أ/ بسمة أنور
أدت التحركات العسكرية التي قام الجنرالين اللذين يقودان السودان منذ 2021 إلى اشتعال التوترات بينها, والتي أضرمت النيران في الصراع الخفي وحولته لاشتباكات مسلحة أشبه بحرب شوارع من أجل الصراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع, وبررت قوات الدعم السريع عمليتها العسكرية بانها دفاع عن النفس متهمة قوات الجيش السوداني بأنها هاجمت قواعدها ومقراتها في الخرطوم ومروي ومدن أخرى وأن الجيش حاصر معسكراتهم ما اضطرهم للرد, , والتي وصفتها “بالقوات المعادية” وقابلها رد الجيش السوداني على هذه الاتهامات بان قوات الدعم السريع اصبحت متمردة وانها تصرفت برعونة في سبيل الوصول للسلطة, وصرح عبد الفتاح البرهان بان القتال فرض على الجيش لمواجهة مطامع متمردي قوات الدعم السريع “بصبر” لتجنب وقوع أى خسائر بشرية.
فهل يستطيع الجيش السوداني مواجهة وقمع قوات الدعم السريع في ظل توازن القوى بين الجانبين من حيث العتاد العسكري والبشري, أم ستكون هناك أستجابة لدعوات الوساطة الدولية ؟
اشباكات أقرب لقتال شوارع وتصريحات متضاربة:
تصاعدت الإشتباكات العسكرية بين الجناحين في ظل غموض حول أسباب وقوع المواجهة المباشرة بينهما ومن صاحب الرصاصة الأولى, فعلت أصوات الأسلحة لتعلن رسميا انتهاء حالة الصراع الهادئ مما أسفر عن سقوط قتلي مدنيين وعسكريين خلال الأحداث المتصاعدة, ليتحول المشهد كليا صوب العنف والاتهامات المتبادلة بينهما – البرهان وحميدتي – بإعتداء كل منهما على المواقع العسكرية للطرف الأخر, وتبرير عملياتهم العسكرية بأنها بمثابة دفاع شرعي.
وفي وسط حالة الشحن والتعبئة التي انخرط فيها الطرفان منذ أيام, فقد اكد “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني انه لم يبدأ بالعدوان, واتهم “محمد حمدان دقلو” قائد قوات الدعم السريع بأنه هاجم مقرات الجيش في بيت الضيافة، وهو مقر إقامة رئيس مجلس السيادة, وتعرض الجيش السوداني للعدوان من قبل القوات المتمردة – على حد وصفه, وفي تصريح يناقض البرهان, قال “حميدتي “أنه في حالة أسف للقتال مع أبناء الشعب لكن المجرم هو من أجبرنا على ذلك، القتال تم فرضه علينا بعد الاعتداء علينا وحصارنا” , وأكد أن قواته لم تهاجم أحدا وأنه رد على تعرضهم للحصار والاعتداء من قبل الجيش السوداني وهجوم كاسح بكافة أنواع الأسلحة”, فقد تنصل الجنرالين من مسئولية بدء المعركة ويحمل كل منهم الطرف الأخر مشئولية إشعال الأزمة, والتي تسببت في إراقة دماء المدنيين, ويبدو أن كلا الطرفين يمارسون حرب نفسية لتدمير المعنوية العسكرية لكل منها, ولإبداء أنه المسيطر على الوضع, وللضغط كمحاولة للضغط على الطرف الأخر لإجباره على الاستسلام, هذا إلى جانب تنصل كلا منهما من مسئولية الضربة الأولى وإظهار أنه فى حالة دفاع شرعي لكي يتحلل من المسئولية الدولية.
الخيار العسكري وميزان القوى بين الجيشين :
في ظل تمسك طرفي الصراع السوداني بالخيار العسكري من أجل كسر شوكة الجانب الأخر, فقد أكد ” حميدتي” إن الحرب كر وفر، مشيرا إلى أنه لا سيطرة للجيش حتى الآن, وأنه سيواصل القتال ولم ينسحب من مواقعه ولا حوار قبل تراجع الجيش السوداني, وبالتوازي قال ” البرهان” أن الجيش السوداني لم يكن أمامه سوى التصدي لمطامع المتمردين في السلطة وانهم سعوا لسيطرة سريعة على مقر الجيش والمناطق الحيوية وتنفيذ اغتيالات, وان الجيش السوداني يدير عمليات ضد التمردين بصبر لمنع وقوع اى خسائر بشرية, والجيش السوداني لديه قدرة كافية وارادة لدحر ما وصفهم بالمتمردين, وذكر المتحدث باسم الجيش السوداني ان القتال قد فرض على قوات الجيش وقال ان قوات الدعم السريع تحاول اقتحام مؤسسات الدولة المهمة والسيطرة عليها ولكن قوات الجيش تتصدى لها وتعمل على حماية المؤسسات مما وصفهم بمتمردي الدعم السريع.
