إعداد: أحمد محمد فهمي
بعدما شهدت تركيا حملات انتخابية ذات خطابات متباينة انقسمت بين دعوات العودة إلى الأتاتوركية وبين الالتزام بالنهج الأردوغانى، انتهت الجولة الأولى من الانتخابات العامة التركية والتى شهدت إقبالًا على المشاركة بنسبة 88.92%، بإعلان أحمد ينار رئيس الهيئة العليا للانتخابات جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية – وهو السيناريو الذى توقعه الباحث فى تقرير سابق له عن الانتخابات التركية[1] بين الرئيس الحالى رجب طيب أردوغان بعدما حصل على نسبة 49.52% من الأصوات وزعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو بعدما حصل على نسبة 44،88% من الأصوات، وأما على صعيد الانتخابات البرلمانية استطاع تحالف الشعب الحاكم (Cumhur İttifakı) الحصول على أغلبية المقاعد فى مجلس الأمة التركى الكبير.
وقُبَيل انطلاق الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، برز من خلال نتائج الجولة الأولى مشاهد ودلالات تشير إلى معطيات جوهرية فيما يتعلق بموقف الناخب التركى من الفترة السابقة لولاية الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، وكذلك من الخطابات الطورانية للمعارضة وبالأخص التى سبقت الانتخابات والتى شخصت المشاكل التى تعانى منها تركيا بأنها بسبب التهديدات التى طالت الهوية التركية، وأن علاج الأزمات لابد من أن يبدأ بإحياء القومية وتحرير الأمة التركية من الأجانب واللاجئين، ومن خلال ما سبق نطرح أبرز السيناريوهات المحتملة لنتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
أولًا: نتائج الجولة الأولى من الانتخابات العامة:
على صعيد الانتخابات الرئاسية:
استطاع الرئيس أردوغان مرشح تحالف الشعب الحاكم (Cumhur İttifakı)، الحصول على نسبة 49.52% من الأصوات، بإجمالى 27،133،837 صوت، بعد أن تصدر فى 51 ولاية تركية، فيما حصل “كليتشدار أوغلو” مرشح تحالف الأمة المعارض (Millet İttifakı)، على 44،88% من الأصوات، بإجمالى 24،594،932 صوت، بعد أن تصدر فى 30 ولاية تركية، أما “سنان أوغان” مرشح تحالف الأجداد اليمينى (Ata İttifakı)، فقد استطاع الحصول على 5,17% من الأصوات بإجمالى 2.831،208 صوت، لكنه فشل فى تصدر أصوات أى ولاية، وحل رابعًا المرشح المنسحب “محرم انجه” قبل إجراء الانتخابات بساعات والذى لم يكن هناك فرصة متاحة لحذف اسمه من بطاقات الاقتراع – بعد حصوله على 0،43% من الأصوات، بإجمالى 236،097 صوت، وبطبيعة الحال لم يتصدر أى ولاية.
على صعيد الانتخابات البرلمانية:
نتائج التحالفات البرلمانية:
- تحالف الشعب الحاكم (Cumhur İttifakı):حصل على 323 مقعدًا، بنسبة 49،47%.
- تحالف الأمة المعارض (Millet İttifakı): حصل على 212 مقعدًا، بنسبة 35،02%.
- تحالف العمل والحرية الكردى (Emek ve Özgürlük İttifakı): حصل على 65 مقعدًا، بنسبة 10،55%.
نتائج الأحزاب:
- حزب العدالة والتنمية: حصد 268 مقعدًا، (19،387،412 صوت).
- حزب الشعب الجمهورى: حصد 169 مقعدًا، (13،791،299 صوت).
- حزب اليسار الأخضر: حصد 61 مقعدًا، (4،803،774 صوت).
- حزب الحركة القومية: حصد 50 مقعدًا، (5،484،515 صوت).
- الحزب الجيد: حصد 43 مقعدًا، (5،272،482 صوت).
- حزب الرفاه من جديد: 5 مقاعد، (1،529،119 صوت).
- حزب العمال التركى: 4 مقاعد، (940،230 صوت).
