إعداد/ جميلة حسين محمد
تبنت الدول الأوروبية مؤخرًا عددًا من الإجراءات تجاه مكافحة الإسلام السياسى وخاصة تنظيم الإخوان المسلمين، وذلك فى إطار استشعار خطر التواجد الإخوانى الأمنى والسياسى وتغلغله فى المجتمعات الأوروبية، وتضمنت تلك الإجراءات تتبع مصادر تمويل التنظيم والحد من أنشطته وكشف خفاياه ووضع جمعياته ومؤسساته تحت الرقابة، للتمكن فى نهاية الأمر من دحر التنظيم والتضييق على نفوذه الممتد خاصة فى إطار ما يعانيه التنظيم من الصراع بين جبهاته والخلخلة والتراجع الشعبوى الذى أدى لمزيد من تشتيت للجماعة.
بيئة حاضنة للتنظيم
هدف التنظيم الدولى للإخوان المسلمين منذ بدايته فى أوروبا إلى اختراق المجتمع الأوروبى من أجل تأسيس دولة إسلامية موحدة تحكمها الشريعة، ونشر الفكر الدعوى الإسلامى، والنظر إلى الإسلام كونه أيدولوجية سياسية وذلك عن طريق بعض التنظيمات والمجموعات التى تحمل الفكر والهدف الإخوانى، وازدادت تلك الأهداف بوتيرة سريعة فى أوروبا بشكل خاص بعد فقدان التنظيم معاقله وشعبويته فى المنطقة العربية، واعتمدت إستراتيجيته على التالى:
- التأثير على الجاليات المسلمة وحمايتهم من الاندماج فى المجتمعات الغربية العلمانية من أجل خلق بيئة إخوانية موازية للمجتمع الأوروبى عن طريق احتكار نشر الدعوة خاصة فى المساجد وقطاعات المجتمع المدنى.
- الاعتماد على ظاهرة الإسلاموفوبيا من أجل تحقيق مصالح الجماعة السياسية والأيديولوجية فى أوروبا، وحشد قدر كبير من المسلمين لصالحها من خلال الدفاع عنهم ضد التمييز والعنصرية.
- الاستناد إلى وسائل الإعلام والإنترنت خاصة منصات التواصل الاجتماعى من أجل نقل صورة مغلوطة عن الإسلام السياسى الصحيح، واستقطاب الشباب.
- استخدام المنظمات والهيئات غير الحكومية مثل الجمعيات الخيرية والمنظمات الاجتماعية من أجل الترويج لأفكارها.
- استغلال القوانين الأوروبية ومناخ الحريات وحرية الرأى والتعبير.
وواقع الأمر أن إستراتيجية انتشار تنظيم الإخوان فى أوروبا اختلفت عن المنطقة العربية من حيث نشأتها وفق هيكل تنظيمى ثابت، بل استندت عملية الانتشار على المؤسسات والمنظمات الدينية والثقافية والاجتماعية والخيرية، وكذلك الوسائل الإعلامية التى تعمل كغطاء للتنظيم فى أوروبا وتخضع لسيطرته، وتسعى لتحقيق أهداف وأجندة الجماعة، ومن أبرز تلك المنظمات (اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا: الجناح الأوروبى لتيار الإخوان المسلمين العالمى)، (المجلس الأعلى للمسلمين فى ألمانيا)، (المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث)، (المجلس الإسلامى فى ميونيخ)، (المجلس الإسلامى فى بريطانيا)، (هيئة الإغاثة الإسلامية)، (اتحاد المجتمعات والمنظمات الإسلامية فى إيطاليا)، (اتحاد المنظمات الإسلامية فى فرنسا)، (المجلس الإسلامى السويدى)، (رابطة المسلمين فى بلجيكا).
