السياسة “الاستباقية”: نهج جديد في السياسة الخارجية السعودية

إعداد: رضوى الشريف

المقدمة 

اتسمت السياسة الخارجية للملكة العربية السعودية على مدار عقود عديدة بثوابت ومبادئ تحکم توجهات سياستها الخارجية، والتي تمثلت في دعم الاستقرار السياسي، والأمن الاقتصادي في المنطقة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ورفض أي تدخل خارجي في شئونها الداخلية، وكانت المملكة، ولاتزال حريصة على وجود علاقات متينة مع جيرانها، بالإضافة الى علاقاتها الوثيقة مع حلفائها الدوليين.

إلا أن الأحداث التي صاحبت الثورات العربية، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ومن ثم الأزمة الروسية الأوكرانية وتباعتها، وضعت أمام الجميع تحديات جديدة، لا على مستوى الشرق الأوسط فحسب، بل على مستوى العالم بأسره. لذا كان لزاما على المملكة أن تغير من أدواتها السياسية مع التزامها -في الوقت ذاته-بمنطلقاتها الأساسية، فتدشن المملكة اليوم مشروعاً ضخماً يتمثل في إعادة موضعة لموقعها على الخريطة السياسية الإقليمية لاعباً أساسياً ورئيسياً في الشرق الأوسط.

بيد أن هذه السياسة تغيرت بالتدريج، إذ أن التحديات والمخاطر ازدادت نتيجة للتغيرات الدراماتيكية في ملفات وقضايا إقليمية عديدة، مما زاد من تعقيد المشهد السياسي الإقليمي، وإرباك حسابات الدول الإقليمية. وتغيرت السياسة الخارجية السعودية من سياسة رد الفعل إلى سياسة وقائية واستباقية بغية مواجهة التحديات والتهديدات التي تفرضها الساحة الدولية.

وسيبحث هذا المقال تحولات السياسة الخارجية السعودية بشكل أساسي بعد عام 2015، والتي بدأت مع تسلّم الملك سلمان للحكم وتعيين نجله محمد بن سلمان ولياً للعهد في عام 2017.

أولاً: عوامل السياسة الخارجية السعودية قبل 2015

أسست السياسة الخارجية السعودية منذ أكثر من ثلاث عقود من الزمن استناداً إلى عدة عوامل رئيسية:

العامل الأول: وهو العامل الاقتصادي عن طريق الاعتماد على النفط بشكل أساسي في دخل الدولة المالي، وقد وصلت مساهمة النفط إلى 90٪ من مجموع إيرادات الدولة المالية في عام 2015، فالسعودية لم تكن تعير أي اهتمام لجذب استثمارات خارجية تعزز من أداء الاقتصاد المحلي، بل كانت تعتمد في تمويل كل مشاريع البلاد من بناء البنية التحتية والخدمات على عائدات النفط. وانعكس اعتماد الدولة على النفط على السياسة الخارجية للبلاد، فلم تكن الدولة مضطرة لتقديم أي تنازلات لأي دولة من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية بحكم أن اقتصاد البلد يعتمد بالدرجة الأولى على النفط.

العامل الثاني: ويتبلور هذا العامل حول اعتماد الدولة على الولايات المتحدة الأميركية كحليف أمني وسياسي وعسكري، حيث لعبت الأخيرة دوراً مهماً على صعيد تحقيق الاستقرار في السعودية ومنطقة الخليج العربي من خلال تأسيس القواعد العسكرية، وتطوير الجيش السعودي من حيث التدريب والسلاح، حيث تصنف واشنطن الدولة الأكثر تصديراً للسلاح إلى الرياض، والتي سجلت 61 % من مجموع ما تستورده السعودية بحسب مركز أبحاث السلام والحرب في استوكهولم.

العامل الثالث: وهو عامل ثابت، يتمثل بلعب السعودية دوراً قيادياً في زعامة العالم الإسلامي، إذ أن المسؤولية الجوهرية الكبرى في سياسة السعودية الخارجية تنبع من دورها بوصفها مهدا للإسلام، حيث أسست الدولة منذ نشأتها على مبادئ الإسلام بحكم وجود الأماكن الإسلامية المقدسة في “مكة المكرمة والمدينة المنورة” وهما وجهة للمسلمين في كل العالم.

