إعداد: رضوى الشريف
هل بات اليمن على خطوةٍ من السلام؟ سؤال يطرح نفسه بقوةٍ، وذلك بعد حراكٍ إقليميٍّ، بلغ ذروته بزيارةٍ رسميةٍ معلنةٍ إلى العاصمة اليمينة صنعاء، جرى فيها لقاءٌ جمع بين وفد عماني وسعودي، برئاسة السفير محمد آل جابر، وعدد من كبار مسؤولي الحوثي، مساء السبت الماضي، وطُرح خلاله تصوُّرٌ لحلٍّ سياسيٍّ، يمهد لإنهاء الأزمة اليمنية، وتستند تلك الخطوة – فيما يبدو- على ما تشهده المنطقة من حراكٍ دبلوماسيٍّ، على وقْع الاتفاق «السعودي – الإيراني»، الذي أنهى سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين طهران والرياض، وأعطى دفعة قوية لتحريك عدة ملفات عالقة ومفصلية، وتعتبر مفتاحًا للاستقرار.
وأظهرت صورة نشرتها وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الأحد الماضي، السفير السعودي وهو يصافح رئيس المجلس السياسي في صنعاء، مهدي المشاط، وأُخرى وهما يتوسطان الوفد السعودي، ووفدًا عمانيًّا يقود الوساطة بين الجانبيْن ومسؤولين حوثيين.
بالرغم أن تلك الزيارة ليست الأولى، ولكنها الأعلى؛ حيث سبق أن زارت وفود سعودية العاصمة صنعاء؛ لإجراء محادثات حول عمليات تبادل للأسرى مع الحوثيين، لكن هذه الزيارة رفيعة المستوى، تأتي في خضم مساعٍ إقليميةٍ ودوليةٍ؛ للدفع باتجاه حلٍّ سياسيٍّ يفتح الباب أمام نهاية الحرب.
وتشير الزيارة إلى إحراز تقدُّم في مشاورات تجري بوساطة عمانية، بالتوازي مع جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة، واكتسبت جهود السلام زخمًا أيضًا، بعدما اتفقت المملكة العربية السعودية وإيران على استئناف العلاقات، بموجب اتفاق بوساطة صينية.
وفي وسط ردود فعل إيجابية، أعطت التطورات الأخيرة للشارع العام اليمني؛ أملًا في تقدُّم خطوات إنهاء الحرب، كما رحَّب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بالمحادثات «السعودية – العمانية» في صنعاء، مشيرًا إلى أنها تجعل اليمن أقرب ما يكون نحو تقدُّمٍ حقيقيٍّ، تجاه سلام دائم، منذ بدْء الحرب.
بينما أعلنت الخارجية الإيرانية، أنها تدعم الحل السياسي لتسوية الأزمة في اليمن، مؤكدةً إلى أن تحسين العلاقات مع الرياض سينعكس إيجابيًّا على دول المنطقة.
ولكن هناك بعض الأسئلة العالقة التي يجب الإشارة عليها، قبل المبالغة في تحميل هذه الزيارة ما لا تحتمله، ومنها ماهي حيثيات الخطوة؟ وهل باتت الظروف على أرض الواقع مهيئة للوصول إلى اتفاقٍ ينتهي بسلامٍ حقيقيٍّ، بعد حرب استمرت لـ8 سنوات؟
التصور السعودي لحل الأزمة
بالرغم من أن المباحثات لم تضم أيَّ ممثلين عن الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًّا، إلا أنه سبق وأن وافق أعضاء مجلس الرئاسة اليمني قبل الزيارة على تصور سعودي، بشأن حل الأزمة اليمنية، وذلك بعد مباحثات «سعودية – حوثية» برعاية عمانية، استمرت لشهريْن في مسقط، بشكلٍ سريٍّ وغير معلن عن تفاصيلها قبل الزيارة الأخيرة لصنعاء.
ويقوم التصوُّر السعودي على الموافقة على هدنة لمدة 6 أشهر في مرحلة أُولى لبناء الثقة، ثم فترة تفاوض لمدة 3 أشهر حول إدارة المرحلة الانتقالية، التي ستستمر سنتيْن، يتم خلالها التفاوض حول الحل النهائي بين كل الأطراف.