ثانيًا: المشاهد البارزة لنتائج الجولة الأولى:
- اللجوء إلى جولة ثانية لأول مرة:
كان النظام البرلمانى هو السائد فى نظام الحكم منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 حتى وقت تعديل الدستور فى عام 2017، والذى دعا إليه الرئيس التركى أردوغان وحليفه دولت بهتشلى زعيم حزب الحركة القومية، والذى تحول بموجبه نظام الحكم من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى، ليتم تنظيم أول انتخابات رئاسية فى عام 2018، وفاز خلالها أردوغان بالمنصب من الجولة الأولى بعد أن حصد 52،38% من الأصوات متفوقًا على مرشح حزب الشعب الجمهورى آنذاك “محرم انجه” الذى حصد 30،79% من الأصوات مقابل حصول رئيس حزب الشعوب الديمقراطى الكردى “صلاح الدين دميرطاش” على 8،32% من الأصوات، وفى الانتخابات الرئاسية الحالية لم يستطع أردوغان حسم الانتخابات من جولتها الأولى، بالتالى انطلقت الجولة الثانية لأول مرة فى التاريخ التركى، وذلك لأن نظام التصويت التركى يشير إلى أن المرشح يعتبر فائزًا إذا حصل على نسبة (50%+1) من الأصوات، وفى حال فشله فى تحقيق هذه النسبة تجرى جولة إعادة لتحديد الفائز بالمنصب.
- تراجع نسبة التصويت للتحالف الحاكم:
على صعيد السباق الرئاسى فقد تراجعت نسبة التصويت للرئيس أردوغان فى الانتخابات الرئاسية عام 2018 من 52،38% من الأصوات إلى نسبة 49.52% من الأصوات فى الانتخابات الحالية، وعلى الصعيد البرلمانى وعلى الرغم من نجاح تحالف الشعب “Cumhur İttifakı” من حصد الأغلبية البرلمانية، إلا أن نسبة التصويت له قد تراجعت من 53,7% وعدد نوابه 344 نائبًا فى انتخابات عام 2018 إلى 49،47% وعدد نوابه 323 نائبًا فى الانتخابات الحالية، كذلك فقد شهدت الانتخابات تراجع نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية من 42،65% وعدد نوابه 295 نائبًا فى انتخابات عام 2018 إلى 35،61% و268 نائبًا.
- زيادة نسبة التصويت للتحالف المعارض:
استطاع “كليتشدار أوغلو” مرشح المعارضة وحزب الشعب الجمهورى الحصول على 44،88% من الأصوات، وهى نسبة أعلى من التى حصل عليها “محرم انجه” مرشح الحزب فى انتخابات عام 2018 بنسبة 30،79%، وعلى صعيد الانتخابات البرلمانية حصل تحالف الأمة على نسبة 35،02% وعدد نوابه 212 مقعدًا، وهو أعلى من انتخابات 2018 حيث حصل وقتها على نسبة 33،9% بمجموع 189 مقعدًا، كما أن حزب الشعب الجمهورى حصل على نسبة 25.33٪ من الأصوات بـ 169 مقعدًا فى البرلمان، مقابل 22،65% بــ 146 مقعدًا عام 2018.
- تصويت مناطق الزلزال وردود فعل المعارضة:
خرجت التوقعات بأن يكون للزلزال المدمر الذى ضرب جنوب تركيا فى فبراير الماضى، تأثيرات على تصويت الناخبين فى المناطق المدمرة، والتى كانت تعانى من ضعف استجابة الدولة للأزمة وتأخر المساعدات بجانب قضايا الفساد التى تعلقت ببعض مقاولى الإنشاءات فى المناطق الأكثر تضررًا من الزلزال وهو ما فاقم أعداد الضحايا والخسائر المادية، ولكن المفاجأة أن ناخبى أغلب المناطق المنكوبة قد صوتوا لصالح أردوغان فى الانتخابات الرئاسية ولصالح مرشحى العدالة والتنمية فى الانتخابات البرلمانية، وهو ما تسبب فى شن الموالين للمعارضة لحملات موجهة ضد مواطنى مدن الزلزال، كان أبرزها[2] إعلان رئاسة بلدية “تكيرداغ” التابعة لحزب الشعب الجمهورى المعارض فى تركيا، إنهاء إيواء ضحايا الزلزال فى المدينة وقطع المساعدات عنهم، وذلك بسبب تصويت أكثر ناخبى المدن المتضررة من الزلزال لصالح أردوغان ومرشحى التحالف الحاكم.