ثانيًا: تحولات السياسة الخارجية السعودية بعد 2015

شهدت الفترة التي بدأت مع تسلّم الملك سلمان للحكم وتعيين نجله محمد بن سلمان ولياً للعهد عددا من التحولات في سياسة المملكة الخارجية تجاه الصعيدين الدولي والإقليمي كالاتي:

تنوع مصادر اقتصاد الدولة

أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤية 2030 والتي تتبنى استراتيجية تسعى لتحقيق تنوع في مصادر اقتصاد البلاد بدلاً من الاعتماد على تجارة النفط فقط، وانطلاقاً من ذلك أطلقت الرياض الاستراتيجية الوطنية لتوطين الصناعات الاستراتيجية مثل بناء مصانع للطائرات من دون طيار، ومصانع لصناعة السيارات الكهربائية، ومصانع أخرى للأدوية، إضافة لإنشاء مصانع متخصصة في صناعات التكنولوجيا المتقدمة.

كما تسعى السعودية إلى جذب الاستثمارات الأجنبية بعد البدء ببناء مشروع مدينة “نيوم”، حيث تستهدف الدولة من خلاله تطوير بنيةٍ تحتية قادرة على وضع السعودية كمركز لسلاسل الإمداد العالمية وأن تكون مركز تجارة ونقل دولي، ولتحقيق هذا الهدف أصدرت الدولة في فبراير 2021، قرارَ الامتناعِ عن ترسية تعاقدات حكومية على الشركات التي تقيم مراكز أعمالها خارج البلاد بعد 2024، بقصد جذب الشركات للعمل في الداخل، حيث تتخذ غالبية تلك الشركات الإمارات مقراً لها. وبذلك ستضطر الشركات الأجنبية العاملة في السعودية إلى نقل إقامة مقراتها الإقليمية إلى السعودية للحفاظ على عقودها، كما أعلنت الدولة عن عزمها إنفاق 147 مليار دولار لجعل السعودية “المحور اللوجستي” الجوي والبحري الرئيسي للمنطقة، من خلال: إنشاء خط سكة حديد عالي السرعة، وشركة طيران جديدة (شركة طيران الرياض)، وخدمات موانئ موسعة، وتسعى السعودية أيضاً لتشجيع السياحة في البلاد عبر إطلاق المهرجانات واحتضان الفعاليات الرياضية المهمة، وتأهيل العديد من المناطق السياحية.

ومن أجل إنجاح عملية التحول الاقتصادي، كان لا بد من السعودية أن تغيير في سياستها الخارجية وأن تصبح أكثر انفتاحاً على العالم ككل، فجذب الاستثمار وتحويل البلاد إلى مركز دولي يحتاج بيئة إقليمية آمنة، ودولة منفتحة على العلاقات مع كل دول العالم، وإلى اتخاذ الحياد من الأزمات بما لا يضر مصالح الدولة الاقتصادية، فعلى سبيل المثال في الحرب الروسية الأوكرانية الاخيرة وقفت السعودية على الحياد لحماية مصالحها مع روسيا فيما يخص تجارة النفط على الرغم من العلاقات العسكرية والسياسية التاريخية مع الغرب، لأنه ومن منظور تجاري فإن من مصلحة السعوديين التنسيق مع روسيا بخصوص إنتاج النفط بما يضمن المصلحة للطرفين، كما أن السعودية ترفض الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية فيما يخص تحديد سقف أسعار النفط الروسي، لأن هذا الإجراء يضر أيضاً بالسعودية وعلى أسعار النفط عالميا، ومن خلال الشراكة مع روسيا يمكن للسعودية أن تتحكم  أكثر في أسعار النفط.

