إعداد: رضوى الشريف
تقلَّصت رقعة الصراع العسكري في ليبيا خلال العام الأخير، وتركَّزت في خط ساحلي طوله 50 كيلومترًا في المنطقة الغربية، يبدأ في طرابلس وينتهي في مدينة ورشفانة غربها، ويحتدم وسطهما في مدينة الزاوية التي تربط بينهما، والتي أصبحت البقعة الأكثر اشتعالًا من الناحية الأمنية في البلاد.
وكان آخر فصول هذا التوتُّر الأمني بهذه الرقعة الجغرافية، هي عمليات القصف المتواصلة منذ 25 مايو الماضي، بطائرات مسيرة، في إطار العملية العسكرية التي أطلقتها الحكومة الليبية المنتهية ولايتها، برئاسة عبد الحميد الدبيبة؛ لملاحقة مُهرِّبي الوقود والبشر، والقضاء على أوكار الجريمة والمخدرات، في منطقة الساحل الغربي.
وتُعاني مدينة الزاوية الواقعة على بعد 45 كيلومترًا غرب طرابلس، من انفلات أمني مستمر، منذ فترة طويلة؛ بسبب تنافس الميليشيات المسلحة داخلها والموالية لحكومة الوحدة على مناطق النفوذ والسيطرة؛ ما دفع السكان للتظاهر للمطالبة بمواجهة استفحال الانفلات والجريمة، والدعوة لطرد الميليشيات، كما تعرضت المدينة لانتقادات من الجانب الأوروبي؛ كونها مثَّلت مقرًّا لتجار البشر ومُهرِّبي الوقود والمخدرات.
وفي الأيام الماضية، شهدت أيضًا بعض المناطق في طرابلس، خاصة “رأس حسن، والجرابة، وجزيرة الفرناج ومدخل عين زارة الشمالي”، اشتباكات بين “قوات جهاز الردع” لمكافحة الجريمة والإرهاب، الذي يرأسه عبد الرؤوف كارة، والذي يتبع المجلس الرئاسي و”اللواء 444″، الذي يرأسه محمود حمزة، التابع لحكومة “الدبيبة”، قبل أن يؤكد سكان وشهود عيان عودة الاستقرار والهدوء، وانسحاب بعض العربات العسكرية، ووفق المعطيات، بدا القتال بعد قيام مجموعات من الردع باعتقال قياديٍّ بارزٍ من “اللواء 444” وسط تحشيدات من الطرفيْن؛ حيث انتشرت المركبات العسكرية في الشوارع، فيما تمركز عدد من القناصة فوق أسطح البنايات وسُمع إطلاق النار، إضافة إلى سقوط بعض القنابل.
يبدو أن الخطوة التي أقدم عليها رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة – بجانب تلويحه لعملية برية- تثير أسئلة كبيرة عن أهدافها والجهة المستهدفة منها، ومخاوف جمَّة من نتائجها على الحالة الأمنية في الغرب الليبي؛ حيث جرّ الجدل الذي رافق العملية العسكرية التي أعلنت عن تنفيذها حكومة “الدبيبة” في المنطقة الغربية من البلاد فرقاء السياسة مجددًا إلى مربع الانقسام والتوتُّر الأمني؛ ما جعل كثيرين يتخوفون من سيناريوهات غير محمودة، تهدد المسار الانتخابي، وربما العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في البلاد.
ردود فعل مختلفة
خلَّفت العملية العسكرية ردود فعل محلية وأممية مختلفة، كان آخرها؛ اتهام رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، لرئيس الحكومة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة بـ”استغلاله للطيران المُسيَّر لإرهاب خصومه السياسيين”، وطالب “المشري”، المجلس الرئاسي “بسحب صلاحيات الطيران المُسيَّر وقيادته من ’الدبيبة’”.
وفي الشرق، فقد هيمنت أحداث الزاوية على عمل جلسة مجلس النواب، 30 مايو الماضي؛ حيث أصدر المجلس بيانًا اعتبر فيه أن العملية هي تصفية حسابات، مُدلِّلًا على ذلك باستهداف منزل النائب عن دائرة الزاوية، على أبوزيبة، كما خاطب مجلس النواب البرلمان التركي، بشان استخدام الطائرات المُسيَّرة التركية في العملية، على الرغم من أن السفير التركي لدي ليبيا، أكد على أن بلاده لم تتدخل في العملية، كما أن البرلمان التركي لا صلاحية له في هذا السياق، ويقتصر دوره على القرار بشأن التمديد للقوات التركية في ليبيا، بناءً على مُذكِّرة حكومية، في المقابل لموقف مجلس النواب، دافع رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، عن تركيا، لكنه انتقد موقف حكومة “الدبيبة” من اللجوء لقصف الزاوية بالطائرات المُسيَّرة، وطالب بسحب صلاحيات استخدامها من رئيس حكومة الوحدة وزير الدفاع، عبد الحميد الدبيبة.