فقد القى اندلاع القتال الداخلي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية, الضوء على ابرز القوي السياسية الفاعلة في السودان وهى الجيش السوداني الذى تاسس عام 1925 وتقوم عقيدته القتالية على اساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته ووحدته وقوامه 250 ألف عسكري وامتلكها 191 طائرة منها 45 مقاتلة و37 طائرة هجومية و25 طائرة شحن. والطيران السوداني هو أهم نقاط قوة الجيش في مواجهته مع قوات الدعم السريع. بالاضافة الى 170 دبابة ونحو 7 آلاف مركبة عسكرية و379 مدفعا، وهذه الأسلحة الثقيلة تصب أيضا في مصلحة الجيش. واما قوات الدعم السريع فهى قوات شبه عسكرية كانت تتقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب فى دار فور وقوامها نحو 100 الف مقاتل, أما عتادها فتمتلك نحو 10 الاف سيارات رباعية الدفع تحمل أسلحة متنوعة منها مضادات طائرات ومدافع ويمنح هذا السلاح الخفيف قوات الدعم السريع مرونة في الحركة، خصوصا في المواجهات داخل المدن.
ولليوم الثالث استمرت اشتباكات بين الطرفين وكانت اشبه بحرب شوارع وشديدة العنف وتتركز في وسط الخرطوم وخاصة في محيط القيادة العامة للجيش السوداني وكذلك بالقرب من القصر الرئاسيو دعا حميدتي المجتمع الدولي الى التدخل ضد ما يقوم به البرهان وادعى ان الحرب التى يخوضها هى ثمن للديمقراطية وسيتخذ كل ما هو ممكن لضمان امن وسلامة الناس والمواطنين , وفي المقابل يؤكد الجيش السوداني سيطرتة على كل مقراته وينفي استيلاء الدعم السريع على بيت الضيافة او القصر الجمهورى واعلن انه يدير معركته كما هو مخطط لها ويعمل طبقا لقواعد الاشتباكات والقانون الدولي الانساني, وفى تصريخ مناقض له اعلنت قوات الدعم السريع انها سيطرت على مقر القوات البرية وبرج وزارة الدفاع والقصر الجمهورى ويقول الدعم السريع انه سيطر على مطار مروي بينما الجيش السوداني قال ان المليشيا المتمردة تمارس التضليل اعلاميا وتكذب فى الكثير من الامور ويقول الجيش انه يسيطر بالكامل على القصر الرئاسي وكذلك القيادة العامة للجيش ولكن هناك بعض المناوشات المحدودة مع عناصر المليشيات كما يسميها فى محيط السيادة العامة وفى منطقة وسط الخرطوم .
إلا أن وتيرة المعارك الطاحنة قد تصاعدت بين الجيش السوداني وحميدتي في محيط “مقر القيادة العامة” وقال الجيش السوداني ان قوات الدعم السريع حرصت للاسف على الانتشار فى قرب المناطق الماهولة, وعلى الجانب الإنساني يبدوا ان معاناة المدنيين تزداد يوما يلو الاخر وعدد القتلى المدنيين يتصاعد حسب احصائيات.