وتستند الجماعة فى عملية تمويلها من أجل تحقيق أهدافها الإستراتيجية على شبكة متنوعة الأوجه تتمثل فى تمويلات الدول، خاصة من جانب دول فى الشرق الأوسط، كذلك عدد من البنوك والاستثمارات المالية والشركات وتجارة “الأوف شور”، ومن أبرز تلك المؤسسات المالية (بنك التقوى)، (بنك أكيدا الدولى)، (شركةBS Altena AG )، (مؤسسة أوروبا تراست).
وبالنظر إلى التواجد الإخوانى فى بعض الدول الأوروبية على سبيل المثال نجد فى بريطانيا الملاذ الآمن للجماعة، حيث تواجد الجبهة الأقوى للتنظيم الدولى المعروفة بـ “جبهة لندن”، وتمثل خطرًا على بريطانيا تحت ما يسمى بالسلفية الجهادية وجماعات الإسلام السياسى التى ارتبطت بمجموعة واسعة من المصالح السياسية والأمنية والاجتماعية، وقد بلغ عدد المنظمات التابعة للجماعة فى الداخل البريطانى نحو 60 منظمة.
ومن ناحية أخرى، تتنامى حجم الاستثمارات للجماعة حيث أشارت بعض التقديرات إلى امتلاكها ثروات فى بريطانيا تصل إلى حوالى 10 مليارات دولار، أما فى فرنسا تحاول الجماعة استغلال الأزمات السياسية والاقتصادية وكذلك الإنسانية لتعزيز نفوذها وسيطرتها فى فرنسا، وقد أكدت بعض الدراسات مدى التهديد الذى تشكله جماعات الإسلام السياسى للسلطات الفرنسية.
فى حين مثل تعمق الوجود الإخوانى فى ألمانيا مخاوف لدى السلطات، خاصةً ما تظهره البيانات الرسمية، من تأثير شبكات الجماعة داخل المجتمع الإسلاموى المتطرف فى الداخل الألمانى، وامتلاك التنظيم نحو 30 جمعية نشطة، 511 مسجدًا، و1091 حلقة دينية فى ألمانيا، وبالنسبة للسويد فإن الجماعة نجحت فى ترسيخ وجودها فى المجتمع السويدى وتقديم نفسها كممثل للأقلية المسلمة، عبر سيطرتها على غالبية المساجد هناك بالإضافة إلى علاقتها مع بعض الأحزاب السياسية وعقد تحالفات معها؛ كذلك شكلت الجماعة فى النمسا حلقة الوصل بين الجالية المسلمة والحكومة النمساوية، وسعى التنظيم إلى بناء منظومة ممتدة من المؤسسات وكذلك المساجد، واعتمد فى تمويله على العمل الإنسانى، وقد ساعدت طبيعة الدولة وانفتاحها وعلاقتها مع جماعات الإسلام السياسى على جذب الجماعة وتوسع أنشطتها.
بينما يتواجد التنظيم فى بلجيكا حيث عاصمة الاتحاد الأوروبى بروكسل وتركز المقر الرسمى للتنظيم (مجلس مسلمى أوروبا)، ويتمتع بقدر من الحركة تسمح له بخلق مجموعة من النخب الإخوانية الموالية لمشروع الجماعة، والتغلغل داخل المنظمات الأوروبية والتأثير عليها، فى حين استغل الإخوان المسلمين تنامى العنصرية وبروز حركات اليمين المتطرف فى هولندا لجذب الجالية المسلمة إليهم ومنحهم حرية على الصعيد السياسى والاجتماعى، بالإضافة إلى التغلل عبر الجمعيات والأحزاب المؤسسات الاقتصادية والثقافية.
إجراءات مناهضة للتواجد الإخوانى
تلقت جماعة الإخوان المسلمين عدة ضربات متتالية من جانب الدول الأوروبية لمكافحة خطر التيارات الإسلاموية المتطرفة فى الداخل الأوروبى، وقد تركزت تلك المواجهة على ما يلى:
- وضع الجمعيات والمؤسسات الخاضعة لسيطرة الإخوان تحت الرقابة، وتقديم تقارير دورية بشأنها.