توسيع شبكة علاقة الدولة مع القوى الدولية المختلفة

كانت السعودية في السابق تعتمد بشكل مفرط على الولايات المتحدة الأميركية في قضايا الأمن والدفاع، لكن في عهد الملك سلمان وولي العهد بدأت تظهر ملامح سعي السعودية لبناء شبكة من العلاقات الدولية مع الدول الكبرى مثل روسيا والصين، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة التي لم تعد الشريك الأمني الأكثر موثوقية، وظهر ذلك بشكل جلي في عام 2019 عندما قامت تم استهداف منشآت أرامكو النفطية في منطقة بقيق السعودية من خلال طائرات مسيرة، وحينها لم تبد الولايات المتحدة الأميركية أي رد فعل تجاه حماية منشآت النفط في السعودية،  ذلك بالإضافة إلى قرار الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن بسحب منظومة الدفاع الجوي “الباتريوت” من السعودية في الوقت الذي كانت السعودية تواجه فيه صواريخ الحوثيين البالستية. مما قوضت التصورات السعودية لأميركا بأنها ضامن موثوق.

قامت الرياض بتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، انطلاقاً من تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى، فقد طورت علاقاتها مع روسيا بعد أن فرضت الأخيرة نفسها كأحد أطراف القوى المؤثرة في الشرق الأوسط لاسيما بعد عام 2016، وترجمت السعودية ذلك بزيارة الملك سلمان إلى روسيا عام 2016، وشكلت الزيارة علامة فارقة مهمة لكلا البلدين، وخاصة فيما يتعلق بتنسيق أنشطة الدولتين في سوق النفط العالمية. وكان الحدث الأبرز الذي قرب السعودية أكثر من روسيا هي وقوف الأخيرة مع الرياض في فترة المقاطعة السياسية والضغط الدولي على السعودية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، وقام بوتين في تلك الفترة وتحديداً في عام 2019 بزيارة للسعودية، ووقع خلالها البلدين على مجموعة من الاتفاقيات.

وفيما يتعلق بعلاقات السعودية بالصين فقد شهدت نمواً بشكل ملفت بعد قيام الرئيس الصيني بزيارة هامة إلى الرياض في عام 2016، حيث قامت الدولتان بالتوقيع على “شراكة استراتيجية شاملة”. وفي مارس 2017، قام الملك سلمان بزيارة إلى الصين وتلتها زيارة قام بها ولي العهد محمد بن سلمان إلى بكين في فبراير عام 2019، وقع حينها البلدان على 35 اتفاقية بقيمة 28 مليار دولار، وهذه الاتفاقيات هي ترجمة للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين التي وقعت عام 2016. وفي نهاية عام 2022 قام الرئيس الصيني بزيارة تعد الأهم للسعودية لأنها جاءت في وقت يعيش فيها العالم أزمات متعددة لاسيما الحرب الروسية على أوكرانيا، وتوتر العلاقات السعودية الأميركية. وتحاول السعودية إبرام صفقات السلاح مع الصين تتضمن نقل تكنولوجيا صناعة السلاح إلى السعودية لاسيما إنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار.

مبادرة سعودية جديدة لاستقرار أمن الإقليم

في خضم ما يشهده إقليم الشرق الأوسط من تحولات في سياسات الفاعلين الإقليميين والدوليين، يُلاحظ في الأشهر الأخيرة بوجود حراك سعوديّ نشط، مدفوع بعدة متغيّرات أساسية؛ أولها محاولة الرياض بأن تصبح مركزًا دبلوماسيًّا إقليميًّا، عبر استضافتها القمّة العربية الأميركية في شهر يوليو الماضي، وكذا القمّة العربية الصينية في شهر ديسمبر الماضي، وثانيها رغبة السعودية في استثمار تداعيات الاتفاق الصيني السعودي الإيراني ، في تعزيز حراكها الدبلوماسي في عدة ملفات عربية إقليمية مهمّة، خصوصًا اليمن وسوريا وفلسطين والسودان مؤخرا بتقديم نفسها على أن تكون وسيطا بين أطراف الأزمة.

وبالنسبة للعراق، فتحاول السعودية جذبه بصورةٍ أكبر نحو “عمقه العربي”، خصوصًا مصر والأردن، وكذا حرص السعودية على إشراك العراق في القمم الدولية العربية، ما يعكس رغبةً سعودية أصيلة في استعادة العراق علاقاته الخارجية وتنويعها تمهيدًا لتقليص الهيمنة الإيرانية عليه. ويكشف هذا النحو سعي الرياض إلى تعزيز خطوات الانفتاح المحسوب والتدريجي على محيطها الإقليمي، خصوصًا إيران وتركيا.