- أدوار جديدة لأقطاب الحكومة الحالية:
تأكد خروج عدد من أبرز وزراء الحكومة الحالية من التشكيل القادم للحكومة فى حال فوز أردوغان بمنصب رئيس الجمهورية، وذلك بسبب فوزهم فى الانتخابات البرلمانية، وذلك لأن الدستور التركى يحظر الجمع بين عضوية البرلمان والحقيبة الوزارية، ومن أبرزهم[3] وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو نائبًا عن أنطاليا، ووزير الدفاع خلوصى أكار نائبًا عن قيصرى، ووزير الداخلية سليمان صويلو نائبًا عن إسطنبول، ووزير المالية نور الدين نباتى نائبًا عن مرسين، لكن فى حالة اختيار أردوغان لهم كوزراء سوف يضطرون للاستقالة من البرلمان.
- أسباب انسحاب المرشح محرم انجه:
أعلن المرشح الرئاسى عن حزب البلد محرم انجه، انسحابه من السباق الرئاسى قبل ساعات من انطلاق الجولة الأولى للانتخابات، وذلك بعد أن اتهم المعارضة وعلى رأسها كمال كليتشدار أوغلو بالتعاون مع منظمة فتح الله جولن، وبمسؤوليتها عن نشر مقاطع فيديو مسيئة له، خاصة وأن أوغلو كان قد أزاح الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهورى “دينيز بايكال” عام 2010 عن طريق نشر تسجيلات فاضحة له، والذى اضطر للاستقالة بعدها وإفساح المجال لأوغلو لرئاسة الحزب.
- ردود الأفعال الدولية:
بعد التباين الدولى حول موقفهم من مرشحى الانتخابات الرئاسية، وبعد عقد الجولة الأولى من الانتخابات خرجت ردود الأفعال الدولية فى مجملها تعرب عن تطلعها إلى العمل مع الفائز فى الانتخابات التركية “أيًا كان”، كما وجهت التهنئة إلى الحكومة التركية على تنظيمها الناجح للانتخابات وفيما يلى أبرز ردود الأفعال:
- قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “فيدانت باتيل”: “نواصل متابعة الانتخابات فى تركيا، وبشكل عام نهنئ الشعب التركى على مشاركته الواسعة فى الانتخابات، كما نهنئ البرلمان الجديد، وسنعمل مع الفائز بالرئاسيات”، مضيفًا: “تركيا تتمتع بتقليد ديمقراطى عريق يدعو للافتخار، ونحن على ثقة بأن السلطات التركية ستكمل المرحلة التالية من الانتخابات الرئاسية وفقًا لقوانين البلاد والتزامات منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية وتحالفات الناتو (حلف شمال الأطلسى)”.
- وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون ديرلاين” ارتفاع نسبة المشاركة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى جرت فى تركيا بأنها “مكسب كبير”، وقالت: “المشاركة الكبيرة فى هذه الانتخابات نبأ جيد حقيقة، لأنّ هذا يظهر التزام الشعب التركى بالإدلاء بأصواتهم عبر استخدام حقوقهم، وتقديرهم للمؤسسات الديمقراطية”، وأضافت: “وهذا مكسب كبير للانتخابات أمس، فالانتخابات لا تزال مستمرة، ويجب الآن متابعة الجولة الثانية، وسنتابع عن كثب التصريحات المتعلقة بذلك، ورؤية ما ستخرج به الجولة الثانية”.
- أكد الكرملين أنّ العلاقات بين موسكو وأنقرة ستستمرّ فى “التعمّق” بغض النظر عن الفائز فى الانتخابات الرئاسية التركية التى تتجه إلى جولة ثانية غير مسبوقة، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية “دميترى بيسكوف”: “نتابع المعلومات الصادرة من تركيا بانتباه واهتمام كبيرين، وسنحترم خيار الشعب التركى، لكن على أى حال، نتوقّع استمرار تعاوننا وتعميقه وتطويره”.
- هنأ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “ناصر كنعانى” تركيا على التنظيم الناجح للانتخابات، قائلًا: إنّ نسبة المشاركة العالية فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتنظيمها الناجح مؤشر إلى “انتصار سيادة الشعب فى هذا البلد المسلم الجار”.
