هل ستُكلل مساعى آبى أحمد لدمج قوات الأمهرة فى القوات الفيدرالية بالنجاح؟

إعداد/ دينا لملوم

عمدت الحكومة الفيدرالية فى إثيوبيا إلى الإعلان عن البدء فى إجراءات تفكيك القوات الخاصة وإعادة دمجها فى جيش مركزى واحد، يعمل على حماية سيادة البلاد والحفاظ على استقرارها، وذلك دون سابقة إنذار أو اتخاذ خطوات عادلة، تنضوى على تشكيل اتفاقات سياسية مع كافة الأقاليم، فقد اتُخذ القرار من جانب “آبى أحمد”، مما قوبل بموجة غضب حادة، واحتجاجات فى إقليم الأمهرة، تخللها رفض تام لهذه الخطوات الأحادية، فباتت الدولة الإثيوبية فى مأزق، ولكن سرعان ما عادت الحياة فى الأمهرة إلى طبيعتها.

ناقوس الخطر:

تتألف إثيوبيا من عشرة أقاليم، لكل منها حكمًا ذاتيًا، بداية من وجود قوات أمنية خاصة لكل إقليم، وحتى الحق فى استخدام اللغة الخاصة به، وقد نص الدستور الإثيوبى على أنه، لكى تتمكن هذه الأقاليم من الحفاظ على أمنها واستقرارها، فإن لكل ولاية قوات شرطة، وليست جيوش، ولكن خلال السنوات الأخيرة تطورت قدرات قوات الإقاليم، على رأسها إقليم الأمهرة، حتى أصبحت تشبه الجيوش الموازية، التى تناوئ الجيش الوطنى، وتتصرف فى كثير من الأحيان وفق مصالح إقليمها، دون النظر لمصالح الدولة، ومن ثم فهذا الانقسام يهدد أمن واستقرار الدولة، خاصة فى ظل الصراعات الدائرة طوال الوقت بين هذه الأقاليم ذاتها، كما أنه يجعلها بؤرة خصبة لنشوء الجماعات المتطرفة، وخلق دويلات داخل الدولة، تنعزل بشكل جزئى عما يحل بها، كما أنه يحرم هذه الأقاليم من حق تمثيل الحكومة والمشاركة فى وضع السياسات، ففى ظل هذا التعدد، يخيم على المشهد نوعًا من الضبابية السياسية، واستحواذ إقليم معين على الحق فى ترأس الحكومة.

عسكرة الأقاليم:

تسود حالة من القلق فى إثيوبيا فى ظل إعلان الحكومة الإثيوبية ٨ أبريل ٢٠٢٣، رغبتها فى تفكيك القوات الخاصة الإقليمية ودمجها إما فى الجيش الوطنى، أو فى الشرطة الفيدرالية أو الإقليمية، فى محاولة لبناء جيش مركزى واحد وقوى، وتقليص الحكم الذاتى للأقاليم، وبدأت الحكومة بالفعل خطوات عملية تسمح بدمج القوات الخاصة من كل إقليم فى كيانات أمنية مختلفة، وتأتى هذه المحاولات فى إطار مساعى الدولة الإثيوبية لإحكام قبضتها على تنامى عسكرة الأقاليم، فى ظل الصراعات الدموية التى دائمًا ما تنشب بين هذه الأقاليم؛ بسبب الخلافات المتعلقة بالنزاعات الإثنية والحدودية، أو حتى النزاعات على الثروة والسلطة.

رفض وتمرد أمهرى:

وقع هذا القرار على الأقاليم فى إثيوبيا وقع الصاعق، الأمر الذى أثار نوعًا من الخوف والحذر، ومواجهة هذه الخطوة بالرفض، فقد بادر إقليم “أمهرة” بالرفض القاطع لهذا المطلب، فعبّر السياسيون والناشطون والمثقفون، عن عدم رغبتهم فى فقدان قوتهم الإقليمية الخاصة، وبدأ هذا الاتجاه يتخذ منحى شعبويًا، حتى وصل الأمر إلى إطلاق دعوات للتمرد ضد الحكومة المركزية، ومن ثم فعلى الحكومة احتواء هذا الخطر، حتى لا ينتقل صداه إلى الأقاليم الأخرى، ويمكن القول بأن ما حدث من “تمرد أمهرى” ورفض الدمج وتسليم السلاح، جاء نتيجة لعدم قيام الحكومة بإجراءات استباقية، تسبق عملية الدمج، حيث عقد اتفاقات سياسية مع الأقاليم الأخرى، والتى تضم أعراق لها وزن، مثل الأمهرة والأورومو، وذلك مثلما فعلت مع جبهة تحرير التجراى، ومن ثم فقد بدا هذا الإعلان على أنه محاولة قسرية تفرض عليهم سياسة الأمر الواقع؛ لذا فقد اندلعت احتجاجات حاشدة فى الإقليم؛ أسفرت عن حدوث انفجارات وإغلاق العديد من المدارس والبنوك، وقيام المتظاهرين بقطع الطرق بالحجارة والإطارات المحترقة؛ لمنع الجيش من الوصول إلى أراضى الإقليم، وبات الوضع يزداد من سيء لأسوأ، حيث تصاعد الاشتباكات بين المحتجين والجيش.