ويتعلق المتغير الثالث باستعداد السعودية لاستضافة القمّة العربية في شهر مايو الجاري والتي ينتظرها العديد من المراقبين الدوليين والإقليميين خاصة أنها قد تكون المحطة الأخيرة -بعد حراك سعودي مكثف في الأسابيع الماضية-لعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية.

الخاتمة

لا شك بأن المملكة العربية السعودية تدخل مرحلة جديدة، مرحلة تمتاز بإدراك أن العالم من حولها قد تغير، وأن الاعتماد على القدرات الغير عسكرية لأجل حفظ أمن وسلامة الدولة لم يعد قائماً، مرحلة تمتاز بالابتعاد عن السياسة المحافظة والمهادنة التي اتبعتها المملكة عبر عقود طويلة وتبني سياسة أكثر جرأة وتحدي وفاعلية داخلياً وإقليمياً ودولياً.

 لذلك تحرص السعودية على إجراء تحولات ملحوظة في سياستها الخارجية، لإيجاد شركاء –غير الولايات المتحدة-قادرين على مساندتها في تطوير صناعاتها المحلية لا سيما العسكرية والتكنولوجية، لكن تبقى السعودية حريصة على تحالفها العسكري والأمني مع الولايات المتحدة الأميركية بشكل تحوطي.

وفي سياق تقييم تحركات السعودية الجديدة في مجال السياسة الخارجية يلاحظ الآتي:

  • السعودية تحاول تخفيف حدة التوترات الأمنية خارج حدودها وهو ما يعتبر عاملا مهمًا لتخفيف ضغط الغرب عليها لأسباب أمنية.
  • سرعة الدبلوماسية السعودية واتسامها بالديناميكية والذكاء في اختيار شركاء العمل الدبلوماسي، مثل اختيارها للصين لتكون وسيطا في الاتفاق الإيراني السعودي. وفي الأزمة السودانية، يلاحظ التعاون الامريكي السعودي لتقديم خطة سلام مشتركة تهدف لحلحة الأحداث في السودان.
  • إدراكًا منها للتحديات الاقتصادية التي يواجهها الغرب ومقارباتها الاحتكارية تسعى السعودية إلى خلق إمكانيات اقتصادية وتكنولوجية جديدة.
  • تحاول السعودية تحويل موارد الطاقة من مصدر دخل إلى وسيلة لتوليد الطاقة لا سيما في خلق توازن ضد الغرب.

في حقيقة هذه التحولات، لا تبحث المملكة عن نهج المواجهة مع واشنطن كما يرى البعض، لكنها تحاول تقوية مكونات وأدوات قوتها ضد الضغط الأحادي الجانب لأمريكا وتعزيز قدرتها الذاتية. بينما سترسم التطورات المستقبلية الافق إلى أي مدى يمكن لنهج السعودية الجديد أن يدعم الأهداف المرجوة للبلاد لتحقيق مكانة إقليمية جديدة.

توصيات

على الرغم من وجود فرصة كبيرة أمام السعودية لتحقيق ما تسعى إليه، إلا أنها في صدد الحاجة لمعالجة عدة تحدّيات جوهرية، بغية تحسين مكانتها الإقليمية، وزيادة قدراتها التساومية مع القوى الإقليمية والدولية وذلك عن طريق القيام بالآتي:

  • تنفيذ خطة استراتيجية متماسكة عبر تعاون مكثّف مع جميع الدول العربية للقيام بتحركاتٍ ومبادراتٍ أوسع، خليجيًّا وعربيًّا وإقليميًّا، بغية وضع السياسة الخارجية السعودية في سياق خليجي/ عربي “متماسك”، بما يسمح بتحقيق هدفين؛ أولهما حلحلة الملف اليمني، وتخفيف أعباء الصراع مع جماعة الحوثي، وثانيهما “إعادة التموضع” السعودي في الملف السوري على نحوٍ يحاول إعادة تنشيط الحضور العربي هناك.
  • ضرورة صياغة موقف سعودي/عربي جديد من تطورات الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصًا بعد تكرار تصعيد السلطات الإسرائيلية ممارساتها تجاه المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، في استفزاز واضح لمشاعر العرب والمسلمين. وفي هذا الإطار، ثمة حدّان للحركة؛ أدناهما أن تبادر الرياض إلى تعزيز تعاونها مع عدة دول عربية وبشكل خاص (الجزائر وقطر، بسبب معارضتها التطبيع مع إسرائيل)، لإعادة بناء المواقف العربية حول القضية الفلسطينية، وتدشين تحالفاتٍ دبلوماسية رسمية، لدعم قضية فلسطين، على صعيدين؛ أحدهما إقليمي، عبر التقارب مع العمق الآسيوي والأفريقي، والاستفادة من مواقف إيران وتركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا ونيجيريا والسنغال…إلخ. والآخر بناء تحالفات دبلوماسية على الصعيد الدولي، (بالتنسيق مع الفاتيكان وروسيا والصين ومواقف أوروبية تنتقد الانتهاكات الإسرائيلية).