ثالثًا: دلالات نتائج الجولة الأولى:
- تراجع شعبية أردوغان وحزبه:
بعد أن ظل الرئيس أردوغان وحزبه محققًا لأعلى نسب تصويت فى تاريخ الانتخابات التركية منذ وصوله إلى السلطة عام 2002 حتى وقتنا الحالى، فقد شهدت الانتخابات الحالية تراجعًا فى شعبية أردوغان وهو ما يمكن الاستدلال عليه بعد دخوله فى جولة ثانية من الانتخابات، والتى من الممكن أن تفضى إلى خسارته لمنصب رئيس الجمهورية، كذلك فإن حزبه قد خسر عددًا من مقاعده النيابية فى البرلمان على الرغم من نجاح تحالفه فى حصد أغلبية المقاعد.
وإذا استطاع أردوغان أن يحسم الانتخابات الرئاسية لصالحه، فعليه أن يعالج تراجع شعبيته، كما عليه أن يعلم أن هناك نسبة كبيرة من الناخبين لا تتوافق مع سياسته، وذلك بالنظر إلى إجمالى الأصوات التى حصل عليها كليتشدار أوغلو وسنان أوغان مجتمعة، والتى هى أكثر من الأصوات التى حصل عليها أردوغان.
وقد يمكن الإيعاز من عدم حسمه للانتخابات الرئاسية من جولتها الأولى بسبب الجيل الجديد من الناخبين، وهم الذين يتطلعون إلى تركيا القومية وتغير أركان النظام الحاكم بدعوتهم إلى التغيير، وذلك بسبب التحديات التى أوجدتها السياسات الاقتصادية لأردوغان وانهيار الليرة وحالة التضخم، وإقالة آخر ثلاثة محافظين للبنك المركزى فى عامين.
- محورية ملف اللاجئين السوريين فى جولة الإعادة:
قامت كل أطياف المعارضة ومنها على وجه الخصوص أحزاب اليمين المتطرف بتركيز حملاتها الانتخابية على ملف اللاجئين وخاصة السوريين وعلى ترحليهم من البلاد، وأن تحقيق هذا المطلب سيكون له إيجابيات لا تحصى على الأوضاع الداخلية فى تركيا، حتى أن المباحثات التى تلت إعلان نتائج الجولة الأولى بين تحالف “الأجداد” ومرشحها سنان أوغان، وبين المرشحين المتنافسين أردوغان وأوغلو، تركزت على ملف اللاجئين وخطط ترحليهم لتوجيه دعمهم إلى مرشح بعينه، وذلك دون النقاش بشكل مكثف ومركز على أى محاور أخرى.
كما أن هناك إشكالية تراها المعارضة مؤثرة فى نتائج الانتخابات، وهى من إحدى التحديات التى نتجت عن بقاء اللاجئين السوريين فى البلاد، وهى عمليات التجنيس التى قام بها حزب العدالة والتنمية لآلاف السوريين والتى تقدر بــ200 ألف شخص قد حصلوا على الجنسية التركية، ومن وجهة نظر المعارضة فإنهم يدعمون أردوغان وحزبه فى كافة الاستحقاقات الانتخابية، بالتالى فإن بعض أحزاب المعارضة مثل “حزب النصر” أعلنوا أنهم سيقدمون مقترحًا إلى البرلمان يطالبون فيه منع حق التصويت لمدة عشر سنوات للحاصلين على الجنسية حديثًا.
- صعود التيار القومي:
بالنظر إلى أصوات الناخبين الأتراك سواء على صعيد الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، سنجد أن هناك كتلة تصويتية ليست قليلة اتجهت صوب المرشحين من أحزاب وتحالفات قومية، ففى الانتخابات الرئاسية حصل “سنان” على تصويت قرابة ثلاثة ملايين شخص، وفى الانتخابات البرلمانية استطاعت الأحزاب القومية البارزة مثل حزب الحركة القومية وحزب الجيد الحصول على أصوات أكثر من عشرة ملايين شخص، وعلى الرغم من اختلاف انتماءات الحزبين لتحالفات مختلفة، إلا أن الكتلة التصويتية الموجهة للأحزاب القومية تعطى دلالة على صعود موجة قومية جديدة فى تركيا تقوم على عدة أسس منها معاداة وكراهية الأجانب واللاجئين والحنين إلى تركيا القومية.