- الكشف عن المراكز الخفية التابعة له، والتى يتم اتخاذها كستار لتحقيق أهدافه.
- التضييق على أنشطة التنظيم السياسية والاقتصادية.
- وضع مصادر تمويل التنظيم تحت الرقابة، ومصادرة الأموال فى حال الكشف عنها.
فرنسا:
اتخذت فرنسا عدة إجراءات تجاه تنظيم الإخوان تمثل أهمها فى القرار الفرنسى الأخير الصادر يوم 18 من هذا الشهر الجارى بمصادرة 25 مليون يورو من أموال التنظيم، وذلك على خلفية مراقبة صناديق الإخوان، والتحقيق فى قضايا الإرهاب والتطرف التى تتعلق بأنشطة الجماعة.
الأمر الذى سيؤثر بدوره على أنشطة الجماعة نظرًا لما يلعبه التمويل من أهمية كبرى بالنسبة للجماعة، كما تجرى السلطات الفرنسية تحقيقات حول مصادر تمويل الجماعة منذ عام 2021، وعليه توصلت الإدارة العامة للأمن الداخلى الفرنسى منذ فترة قريبة إلى حوالى 20 صندوق هبات تقوم بتمويل غير مباشر لصالح أنشطة جماعة الإخوان المتنوعة والمرتبطة بالجمعيات المدنية والخيرية والمساجد، وتلقى الإخوان ضربة أخرى بإعلان الرئيس الفرنسى (إيمانويل ماكرون) فى شهر فبراير الماضى إنهاء مهام المجلس الفرنسى للديانة الإسلامية، ذلك المجلس الذى طالته اتهامات بعلاقته مع تنظيم الإخوان بسبب الخطابات التى يلقيها بعض الأئمة المستقطبين من عدة دول وانخراط عناصر موالية للإخوان فى المجلس.
وأجرت إحدى المؤسسات الفرنسية استطلاع رأى فى الشهر الجارى شارك فيه حوالى 165 ألف شخص، توصل إلى أن 94.24% من الفرنسيين يشعرون بالقلق إزاء التواجد الإخوانى فى فرنسا، وتداعياته على الحريات والحياة الديمقراطية، وجراء هذا التخوف تحاول السلطات الفرنسية اتخاذ عدة ضوابط أبرزها إقرار قانون “تعزيز احترام قيم الجمهورية” الذى نص على فرض الرقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، وكذلك مراقبة تمويل المنظمات، ويحظر ارتداء الحجاب فى مؤسسات التعليم ما قبل الجامعى، كذلك أغلقت السلطات الفرنسية عددًا من المساجد التى تدعم أيدولوجية جماعة الإخوان، وأدرجت سياسات لفحص الأئمة الذين يتم استقطابهم، بالإضافة إلى إيجاد كيانات بديلة للإخوان تستطيع احتواء الجالية المسلمة وتتمكن من التعامل معها لإدماجهم فى المجتمع، ولا تتمتع بأى طموحات سياسية.
النمسا:
استند نهج النمسا فى مواجهة خطر الإخوان المسلمين على حظر الرموز الإخوانية ورصد دور الإخوان فى زرع الأفكار المتطرفة، وإنشاء مركز توثيق الإسلام السياسى من أجل مراقبتها وإعداد تقارير عن أنشطتها ورفعها إلى السلطات المعنية، كذلك استمرار التحقيقات بخصوص ملفات تمويل الجمعيات والمؤسسات المرتبط بالإخوان والتى بدأت فى نوفمبر عام 2020 واستهدف على إثرها 100 عنصر من عناصر الجماعة فى أكثر من ولاية، وتمت مصادرة 20 مليون يورو من أموالهم، ومن ناحية أخرى أقرت فيينا عددًا من التشريعات والقوانين لتجريم التطرف السياسى بدوافع دينية، وتسهيل عملية مراقبة ومكافحة الجماعات المتطرفة خاصة على شبكات الإنترنت.