أما الحدّ الأقصى فهو أن تدرس السعودية قرار سحب “المبادرة العربية للسلام”، سيما أنها لم تعد ذات صلة بتطوّرات الصراع على الأرض، فضلًا عن أن بقاءها على الطاولة (وعدم اتخاذ أية مواقف عربية من سلوك التصعيد الإسرائيلي الممنهج، الذي يصر على انتهاك تفاهمات العقبة وشرم الشيخ)، يؤكّد حالة العجز الرسمي العربي، واستمرار انغلاق الخيارات العربية، ما يعفي إسرائيل من أية التزامات.

  • ضرورة تطوير تفاهمات “الحدّ الأدنى” العربية في القضايا الخلافية، التي تتسبّب في صراعات عربية -عربية، من قبيل إعادة التطبيع مع النظام السوري؛ فالملاحظ أن الخطاب السعودي تجاه سوريا شهد تحوّلات نحو التقارب مع نظام الأسد، على الرغم من رفض السعودية (إضافة إلى قطر)، إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في القمّة العربية الماضية. ولكن تطوّرت العلاقات الأمنية بين الرياض ودمشق إثر زيارة رئيس إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة) اللواء حسام لوقا، في ديسمبر الماضي السعودية. بيد أن اللافت هو مسارعة السعودية بعد كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، إلى تقديم مساعداتٍ شملت جهتي مناطق النظام السوري، ومناطق المعارضة. أما سياسيًّا، فقد زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد السعودية، قبل أن يلتقي وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بشار الأسد في دمشق في شهر إبريل الماضي، في أرفع زيارة رسمية سعودية لسوريا منذ اندلاع الثورة قبل 12 عامًا، ما يطرح سؤالًا عن أسباب تغير السلوك السعودي في هذا الصدد، وتغييب الجزائر عن الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق في جدّة ، الذي استهدف مناقشة عودة النظام السوري إلى الجامعة، ما قد يعني أن السعودية تلجأ إلى إيجاد آليات فرعية على حساب جامعة الدول العربية.

والمؤكّد أنه ليس بوسع السعودية أن تؤمّن نفسها من تداعيات الاضطرابات المتزايدة في محيطها العربي (مثل المواجهات الحالية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع)، وأن حلّ هذه الأزمات يقتضي تعاونًا مع الجزائر بجانب مصر، والعمل على تطوير مقاربات عربية “استباقية” للتدخّل في الأزمات العربية قبل تفاقمها.

  • قد تدرك السعودية بعدم كفاية البعد الاقتصادي/ الاستثماري لإعادة بناء النفوذ السعودي في العالمين العربي والإسلامي؛ إذ تحتاج الرياض بلورة “مشروع سياسي إقليمي”، يستند إلى رؤية استراتيجية مخطّطة، بما يساعد على القيام بدور إقليمي حقيقي، في ظل “مرحلة انتقالية” مليئة بالتحدّيات وزاخرة بالفرص أيضًا، مع إدراك أن جزءًا أساسيًّا من قدرة السعودية على التأثير الإقليمي، لا يمكن حدوثه من دون مباشرة عملية إصلاح سياسي داخلي تُطلق الطاقات البشرية والمجتمعية، وتسمح للسعودية (والعرب عمومًا) بممارسة دور فاعل في رسم مستقبل إقليم الشرق الأوسط، بدلًا من البقاء على هوامشه.

كلمات مفتاحية