على الجانب الآخر، ودون أن يُبدي المشير “خليفة حفتر” رأْيًا في أحداث الزاوية، أعلن “اللواء 106″، التابع لقيادته، عن تسليم عقارات ومنازل لأهلها، جرى الاستيلاء عليها سابقًا من طرف عسكريين، وهي خطوة تبعها إعلان مجلس النواب إعادة تشكيل المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، وإعلان آخر بشأن إجرائه تعديلًا على قانون العقوبات العسكرية، يقضي بمنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
وعلى الصعيد الأممي، سارع المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، إلى التدخُّل مع أطراف مختلفة بغرب ليبيا؛ لاحتواء تداعيات أحداث الزاوية؛ حيث التقى في مدينة الزنتان، عميد البلدية، عمران العمياني، واجتمع بمشايخ وأعيان الزنتان، قبل لقائه اللواء أسامة جويلي، الذي شدَّد خلاله على الحاجة الماسة لبناء الثقة بين مختلف الأطراف؛ من أجل تجاوز الانقسامات الراهنة، التي تهدد وحدة ليبيا، وتضع مستقبل أبنائها في “مهب الريح”.
ضد عصابات الجريمة أم خصوم الحكومة؟
فنّد محللون كُثُر ومهتمون بالشأن السياسي، الرواية الرسمية لحكومة عبد الحميد الدبيبة، التي تقول: إن طائراتها المُسيَّرة تقصف مواقع لعصابات التهريب، وأن ما يجري الآن هو تطوُّر عسكري للصراع السياسي غرب ليبيا، وأضلاعه البارزة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة ورئيس مجلس الدولة، خالد المشري، وبعض الأطراف الأخرى؛ فيمكن الرَّبْط بين العمليات العسكرية التي شنَّتْها حكومة “الدبيبة” على الزاوية وورشفانة، وتحركات لأعيانهما في الفترة الماضية باتجاه الشرق، وتواصلهم مع البرلمان للتنسيق لتشكيل حكومة جديدة للبلاد، ويستشهد بعض أصحاب هذه الرواية بالقصف الذي وقع بالقرب من منزل النائب البرلماني، علي بوزريبة، في منطقة الماية بورشفانة، وهو الذي رتب للقاء الذي تمَّ بين أعيان مدينته، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، قبل أيام لمناقشة ملف الحكومة الجديدة، ذلك بجانب أن بوزريبة تحدث بنفسه عن هذا الموضوع، كاشفًا عن تهديدات تعرض لها من أطراف لم يسمها، قبل وقوع القصف على منزله.
والطرف السياسي الثاني الذي يعتقد أنه مستهدف بالرسائل الخفية لغارات الطائرات المسيرة، في غرب ليبيا، رئيس المجلس الدولة، خالد المشري، المنتمي لمدينة الزاوية، وتربطه علاقات متينة بقادتها السياسيين والعسكريين، ففي تعليق له على الغارات التي استهدفت مدينته، رأى “المشري” أن استهداف مدينة الزاوية بالطيران المسير رسالة من رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، للنائب علي بوزريبة، وللنواب، ولكل من يتحدث عن حكومة أخرى.
وشملت قائمة المستهدفين من الهجمات الجوية، أسماء عسكرية كبيرة في غرب ليبيا، عُرِفت بمعارضتها الشديدة لرئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، من أبرزهم آمر “الكتيبة 55 مشاة” في ورشفانة، معمر الضاوي، وفي ردِّهِ على الغارات التي استهدفت مواقع تحت إمرته في ميناء الماية، طالب معمر الضاوي، بـضرورة فتح تحقيق لمعرفة ملابسات وأسباب القصف الذي استهدف أبناء ورشفانة، أثناء قيامهم بعملهم في مكافحة الهجرة غير الشرعية بالمنطقة الغربية.
خلاصة:
أعادت مشاهد الفوضى الأمنية تدوير المشهد السياسي في اتجاه الدوران نفسه؛ حيث أعادت العملية الأمنية في الزاوية، تسليط الضوء على حالة الانقسام السياسي بين الشرق والغرب، ويبدو أن رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، يستغل صفته كوزير للدفاع؛ للانتقام من خصومه السياسيين، وأحداث الزاوية ما هي إلا دليل على رفض “الدبيبة” للمسار الديمقراطي، وإلا لماذا اختار القيام بهذه العملية العسكرية مباشرة بعد إعلان لجنة 6+6 الانتخابية عن اتفاقات قانونية للذهاب نحو انتخابات وطنية من مقر اجتماعاتها في أبوزنيقة المغربية؟