رابعًا: السيناريوهات المحتملة للجولة الثانية:
بعد أن حسم المرشح الخاسر فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية “سنان أوغان” تأييده لترشيح “أردوغان” فى الجولة الثانية، وذلك بعد زيارة الأخيرة له فى مكتبه بإسطنبول، صار سيناريو وصول أردوغان إلى سدة الحكم هو الأبرز فى نتائج الجولة الثانية.
وعلى الرغم من أن خطاب “كليتشدار أوغلو” العلمانى هو الأقرب لخطاب سنان القومى، عن الخطاب المحافظ لأردوغان، لكن كل المسارات كانت متاحة لإعادة بلورة الأفكار حسب الخطط الانتخابية، لكن أوغان والذى أعلن مسبقًا “خطوطه الحمراء” لإعلان تأييد مرشح بعينه للانتخابات وهى: محاربة الإرهاب، وإعادة اللاجئين إلى بلادهم، قد بدا بعد مباحثاته مع أردوغان أنه قد توصل لتفاهمات حول تلك القضايا وإيجاد رؤى مشتركة معه، خاصة فى ظل التوافقات التى جرت قبل الانتخابات بين كليتشدار أوغلو وبين الأكراد، والذى أجبر أوغان – حسب تصريحه – على استحالة تقديم دعمه لكليتشدار أوغلو فى جولة الإعادة.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن اعتبار أن الكتلة التصويتية لأوغان سوف تتبع دعوته وسوف يتم توجيهها بشكل كامل دون تفكير، لكن من الممكن ومن خلال الوعود التى حصل عليها أوغان من أردوغان أن توثر على اتجاهات أصوات القوميين فى الجولة الثانية.
- استمرار النهج الأردوغانى والنظام الرئاسي:
فوز الرئيس أردوغان بفترة رئاسية جديدة هو السيناريو الأبرز نظرًا لعدد من العوامل يأتى فى مقدمتها إدارته لمرحلة ما بعد نتائج المرحلة الأولى بشكل جيد عن منافسه، فأردوغان ومن خلال دعايته الجماهيرية للجولة الثانية ركز على تناقضات الفريق المعارض ومن أبرزها موقفهم من ملف اللاجئين ودعم الأكراد لهم، مشيرًا إلى أن أزمة اللاجئين بالفعل فى طريقها للحل بعد أن تعاون مع دولة قطر ببناء منازل للاجئين فى مناطق الشمال السورى، وترحليهم إليها، كما واجه اتهامات كليتشدار أوغلو بأن عدد اللاجئين فى تركيا سوف يرتفع إلى عشرين مليونًا فى حال عدم فوزه فى الانتخابات الرئاسية بأنها مبالغة وتهدف للتهويل، وذلك فى مقابل تزايد وتيرة عودة اللاجئين إلى شمال سوريا، فيما شدد على أن هناك تعاونًا بين حزب الشعب الجمهورى وبين حزب العمال الكردستانى المحظور فى تركيا عن طريق وكيله حزب الشعوب الديمقراطى، وأن هذا التعاون يجعل حزب الشعب أيضًا متهًا بالوقوف إلى جانب الإرهابيين.
- العودة إلى الكمالية والنظام البرلماني:
تعتبر فرص فوز “كمال كليتشدار أوغلو” فى الانتخابات الرئاسية ضئيلة على الرغم من إعلان تحالف “الأجداد” القومى – والذى أعلن عن تفكيك تحالفه بعد خسارته الجولة الأولى وإعلان مرشحه أوغان دعم أردوغان- دعمه لأوغلو، لكن من الوارد أن يحقق مفاجأة ستكون صداها مدويًا على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية، لكن التحدى الأبرز ليس فى تحقيق السيناريو بل فى تبعاته فى حال تحقيقه، فهناك العديد من العقبات سوف تواجه أوغلو فى حاله فوزه، وهو ما سيجعل الناخب التركى يفكر كثيرًا قبل الإداء بصوته خاصة الموالين لحزب الشعب الجمهورى ولتحالف الأمة.