وأوقع الصراع الدامي حصيلة كبيرة ما بين قتيل وجريح بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع والتي تقدر في أخر الإحصاءات نحو 59 شخصا، وأكثر من 1000 جريح, وقد أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان فجر اليوم عن ارتفع عدد الوفيات منذ بداية الاشتباكات لــ (97) حالة وفاة بين المدنيين، و(365) حالة إصابة بين المدنيين, وذكرت أن الاشتباكات مازالت جارية بين قوات الدعم السريع وقوات الشعب المسلحة، والتي أسفرت عن مزيد من الضحايا يجري حصرهم, هذا الأعداد الكبيرة تنم عن شدة إحتدام المعركة, وإزاء الصراع على السلطة بين الجنرالين اللذان يقودان السودان منذ انقلاب 2021، وقد أطلقت اللجنة مساء اليوم ” نداء استغاثة” للمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والاقليمية للتدخل والمساعدة للحد من هذه الكوارث الانسانية، كما دعت طرفي الصراع لتحكيم صوت العقل ووقف إطلاق النار, وذكرت ان المستشفيات والمرافق الصحية السودانية تحت وطأة الاشتباكات العسكرية، قد تدهورت بشكل المستشفيات والمرافق الصحية السودانية تحت وطأة الاشتباكات العسكرية, وأن معظم المستشفيات الكبيرة و التخصصية خرجت عن الخدمة نتيجة إخلائها قسرا بواسطة القوات العسكرية المتصارعة أو استهدافها بالقصف وأخرى انقطع عنها الإمداد البشري والدوائي والماء والكهرباء وأصبحت مهددة هي الأخرى بالتوقف التام.
وعن دعوات المجتمع الدولي إلى وقف النار الفوري وضرورة العودة للحوار لتجنب المزيد من التصعيد ونزع فتيل الأزمة, فقد صدرت منذ اليوم الأول للصراع, ولكن حدة التصارع على السلطة جعلت رؤوس المعركة تضرب وبها – الدعوات – عرض الحائط.
دعوات العودة لطاولة المفاوضات:
وتسارعت ردود الفعل الدولية والدعوات لوقف الاقتتال وبدء محادثات لإنهاء الأزمة في البلاد, وكانت أبرزها ” الولايات المتحدة وروسيا ومصر والسعودية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي” الدعوة إلى إنهاء الأعمال القتالية و العودة لاتفاق سياسي إطاري بين القوى السياسية المدنية والجيش في السودان, فقد تشاور “أنتوني بلينكن” وزير الخارجية الأميركي مع وزيري خارجية السعودية والإمارات، واتفقوا على ضرورة أن ينهي أطراف الاشتباكات في السودان أعمال القتال على الفور دون أي شروط مسبقة, هذا الى جانب عقد جامعة الدول العربية جلسة طارئة برئاسة مصر بناء على دعوة كلا من مصر والسعودية, والتي صدرت في اليوم الاول للصراع ,في إطار الدورة غير العادية لبحث تطورات الوضع في السودان و سبل نزع فتيل الأزمة الراهنة، والعمل على استعادة الاستقرار إلى دولة السودان الشقيقة في أسرع وقت, ولكن أشار مندوب السودان بالجامعة إلى فشل كل الوساطات الوطنية والإقليمية والدولية في إقناع الدعم السريع بالاندماج في الجيش الوطني حسب نص الاتفاق الإطاري، مطالباً بالدعم العربي للتهدئة ومشددا على ضرورة الخروج بتوصيات واضحة ترفض التدخلات الخارجية, وفي اليوم الثاني للصراع السوداني تواصل “احمد أبو الغيط” أمين عام جامعة الدول العربية مع عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء السوداني السابق – والذى دعا منذ بداية الصراع إلى ضروة ضبط النفس وتكاتف المدنيين وتمسكهم بوحدة السودان ودعا المجتمع الدولي الى ضرورة مساندة السودان في أزمتها – وخلال مناقشة الجانبين – حمدوك وابو الغيط- حول اخر تطورات الوضع في السودان والتى اوضح خلالها ابو الغيط اهمية التكاتف والعمل الجماعي من كافة مكونات الطيف السياسي لمحاولة الخروج من الازمة الخطرة التي تمر بها البلاد وشدد على ضرورة اعلاء المصلحة العامة للبلاد والترفع فوق المكاسب السياسية الضيقة واتفقا على اولوية وقف التصعيد والوقف الفوري للاشتباكات المسلحة وضمان امن السكان المدنيين واستعادة الهدوء مع التاكيد على ان كافة المشكلات يمكن معالجتها بالحوار, فقد قام ابو الغيط باجراء عدد من الاتصالات عالية المستوى بحثا عن سبل لوقف التصعيد العسكري الجاري بالسودان ولاستعادة الحوار بين الاطراف, فقد قام في اليوم الثالث للصراع باجراء اتصال هاتفي بالسكرتير العام للامم المتحدة, تناول خلاله سبل التنسيق بين الجامعة العربية والامم المتحدة في التعامل مع الازمة الجارية في السودان، ومع تصاعد الموقف السوداني تتضاعفت دعوات المجتمع الدولي إلى وقف القتال، لكنها لم تُجدِ إستجابة أو نية للجلوس على طاولة المفاوضات، فقد عرضتا كل من مصر وجنوب السودان الوساطة بين الأطراف السودانية,
وعلى صعيد طرفي الصراع, حيث اعتبر حميدتي إن استسلام رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان والفريق أول شمس الدين كباشي هو ” الحل الوحيد في السودان”.