وتتضمن المرحلة الأولى خطوات وإجراءات ملموسة؛ بهدف بناء الثقة، وأهمها؛ دفع رواتب الموظفين الحكوميين في كل المناطق، وبينها مناطق سيطرة الحوثيين، وفتح الطرق المغلقة والمطار، كما تشمل إطلاقًا كليًّا لسراح الأسرى.
وفي مؤشر إيجابي إلى إمكانية حصول تقدُّمٍ في جهود السلام، أعلن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، التابعة للحوثيين، عبد القادر المرتضى، السبت الماضي، عن وصول 13 أسيرًا إلى مطار صنعاء الدولي، مقابل أسير سعودي، أُفرج عنه في وقتٍ سابق.
والشهر الماضي، أعلن الحوثيون والحكومة اليمنية، أنّهم توصّلوا خلال مفاوضات في برن إلى اتّفاق على تبادل أكثر من 880 أسيرًا.
ومن المرتقب بأن تشهد الفترة القادمة انفراجةً أكبرَ في عملية تبادُل الأسرى؛ حيث أعلن رئيس اللجنة الحكومة لتبادل الأسرى والمعتقلين، ماجد فضائل، أن عملية التبادل القادمة ستنطلق خلال الأيام القادمة، في شهر أبريل الجاري، كما أشار إلى أن عمليات تبادُل أخرى، ستتبع هذه العملية، حتى يتم إطلاق سراح جميع المحتجزين والمختطفين، على قاعدة “الكل مقابل الكل”.
ما هي حيثيات الخطوة؟
لا شكَّ بأن التحركات الأخيرة هي الأكثر جدية من سابقتها، وخصوصًا أن الدور الذي تلعبه الرياض، يسعى بشكلٍ أو بآخر لإحداث اختراقٍ في الجمود الذي أصاب المشهد اليمني، ولكن من المهم جدًا، الإشارة إلى أنه مازال هناك مستوى عالٍ من الغموض، والتعقيد في عملية إحلال سلام شامل؛ لتسوية الأزمة اليمنية.
ولا يمكن فصْل أن تلك الخطوة قائمة بشكلٍ كبيرٍ على المشهد الإقليمي، الذي يمر هذه الأيام، بجملةٍ من التحوُّلات، والتي بدورها يمكن أن تمهد للولوج إلى عملية إحلال سلامٍ في اليمن؛ حيث تسعى السعودية إلى أن تخلق نوعًا من “الاتفاق الأوَّلي”، ومن المرتقب الإعلان عنه قريبًا، قبل انتهاء شهر رمضان، في إطار دبلوماسية العشر الأواخر.
ويجري الاتفاق المرتقب، حول جُمْلةٍ من القضايا لا ترتقي إلى كوْنها قضايا إستراتيجية في الأزمة اليمنية، أكثر من إمكانية تصنيفها في الجانب التكتيكي، وأولى تلك القضايا: هو تمديد الهدنة التي انتهت في شهر أكتوبر الماضي، ولكن أطراف النزاع اليمني، استمروا في “تنفيذ الكثير من بنودها”، وفق ما صرَّح به أخيرًا، مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، وهذا مؤشر جيِّدٌ، ولعله يعود إلى حالة الإنهاك الإستراتيجية، الذي أُصيبت به أطراف انزاع.
كذلك قضايا فتْح المنافذ البحرية والجوية، وصرْف الرواتب وتبادل الأسرى؛ إذ كل ما يحدث الآن هو محاولة اختراق في هذا المستوى التكتيكي، يمكن من خلاله لاحقًا الشروع في عملية إحلال السلام، ولا شك بأن تلك العملية ستستغرق وقتًا طويلًا، فالحديث حينئذ سيكون عن مرحلة انتقالية، قد تمتد إلى سنتيْن أو أكثر؛ لأن الأزمة لها جذور قديمة ومعقدة.
