عرض لمقال The Economist بعنوان: “الحرب الأكثر دموية في العالم العام الماضي لم تكن في أوكرانيا”

عرض: ميار هانى

المقدمة:

نشر موقع “The Economist” البريطانى تقرير بعنوان “الحرب الأكثر دموية في العالم العام الماضي لم تكن في أوكرانيا”، بتاريخ 17 أبريل 2023، مسلطاً الضوء على تصاعد الحروب الأهلية فى مناطق مختلفة من العالم، ذاكراً أبرزها مع بيان جُملة من العوامل التى ساهمت فى خلق وإطالة أمد الصراعات، وأخيراً ذكر بعض الأفكار حول كيفية إنهاء الحروب، وذلك على النحو الأتى:

الحروب الأهلية منذ عام 1945

منذ عام 1945، جاءت الصراعات في ثلاث موجات متداخلة، وذلك على النحو التالى:

أولا : كافح الناس في المستعمرات الأوروبية من أجل الاستقلال، ثم تقاتلت الجماعات المتنافسة من أجل السيطرة على هذه الدول المستقلة حديثا.

ثانياً: لقد رفعت الحرب الباردة المخاطر: فقد دعم الغرب حركات التمرد ضد الحكومات التي أعلنت أنها ماركسية، من أنجولا إلى نيكاراغوا. وفى المقابل، دعم الاتحاد السوفيتي المقاتلين المناهضين للرأسمالية والأنظمة الثورية في كل قارة.

ثالثاً: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، انخفض عدد الحروب بشكل حاد. وكذلك العدد التقديري للقتلى في المعركة. ولكن بعد عام 2011 جاءت موجة ثالثة، إذ ازداد عدد الحروب، وتسبب الربيع العربي فى اندلاع حرائق في الشرق الأوسط، وانتشر شكل جديد من الجهادية في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

أبرز الحروب الأهلية التى يشهدها العالم

  • السودان: أقتتال الجيش والدعم السريع

تدور الاشتباكات في مواقع استراتيجية فى أنحاء العاصمة بين قوات الجيش النظامية بقيادة “عبد الفتاح البرهان” – الحاكم الفعلي للسودان – من جهة، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة “محمد حمدان دقلو” المعروف “بحميدتي” من جهة أخرى، للسيطرة على ثالث أكبر دولة في إفريقيا.

ووفقاً لما ورد فى التقرير، لا يبدو أن أيا من الرجلين على استعداد لتقاسم السلطة، بل كل منهما يصف الآخر بأنه “مجرم”. ويمتلك الجيش إمبراطورية تجارية واسعة، فى حين إن حميدتي قد جمع ثروة من مناجم الذهب وبيع الخدمات العسكرية في الخارج. ومع ذلك، لا يمكن ربط تردى الأوضاع بالسودان بخطأ هذين الرجلين فقط، إذ تعرضت البلاد لحروب أهلية منذ الاستقلال في عام 1956.

  • أثيوبيا: الصراع الأكثر دموية فى العالم فى العام الماضى

وفقاً ل “كومفورت إيرو” رئيس مؤسسة مجموعة الأزمات الفكرية، فإن الحرب الأكثر دموية في العالم العام الماضي لم تكن فى أوكرانيا، بل في إثيوبيا. إذ قدر “أولوسيجون أوباسانجو”، الرئيس النيجيري الأسبق والذي ساعد في التوسط إلى اتفاق سلام في نوفمبر بين الحكومة ومنطقة تيجراي، عدد القتلى بنحو 600 ألف بين عامى2020 و 2022. ولا يوجد تقدير لأوكرانيا مرتفع إلى هذا الحد.

ويوجد في إثيوبيا أكثر من 90 مجموعة عرقية، يميل العديد من قادتها إلى إثارة الكراهية للفوز بالسيطرة على واحدة من 11 منطقة عرقية في البلاد.

  • منطقة الساحل الأفريقى: تنامى الصراعات نتيجة للتغيرات المناخية

عانت خمسة بلدان – ألا وهى بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا (الشمالية) – من الجفاف في عام 2022، وتضرر ما يقرب من 6 ملايين شخص من الفيضانات، فضلاً إلى أشد أزمة غذائية منذ 20 عاما، ويعاني نحو 24 مليوناً في هذه البلدان الخمسة من “انعدام الأمن الغذائي”.

وفي منطقة فرعية واحدة فقط من مالي، وجدت لجنة الإنقاذ الدولية ما لا يقل عن 70 نزاعاً في أواخر عام 2021. كان نصفها حول الأرض، ثلثها حول المياة.

  • ميانمار: إستمرار للصراع العنيف

ان الصراع فى ميانمار معقداً، حيث تسيطر 200 جماعة مسلحة على أجزاء من الأراضي أو تقاتل للإطاحة بالحكومة، بعضها جيوش تسعى إلى الحكم الذاتي لمجموعات عرقية كبيرة، والبعض الآخر ميليشيات محلية تحاول الدفاع عن قرية واحدة. ولم تشهد البلاد عاماً خالياً من الصراع منذ الاستقلال في عام 1948. ويقول “ريتشارد هورسي” من مجموعة الأزمات، أن خلال العاميين الماضيين منذ استيلاء المجلس العسكري على السلطة في عام 2021 “هناك مستوى جديد من الوحشية، مع ضبط النغمة في القمة”.