وإجمالًا:
يتضح من مجمل المشهد السوداني بانه كارثي كما وصفه “أنطونيو غوتيريش” الامين العام للامم المتحدة , والوضع الكارثي يقع على كافة المستويات:
أولًا: سبب الصراع السوداني السوداني ليس مرتبط بالضروة بمسار سياسيي بقدر ما هو مرتبط بمصالح كل طرف والسعى الحثيث للسيطرة على السلطة بالبلاد, والذى من شأنه أخفق الاتفاق بينهما في عدة أمور وأهمها دمج قوات الدعم السريع في نطاق قوات مسلحة سودانية مسلحة موحدة وأيضا الإختلاف حول توقيت هذا الدمج.
ثانيًا: على المستوى المدني والذي يتدني بشكل كبير مما تمثل وضعا كارثيا من الناحية الانسانية فهو يؤدى لتعطيل الخدمات الصحية وخروج المستشفيات من الخدمة وتوقف خدمات الكهرباء وتوقف منظمات الاغاثة الدوليةعن العمل والذى سيكون له تاثير سلبي كبير على المواطن السوداني بشكلأكبر من الاطراف المتحاربة.
ثالثًا: والمستوى أكثر خطورة وهو عدم استجابة الاطراف المتحاربة لنداءات وجهود الوساطة التي بذلت منذ اليوم الاول للصراع, ويتضح أكثر من خلال بيان وزارة الخارجية السودانية والتي اذيع اليوم والذى يبدو انه استشعر النداءات والدعوات للوساطة والجلوس على طاولة الماوضات فجاء – البيان- لسد المنافذ أمام محاولات التدخل الخارجي, بإشارة البيان بأن ما يحدث في السودان هو شأن داخليا.
فى حقيقة الامر انه شأن داخلي ولكن تداعياته ستطال المنطقة باكملها خاصة دول الجوار المباشر ” مصر وجنوب السودان”, فإذا لم تستجيب الداخل السوداني لهذه الدعوات والذي يدور مجملها حول:
- وقف اطلاق النار الفوري.
- العودة الى مائدة الماوضات لبحث حلول وسط يرتضيها طرفي الصراع.
- العودة الى مسار سياسي يودى الى تفعيل الاتفاق الاطاري الذى تم تاجيل توقيعه مرتين على الاقل وكان معلقا به امال كبيرة للعودة الى حالة الاستقرار الداخلي, فالمخاوف الكبرى تكمن في تبدد الامال حول استعادة الدولة الوطنية اذا استر هذا الصراع وطال امد المعركة
فهذا الصراع الفائز فيها خاسر والخاسر الأكبر هو المواطن السوداني, فبالعودة الى سيناريوهات الفوضى السابقة التى مرت بها السودان والتى نتج عنها الانقسام ما بين سودان الشمال و سودان الجنوب وهو ما يخشى تكراره فى حالة ازديداد التصيعيد يوم يله الأخر وتدخل السودان في نفق مظلم مما وتحدث تحديات كبيرة على السودان نفسه ودول الجوار.
وبالعودة لطرفي الصراع, مازالوا مستمرون في عملية التصعيد على نطاق واسع, ويغضون الطرف عن دعوات الوساطة والعودة للتفاوض, وكلاهما يعمل على احداث تقدم على الارض, فاذا لم يقدم الطرفان تنازلات متبادولة والاستجابة للدعوات الدولية التى ترمي الى التهدئة وحقن الدماء فلن تفلح المبادرات في وقف التصعيد العسكري بينهما.