وبالرغم من أن جهود السعودية في هذه المرحلة تتمركز حول قضية مركزية، وهي حماية الأمن القومي السعودي؛ حيث هي الطرف الأكثر تضرُّرًا وإنهاكًا في الأزمة اليمينة، منذ أن قادت قوات التحالف عام 2015، في إطار عملية «عاصفة الحزم»؛ لدعم شرعية حكومة الرئيس، عبد ربه منصور هادي، ومنذ ذلك الوقت، وهي مصابة بحالة إنهاكٍ إستراتيجيٍّ كبيرٍ، وبالتالي هي وصلت إلى قناعةٍ، أنه لا جدوى من استمرار الحرب في اليمن.
ولكن تؤدي تلك النقطة إلى سؤالٍ آخرَ مهم، وهو إلى أيِّ مدى يمكن أن تصل إليه السعودية، فيما يتعلق بالتعاطي مع الأزمة اليمنية؟ بمعنى؛ هل ستقف عند حدِّ حماية أمنها، وضمان ألَّا تُستباح أجواؤها من قِبَلِ الحوثيين، أم ستمضي أكثر من ذلك، وتطرح مشروعًا متكاملًا لإحلال السلام في اليمن؟
وللإجابة على هذا السؤال، يجب عدم الإغفال عن الطرف الحوثي، الذي يُعدُّ هو الطرف الفاعل في هذه المسألة، وهذا بموجب موازين القوى القائمة الآن؛ فهم يسيطرون على العاصمة اليمنية وشمال اليمين سيطرةً شبه كاملة، وفي المقابل، تُعدُّ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، مصابةً بحالةٍ من الضعف.
كما أن الحوثي يقرأ التحركات الأخيرة، بأنها اعتراف شرعي بوجوده في السلطة؛ حيث إن تحقيق مطالبهم بفتح الموانئ والمطارات، وصرف مرتبات الموظفين؛ ما يعني اعترافًا رسميًّا بهم كسلطة أمر واقع، حتى وإن كانت هي مكاسب اقتصادية في ظاهرها.
وعلى جانب آخر، يحرص الحوثي على عدم توقيع أيِّ اتفاقٍ مع المجلس الرئاسي اليمني، وأن أيَّ اتفاقٍ لتسوية أيِّ نقطة خلافية، يجب أن تكون مباشرة مع السعودية؛ حيث الحوثيون – حتى اليوم، وفقًا لتصريحاتهم- يرفضون أن يعملوا في إطارٍ واحدٍ مع بقية الأطراف اليمنية.
وتتعلق تلك النقطة بالمدى الذي من الممكن أن تقوم به إيران للضغط على الحوثي، وتدفعهم إلى تقديم تنازلات بشأنها، تنجز خارطة طريق تمهد في النهاية إلى يمنٍ ديمقراطيٍّ متماسكٍ، يستوعب كل الفرقاء، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، الحكومة الشرعية، والعميد طارق صالح، الذي يسيطر سيطرةً شبه كاملةٍ على الساحل الغربي للبلاد.
في النهاية:
لازال من المبكر أن يتم حسْم النزاع اليمني، وربما تكون عملية السلام بعيدة المنال في الوقت الراهن؛ فالحوثي من المرجح بأنه لن يتنازل بسهولة عن مشروعه ذي الصلة بـ”ولاية الفقيه”، ولن يقبل بسلامٍ يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات، وهذا ما هو مُعلن في فكره وممارسته على أرض الواقع، ومن جانبها، فمن المرجح أيضًا بأن الشرعية اليمنية لن ترضى بسلام تدخل فيه تحت جناح سلطة الحوثي بعقيدته المُعلنة، وبأحقيته في السلطة والمال، ولكن رهان حل تلك الإشكالية يقع على عاتق التحولات والتفاهمات الإقليمية الأخيرة، والتي تمثل بدايةً إيجابيةً لشقِّ طريق قد يكون طويلًا، ولكن الأكيد أنه سيساهم في تحريك المياه وذوبان الجليد بين أطراف النزاع، بما يحقق في النهاية رغبات جميع الأطراف اليمنية.