لماذا تستمر الحروب الأهلية لفترة أطول؟

يكمن جُملة من العوامل التى ساهمت فى خلق وإطالة أمد الصراعات، وذلك على النحو الأتى:

  • تآكل المعايير العالمية:

يعد الإفلات من العقاب أحد الأسباب المُفسرة لإندلاع وطول أمد الصراعات، ففي السودان، على سبيل المثال، لم يحاسب أي شخص تقريبا على المذابح الجماعية التى تم ارتكابها خلال حروب البلاد المختلفة، فضلاً عن الاغتصاب الجماعي وغيره من الانتهاكات الأخرى.

وعندما انتهكت روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة من خلال غزو أوكرانيا وقتل المدنيين وخطف الأطفال، أظهرت مدى ضعف وتآكل المعايير العالمية. فضلاً عندما وصفت الصين، وهي عضو دائم آخر في مجلس الأمن الدولي، بوتين بأنه “صديق عزيز” على الرغم من اتهامه بارتكاب جرائم حرب.

  • تعقُد أسباب الصراعات:

يصعب أنهاء الحروب المعقدة بشكل عام، ولا يكفي إيجاد حل وسط يرضي طرفين، وقد يحتاج الاتفاق إلى إرضاء عشرات المجموعات، التي قد تقوم أي منها بتصويب بنادق الكلاشينكوف مرة أخرى إذا لم تكن راضية.

  • تدخلات القوى الخارجية فى الصراعات:

أصبحت الحروب الأهلية دولية؛ ففي عام 1991، شارك 4% فقط من الخارج بقوات أجنبية كبيرة. بحلول عام 2021، ارتفعت النسبة 12 ضعفاً لتصل إلى 48%، حسب تقديرات برنامج أوبسالا لبيانات الصراعات.

ويمكن أن يكون التدخل الأجنبي حميداً، كما هو الحال بالنسبة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بشكل عام، حتى لو كانت تخطئ في كثير من الأحيان. لكن تدخلات القوى الخارجية ذات الأجندات الأنانية تميل إلى جعل الحروب الأهلية تدوم لفترة أطول وتكلف المزيد من الأرواح، فوفقاً ل “ديفيد كننغهام” من جامعة ميريلاند، فإن التكاليف التي تتحملها الجهات الفاعلة الخارجية أقل – حيث لا يتم تدمير مدنها – لذلك يكون لديها حافز أقل لصنع السلام.

  • التغيرات المناخية تؤجج الصراع على المياه والأرض:

لا يسبب تغير المناخ صراعاً مباشراً، ولكن مع تلف وجفاف الأراضى الزراعية، يدفع الرعاة ماشيتهم الجائعة إلى أماكن أبعد، وغالباً ما يتعدون على الأراضي التي تطالب بها الجماعات العرقية المتنافسة.

وقد وجدت مراجعة ل 55 دراسة أجراها “مارشال بيرك” من جامعة ستانفورد وآخرون أن زيادة الانحراف المعياري الواحد في درجة الحرارة المحلية تزيد من فرصة الصراع بين المجموعات بنسبة 11٪ مقارنة بما كان يمكن أن يكون عليه في درجة حرارة أكثر طبيعية.

وعلى الصعيد العالمي، نزح فى عام 2021 حوالي 24 مليون شخص نتيجة للطقس القاسي، وتتوقع الأمم المتحدة أن يرتفع هذا الرقم. وفي السودان، نزح حوالي 3 ملايين شخص بسبب النزاع والكوارث الطبيعية حتى قبل بدء الجولة الحالية من القتال.

فالحرب تخلق حلقة مفرغة، ومع تدمير الجفاف والفيضانات للمناطق الريفية، يشعر الشباب الذين ليس لديهم آفاق بأنهم أكثر إغراء لحمل السلاح والاستيلاء على الأراضي أو النهب.

  • صعود الجماعات المسلحة:

مع انتشار الجماعات الجهادية أو المتمردة التي تفتقر إلى أي إلهام ديني فى البيئات الغير مستقرة، فإنهم يسرعون من انهيار سلطة الدولة. فقد وجدت دراسة أجراها “جيمس فيرون” من جامعة ستانفورد، أن الحروب الأهلية التي تكسب فيها قوة متمردة رئيسية أموالاً من المخدرات أو المعادن غير المشروعة تميل إلى الاستمرار لفترة أطول.

صنع السلام صعب، لكنه ليس مستحيلا.

وفى الختام

يشير التقرير أن الجهود العالمية الرامية إلى تعزيز السلام تتعثر بسبب حقيقة مفادها أن عضوين يتمتعان بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي يعارضان التدخل في الشؤون الداخلية للأنظمة الملطخة بالدماء.

إذ استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن 23 مرة في العقد الماضي، ورفضت قرارات للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى سوريا، والتحقيق في جرائم الحرب في البلقان. وأستخدمت الصين حق الفيتو تسع مرات. والولايات المتحدة الأمريكية ثلاثة، معظمها لحماية إسرائيل. ولم تستخدم حق النقض فرنسا وبريطانيا من قبل. وفي عامي 2001 و2010، عندما كانت طموحات بوتين الإمبريالية محدودة، ولم يكن شي جين بينج في السلطة بعد، أصدرت روسيا حق النقض أربع مرات فقط، والصين مرتين.

كما يشير إلى  أن هناك الكثير من الأفكار حول كيفية إنهاء الحروب،  وذلك من خلال البدء فى محادثات غير رسمية قبل وقت طويل من استعداد المتحاربين للاجتماع علناً، وإشراك المزيد من النساء وجماعات المجتمع المدني في عملية السلام، مع تقبل فكرة أن أي اتفاق سلام من المرجح أن يكون سيئاً. ووفقاً ل “ديفيد ميليباند” رئيس لجنة الإنقاذ الدولية، أن “استبعاد الأشخاص الذين لا تحبهم من السياسة لا يجدي نفعا”.

كلمات مفتاحية