أهم تلك العقبات، أن خسارة أردوغان وفوز كليتشدار سوف تؤدى إلى وقوع اضطرابات سياسية عميقة بين المحافظين والعلمانيين، كما قد تؤدى إلى صراع بين مؤسسات الدولة خاصة فى ظل الأغلبية البرلمانية التى يتمتع بها تحالف الشعب، إذا ما نظرنا إلى قيادات الدولة الحالية وهم كلهم عناصر موالين لأردوغان ولحزبه وذلك بعد موجات الاعتقال التى طالت العديد من العناصر العاملين فى الدولة، وخاصة داخل المؤسسات العسكرية والقضائية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، والتى جعلت أردوغان يشدد من قبضته على الدولة التركية بشكل أعمق وأكبر، وهو ما قد يؤدى إلى قيام كليتشدار أوغلو فى حال فوزه بحل البرلمان المجلس والدعوة إلى انتخابات جديدة، مما سيعرض تركيا لتداعيات عميقة قد تعمق من أزمتها الاقتصادية وسيعرض المجتمع التركى للفوضى، بالتالى فإن محاولة تغير كل تلك الأمور بشكل صدامى، سوف تعرض الأمة التركية إلى تهديد استقلالها ومستقبلها.
- ما هو السيناريو الأبرز لموقف أردوغان فى حالة خسارته الانتخابات الرئاسية؟
قد يلجأ أردوغان فى حالة خسارته للانتخابات إلى إلغاء النتائج كما حدث فى الانتخابات البلدية فى إسطنبول عام 2019، عندما فاز أمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهورى ضد بن على يلدرم رئيس الحزب الحاكم، فألغت الحكومة نتائج الانتخابات وأعادتها ولكنها خسرتها أيضًا للمرة الثانية بفارق أكبر، واضطر الحزب الحاكم فى النهاية للقبول بفوز إمام أوغلو ولكنها لجأت إلى أجهزة القضاء لاحقًا لإصدار حكمًا بحرمانه من حقوقه السياسية بتهمة إهانة القضاء، للقضاء على فرص منافسته فى الانتخابات الرئاسية أمام أردوغان.
ختامًا:
بانتهاء فصل الجولة الثانية من الانتخابات، وفى ظل الزحم والذى يدفع بفوز الرئيس أردوغان بفترة رئاسية جديدة، من المتوقع كخطوة أولى بعد إعلان النتائج أن يعاد رسم خارطة التحالفات الحزبية من جديد فى ظل عدم التوافق بين أعضائها، ففى تحالف الشعب الحاكم أعلن حزب “هدى بار” الكردى اعتراضه على نص القسم البرلمانى والذى يلزم النائب بالالتزام بأفكار ومبادئ مؤسس الدولة مصطفى أتاتورك العلمانية القومية، وذلك بسبب عدم توافقه مع أيدلوجية الحزب ذو الخلفية الكردية والذى يتبنى فكرة تأسيس الخلافة الإسلامية، وعلى صعيد تحالف الأمة فنعتقد أن التحالف سوف يعاد تشكيله بعد الخلافات بين أعضائه والتى بدأت فى المراحل التى سبقت الانتخابات مباشرة، بسبب إصرار كليتشدار أوغلو فى ترشحه للرئاسة ووصولًا إلى الخلافات التى سبقت الجولة الثانية، وبالأخص تجاه ملف اللاجئين السوريين، وكل تلك الخطوات المتوقعة تمهيدًا للانتخابات البلدية القادمة.
المصادر:
[1]أحمد فهمى، “المشهد السياسى التركى قبل الانتخابات العامة”، مركز شاف للدراسات المستقبلية، 12/5/2023، متاح على: https://bit.ly/3MKaNNu.
[2] ميس طاهر أوغلو، “الإنسانية تحت الأنقاض.. بلديات “الشعب الجمهوري” تطرد ضحايا الزلزال بسبب تصويتهم لأردوغان”، صحيفة ينى شفق التركية، 18/5/2023، متاح على: https://bit.ly/3pXGjyy.
[3] “تركيا.. فوز 16 وزيراً من حزب العدالة والتنمية فى انتخابات البرلمان”، صحيفة الشرق القطرية، 15/5/2023، متاح على: https://bit.ly/43illZG.