ألمانيا:
تحرك البرلمان الألمانى نحو مناقشة قوانين تتعلق بتقييد منابع تمويل الجماعة وتشديد الرقابة عليها، فضلًا عن الإجراءات المرتبطة بشن حملات ضد مساجد ومنظمات تابعة لتيارات الإسلام السياسى، ومراقبة أنشطة الجماعة، ومعرفة العلاقة بينها وبين المنظمات الإسلامية الأخرى، وكذلك علاقتها مع بعض التنظيمات المتطرفة، بالإضافة إلى توسيع صلاحيات عناصر الشرطة والقضاء من أجل مكافحة انتشار التطرف واتخاذ إجراءات أكثر حسمًا تجاه الجماعة.
وفى إطار الضغط الموجه من جانب الحكومة الألمانية لمناهضة الوجود الإخوانى اتخذ المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا فى منتصف سبتمبر الماضى حزمة من العقوبات، تجاه الجماعة بعد انتخابات عقدها المجلس، فى إطار انتهاج عدد من السياسات لتقويض العناصر الأبرز للجماعة، تمثلت فى إسقاط عضوية المركز الإسلامى فى ميونخ، وإسقاط عضوية اتحاد الطلبة التابع للإخوان المسلمين، وكذلك تجريد (إبراهيم الزيات) أهم قيادات التنظيم الدولى للإخوان المسلمين والمسؤول الأول للتنظيم فى ألمانيا من كافة مناصبه داخل الاتحاد.
بريطانيا:
لم تعد العلاقة بين بريطانيا والإخوان كسابق عهدها حيث كانت لندن الملاذ الآمن لجماعة الإخوان المسلمين فهى من رعت تأسيس الجماعة على يد (حسن البنا)، وبدأت العلاقة بينهم تدخل مرحلة جديدة منذ استيعاب تأثير الجماعة السلبى على أوروبا وبريطانيا، وذلك فى إطار حالة التشتت والتأزم والانقسامات الواضحة التى يعيشها التنظيم.
وانتبهت الحكومة البريطانية لهذا الوضع من خلال طرح أعضاء فى البرلمان البريطانى عدة تساؤلات حول طبيعة عمل الإخوان وتوسيع أنشطتهم فى لندن والتخوف من التهديدات الأمنية التى يعكسها تواجد التنظيم، وكذلك تحذير عدد من التقارير الاستخباراتية من خطر تنامى الجماعة خاصة فى إطار رصد تنامى غير مسبوق لأنشطتهم فى سبيل نشر الأفكار المتطرفة، ولكن ما زالت السلطات البريطانية تشهد حالة من السلبية فى التعامل مع الخطر الإخوانى.
مما سبق؛ فى إطار التوجه الأوروبى لمكافحة عناصر الإسلام السياسى المتنوعة والتى يقع على رأسها جماعة الإخوان المسلمين، يمكن الوقوف على مدى تأثر الجماعة بشكل كبير لمحاولات التضييق على أنشطتها من ناحية ولفقدانها موارد مالية من ناحية أخرى، ومن المتوقع أن تزيد تحركات الدول الأوروبية تجاه مكافحة الإخوان حتى تلك النظم التى كانت تربطها علاقات قوية بقيادات الإخوان فى السابق، وذلك فى إطار الضغوط الموجهة إليها بضرورة مواجهة نشاط الإخوان، وحقيقة الأمر أن تلك المحاولات الأوروبية لضرب أساس التنظيم لا تعنى القضاء عليه وحظره، بل إنها بمثابة خطوة أولية تحتاج لمزيد من تضافر الجهود والتنسيق المشترك بين الدول الأوروبية لملاحقة تلك الجماعات ورصد تحركاتها داخل مؤسسات تلك الدول، وذلك بدلًا من الجهود الفردية التى لا تؤتى ثمارها بالشكل المراد تحقيقه من أجل منع أنشطته على الساحة الأوروبية فضلًا عن تفكيك التنظيم.