تعنت إثيوبى:

تعامل رئيس الوزراء الإثيوبى “آبى أحمد”، بتعنت وصرامة، حيث تعهد بالمضى قدمًا فى تنفيذ قرار الدمج، وأنه سيعمل على تنفيذ القانون ضد أى معارضة هدامة وفقًا لما أشار إليه، وأخذت الاحتجاجات فى التصاعد، حيث اتساع رقعتها منذ إعلان القرار، سواء من حيث الإضرابات، والعصيان المدنى، ناهيك عن إغلاق الطرق، وإعاقة حركة الجيش، حتى أصبحت الحياة اليومية شبه متوقفة.

تجدر الإشارة إلى أن خطوة الدمج، تأتى فى إطار إحلال عمليات السلام فى إثيوبيا، وقد سبقتها الشهر الماضى إصدار “آبى أحمد”، مرسومًا يقضى بتعيين عضو اللجنة المركزية لجبهة تحرير التجراى “غيتاتشو” رئيسًا للإدارة المؤقتة فى إقليم التجراى شمال البلاد، فأراد “أحمد” بذلك إحلال السلام بين مختلف أقاليم إثيوبيا والحكومة الفيدرالية، فضلًا عن تحقيق الوحدة الوطنية الإثيوبية.

عودة الحياة إلى طبيعتها:

باتت الحياة فى إقليم أمهرة تعاود مرة أخرى، ١١ أبريل الماضى، بعد احتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء، فاستؤنفت الحركة المرورية فى المراكز الحضارية بالإقليم مرة أخرى، وكذا المصارف والمكاتب الحكومية استأنفت نشاطها، فربما سترضخ قوات الأمهرة لسياسة الأمر الواقع، وربما يكون ذلك بمثابة الهدوء قبل العاصفة، فى ظل تخوف الإقليم من الهجمات المحتملة من الأقاليم الأخرى المنقسمة عرقيًا، وقد تعاود مواصلة التظاهرات مرة أخرى، وبشكل أقوى عن سابقه.

وختامًا:

إذا واصل الجانب الإثيوبى تعنته، فمن المرجح أن تعاود قوات الأمهرة عمليات العنف والشغب مرة أخرى، الأمر الذى قد يؤدى بقرار الدمج إلى نفق مظلم، قد ينتهى بفشله؛ لأن هذه العملية باتت غير قانونية من وجهة نظر الأقاليم؛ نظرًا لعدم تخللها مفاوضات تهدف إلى إشراك جميع الأطراف على قدم المساواة؛ من أجل تحقيق الاستقرار والامتثال لمبدأ العدالة الاجتماعية والاقتصادية لجميع الأقاليم.

إذن فالوضع متأزم وينذر بالتصاعد وتوتر المشهد فى إثيوبيا، فحتى إذا تم التوصل لاتفاقات تتعلق بملف الدمج، فربما تكون اتفاقات هشة، نابعة من عدم رضا مطلق للأقاليم، وفقدان الشعور بالمواطنة الحقيقية؛ نظرًا لغياب قيم العدالة والمساواة بين جميع الأطراف، وربما تشكل هذه الخطوة المتاعب لإثيوبيا وتمهد لحرب أهلية بين الأقاليم الإثيوبية تلتهم مقدرات البلاد، ويبقى السؤال قائمًا، هل ستنجح مساعى “آبى أحمد” فى ملف الدمج؟ وهل ستنذر الأوضاع باحتمالية تدخل من قبل القوى الدولية، لضبط موازين الوضع الداخلى فى إثيوبيا؟ وماذا عن الاحتجاجات فى الأمهرة؟ هل ستستكمل مسارها ثانيةً؟ أم سيرضخ الأمهريون لمطالب الحكومة؟.

كلمات مفتاحية