقتها واشنطن، مؤكدةً أنها لن تتبع نهْج حلفائها، «الشرق أوسطيين»، في التصالح مع «بشار الأسد»، وتمسُّكها بسياسة العقوبات، في رسالةٍ ضمنيةٍ، مفادها؛ أنه سيكون هناك انعكاسات سلبية لهذه الخطوة على العلاقات الأمريكية مع الدول المُطبِّعَة.
إجمالًا:
تشهد العلاقات «المصرية – السورية» انفراجةً واضحةً، في ظلِّ تحوُّلاتٍ إستراتيجيةٍ مهمةٍ في منطقة الشرق الأوسط، وبخريطة التحالفات الإقليمية، وبغضِّ النظر عن أن الصورة العامة لم تتضح بعْدُ، إذا ما كانت الخطوات المتعلقة بإعادة النظام السوري للمحيط العربي ستنجح بالفعل في المرحلة المقبلة، لا سيما مع تأكيد الولايات المتحدة ودول غربية على أنها تعارض أيَّ عملية تطبيع، في وقت تواصل إجراءاتها المُتَّخذة ضد دمشق، فإن التقارُب «المصري – السوري» يحمل في طياته مكاسب مهمة، سواء للدولتيْن، أو للأمن القومي العربي، إذا تحقَّق بالفعل، ولكن الأمر مرهون على حلحلة القضايا والخلافات العالقة، وليس فقط عودة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة ودمشق.